713ـ خطبة الجمعة: لا تقل قَلَّ رزقي

713ـ خطبة الجمعة: لا تقل قَلَّ رزقي

713ـ خطبة الجمعة: لا تقل قَلَّ رزقي

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الحَيَاةَ الدُّنْيَا التي هِيَ مَزْرَعَةٌ للآخِرَةِ أَغْلَى مِنْ أَنْ تُضَيَّعَ في شَأْنِ القِيلِ وَالقَالِ، وَبثِّ الرُّعْبِ في قُلُوبِ الآخَرِينَ، بِسَبَبِ غَلَاءِ الأَسْعَارِ، وَهِيَ أَغْلَى وَأَعْلَى مِنْ أَنْ تُضَيَّعَ في شِكَايَاتِ ضِيقِ الرِّزْقِ، لِأَنَّ ضِيقَ الرِّزْقِ مِنْ جُمْلَةِ الابْتِلَاءَاتِ التي لَا مَفَرَّ مِنْهَا إِذَا وَقَعَتْ، كَمَا أَنَّ سَعَةَ الرِّزْقِ مِنْ جُمْلَةِ الابْتِلَاءَاتِ ﴿فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا﴾.

لَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا هَدَفَكَ:

يَا عِبَادَ اللهِ: الدُّنْيَا أَقَلُّ مَكَانَةً، وَأَحْقَرُ شَأْنًا مِنْ أَنْ يَجْعَلَهَا الإِنْسَانُ المُؤْمِنُ لَهُ هَدَفًا، أَو أَنْ يَتَّخِذَهَا غَرَضًا، فَلَا يُقِيمُهُ وَيُغْضِبُهُ إِلَّا بُعْدُهَا وَانْفِلَاتُهَا مِنْ يَدِهِ، وَلَا يُقْعِدُهُ وَيُرْضِيهِ إِلَّا قُرْبُهَا مِنْهُ وَإِمْسَاكُهُ بِزِمَامِهَا.

يَا عِبَادَ اللهِ: هَلُمُّوا لِسَمَاعِ حَدِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ المَرْءِ عَلَى المَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ» رواه الترمذي عَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَلِسَمَاعِ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «صَلَاحُ أَوَّلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالزَّهَادَةِ وَالْيَقِينِ، وهَلَاكُهَا بِالْبُخْلِ وَالْأَمَلِ» رواه الطَّبَرَانِيُّ في الأَوْسَطِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ.

لَا أَفْسَدَ لِدِينِ المَرْءِ وَتَقْوَاهُ، وَلَا أَشَدَّ تَنْغِيصًا لِحَيَاتِهِ وَتَكْدِيرًا لِعَيْشِهِ مِنْ حِرْصِهِ عَلَى الدُّنْيَا وَجَشَعِهِ في طَلَبِ المَالِ، وَعَدَمِ رِضَاهُ بِمَا في يَدِهِ وَاشْتِغَالُهِ بِالنَّظَرِ إلى مَا عِنْدَ الآخَرِينَ.

لَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا هَدَفَكَ يَا عَبْدَ اللهِ، وَلَا تَجْعَلْهَا هَمَّكَ، وَاسْمَعْ حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ، فَرَّقَ اللهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ، وَمَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ نِيَّتَهُ، جَمَعَ اللهُ لَهُ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ» رواه ابن ماجه عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

يَا عَبْدَ اللهِ، لَا تُكْثِرْ لِهَمِّكَ، مَا قُدِّرَ يَكُونُ، وَمَا كَانَ لَكَ يَأْتِيكَ عَلَى ضَعْفِكَ، وَمَا كَانَ لِغَيْرِكَ فَلَنْ تَنَالَهُ بِقُوَّتِكَ، خُذْ بِالأَسْبَابِ المَشْرُوعَةِ في طَلَبِ الرِّزْقِ وَلَا تَتَوَاكَلْ، بَلْ تَوَكَّلْ عَلَى اللهِ تعالى، وَأَرِحْ فُؤَادَكَ وَقَلْبَكَ، وَاطْرَحْ هُمُومَكَ، وَارْبَحْ صَفْوَ عَيشِكَ.

لَا تَقُلْ قَلَّ دُونَ غَيرِيَ رِزقِي    ***   كُـلُّ رِزْقٍ مُـقَــدَّرٌ إِخْرَاجُـهْ

قِـسْـمَـةُ اللهِ لَا زِيَـادَةَ فِـيـهَا    ***   لَا وَلَا نَقْصَ عَـذْبُهُ وَأُجَاجُهْ

وَالفَتَى غَـيْـرُ رِزْقِـهِ لَـمْ يَنَلْهُ    ***   وَلَوِ احْتَالَ وَاسْتَطَـالَ لِجَاجُهْ

كَمْ شُـجَـاعٍ أَرَادَ رِزْقَ سِـوَاهُ   ***   يَحْتَوِيهِ فَقُطِّعَتْ أَوْدَاجُـــــهْ

قَالَ تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: لِنَرْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَنَا، وَلْنَقْنَعْ بِمَا آتَانَا اللهُ إِيَّاهُ، وَلْنَسْمَعْ قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُحِبَّ للآخَرِينَ مِنَ الخَيْرِ مَا نُحِبُّهُ لِأَنْفُسِنَا، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُحِبَّ لِجَارِهِ - أَوْ قَالَ: لِأَخِيهِ - مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ أَرَادَ اللهُ تعالى بِحِكْمَتِهِ وَعَدْلِهِ أَنْ يَجْعَلَ أَرْزَاقَ النَّاسِ مُتَفَاوِتَةً، وَعَطَايَاهُ لَهُمْ مُخْتَلِفَةً، فَيُوَسِّعُ عَلَى بَعْضِهِمْ لِحِكْمَةٍ، وَيُضَيِّقُ عَلَى آخَرِينَ لِحِكْمَةٍ، وَقَدَرُهُ في ذَلِكَ جَارٍ، وَأَمْرُهُ نَافِذٌ، وَلَا أَحَدَ يَسْتَطِيعُ بِحِيلَةٍ أَو قُوَّةٍ أَنْ يُغَيِّرَ مِمَّا قَضَى اللهُ شَيْئًا، قَالَ تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.

اللَّهُمَّ رَضِّنَا بِقَضَائِكَ وَبَارِكْ لَنَا فِيمَا قُدِّرَ لَنَا، حَتَّى لَا نُحِبَّ تَعْجِيلَ مَا أَخَّرْتَ، وَلَا تَأْخِيرَ مَا عَجَّلْتَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 5/ ذو القعدة /1441هـ، الموافق: 26/ حزيران / 2020م

 2020-06-25
 4718
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

19-04-2024 191 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 191
12-04-2024 870 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 870
09-04-2024 603 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 603
04-04-2024 708 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 708
28-03-2024 621 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 621
21-03-2024 1112 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 1112

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413606143
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :