16ـ أقوال الفقهاء والمحدثين في أهمية الصحبة

16ـ أقوال الفقهاء والمحدثين في أهمية الصحبة

16ـ أقوال الفقهاء والمحدثين في أهمية الصحبة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ سَيِّدِي العَارِفُ بِاللهِ تعالى، المُرْشِدُ الكَبِيرُ، سَيِّدِي وَمَوْلَايَ الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِر عِيسَى رَحِمَهُ اللهُ تعالى، في كِتَابِهِ: حَقائِقُ عَنِ التَّصَوُّفِ: أَقْوَالُ الفُقَهَاءِ وَالـمُحَدِّثِينَ فِي أَهَمِّيَّةِ الصُّحْبَةِ وَآدَابِهَا:

ابْنُ حَجَرٍ الهَيْثَمِيُّ:

يَقُولُ الشَّيْخُ الفَقِيهُ الـمُحَدِّثُ أَحْمَد شِهَابُ الدِّينِ بْنِ حَجَرٍ الهَيْثَمِيُّ الـمَكِّيُّ في كِتَابِهِ "الفَتَاوَى الحَدِيثِيَّةُ": (وَالحَاصِلُ أَنَّ الأَوْلَى بِالسَّالِكِ قَبْلَ الوُصُولِ إِلَى هَذِهِ الـمَعَارِفِ أَنْ يَكُونَ مُدِيمَاً لِمَا يَأْمُرُهُ بِهِ أُسْتَاذُهُ الجَامِعُ لِطَرَفَيِ الشَّرِيعَةِ وَالحَقِيقَةِ، فَإِنَّهُ هُوَ الطَّبِيبُ الأَعْظَمُ، فَبِمُقْتَضَى مَعَارِفِهِ الذَّوْقِيَّةِ وَحِكَمِهِ الرَّبَّانِيَّةِ، يُعْطِي كُلَّ بَدَنٍ وَنَفْسٍ مَا يَرَاهُ هُوَ اللَّائِقُ بِشِفَائِهَا وَالـمُصْلِحُ لِغِذَائِهَا).

الإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ:

قَالَ الإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ الـمَشْهُورِ عِنْدَ تَفْسِيرِهِ سُورَةَ الفَاتِحَةِ: (البَابُ الثَّالِثُ فِي الأَسْرَارِ العَقْلِيَّةِ الـمُسْتَنْبَطَةِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ (الفَاتِحَةِ) فِيهِ مَسَائِلُ... اللَّطِيفَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ لَمَّا قَالَ:

﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ﴾ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَيْهِ بَلْ قَالَ:  ﴿صِرَاطَ الذينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الـمُرِيدَ لَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى الوُصُولِ إِلَى مَقَامَاتِ الهِدَايَةِ وَالـمُكَاشَفَةِ إِلَّا إِذَا اقْتَدَى بِشَيْخٍ يَهْدِيهِ إِلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَيُجَنِّبُهُ عَنْ مَوَاقِعِ الأَغَالِيطِ وَالأَضَالِيلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّقْصَ غَالِبٌ عَلَى أَكْثَرِ الخَلْقِ، وَعُقُولُهُمْ غَيْرُ وَافِيَةٍ بِإِدْرَاكِ الحَقِّ وَتَمْيِيزِ الصَّوَابِ عَنِ الغَلَطِ، فَلَا بُدَّ مِنْ كَامِلٍ يَقْتَدِي بِهِ النَّاقِصُ حَتَّى يَتَقَوَّى عَقْلُ ذَلِكَ النَّاقِصِ بِنُورِ عَقْلِ الكَامِلِ، فَحِينَئِذٍ يَصِلُ إِلَى مَدَارِجِ السَّعَادَاتِ وَمَعَارِجِ الكَمَالَاتِ).

الشَّيْخُ إِبْرَاهِيمُ البَاجُورِيُّ:

قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ إِبْرَاهِيمُ البَاجُورِيُّ الشَّافِعِيُّ عِنْدَ شَرْحِهِ كَلَامَ الشَّيْخِ إِبْرَاهِيمَ اللَّقاني صَاحِبِ "جَوْهَرَةُ التَّوْحِيدِ":

وَكُنْ كَمَا كَانَ خِيَارُ الخَلْقِ   ***   حَلِيفَ عِلْمٍ تَابِعَاً للحَقِّ

(أَيْ كُنْ مُتَّصِفَاً بِأَخْلَاقٍ مِثْلِ الأَخْلَاقِ التي كَانَ عَلَيْهَا خِيَارُ الخَلْقِ... إِلَى أَنْ قَالَ: وَإِذَا كَانَتِ الـمُجَاهَدَةُ عَلَى يَدِ شَيْخٍ مِنَ العَارِفِينَ كَانَتْ أَنْفَعَ، لِقَوْلِهِمْ: حَالُ رَجُلٍ في أَلْفِ رَجُلٍ أَنْفَعُ مِنْ وَعْظِ أَلْفِ رَجُلٍ في رَجُلٍ، فَيَنْبَغِي للشَّخْصِ أَنْ يَلْزَمَ شَيْخَاً عَارِفَاً عَلَى الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، بِأَنْ يَزِنَهُ قَبْلَ الأَخْذِ عَنْهُ. فَإِنْ وَجَدَهُ عَلَى الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَازَمَهُ، وَتَأَدَّبَ مَعَهُ، فَعَسَاهُ يَكْتَسِبُ مِنْ حَالِهِ مَا يَكُونُ بِهِ صَفَاءُ بَاطِنِهِ، وَاللهُ يَتَوَلَّى هُدَاهُ).

ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ:

شَرَحَ الإِمَامُ الحَافِظُ الـمُحَدِّثُ الوَرِعُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي جَمْرَةَ الأَزْدِيُّ الأَنْدَلُسِيُّ حَدِيثَ رَسُولِ اللهِ ﷺ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الجِهَادِ فَقَالَ: "أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟" قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ) وَبَعْدَ أَنْ شَرَحَهُ بَيَّنَ عَشَرَةَ وُجُوهٍ لَهُ، قَالَ فِي الوَجْهِ العَاشِرِ:

(فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الدُّخُولَ فِي السُّلُوكِ وَالـمُجَاهَدَاتِ، السُّنَّةُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ عَلَى يَدِ عَارِفٍ بِهِ، فَيُرْشِدُ إِلَى مَا هُوَ الأَصْلَحُ فِيهِ، وَالأَسَدُّ باِلنِّسْبَةِ إِلَى حَالِ السَّالِكِ. لِأَنَّ هَذَا الصَّحَابِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَمَّا أَنْ أَرَادَ الخُرُوجَ إِلَى الجِهَادِ لَمْ يَسْتَبِدَّ بِرَأْيِ نَفْسِهِ فِي ذَلِكَ حَتَّى اسْتَشَارَ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ وَأَعْرَفُ. هَذَا مَا هُوَ فِي الجِهَادِ الأَصْغَرِ فَكَيْفَ بِهِ فِي الجِهَادِ الأَكْبَرِ ؟!).

رَحِمَ اللهُ تعالى شَيْخَنَا رَحْمَةً وَاسِعَةً، وَجَزَى اللهُ تعالى خَيْرَ الجَزَاءِ مَنْ قَالَ في حَقِّهِ:

وَعَـلَى أَبِي أَيُّـوبَ حَلَّ فَـقِيدُنَا    ***   ضَـيْـفَـاً فَـكَـانَ لَـهُ المَقَامُ الأَرْفَعُ

بِـجِوَارِ مَنْ نَزَلَ الحَبِيبُ بِدَارِهِ    ***   وَاخْتَارَهُ بِـالـفَـضْـلِ رَبٌّ مُـبْـدِعُ

وَلَهُ مِنَ الـشَّهْبَـاءِ أَصْـلٌ ثَابِتٌ   ***   وَعَلَى ذُرَا اسْتَنْبُولَ مَـثْـوَىً يَسْطَعُ

ذِكْرَاهُ إِنْ ذُكِرَتْ ذُكَاءُ فَمَشْرِقٌ    ***   وَسَنَاهُ إِنْ طَلَعَ الهِلَالُ فَـمَـطْـلِـعُ

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 1/ جمادى الأولى /1441هـ، الموافق: 27/كانون الأول / 2019م

 2019-12-28
 1607
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  حقائق عن التصوف

01-11-2020 1578 مشاهدة
27ـ أخذ العهد

مِمَّا سَبَقَ ثَبَتَ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمُرِيدِ الكَمَالِ أَنْ يَلْتَحِقَ بِمُرْشِدٍ يَتَعَهَّدُهُ بِالتَّوْجِيهِ وَيُرْشِدُهُ إِلَى الطَّرِيقِ الحَقِّ وَيُضِيءُ لَهُ مَا أَظْلَمَ مِنْ جَوَانِبِ نَفْسِهِ، حَتَّى يَعْبُدَ اللهَ تَعَالَى عَلَى ... المزيد

 01-11-2020
 
 1578
24-10-2020 1326 مشاهدة
26ـ شروط المرشد

وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّالِثُ: فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ زَكَّى نَفْسَهُ عَلَى يَدِ مُرَبٍّ وَمُرْشِدٍ، فَخَبَرَ مَرَاتِبَ النَّفْسِ وَأَمْرَاضَهَا وَوَسَاوِسَهَا، وَعَرَفَ أَسَالِيبَ الشَّيْطَانِ وَمَدَاخِلَهُ. وَآفَاتِ كُلِّ مَرْحَلَةٍ ... المزيد

 24-10-2020
 
 1326
17-10-2020 1301 مشاهدة
25ـ البحث عن الوارث المحمدي (2)

يَقُولُ ابْنُ عجيبة: (وَالنَّاسُ في إِثْبَاتِ الخُصُوصِيَّةِ وَنَفْيِهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: 1ـ قِسْمٌ أَثْبَتُوهَا للمُتَقَدِّمِينَ وَنَفَوْهَا عَنِ الـمُتَأَخِّرِينَ؛ وَهُمْ أَقْبَحُ العَوَامِّ. 2ـ وَقِسْمٌ أَقَرَّوْهَا قَدِيمَاً وَحَدِيثَاً، ... المزيد

 17-10-2020
 
 1301
11-10-2020 1409 مشاهدة
24ـ البحث عن الوارث المحمدي

البَحْثُ عَنِ الوَارِثِ المُحَمَّدِيِّ: مِمَّا سَبَقَ يَتَبَيَّنُ أَهَمِّيَّةُ صُحْبَةِ الوَارِثِ الـمُحَمَّدِيِّ للتَّرَقِّي فِي مَدَارِجِ الكَمَالِ، وَتَلَقِّي دُرُوسِ الآدَابِ وَالفَضَائِلِ، وَاكْتِشَافِ العُيُوبِ الخَفِيَّةِ وَالأَمْرَاضِ ... المزيد

 11-10-2020
 
 1409
11-10-2020 1627 مشاهدة
23ـ أقوال العارفين في فائدة الصحبة (6)

قَالَ شَيْخُنَا الكَبِيرُ مُرَبِّي العَارِفِينَ وَالدَّالُّ عَلَى اللهِ سَيِّدِي مُحَمَّدُ الهَاشِمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (فَاسْلُكْ يَا أَخِي عَلَى يَدِ شَيْخٍ حَيٍّ عَارِفٍ بِاللهِ، صَادِقٍ نَاصِحٍ، لَهُ عِلْمٌ صَحِيحٌ، وَذَوْقٌ صَرِيحٌ، ... المزيد

 11-10-2020
 
 1627
10-03-2020 2370 مشاهدة
22ـ أقوال العارفين في فائدة الصحبة (5)

قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَد زَرُّوق رَحِمَهُ اللهُ في قَوَاعِدِهِ: (أَخْذُ العِلْمِ وَالعَمَلِ عَنِ الـمَشَايِخِ أَتَمُّ مِنْ أَخْذِهِ دُونَهُم ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ [العنكبوت: 49] ﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ ... المزيد

 10-03-2020
 
 2370

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3162
المكتبة الصوتية 4798
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414476169
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :