161ـ نعمة الأمن والأمان

161ـ نعمة الأمن والأمان

كلمة شهر رجب 1441

161ـ نعمة الأمن والأمان

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كُنَّا نَعِيشُ في هَذَا البَلَدِ بِفَضْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ آمِنِينَ مُطْمَئِنِّينَ، يَأْتِينَا رِزْقُنَا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، وَلَكِنْ كَانَ بَعْضُ النَّاسِ لَا يُقَدِّرُ نِعْمَةَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ، فَبَارَزَ اللهَ تعالى بِالمَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ جِهَاراً نَهَاراً، وَالكَثِيرُ مِنَّا مَا كَانَ يَأْمُرُ بِالمَعْرُوفِ وَلَا يَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ، بَلْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَأْمُرُ بِالمُنْكَرِ وَيَنْهَى عَنِ المَعْرُوفِ، فَأَذَاقَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوْفِ، وَعَمَّتِ الفِتْنَةُ وَأَصَابَتِ الجَمِيعَ، لِأَنَّ سُنَّةَ اللهِ تعالى في خَلْقِهِ كَمَا قَالَ: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾. عَمَّتِ الظَّالِمَ وَغَيْرَ الظَّالِمِ، لِأَنَّ غَيْرَ الظَّالِمِ مَا كَانَ نَاصِحاً وَلَا آمِراً بِالمَعْرُوفِ، وَلَا نَاهِياً عَنِ المُنْكَرِ.

نَعَمْ، لَقَدْ عِشْنَا سَنَوَاتٍ عِدَّةً في بَأْسَاءٍ وَضَرَّاءٍ، وَفي خَوْفٍ وَجُوعٍ وَمسْغَبَةٍ، وَشَاءَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَرْفَعَ عَنَّا الخَوْفَ وَيُبْدِلَنَا أَمْناً، وَنَسْأَلُهُ تعالى أَنْ يَرْفَعَ عَنَّا الجُوعَ وَيُبْدِلَنَا سَعَةً في الرِّزْقِ مِنْ غَيْرِ فِتْنَةٍ، وَهَذِهِ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ نِعَمِ اللهِ تعالى عَلَيْنَا، لَقَدْ دَعَوْنَاهُ كَثِيراً وَدَعَاهُ الصَّالِحُونَ وَالأَوْلِيَاءُ وَالمُخْلِصُونَ، في أَنْ يُعِيدَ لِبَلَدِنَا هَذَا خَاصَّةً، وَلِسوريا عَامَّةً، وَلِسَائِرِ بِلَادِ المُسْلِمِينَ الأَمْنَ وَالأَمَانَ وَالاسْتِقْرَارَ وَالازْدِهَارَ، وَاسْتَجَابَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَهَا هِيَ بَشَائِرُ الأَمْنِ وَالأَمَانِ وَالاسْتِقْرَارِ تُرَفْرِفُ عَلَيْنَا، وَهَا هِيَ البَسْمَةُ وَالفَرْحَةُ وَالسُّرُورُ عَمَّتِ الكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ، وَالرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ، مِمَّنْ يُرِيدُ الخَيْرَ وَالأَمَانَ وَالاسْتِقْرَارَ وَالازْدِهَارَ لِبَلَدِنَا الحَبِيبِ.

﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذِهِ النِّعْمَةُ التي عَمَّتْنَا لَا بُدَّ أَنْ نَشْكُرَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهَا، وَأَنْ نَسْتَغِلَّهَا في حُسْنِ الإِقْبَالِ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنْ نَسْتَحْضِرَ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾.

نَعَمْ، لَقَدْ ذُقْنَا شَيْئاً يَسِيراً مِنْ هَذَا العَذَابِ، وَكَانَ مِنْ مَظَاهِرِهِ تِلْكَ الدِّمَاءُ، وَمَا تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ تَرْمِيلِ النِّسَاءِ، وَتَيْتِيمِ الأَطْفَالِ، وَكَانَ مِنْ مَظَاهِرِهِ ذَاكَ الدَّمَارُ وَالتَّشْرِيدُ وَالتَّفَرُّقُ في أَصْقَاعِ الدُّنْيَا.

يَا عِبَادَ اللهِ: اشْكُرُوا اللهَ تعالى عَلَى نِعْمَةِ إِعَادَةِ الأَمْنِ وَالأَمَانِ لِبَلَدِنَا، وَمِنْ مَظَاهِرِ شُكْرِ اللهِ تعالى عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ أَنْ نَتَكَاتَفَ جَمِيعاً عَلَى رَفْعِ الغَلَاءِ عَنَّا، وَأَنْ نَتَرَاحَمَ فِيمَا بَيْنَنَا، وَأَنْ يَرْحَمَ الغَنِيُّ مِنَّا الفَقِيرَ، وَأَنْ نَذْكُرَ جَمِيعاً قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئاً، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَا هِيَ نِعْمَةُ الأَمْنِ وَالأَمَانِ تُرَفْرِفُ عَلَيْنَا، فَلْنَتَفَيَّأْ فِيهَا ظِلَالَ الطَّاعَةِ وَالقُرْبِ مِنَ اللهِ تعالى، لِنَصْطَلِحْ مَعَ اللهِ تعالى، وَلْنَقُلْ جَمِيعاً: رَبَّنَا مَوْلَانَا، مَاذَا وَجَدَ مَنْ عَصَاكَ؟ وَمَاذَا فَقَدَ مَنْ أَطَاعَكَ؟ لِنَقُلْ جَمِيعاً بِصِدْقٍ وَحَقٍّ: اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنُقَدِّرْ نِعْمَةَ الأَمْنِ وَالأَمَانِ حَقَّ التَّقْدِيرِ، وَلْنَرْعَ هَذِهِ النِّعْمَةَ حَقَّ رِعَايَتِهَا، وَنَحْنُ نَسْتَحْضِرُ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: قَدِّرُوا نِعْمَةَ الأَمْنِ وَالأَمَانِ، وَاسْتَحْضِرُوا قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِناً فِي سِرْبِهِ مُعَافىً فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» رواه الترمذي عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِحْصَنٍ الخَطْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ.

قَدِّرُوا هَذِهِ النِّعْمَةَ، وَلَا تُعَرِّضُوهَا للزَّوَالِ مَرَّةً ثَانِيَةً، وَتَقْدِيرُ هَذِهِ النِّعْمَةِ بِالشُّكْرِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمِنْ مَظَاهِرِ الشُّكْرِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ نَرْعَى بَلَدَنَا حَقَّ الرِّعَايَةِ، وَأَنْ نَغَارَ عَلَيْهِ حَقَّ الغَيْرَةِ، وَأَنْ نَكُونَ كَالجَسَدِ الوَاحِدِ، وَأَنْ نَحْذَرَ مِنَ التَّفْرِقَةِ، وَأَنْ نَلْتَزِمَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾.

وَقَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَاناً» رواه الإمام البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ كُلُّهُ، وَلَكَ الشُّكْرُ كُلُّهُ، عَلَى مَا أَوْلَيْتَنَا مِنْ نِعْمَةِ الأَمْنِ وَالأَمَانِ، وَنَسْأَلُكَ الزِّيَادَةَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، فَأَعِنَّا عَلَى شُكْرِكَ حَقَّ الشُّكْرِ لِنَكُونَ أَهْلاً لِتِلْكَ الزِّيَادَةِ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 1/ رجب /1441هـ، الموافق: 24/ شباط / 2020م

 2020-02-24
 2328
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

18-09-2025 322 مشاهدة
230ـ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن

القُرْآنُ العَظِيمُ كَالشَّمْسِ، وَالشَّمْسُ لَا تُؤَثِّرُ إِلَّا فِيمَنْ يَتَعَرَّضُ لَهَا، وَكَذَلِكَ القُرْآنُ العَظِيمُ لَا يَنْتَفِعُ مِنْهُ إِلَّا مَنْ يُحْسِنُ التَّعَرُّضَ لَهُ، بَلْ وَيَزِيدُ القُرْآنُ العَظِيمُ عَلَى شَمْسِ الدُّنْيَا، ... المزيد

 18-09-2025
 
 322
24-08-2025 620 مشاهدة
229ـ طريق المحبة

فِي إِطْلَالَةِ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَنْوَرِ، شَهْرِ مَوْلِدِ سَيِّدِ الكَائِنَاتِ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَقُولُ: لِنُتَرْجِمْ حُبَّنا لِسَيِّدِنا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى ... المزيد

 24-08-2025
 
 620
26-07-2025 733 مشاهدة
228ـ المعصية نوعان

المَعْصِيَةُ نَوْعَانِ، مَعْصِيَةٌ فَرْدِيَّةٌ، وَمَعْصِيَةٌ جَمَاعِيَّةٌ. فَالمَعْصِيَةُ الفَرْدِيَّةُ يَرْتَكِبُهَا صَاحِبُهَا مُسْتَتِرًا، يَتَوَارَى عَنْ أَنْظَارِ النَّاسِ، لَا يُجَاهِرُ بِهَا افْتِخَارًا وَتَحَدِيدًا لِمَشَاعِرِ المُسْلِمِينَ ... المزيد

 26-07-2025
 
 733
24-06-2025 627 مشاهدة
227ـ أجلنا محتوم

وَدَّعْنَا عَامًا هِجْرِيًّا مَضَى مِنْ عُمُرِنَا وَاسْتَقْبَلْنَا عَامًا هِجْرِيًّا جَدِيدًا، لَا نَدْرِي أَيَنْتَهِي فِيهِ أَجَلُنَا أَمْ لَا. عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ عِلْمَ الْيَقِينِ أَنَّ الْمَوْتَ حَتْمٌ لَازِمٌ لَا مَنَاصَ مِنْهُ لِكُلِّ ... المزيد

 24-06-2025
 
 627
27-05-2025 625 مشاهدة
226ـ هل من مغتنم؟

هَذِهِ العَشْرُ قَدْ أَقْبَلَتْ، وَأَبْوَابُ التَّنَافُسِ فِيهَا قَدْ فُتِحَتْ، فَهَلْ مِنْ مُنَافِسٍ فِي الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي يُحِبُّهَا اللهُ تَعَالَى؟ فَالأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ الَّتِي يُحِبُّهَا اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الأَيَّامِ ... المزيد

 27-05-2025
 
 625
30-04-2025 590 مشاهدة
225ـ لا تحزنوا فالله معكم

الإِيمَانُ الحَقِيقِيُّ يُخْرِجُ العَبْدَ مِنَ الشَّدَائِدِ وَالمِحَنِ وَالكُرُوبِ، وَيَجْعَلُهُ فِي حَالَةِ ارْتِبَاطٍ بِاللهِ تَعَالَى وَاليَوْمِ الآخِرِ، الإِيمَانُ هُوَ دِرْعُ وَسِلَاحُ وَمَنَارُ المُؤْمِنِ وَقْتَ الشَّدَائِدِ القَاسِيَةِ، ... المزيد

 30-04-2025
 
 590

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5703
المقالات 3248
المكتبة الصوتية 4881
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 427974496
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :