762ـ خطبة الجمعة: أجور عظيمة، فأين الهمم؟

762ـ خطبة الجمعة: أجور عظيمة، فأين الهمم؟

762ـ خطبة الجمعة: أجور عظيمة، فأين الهمم؟

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: شَهْرُ شَوَّالٍ مِنَ أَشْهُرِ الحَجِّ التي يُسْتَحَبُّ فِيهَا القِيَامُ بِعِبَادَةٍ عَظِيمَةٍ، رُبَّمَا يَغْفُلُ عَنْهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، تِلْكُمُ العِبَادَةُ هِيَ صِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ، وَالتي أَخْبَرَ عَنْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَظِيمِ أَجْرِهَا، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَفي رِوَايَةٍ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ كَانَ تَمَامَ السَّنَةِ، مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا» رواه ابن ماجه عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

يَا عِبَادَ اللهِ: مَا بَالُ بَعْضِ المُسْلِمِينَ يَتَخَلَّى عَنْ صِيَامِهَا بَعْدَ مَعْرِفَةِ عَظِيمِ أَجْرِهَا، مَعَ أَنَّنَا كُلَّنَا مُحْتَاجُونَ إلى رَحْمَةِ اللهِ تعالى، وَإلى حَسَنَةٍ تُخَلِّصُنَا مِنْ هُمُومِ الدُّنْيَا، وَأَهْوَالِ يَوْمِ القِيَامَةِ؟!

مَا بَالُ بَعْضِ النَّاسِ يَتَهَاوَنُونَ بِصِيَامِ هَذِهِ الأَيَّامِ السِّتِّ، وَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «صِيَامُ رَمَضَانَ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَصِيَامُ السِّتَّةِ أَيَّامٍ بِشَهْرَيْنِ، فَذَلِكَ صِيَامُ السَّنَةِ» رواه ابن خزيمة عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

فَوَائِدُ مُعَاوَدَةِ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ:

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مُعَاوَدَةَ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ فِيهِ فَوَائِدُ عَدِيدَةٌ مِنْهَا:

أولًا: صِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ بَعْدَ رَمَضَانَ يَسْتَكْمِلُ بِهَا العَبْدُ أَجْرَ صِيَامِ الدَّهْرِ كُلِّهِ.

ثانيًا: صِيَامُ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ وَأَيَّامٍ مِنْ شَعْبَانَ، كَصَلَاةِ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ قَبْلَ الصَّلَاةِ المَفْرُوضَةِ، وَبَعْدَهَا، فَيَكْمُلُ بِذَلِكَ مَا حَصَلَ في الفَرْضِ مِنْ خَلَلٍ وَنَقْصٍ، فَالفَرَائِضُ تُجْبَرُ أَوْ تَكْمُلُ بِالنَّوَافِلِ يَوْمَ القِيَامَةِ.

وَكَانَ سَيِّدُنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: مَنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ فَلْيَصُمْ؛ يَعْنِي: مَنْ لَمْ يَجِدْ مَا يُخْرِجُهُ صَدَقَةَ الفِطْرِ في آخِرِ رَمَضَانَ فَلْيَصُمْ بَعْدَ الفِطْرِ، فَإِنَّ الصِّيَامَ يَقُومُ مَقَامَ الإِطْعَامِ، كَمَا في كَفَّارَةِ اليَمِينِ.

ثالثًا: مُعَاوَدَةُ الصِّيَامِ بَعْدَ صِيَامِ رَمَضَانَ عَلَامَةٌ عَلَى قَبُولِ صَوْمِ رَمَضَانَ، فَإِنَّ اللهَ تعالى إِذَا تَقَبَّلَ عَمَلَ عَبْدٍ وَفَّقَهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ بَعْدَهُ، فَثَوَابُ الحَسَنَةِ حَسَنَةٌ بَعْدَهَا، فَمَنْ عَمِلَ حَسَنَةً ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِحَسَنَةٍ كَانَ ذَلِكَ عَلَامَةً عَلَى قَبُولِ الحَسَنَةِ الأُولَى، كَمَا أَنَّ مَنْ عَمِلَ حَسَنَةً ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِسَيِّئَةٍ كَانَ ذَلِكَ عَلَامَةً عَلَى رَدِّ الحَسَنَةِ وَعَدَمِ قَبُولِهَا.

رابعًا: إِنَّ الصِّيَامَ بَعْدَ صِيَامِ رَمَضَانَ، وَخَاصَّةً بَعْدَ يَوْمِ الفِطْرِ الذي هُوَ يَوْمُ الجَائِزَةِ، يَكُونُ شُكْرًا للهِ تعالى عَلَى نِعْمَةِ يَوْمِ الجَائِزَةِ، لِأَنَّهُ لَا نِعْمَةَ أَعْظَمُ مِنْ مَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ وَالعِتْقِ مِنَ النِّيرَانِ، وَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ حَتَّى تَتَوَرَّمَ قَدَمَاهُ، فَتَقُولُ لَهُ أُمُّنَا السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَتَصْنَعُ هَذَا، وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟

فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا» رواه الإمام مسلم.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ العَوْدَةَ إلى الصِّيَامِ بَعْدَ الفِطْرِ تَدُلُّ عَلَى رَغْبَةِ العَبْدِ في الصِّيَامِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَمَلَّ وَلَمْ يَسْتَثْقِلِ الصِّيَامَ؛ وَالعَائِدُ إلى الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ شَبِيهٌ بِقَارِئِ القُرْآنِ إِذَا فَرَغَ مِنَ القِرَاءَةِ عَادَ للقُرْآنِ، روى الترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟

قَالَ: «الحَالُّ المُرْتَحِلُ».

قَالَ: وَمَا الحَالُّ المُرْتَحِلُ؟

قَالَ: «الَّذِي يَضْرِبُ مِنْ أَوَّلِ القُرْآنِ إِلَى آخِرِهِ كُلَّمَا حَلَّ ارْتَحَلَ».

يَا عِبَادَ اللهِ: لَا تَكُونُوا كَأَقْوَامٍ عَرَفُوا اللهَ تعالى في رَمَضَانَ فَحَسْبُ، كُونُوا رَبَّانِيِّينَ، لَا رَمَضَانِيِّينَ، فَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ عَلْقَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَأَلْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، كَيْفَ كَانَ عَمَلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ هَلْ كَانَ يَخُصُّ شَيْئًا مِنَ الْأَيَّامِ؟

قَالَتْ: لَا، كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَطِيعُ.

يَا عِبَادَ اللهِ: أُجُورٌ عَظِيمَةٌ وَكَبِيرَةٌ، فَأَيْنَ الهِمَمُ؟ ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُعِينَنَا عَلَى صِيَامِ هَذِهِ الأَيَّامِ، وَنَسْأَلُهُ أَنْ يَتَقَبَّلَهَا مِنَّا، وَأَنْ يَكْتُبَ لَنَا الأَجْرَ الجَزِيلَ عَلَى ذَلِكَ، إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالقَادِرُ عَلَيْهِ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 9/ شوال /1442هـ، الموافق: 21/أيار / 2021م

 2021-05-21
 3138
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

26-07-2024 50 مشاهدة
919ـ خطبة الجمعة: خلق الراعي الأعظم

قَالَ اللهُ تعالى مَادِحًا حَبِيبَهُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾. وجَاءَ في الحَدِيثِ الذي رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: أَتَيْتُ ... المزيد

 26-07-2024
 
 50
18-07-2024 478 مشاهدة
918ـ خطبة الجمعة: المعايير العامة في التعامل مع الآخرين

مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الإِيمَانِ أَنْ يَضَعَ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ مَوْضِعَ غَيْرِهِ عِنْدَ التَّعَامُلِ مَعَهُ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ ... المزيد

 18-07-2024
 
 478
12-07-2024 359 مشاهدة
917ـ خطبة الجمعة: نصائح للمرشحين

مِنَ المُسْتَقِرِّ في العُقُولِ السَّلِيمَةِ أَنَّ لِهَذَا العَالَمِ نِهَايَةً، وَأَنَّ المَوْتَ مُحِيطٌ بِكُلِّ مَخْلُوقٍ، وَأَنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ القَرَارِ، إِمَّا إلى جَنَّةٍ وَإِمَّا إلى نَارٍ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى. ... المزيد

 12-07-2024
 
 359
30-05-2024 1862 مشاهدة
916ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (3)

مُهِمَّتُنَا في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا العِبَادَةُ، وَمِن العِبَادَةِ، بَلْ مِن أَجَلِّ العِبَادَاتِ وَأَقْدَسِهَا الإِصْلَاحُ، وَالإِصْلَاحُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِعَرْضِ أَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا وَنِيَّاتِنَا على كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ ... المزيد

 30-05-2024
 
 1862
23-05-2024 1673 مشاهدة
915ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (2)

المُؤْمِنُ الحَقُّ هُوَ الذي يَسْعَى لِصَلَاحِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، وَهَذَا مَا عَلَّمَنَا إِيَاهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي ... المزيد

 23-05-2024
 
 1673
17-05-2024 2024 مشاهدة
914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي ... المزيد

 17-05-2024
 
 2024

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5619
المقالات 3174
المكتبة الصوتية 4811
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 416310150
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :