806ـ خطبة الجمعة: احذروا المعصية بعد الطاعة

806ـ خطبة الجمعة: احذروا المعصية بعد الطاعة

806ـ خطبة الجمعة: احذروا المعصية بعد الطاعة

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: مِنْ حَقِّ نِعَمِ اللهِ تعالى عَلَيْنَا الكَثِيرَةِ وَالعَظِيمَةِ القِيَامُ بِشُكْرِ المُنْعِمِ، وَذَلِكَ بِمُتَابَعَةِ الإِحْسَانِ، وَالقِيَامِ بِإِتْبَاعِ الحَسَنَةِ بِمِثْلِهَا، فَثَوَابُ الحَسَنَةِ الحَسَنَةُ بَعْدَهَا، فَهَنِيئًا لَكُمْ يَا مَنْ تَعَرَّضْتُمْ لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، هَنِيئًا لَكُمْ يَا مَنْ وَصَلْتُمُ الأَرْحَامَ، وَبَرَرْتُمُ الآبَاءَ وَالأُمَّهَاتِ، وَأَزَلْتُمْ مَا بَيْنَكُمْ مِنَ الشَّحْنَاءِ، وَيَا مَنْ خَفَضْتُمُ الجَنَاحَ لِبَعْضِكُمْ، هَنِيئًا لَكُمْ يَا مَنْ تَرَكْتُمُ المَعَاصِيَ الظَّاهِرَةَ وَالبَاطِنَةَ، وَصُمْتُمْ هَذِهِ الأَيَّامَ المُبَارَكَةَ الأَيَّامَ البِيضَ مِنْ شَهْرِ شَعْبَانَ، هَنِيئًا لَكُمْ يَا مَنْ غَلَّبْتُمْ قَبْلَ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ جَانِبَ التَّسَامُحِ وَالصَّفْحِ الجَمِيلِ، وَالعَفْوِ وَالمَغْفِرَةِ عَنْ زَلَّاتِ الآخَرِينَ، مُمْتَثِلِينَ أَمْرَ رَبِّكُمُ القَائِلِ: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.

هَنِيئًا لَكُمْ حُبُّ اللهِ لَكُمْ يَا مَنْ عَفَوْتُمْ وَصَفَحْتُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ عَظِيمًا.

احْذَرُوا المَعْصِيَةَ بَعْدَ الطَّاعَةِ

يَا عِبَادَ اللهِ: يَا مَنْ تَعَرَّضْتُمْ لِنَفَحَاتِ اللهِ تعالى، وَأَرْجُو اللهَ تعالى أَنْ تَكُونَ أَصَابَتْكُمْ تِلْكَ النَّفَحَاتُ، وَغُفِرَتْ ذُنُوبُكُمْ، وَسُتِرَتْ أَعْرَاضُكُمْ، وَأُقِيلَتْ عَثَرَاتُكُمْ: احْذَرُوا المَعْصِيَةَ بَعْدَ الطَّاعَةِ، وَمِنَ البُعْدِ بَعْدَ الوِصَالِ، وَمِنَ الفُرْقَةِ بَعْدَ الوَحْدَةِ، وَدُومُوا عَلَى الاسْتِقَامَةِ وَالاسْتِجَابَةِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا دُعِينَا لِمَا يُحْيِينَا، فَالدُّنْيَا زَائِلَةٌ فَانيَة ﴿مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللهِ بَاقٍ﴾.

دُومُوا عَلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ، وَتَرْكِ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ، دُومُوا عَلَى حُبِّ العَطَاءِ، وَإِغَاثَةِ المَلْهُوفِ، وَالسَّعْيِ وَرَاءَ الأَرْمَلَةِ وَالمَسَاكِينِ، وَاغْتَنِمُوا أَنْفَاسَ أَعْمَارِكُمْ قَبْلَ الرَّحِيلِ مِنَ الدُّنْيَا، فَالأُمُورُ بِخَوَاتِيمِهَا، وَشَتَّانَ مَا بَيْنَ عَبْدٍ خُتِمَ لَهُ عَلَى الحَسَنَةِ، وَعَبْدٍ خُتِمَ لَهُ عَلَى سَيِّئَةٍ، لَا يَسْتَوِيَانَ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ * وَقُلِ الْحَمْدُ للهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: مَا أَحْسَنَ فِعْلَ الطَّاعَةِ بَعْدَ الطَّاعَةِ، وَمَا أَقْبَحَ فِعْلَ المَعْصِيَةِ بَعْدَ الطَّاعَةِ، فَالعَمَلُ الصَّالِحُ بَعْدَ العَمَلِ الصَّالِحِ زِيَادَةُ ثَوَابٍ وَأَجْرٍ، أَمَّا عَمَلُ السَّيِّئَةِ وَالمَعْصِيَةِ بَعْدَ الطَّاعَةِ فَقَدْ يُبْطِلُ العَمَلَ الصَّالِحَ، أَو يُنْقِصُ الثَّوَابَ، أَو يُحَوِّلُهُ إلى غَيْرِ فَاعِلِهِ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: دُومُوا عَلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ بَعْدَ الطَّاعَاتِ، وَعَلَى فِعْلِ الحَسَنَاتِ بَعْدَ الحَسَنَاتِ، لَعَلَّ اللهَ تعالى يُذْهِبُ السَّيِّئَاتِ، قَالَ تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَاحْذَرُوا مِنَ المَعْصِيَةِ بَعْدَ الطَّاعَةِ، وَمِنَ السَّيِّئَةِ بَعْدَ الحَسَنَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يُبْطِلُهَا وَيُحْبِطُهَا، وَخَاصَّةً كَلِمَةَ الكُفْرِ ـ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى ـ ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.

وَقَدْ يُنْقِصُهَا بِفِعْلِ مَحْذُورٍ شَرْعِيٍّ، كَاقْتِنَاءِ الكِلَابِ في البُيُوتِ، فَإِنَّهُ يُنْقِصُ أَجْرَ الطَّاعَاتِ كُلَّ يَوْمٍ بِمِقْدَارِ قِيرَاطٍ أَو قِيرَاطَيْنِ.

وَقَدْ يُحَوِّلُهَا إلى غَيْرِكَ بِسَبَبِ مَعْصِيَةٍ، فَتُصْبِحُ مِنَ المُفْلِسِينَ يَوْمَ القِيَامَةِ، رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟».

قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ.

فَقَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ».

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِفِعْلِ الطَّاعَاتِ، وَتَرْك المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 15/شعبان /1443هـ، الموافق: 18/ آذار / 2022م

 2022-03-18
 2304
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

28-03-2024 96 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 96
21-03-2024 647 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 647
14-03-2024 984 مشاهدة
904ـ خطبة الجمعة: حافظوا على الطاعات والعبادات

فَيَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّ عَامِلٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لَهُ هَدَفٌ يُرِيدُ الوُصُولَ إِلَيْهِ، وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ لَهُ غَايَةٌ يُرِيدُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا. وَقِيمَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ تَأْتِي ... المزيد

 14-03-2024
 
 984
08-03-2024 869 مشاهدة
903ـ خطبة الجمعة: استقبل شهر رمضان بالأمور الآتية

هَا نَحْنُ نَسْتَقْبِلُ شَهْرَ الصَّوْمِ، وَأَنْعِمْ بِالصَّوْمِ عِبَادَةً، بِهِ رَفْعُ الدَّرَجَاتُ، وَتَكْفِيرُ الخَطِيئَاتِ، وَكَسْرُ الشَّهَوَاتِ، وَتَكْثِيرُ الصَّدَقَاتِ، وَوَفْرَةِ الطَّاعَاتِ، وَشُكْرُ عَالِمِ الخَفِيَّاتِ، وَالانْزِجَارُ ... المزيد

 08-03-2024
 
 869
09-02-2024 2558 مشاهدة
902ـ خطبة الجمعة: حاله صلى الله عليه وسلم في شعبان

إِنَّ المُؤْمِنَ لَيَتَقَلَّبُ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَيَمُدُّ اللهُ تعالى لَهُ في أَجَلِهِ، وَكُلَّ يَوْمٍ يَبْقَاهُ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا هُوَ غَنِيمَةٌ لَهُ لِيَتَزَوَّدَ مِنْهُ لِآخِرَتِهِ، وَيَحْرُثَ فِيهِ مَا اسْتَطَاعَ، ... المزيد

 09-02-2024
 
 2558
02-02-2024 2266 مشاهدة
901ـ خطبة الجمعة: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ﴾

لِنَكنْ جَمِيعًا عَلَى يَقِينٍ أَنَّنَا سَنَلْقَى اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾. أَلَا وَإِنَّ الخَيْرَ كُلَّ الخَيْرِ في الجَنَّةِ، وَإِنَّ الشَّرَّ كُلَّ ... المزيد

 02-02-2024
 
 2266

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3154
المكتبة الصوتية 4763
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412013139
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :