33ـ سيدنا يوسف وأخوه معاً

33ـ سيدنا يوسف وأخوه معاً

33ـ سيدنا يوسف وأخوه معاً

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: نَتَعَلَّمُ مِنْ قِصَّةِ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ بِأَنَّ الشِّدَّةَ لَا تَدُومُ وَلَو طَالَتْ سَنَوَاتٍ، وَأَنَّ المِحَنَ في حَقِيقَتِهَا مِنَحٌ لِأَهْلِ الاسْتِقَامَةِ ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَأَخُوهُ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: تَحَرَّكَتِ القَافِلَةُ مِنْ بِلَادِ الشَّامِ إلى مِصْرَ، بَعْدَ أَنْ أَعْطَى إِخْوَةُ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ العَهْدَ وَالمِيثَاقَ أَنْ يَرْجِعُوا بِأَخِيهِمْ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِهِمْ، تَوَجَّهُوا إلى مِصْرَ وَالأَمَانِي تَحْدُوهُمْ بِالمِيرَةِ بَعْدَ المَكَانَةِ عِنْدَ العَزِيزِ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ، وَهُمْ لَا يَدْرُونَ مَا خَبَّأَهُ لَهُمُ القَدَرُ.

كَمْ ظَنَّ الوَاحِدُ مِنَّا بِأَنَّهُ سَيُحَقِّقُ مَا يُرِيدُ إِذَا أَخَذَ بِالأَسْبَابِ، فَإِذَا بِهِ يُفَاجَأُ بِمَا يَكْرَهُ ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾؟

وَكَمْ ظَنَّ الوَاحِدُ مِنَّا بِأَنَّهُ صَارَ إلى الهَلَاكِ المُحَقَّقِ، فَإِذَا بِهِ يُفَاجَأُ بِمَا يُحِبُّ ﴿وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.

إِخْوَةُ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ تَوَجَّهُوا إلى مِصْرَ وَالفَرْحَةُ تَعُمُّهُمْ، وَالشَّوْقُ يَحْدُو بِهِمْ للِّقَاءِ عَزِيزِ مِصْرَ الذي لَا يَعْرِفُونَ مَنْ هُوَ.

وَصَلُوا إلى مِصْرَ، وَدَخَلُوهَا كَمَا أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ سَيِّدُنَا يَعْقُوبُ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنَ الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ بِهِمْ، وَخَشْيَةَ العَيْنِ التي هِيَ حَقٌّ.

دَخَلُوا عَلَى سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ، وَهُنَا الْتَقَى سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ بِأَخِيهِ المَحْبُوبِ المَحْسُودِ مِنْ إِخْوَتِهِ كَمَا حُسِدَ هُوَ، وَتَرَتَّبَ عَلَى الحَسَدِ كَيْدُهُمْ لَهُ الذي أَدَّى إلى وُقُوعِهِ في الرِّقِّ ثُمَّ نَجَاتِهِ، ثُمَّ صَارَ بِفَضْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَزِيزَ مِـصْرَ المُنْقِذَ، الْتَقَى سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ بِأَخِيهِ فَضَمَّهُ إِلَيْهِ وَأَسَرَّ إِلَيْهِ ﴿إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. قَالَ تعالى عَنْ هَذَا المَوْقِفِ: ﴿وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. أَيْ: فَلَا تُدْخِلْ عَلَى نَفْسِكَ البُؤْسَ وَالحُزْنَ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، أَيْ: بِمَا اسْتَمَرُّوا عَلَى عَمَلِهِ مِنْ إِثَارَةٍ للحَسَدِ وَالحِقْدِ، فَإِنَّ العَاقِبَةَ للمُتَّقِينَ، فَانْظُرْ إلى مَا آلَ إِلَيْهِ عَاقِبَةُ فِعْلِهِمْ، لَقَدْ أَصْبَحْتُ عَزِيزَ مِصْرَ، وَمَا يَفْعَلُونَهُ مَعَكَ لَا تَتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ عَاقِبَتُهُ شَرّاً، فَعَاقِبَتُهُ خَيْرٌ بِإِذْنِ اللهِ تعالى، وَهَذَا دَرْسٌ لِكُلِّ مَحْسُودٍ مِنَ النَّاسِ.

يَقُولُ الإِمَامُ ابْنُ كَثِيرٍ في تَفْسِيرِهِ عِنْدَ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: يُخْبِرُ تعالى عَنْ إِخْوَةِ يُوسُفَ لَمَّا قَدِمُوا عَلَى يُوسُفَ وَمَعَهُمْ أَخُوهُ شَقِيقُهُ بِنْيَامِينَ، فَأَدْخَلَهُمْ دَارَ كَرَامَتِهِ وَمَنْزِلَ ضِيَافَتِهِ، وَأَفَاضَ عَلَيْهِمُ الصِّلَةَ وَالإِلْطَافَ وَالإِحْسَانَ، وَاخْتَلَى بِأَخِيهِ فَأَطْلَعَهُ عَلَى شَأْنِهِ، وَمَا جَرَى لَهُ، وَعَرَّفَهُ أَنَّهُ أَخُوهُ، وَقَالَ لَهُ: ﴿فَلَا تَبْتَئِسْ﴾ أَيْ: لَا تَأْسَفْ عَلَى مَا صَنَعُوا بِي، وَأَمَرَهُ بِكِتْمَانِ ذَلِكَ عَنْهُمْ، وَأَلَّا يُطْلِعَهُمْ عَلَى مَا أَطْلَعَهُ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ أَخُوهُ، وَتَوَاطَأَ مَعَهُ أَنَّهُ سَيَحْتَالُ عَلَى أَنْ يُبْقِيَهُ عِنْدَهُ، مُعَزَّزاً مُكَرَّماً مُعَظَّماً. اهـ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: قَالَ تعالى عَنْ هَذَا المَوْقِفِ: ﴿آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ﴾. مُفْرَدَةُ آوَى جَاءَتْ في القُرْآنِ الكَرِيمِ في سِيَاقِ المَنِّ عَلَى المُهَاجِرِينَ، وَللهِ المِنَّةُ وَالفَضْلُ، قَالَ تعالى: ﴿فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ﴾.

وَزَكَّى بِهَذِهِ الكَلِمَةِ الأَنْصَارَ وَمَدَحَهُمْ بِمَا فَعَلُوهُ مَعَ المُهَاجِرِينَ، قَالَ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَـصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾.

كَلِمَةُ آوَى تُفِيدُ كَذَلِكَ الإِقَامَةَ الطَّوِيلَةَ في ظِلِّ الأَمْنِ وَالأَمَانِ وَالاسْتِقْرَارِ، قَالَ تعالى في قِصَّةِ أَهْلِ الكَهْفِ: ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً﴾.

وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. كَلِمَةُ الابْتِئَاسِ لَمْ تُذْكَرْ في القُرْآنِ العَظِيمِ سِوَى مَرَّتَيْنِ لِنَمُوذَجَيْنِ نَادِرَيْنِ مِنَ البَشَرِ، النَّمُوذَجُ الأَوَّلُ مَعَ إِخْوَةِ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيم، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَنْ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ عِنْدَمَا قَالَ لِأَخِيهِ: ﴿إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

وَالنَّمُوذَجُ الثَّانِي في قِصَّةِ سَيِّدِنَا نُوحٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الذي رَأَى مِنْ قَوْمِهِ غِلْظَةَ الكِبْرِ، وَسُوءَ الصَّنِيعِ، فَقَالَ تعالى مُعَزِّياً وَمُصَبِّراً لِسَيِّدِنَا نُوحٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُكْرِمَنَا بِحُسْنِ الصَّبْرِ وَالمُصَابَرَةِ، وَحُسْنِ التَّعَامُلِ مَعَ خَلْقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنْ يُعَجِّلَ بِالفَرَجِ بَعْدَ الضِّيقِ، وَبِاليُسْرِ بَعْدَ العُسْرِ. آمين.

تاريخ الكلمة

**    **    **

الاثنين: 16/ جمادى الآخرة /1441هـ، الموافق: 10/ شباط / 2020م

الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ ﴾

31-07-2023 86 مشاهدة
84ـ عروة بن الزبير رضي الله عنه

مَا كَادَتْ شَمْسُ الأَصِيلِ تُلَمْلِمُ خُيُوطَهَا الذَّهَبِيَّةَ عَنْ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، وَتَأْذَنُ للنَّسَمَاتِ النَّدِيَّةِ بِأَنْ تَتَرَدَّدَ في رِحَابِهِ الطَّاهِرَةِ، حَتَّى شَرَعَ الطَّائِفُونَ بِالبَيْتِ مِنْ بَقيةِ صَحَابَةِ ... المزيد

 31-07-2023
 
 86
08-05-2023 259 مشاهدة
83ـ شريح القاضي

ابْتَاعَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَرَسًا مِنْ رَجُلٍ مِنَ الأَعْرَابِ وَنَقَدَهُ ثَمَنَهُ، ثُمَّ امْتَطَى صَهْوَتَهُ وَمَضَى بِهِ. لَكِنَّهُ مَا كَادَ يَبْتَعِدُ بِالفَرَسِ طَوِيلًا حَتَّى ظَهَرَ فِيهِ ... المزيد

 08-05-2023
 
 259
19-04-2023 251 مشاهدة
82ـ امرؤ سريرته كعلانيته (الحسن البصري)

حَدَّثَ خَالِدُ بْنُ صَفْوَانَ قَالَ: لَقِيتُ مَسْلَمَةَ بْنَ عَبْدِ المَلِكِ في الحِيْرَةِ فَقَالَ لِي: أَخْبِرْنِي عَنْ حَسَنِ البَصْرَةِ، فَإِنَّي أَظُنُّ أَنَّكَ تَعْرِفُ مِنْ أَمْرِهِ مَا لَا يَعْرِفُ سِوَاكَ. فَقُلْتُ: أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيرَ، ... المزيد

 19-04-2023
 
 251
14-04-2023 148 مشاهدة
81ـ أتحلف من أجل درهمين

وُلِدَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ لِسَنَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ خِلَافَةِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وَرُبِّيَ في بَيْتٍ يَتَضَوَّعُ الوَرَعَ وَالتُّقَى (يَنْتَشِرُ انْتِشَارَ المِسْكِ) مِنْ كُلِّ رُكْنٍ مِنْ ... المزيد

 14-04-2023
 
 148
11-04-2023 230 مشاهدة
80ـ حتى لا يتثاقل مظلوم عن رفع ظلامته

يَرْوِي قَاضِي المُوصِلِ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى الغَسَّانِيُّ فَيَقُولُ: بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَطُوفُ ذَاتَ يَوْمٍ فِي أَسْوَاقِ حِمْصَ لِيَتَفَقَّدَ البَاعَةَ وَيَتَعَرَّفَ عَلَى الأَسْعَارِ، إِذْ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ عَلَيْهِ ... المزيد

 11-04-2023
 
 230
11-04-2023 146 مشاهدة
79ـ أشهد لي بذلك أيها أمير

يَرْوِي دُكَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ أَحَدُ الشُّعَرَاءِ الرُّجَّازِ البُدَاةِ فَيَقُولُ: امْتَدَحْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ يَوْمَ كَانَ وَالِيًا عَلَى المَدِينَةِ، فَأَمَرَ لِي بِخَمْسَ عَشْرَةَ نَاقَةً مِنْ كَرَائِمِ الإِبِلِ. ... المزيد

 11-04-2023
 
 146

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5600
المقالات 3116
المكتبة الصوتية 4652
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 410681454
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2023 
برمجة وتطوير :