71ـ لين الجانب لهما والقول الكريم لهما

71ـ لين الجانب لهما والقول الكريم لهما

71ـ لين الجانب لهما والقول الكريم لهما

مقدمة الكلمة:

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِمَّا يَجِبُ عَلَى الوَلَدِ تُجَاهَ وَالِدَيْهِ، أَنْ يُخَاطِبَهُمَا بِالقَوْلِ اللَّيِّنِ، وَالكَلَامِ اللَّطِيفِ، وَلَا يَرْفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِمَا، وَلَا يُخَاطِبَهُمَا بِالعِبَارَاتِ الحَادَّةِ، وَالكَلِمَاتِ النَّابِيَةِ، وَالغِلْظَةِ وَالشِّدَّةِ، فَهَذَا مُحَرَّمٌ شَرْعًا، وَهُوَ مِنَ العُقُوقِ.

يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ الوَالِدَيْنِ هُمَا مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَى الوَلَدِ بَعْدَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا كَانَ الإِنْسَانُ يَجِدُ في نَفْسِهِ ازْدِرَاءً وَاحْتِقَارًا لِوَالِدَيْهِ، أَو عَدَمَ عِنَايَةٍ بِأَمْرِهِمَا وَشَأْنِهِمَا، أَو نَقْصًا في احْتِرَامِهِمَا، أَو عَدَمَ نَصِيحَةٍ لَهُمَا، أَو بِرٍّ بِهِمَا، فَهُوَ مُبْتَلًى بِمَرَضٍ عُضَالٍ في التَّعَامُلِ مَعَ الوَالِدَيْنِ.

وَهَذَا المَرَضُ هُوَ الذي يُسَمَّى بِالعُقُوقِ، وَصَاحِبُهُ لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ ابْتِدَاءً، أَو لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ أَبَدًا لَا قَدَّرَ اللهُ تعالى إِنِ اسْتَحَلَّ عُقُوقَهُمَا، لِأَنَّهُ سَيَمُوتُ لَا قَدَّرَ اللهُ تعالى عَلَى سُوءِ الخَاتِمَةِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَاقٌّ» رواه الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ﴾:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنَتَدَبَّرْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾. لِنَتَدَبَّرْ جَيِّدًا؛ لَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تعالى في هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ خَمْسَةَ أُمُورٍ يَجِبُ عَلَى الأَوْلَادِ فِعْلُهَا عِنْدَ إِدْرَاكِ الوَالِدَيْنِ الكِبَرَ، مَعَ وُجُوبِ الإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا.

1ـ عَدَمُ قَوْلِ أُفٍّ لَهُمَا؛ ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾.

2ـ عَدَمُ نَهْرِهِمَا ﴿وَلَا تَنْهَرْهُمَا﴾.

3ـ القَوْلُ اللَّيِّنِ وَاللَّطِيفِ لَهُمَا ﴿وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾.

4ـ خَفْضُ الجَنَاحِ لَهُمَا ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾.

5ـ الدُّعَاءُ لَهُمَا ﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَمْ نَحْنُ بِحَاجَةٍ إلى الْتِزَامِ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾؟

القَوْلُ الكَرِيمُ لَهُمَا، القَوْلُ اللَّيِّنُ الطَّيِّبُ الحَسَنُ، بِتَأَدُّبٍ وَتَوْقِيرٍ وَتَعْظِيمٍ.

قَالَ عَطَاءٌ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: مِثْلُ: يَا أَبَتَاهُ، وَيَا أُمَّاهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَمِّيَهُمَا أَو يُكَنِّيَهُمَا، وَبِنَحْوِهِ قَالَ الحَسَنُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى.

وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: أَحْسَنُ مَا تَجِدُ مِنَ القَوْلِ.

وَقَالَ زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: إِذَا دَعَوَاكَ فَقُلْ: لَبَّيْكُمَا وَسَعْدَيْكُمَا.

وَقَالَ قَتَادَةُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: مَعْنَاهُ أَنْ تَقُولَ لَهُمَا قَوْلًا لَيِّنًا سَهْلًا.

وَعَنْ أَبِي الْهُدَاجِ التُّجِيبِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى قَالَ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: كُلُّ مَا ذَكَرَ اللهُ في القُرْآنِ مِنْ بِرِّ الوَالِدَيْنِ فَقَدْ عَرَفْتُهُ، إِلَّا قَوْلَهُ: ﴿وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾. مَا هَذَا القَوْلُ الكَرِيمُ؟

قَالَ ابْنُ المُسَيِّبِ: قَوْلُ العَبْدِ المُذْنِبِ للسَّيِّدِ الفَظِّ.

وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى قَالَ: اخْضَعْ لِوَالِدَيْكَ كَمَا يَخْضَعُ العَبْدُ للسَّيِّدِ الغَلِيظِ.

وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: تَلِينُ لَهُمَا حَتَّى لَا يَمْتَنِعَا مِنْ شَيْءٍ أَحَبَّاهُ.

قُلْتُ: وَكُلُّ ذَلِكَ يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ الكَرِيمُ.

قَالَ الرَّاغِبُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: كُلُّ شَيْءٍ يَشْرُفُ في بَابِهِ فَإِنَّهُ يُوصَفُ بِالكَرَمِ. اهـ.

وَقَالَ الأَلُوسِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: وَجَعَلَ ذَلِكَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ مِنْ وَصْفِ الشَّيْءِ بِاسْمِ صَاحِبِهِ، أَيْ: قَوْلًا صَادِرًا عَنْ كَرَمٍ وَلُطْفٍ، وَيَعُودُ بِالآخِرَةِ إلى القَوْلِ الجَمِيلِ الذي يَقْتَضِيهِ حُسْنُ الأَدَبِ، وَيَسْتَدْعِيهِ النُّزُولُ عَلَى المُرُوءَةِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: يَا أَبَتَاهُ، وَيَا أُمَّاهُ، وَلَا يَدْعُوهُمَا بِأَسْمَائِهِمَا، فَإِنَّهُ مِنَ الجَفَاءِ وَسُوءِ الأَدَبِ.

وَلَيْسَ القَوْلُ الكَرِيمُ مَخْصُوصًا بِذَلِكَ، كَمَا يُوهِمُهُ اقْتِصَارُ الحُسْنِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ التَّمْثِيلِ. اهـ. من روح المعاني.

وَعَنْ طَيْسَلَةَ بْنِ مَيَّاسٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّجَدَاتِ، فَأَصَبْتُ ذُنُوبًا لَا أَرَاهَا إِلَّا مِنَ الكَبَائِرِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

قَالَ: مَا هِيَ؟

قُلْتُ: كَذَا وَكَذَا.

قَالَ: لَيْسَتْ هَذِهِ مِنَ الْكَبَائِرِ، هُنَّ تِسْعٌ: الْإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَقَتْلُ نَسَمَةٍ، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَإِلْحَادٌ فِي الْمَسْجِدِ، وَالَّذِي يَسْتَسْخِرُ، وَبُكَاءُ الْوَالِدَيْنِ مِنَ الْعُقُوقِ.

قَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَتَفْرَقُ النَّارَ، وَتُحِبُّ أَنْ تَدْخُلَ الْجَنَّةَ؟

قُلْتُ: إِي وَاللهِ.

قَالَ: أَحَيٌّ وَالِدُكَ؟

قُلْتُ: عِنْدِي أُمِّي.

قَالَ: فَوَاللهِ لَوْ أَلَنْتَ لَهَا الْكَلَامَ، وَأَطْعَمْتَهَا الطَّعَامَ، لَتَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مَا اجْتَنَبْتَ الْكَبَائِرَ. رواه الإمام البخاري في الأَدَبِ المُفْرَدِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: تَأَمَّلُوا هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ الكَرِيمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يُبَيِّنُ لَنَا فِيهِمَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ كَيْفَ نَتَعَامَلُ مَعَ أَقْرَبِ النَّاسِ لَنَا، مَنْ كَانَ سَبَبًا في وُجُودِنَا في هَذِهِ الدَّارِ بَعْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ لَا يَحْرِمَنَا الأَدَبَ مَعَهُمَا أَحْيَاءً وَميْتِينَ. آمين.

**      **    **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 8/ ربيع الأول /1442هـ، الموافق: 25/ تشرين الأول / 2020م

 2020-10-25
 2974
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  بر الوالدين

18-10-2020 2570 مشاهدة
70ـ الإنفاق على الوالدين الفقيرين

وَمِمَّا يَجِبُ عَلَى الوَلَدِ تُجَاهَ وَالِدَيْهِ، الإِنْفَاقُ عَلَيْهِمَا إِذَا كَانَا مُحْتَاجَيْنِ، وَلْيَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنْ أَنْ يَدْفَعَ لَهُمَا مِنْ زَكَاةِ أَمْوَالِهِ، لِأَنَّهَا أَوْسَاخُ النَّاسِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى ... المزيد

 18-10-2020
 
 2570
04-10-2020 1448 مشاهدة
69ـ الحرص على هدايتهما (2)

حُقُوقُ الوَالِدَيْنِ عَلَى الوَلَدِ كَبِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ جِدًّا، وَمِنْ هَذِهِ الحُقُوقِ أَنْ يَكُونَ الوَلَدُ حَرِيصًا عَلَى هِدَايَةِ وَالِدَيْهِ إلى جَادَّةِ الصَّوَابِ، وَأَنْ يَكُونَ نَاصِحًا أَمِينًا لَهُمَا بِأُسْلُوبٍ حَكِيمٍ، وَخَاصَّةً ... المزيد

 04-10-2020
 
 1448
21-09-2020 1225 مشاهدة
68ـ الحرص على هدايتهما (1)

هَذَا سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى هِدَايَةِ وَالِدِهِ كُلَّ الحِرْصِ، وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تعالى لَنَا قِصَّتَهُ في القُرْآنِ العَظِيمِ لِيَكُونَ أُسْوَةً لَنَا في تَقْدِيمِ النُّصْحِ وَالحِرْصِ ... المزيد

 21-09-2020
 
 1225
08-03-2020 2195 مشاهدة
67ـ وجوب توقيرهما وتكريمهما

مَّا يَجِبُ عَلَى الوَلَدِ تُجَاهَ وَالِدَيْهِ أَنْ يُوَقِّرَهُمَا وَيُكْرِمَهُمَا، فَلَا يَصِفَهُمَا بِوَصْفٍ لَا يَلِيقُ بِهِمَا، وَلَا يُنَادِيهِمَا بِأَسْمَائِهِمَا، وَعَلَيْهِ أَنْ يَحْتَرِمَهُمَا في مَجْلِسِهِمَا. كَيْفَ لَا يَكُونُ ... المزيد

 08-03-2020
 
 2195
06-03-2020 1541 مشاهدة
66ـ شكر الله تعالى على ما أنعم (2)

مِنْ فَوَائِدِ بِرِّ الوَالِدَيْنِ كَمَالُ الإِيمَانِ، وَحُسْنُ الإِسْلَامِ، وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ العِبَادَاتِ، وَأَجَلِّ الطَّاعَاتِ، وَهُوَ الطَّرِيقُ المُوصِلُ إلى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ، وَهُوَ سَبَبٌ في بَرَكَةِ العُمُرِ، ... المزيد

 06-03-2020
 
 1541
24-02-2020 3838 مشاهدة
65ـ شكر الله تعالى على ما أنعم على الوالدين

عِنْدَمَا سَمِعَ سَيِّدُنَا سُلَيْمَانُ كَلَامَ النَّمْلَةِ تَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا، قَالَ تعالى: ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ ... المزيد

 24-02-2020
 
 3838

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5702
المقالات 3234
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 424532300
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :