23ـ ﴿كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا﴾

23ـ ﴿كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا﴾

23ـ ﴿كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا﴾

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ دَلَّتْ رِوَايَاتُ أَسْبَابِ نُزُولِ هَذِهِ الآيَاتِ عَلَى أَنَّ الوَلِيدَ بْنَ المُغِيرَةِ قَدْ أَدْرَكَ عَظَمَةَ مَا سَمِعَ مِنْ آيَاتِ القُرْآنِ المَجِيدِ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ قَوْلِ البَشَرِ، وَعَبَّرَ عَنْ دَهْشَتِهِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَكْبَرَ عَنِ اتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَجَحَدَ أَنْ يَكُونَ القُرْآنُ مُنَزَّلًا مِنْ عِنْدِ اللهِ تعالى، وَعَانَدَ مَا سَمِعَ مِنْ آيَاتِ اللهِ تعالى، فَخَالَفَهَا وَرَدَّهَا وَرَفَضَ الإِيمَانَ بِهَا، فَجَاءَتِ الآيَاتُ زَاجِرَةً لَهُ.

قَالَ تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا﴾:

قَوْلُهُ تعالى: ﴿كَلَّا﴾ كَلِمَةُ رَدْعٍ وَزَجْرٍ، مُوَجَّهَةٌ للوَلِيدِ بْنِ المُغِيرَةِ، وَالمَزْجُورُ عَنْهُ الطَّمَعُ بِالزِّيَادَةِ، وَهَذَا وَعِيدٌ مِنَ اللهِ تعالى لَهُ، بِأَنَّ اللهَ تعالى لَنْ يُحَقِّقَ لَهُ مَطَامِعَهُ التي يَرْجُو تَحْقِيقَهَا في المُسْتَقْبَلِ.

قَوْلُهُ تعالى: ﴿إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا﴾ تَعْلِيلٌ للزَّجْرِ وَالرَّدْعِ وَقَطْعِ الرَّجَاءِ؛ أَيْ: كَلَّا لَنْ أُمَكِّنَهُ مِمَّا يُرِيدُهُ وَيَتَمَنَّاهُ، لِأَنَّهُ كَانَ إِنْسَانًا شَدِيدَ المُعَانَدَةِ وَالرَّدِ لِآيَاتِنَا الدَّالَّةِ عَلَى وَحْدَانِيَّتِنَا، وَعَلَى صِدْقِ رَسُولِنَا فِيمَا يُبَلِّغُهُ عَنَّا، وَمِنْ مَظَاهِرِ إِسَاءَةِ هَذَا العَبْدِ الجَاحِدِ أَنَّهُ وَصَفَ رَسُولَنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ سَاحِرٌ.

قَالَ مُقَاتِل: مَا زَالَ الوَلِيدُ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ في نَقْصٍ مِنْ مَالِهِ وَوَلَدِهِ حَتَّى هَلَكَ.

وَمِنَ الحِكْمَةِ الإِلَهِيَّةِ في حَصْرِ المُوَاجَهَةِ بِالوَلِيدِ بْنِ المُغِيرَةِ رَأْسِ المُعَانَدَةِ في تِلْكَ الآوِنَةِ تَخْفِيفُ نِسْبَةِ الأَعْدَاءِ، وَحَتَّى لَا يَقِفُوا مَوْقِفَ العَدَاءِ، وَلَعَلَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ يُؤْثِرُ السَّلَامَةَ وَالتَّوَارِي، أَو يَهْتَدِي فَلَا يَجِدُ نَفْسَهُ مُحْرَجَةً بِالتَّنَازُلِ عَنْ مَوْقِفِهِ السَّابِقِ، لِأَنَّ العَاقِلَ هُوَ الذي يَعْتَبِرُ بِغَيْرِهِ.

هَذَا العَبْدُ يَسْتَحِقُّ هَذَا الوَعِيدَ، لِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَلَكَ مَعَهُ سَبِيلَ الحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ، وَخَاطَبَهُ بِلِينِ القَوْلِ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُكَلَّفٌ بِذَلِكَ ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾.

خَاطَبَهُ بِأَلْطَفِ خِطَابٍ، وَقَالَ لَهُ: «أَفَرَغْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟» خَاطَبَهُ بِالكُنْيَةَ، لِأَنَّ العَرَبَ يُحِبُّونَ ذَلِكَ، وَبِدَايَةً أَثَّرَ فِيهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَمَا قَرَأَ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ سُورَةِ فُصِّلَتْ، وَلَمَّا وَصَلَ إلى قَوْلِهِ تعالى: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾. قَالَ أَبُو الوَلِيدِ: فَأَمْسَكْتُ بِفِيهِ وَنَاشَدْتُهُ الرَّحِمَ أَنْ يَكُفَّ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا إِذَا قَالَ شَيْئًا لَمْ يَكْذِبْ، فَخِفْتُ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْكُمُ الْعَذَابُ. /كذا في البداية والنهاية.

ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: وَوَاللهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي يَقُولُهُ حَلَاوَةً، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةً، وَإِنَّهُ لَمُثْمِرٌ أَعْلَاهُ، مُغْدِقٌ أَسْفَلُهُ، وَإِنَّهُ لَيَعْلُوَ وَلَا يُعْلَى. /كذا في البداية والنهاية.

﴿سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا﴾:

قَوْلُهُ تعالى: ﴿سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا﴾ هَذِهِ نَتِيجَةُ الوَلِيدِ بْنِ المُغِيرَةِ وَلِمَنْ كَانَ مِثْلَهُ في عِنَادِهِ لِآيَاتِ اللهِ تعالى، حَيْثُ بَيَّنَ اللهُ تعالى مَا أَعَدَّهُ لَهُ مِنَ العَذَابِ الأَلِيمِ ﴿سَأُرْهِقُهُ﴾ الإِرْهَاقُ الإِتْعَابُ الشَّدِيدُ، وَتَحْمِيلُ الإِنْسَانِ مَا لَا يُطِيقُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا﴾. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا﴾.

قَوْلُهُ تعالى: ﴿صَعُودًا﴾. العَقَبَةُ الشَّدِيدَةُ التي لَا يَصِلُ الصَّاعِدُ نَحْوَهَا إِلَّا بِمَشَقَّةٍ كَبِيرَةٍ، وَتَعَبٍ قَدْ يُؤَدِّي إلى الهَلَاكِ وَالتَّلَفِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: تَصَوَّرُوا نَتِيجَةَ مَنْ جَعَلَ اللهُ تعالى لَهُ مَالًا مَمْدُودًا، وَبَنِينَ شُهُودًا، وَمَهَّدَ لَهُ أُمُورَهُ تَمْهِيدًا، آتَاهُ اللهُ تعالى هَذَا بِدُونِ تَعَبٍ، ثُمَّ نَتِيجَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ نَقِيضُ ذَلِكَ تَمَامًا، عَذَابٌ شَاقٌّ وَإِذْلَالٌ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَجْعَلَنَا مِمَّنْ قَالَ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 14/ صفر /1442هـ، الموافق: 1/تشرين الأول / 2020م

الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  تفسير القرآن العظيم

05-11-2020 1740 مشاهدة
26ـ ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾

﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ إِشَارَةً إلى المُعَذَّبِينَ في نَارِ جَهَنَّمَ، حَيْثُ يُشْرِفُ عَلَى تَعْذِيبِهِمْ في سَقَرَ تِسْعَةَ عَشَرَ مِنَ المَلَائِكَةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ... المزيد

 05-11-2020
 
 1740
30-10-2020 1895 مشاهدة
25ـ ﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ﴾

بَعْدَ القَرَارِ النِّهَائِيِّ الذي تَوَصَّلَ إِلَيْهِ الوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَةِ في حَقِّ القُرْآنِ العَظِيمِ، وَفي حَقِّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بَعْدَ تَفْكِيرٍ وَتَقْدِيرٍ وَتَرَيُّثٍ ... المزيد

 30-10-2020
 
 1895
30-10-2020 1539 مشاهدة
72ـ ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ﴾

إِنَّ حَالَةَ الكِبَرِ هِيَ الحَالَةُ التي يَحْتَاجَانِ فِيهَا إلى بِرِّ الوَلَدِ، وَذَلِكَ لِتَغَيُّرِ الحَالِ عَلَيْهِمَا بِالضَّعْفِ وَالكِبَرِ، لِذَا أَلْزَمَ الشَّارِعُ في هَذِهِ الحَالِةِ مِنْ مُرَاعَاةِ أَحْوَالِهِمَا أَكْثَرَ مِمَّا ... المزيد

 30-10-2020
 
 1539
22-10-2020 1741 مشاهدة
24ـ ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ﴾

التَّفْكِيرُ هُوَ العَمَلُ البَدَهِيُّ للعَقْلِ، إِذْ لَا فَائِدَةَ مِنْ وُجُودِ عَقْلٍ مِنْ غَيْرِ تَفْكِيرٍ، لِأَنَّ العَقْلَ المَشْلُولَ لَيْسَ بِعَقْلٍ، بَلْ هُوَ جِهَازٌ مُعَطَّلٌ، وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ. ... المزيد

 22-10-2020
 
 1741
08-10-2020 1978 مشاهدة
22ـ ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا﴾ (3)

يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتعالى في كِتَابِهِ العَظِيمِ في سُورَةِ المُدَّثِّرِ: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا﴾. هَذَا خِطَابٌ مِنَ اللهِ تعالى لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿ذَرْنِي ... المزيد

 08-10-2020
 
 1978
13-03-2020 2512 مشاهدة
21ـ ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا﴾ (2)

يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتعالى في كِتَابِهِ العَظِيمِ في سُورَةِ المُدَّثِّرِ: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ﴾. ... المزيد

 13-03-2020
 
 2512

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5701
المقالات 3235
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 424798808
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :