63ـ بعض العبر في قصة سيدنا يوسف عليه السلام

63ـ بعض العبر في قصة سيدنا يوسف عليه السلام

63ـ بعض العبر في قصة سيدنا يوسف عليه السلام

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى في آخِرِ سُورَةِ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾. يَأْتِي خِتَامُ قِصَّةِ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَمَا جَاءَ في بِدَايَتِهَا: ﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾.

كَأَنَّ الحَقَّ جَلَّ وَعَلَا يُخَاطِبُ أُمَّةَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾. لَقَدْ كَانَ، وَيَكُونُ، وَسَيَكُونُ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لَا تَتَنَاهَى لِهَذِهِ الأُمَّةِ.

﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ﴾:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِ الأَنْبِيَاءِ الكِرَامِ، وَمَا جَرَى لَهُمْ مَعَ أَقْوَامِهِمْ، عِبْرَةٌ وَعِظَةٌ لِأَصْحَابِ العُقُولِ السَّلِيمَةِ، وَالأَفْكَارِ القَوِيمَةِ، بِسَبَبِ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ القَصَصُ مِنْ حِكَمٍ وَأَحْكَامٍ وَآدَابٍ وَهِدَايَاتٍ.

وَمَا كَانَ هَذَا المَقْصُوصُ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَيُخْتَلَقُ، وَلَكِنْ كَانَ تَصْدِيقَ الذي بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكُتُبِ السَّابِقَةِ عَلَيْهِ، كَالتَّوْرَاةِ، وَالإِنْجِيلِ، وَالزَّبُورِ، فَهُوَ المُهَيْمِنُ عَلَى هَذِهِ الكُتُبِ، وَالمُؤَيِّدُ لِمَا فِيهَا مِنْ أَخْبَارٍ صَحِيحَةٍ، وَالمُبَيِّنُ لِمَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ تَحْرِيفٍ وَتَغْيِيرٍ، وَالحَاكِمُ عَلَيْهَا بِالنَّسْخِ، أَو بِالتَّقْرِيرِ.

قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ أَيْ: وَكَانَ في هَذَا الكِتَابِ أَيْضًا تَفْصِيلُ وَتَوْضِيحُ كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الشَّرَائِعِ المُجْمَلَةِ التي تَحْتَاجُ إلى ذَلِكَ.

قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ أَيْ: وَكَانَ هِدَايَةً، وَرَحْمَةً شَامِلَةً، لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ بِهِ، وَيَعْمَلُونَ بِمَا فِيهِ مِنْ أَمْرٍ وَنَهْيٍ، وَيَنْتَفِعُونَ بِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوهِ العِبَرِ وَالعِظَاتِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: سُورَةُ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سُورَةٌ زَاخِرَةٌ بِالحِكَمِ وَالأَحْكَامِ، وَبِالآدَابِ وَالأَخْلَاقِ، وَبِالمُحَاوَرَاتِ وَالمُجَادَلَاتِ، وَبِأَحْوَالِ النُّفُوسِ البَشَرِيَّةِ في حُبِّهَا وَبُغْضِهَا، وَعُسْرِهَا وَيُسْرِهَا، وَخَيْرِهَا وَشَرِّهَا، وَعَطَائِهَا وَمَنْعِهَا، وَسِرِّهَا وَعَلَانِيَتِهَا، وَرِضَاهَا وَغَضَبِهَا، وَحُزْنِهَا وَسُرُورِهَا.

مِنَ العِبَرِ في قصَّةِ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنَ العِبَرِ في قصَّةِ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِأُولِي الأَلْبَابِ، وَهَذِهِ الأُمَّةُ هِيَ التي يَجِبُ أَنْ تَحْمِلَ هَذَا اللَّقَبَ الشَّرِيفَ المُبَارَكَ (أًولِي الأَلْبَابِ):

الأُولَى: وُجُوبُ تَرْكِ الغِلِّ وَالحِقْدِ وَالحَسَدِ عَلَى مَنْ آتَاهُ اللهُ تعالى نِعْمَةً، وَقَدْ حُرِمَهَا هُوَ.

الثَّانِيَةُ: تَحْرِيمُ الكَذِبِ في القَوْلِ وَالعَمَلِ وَالحَالِ، لِأَنَّ حَبْلَ الكَذِبِ قَصِيرٌ.

الثَّالِثَةُ: وُجُوبُ العِفَّةِ، وَخَاصَّةً في حَقِّ الشَّبَابِ الذينَ لَا يَجِدُونَ سَبِيلًا للزَّوَاجِ، وَأَنْ يَكُونَ سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَضْرِبَ مَثَلٍ لِكُلِّ شَابٍّ أَرَادَ العِفَّةَ.

الرَّابِعَةُ: وُجُوبُ الالْتِجَاءِ إلى اللهِ تعالى في سَاعَةِ المِحَنِ.

الخَامِسَةُ: اغْتِنَامُ حَاجَةِ أَصْحَابِ الحَاجَاتِ بِتَوْجِيهِهِمْ إلى اللهِ تعالى.

السَّادِسَةُ: الأَخْذُ بِالأَسْبَابِ لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ عَلَى اللهِ تعالى.

السَّابِعَةُ: لَا تُقَابِلِ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ.

الثَّامِنَةُ: في نِهَايَةِ المَطَافِ الكَاذِبُ هُوَ الخَاسِرُ، وَالمَظْلُومُ هُوَ الرَّابِحُ، وَسَوْفَ يُقِرُّ الظَّالِمُ بِظُلْمِهِ، وَالكَاذِبُ بِكَذِبِهِ.

التَّاسِعَةُ: مَا يَنْبَغِي للمُسْلِمِ أَنْ يُزَكِّيَ نَفْسَهُ، إِلَّا في حَالَةِ الاضْطِرَارِ، لِيُظْهِرَ فَضْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ.

العَاشِرَةُ: كَيْفَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ المُسْتَأْمَنُ عَلَى أَرْزَاقِ العِبَادِ.

الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: الصَّبْرُ الجَمِيلُ هُوَ الذي لَا شِكَايَةَ فِيهِ للخَلْقِ:

الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: عَدَمُ اليَأْسِ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تعالى.

الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: كَيْفَ تَكُونُ سَلَامَةُ القُلُوبِ.

الرِّابِعَةَ عَشْرَةَ: وُجُوبُ صِلَةِ الرَّحِمِ القَاطِعَةِ، فَقَدْ قَامَ سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِذَلِكَ مَعَ إِخْوَتِهِ، وَبِدُونِ عِتَابٍ وَلَا مَلَامَةٍ، فَضْلًا عَنِ الاحْتِقَارِ وَالتَّنْقِيصِ.

الخَامِسَةَ عَشْرَةَ: كَيْفَ تَكُونُ مُعَامَلَةُ الأَبْنَاءِ وَلَو كَانَوا عَاقِّينَ.

السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: الإِقْرَارُ أَنَّ مَصْدَرَ النِّعْمَةِ هُوَ اللهُ تعالى.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ أُولِي الأَلْبَابِ. آمين.

تاريخ الكلمة

**    **    **

الاثنين: 14/ جمادى الآخرة /1443هـ، الموافق: 17/ كانون الثاني / 2022م

الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ ﴾

08-05-2023 106 مشاهدة
83ـ شريح القاضي

ابْتَاعَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَرَسًا مِنْ رَجُلٍ مِنَ الأَعْرَابِ وَنَقَدَهُ ثَمَنَهُ، ثُمَّ امْتَطَى صَهْوَتَهُ وَمَضَى بِهِ. لَكِنَّهُ مَا كَادَ يَبْتَعِدُ بِالفَرَسِ طَوِيلًا حَتَّى ظَهَرَ فِيهِ ... المزيد

 08-05-2023
 
 106
19-04-2023 118 مشاهدة
82ـ امرؤ سريرته كعلانيته (الحسن البصري)

حَدَّثَ خَالِدُ بْنُ صَفْوَانَ قَالَ: لَقِيتُ مَسْلَمَةَ بْنَ عَبْدِ المَلِكِ في الحِيْرَةِ فَقَالَ لِي: أَخْبِرْنِي عَنْ حَسَنِ البَصْرَةِ، فَإِنَّي أَظُنُّ أَنَّكَ تَعْرِفُ مِنْ أَمْرِهِ مَا لَا يَعْرِفُ سِوَاكَ. فَقُلْتُ: أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيرَ، ... المزيد

 19-04-2023
 
 118
14-04-2023 103 مشاهدة
81ـ أتحلف من أجل درهمين

وُلِدَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ لِسَنَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ خِلَافَةِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وَرُبِّيَ في بَيْتٍ يَتَضَوَّعُ الوَرَعَ وَالتُّقَى (يَنْتَشِرُ انْتِشَارَ المِسْكِ) مِنْ كُلِّ رُكْنٍ مِنْ ... المزيد

 14-04-2023
 
 103
11-04-2023 128 مشاهدة
80ـ حتى لا يتثاقل مظلوم عن رفع ظلامته

يَرْوِي قَاضِي المُوصِلِ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى الغَسَّانِيُّ فَيَقُولُ: بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَطُوفُ ذَاتَ يَوْمٍ فِي أَسْوَاقِ حِمْصَ لِيَتَفَقَّدَ البَاعَةَ وَيَتَعَرَّفَ عَلَى الأَسْعَارِ، إِذْ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ عَلَيْهِ ... المزيد

 11-04-2023
 
 128
11-04-2023 73 مشاهدة
79ـ أشهد لي بذلك أيها أمير

يَرْوِي دُكَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ أَحَدُ الشُّعَرَاءِ الرُّجَّازِ البُدَاةِ فَيَقُولُ: امْتَدَحْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ يَوْمَ كَانَ وَالِيًا عَلَى المَدِينَةِ، فَأَمَرَ لِي بِخَمْسَ عَشْرَةَ نَاقَةً مِنْ كَرَائِمِ الإِبِلِ. ... المزيد

 11-04-2023
 
 73
11-04-2023 88 مشاهدة
78ـ ما أبعد ما ترجوه

يَرْوِي العَابِدُ الزَّاهِدُ زِيَاد بْنُ مَيْسَرَةَ المَخْزُومِيُّ بِالوَلَاءِ فَيَقُولُ: أَرْسَلَنِي مَوْلَايَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَيَّاشٍ مِنَ المَدِينَةِ إلى دِمَشْقَ لِلِقَاءِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ في حَوَائِجَ ... المزيد

 11-04-2023
 
 88

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5593
المقالات 3078
المكتبة الصوتية 4564
الكتب والمؤلفات 19
الزوار 410571173
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2023 
برمجة وتطوير :