75ـ ما الذي غيَّر ما بك؟
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: رَوَى أَبُو حَازِمٍ سَلَمَةُ بْنُ دِينَارٍ عَالِمُ المَدِينَةِ وَقَاضِيها وَشَيْخُها، قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى خَلِيفَةِ المُسْلِمِينَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ وَهُوَ بِخُنَاصِرَةَ مِنْ أَعْمَالِ حَلَبَ، وَكَانَتْ قَدْ تَقَدَّمَتْ بِيَ السِّنُّ، وَبَعُدَ بَيْنِي وَبَيْنَ لِقَائِهِ العَهْدُ، فَوَجَدْتُهُ في صَدْرِ البَيْتِ.
غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَعْرِفْهُ لِتَغَيُّرِ حَالِهِ عَمَّا عَهِدْتُهُ عَلَيْهِ، يَوْمَ كَانَ وَالِيًا عَلَى المَدِينَةِ، فَرَحَّبَ بِي وَقَالَ: اُدْنُ مِنِّي يَا أَبَا حَازِمٍ.
فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُ قُلْتُ: أَلَسْتَ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ؟
فَقَالَ: بَلَى.
فَقُلْتُ: مَا الذي حَلَّ بِكَ؟ أَلَمْ يَكُنْ وَجْهُكَ بَهِيًّا، وَإِهَابُكَ طَرِيًّا (أَيْ: بَشْرَتُكَ وَجِلْدُكَ) وَعَيْشُكَ رَخِيًّا (أَيْ: نَاعِمًا)
قَالَ: بَلَى.
فَقُلْتُ: فَمَا الذي غَيَّرَ مَا بِكَ بَعْدَ أَنْ غَدَوْتَ تَمْلِكُ الأَصْفَرَ وَالأَبْيَضَ (الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ) وَأَصْبَحْتَ أَمِيرًا للمُؤْمِنِينَ.
فَقَالَ: وَمَا الذي تَغَيَّرَ بِي يَا أَبَا حَازِمٍ؟
فَقُلْتُ: جِسْمُكَ الذي نَحَلَ (أَيْ: هَزَلَ) وَجِلْدُكَ الذي اخْشَوْشَنَ، وَوَجْهُكَ الذي اصْفَرَّ، وَعَيْنَاكَ اللَتَانِ خَبَا وَمْضُهُمَا (خَمَدَ لَمَعَانُهُمَا).
فَبَكَى وَقَالَ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَيْتَنِي في قَبْرِي بَعْدَ ثَلَاثٍ وَقَدْ سَالَتْ حَدَقَتَايَ عَلَى وَجْنَتَيَّ وَتَفَسَّخَ بَطْنِي وَتَشَقَّقَ، وَانْطَلَقَ الدُّودُ يَرْتَعُ في بَدَنِي؛ إِنَّكَ لَوْ رَأَيْتَنِي آنَذَاكَ يَا أَبَا حَازِمٍ، لَكُنْتَ أَشَدَّ إِنْكَارًا لِي مِنْ يَوْمِكَ هَذَا.
ثُمَّ رَفَعَ بَصَرَهُ إِلَيَّ وَقَالَ: أَمَا تَذْكُرُ حَدِيثًا كُنْتَ حَدَّثْتَنِي بِهِ في المَدِينَةِ يَا أَبَا حَازِمٍ.
فَقُلْتُ: لَقَدْ حَدَّثْتُكَ بِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، فَأَيَّهَا تَقْصِدُ؟
فَقَالَ: إِنَّهُ حَدِيثٌ رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
فَقُلْتُ: نَعَمْ، أَذْكُرُهُ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ.
فَقَالَ: أَعِدْهُ عَلَيَّ، فَإِنَّي أُرِيدُ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْكَ.
فَقُلْتُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ عَقَبَةً كَؤُودًا، مُضَرَّسَةً، لَنْ يَجُوزُهَا إِلَّا كُلُّ ضَامِرٍ مَهْزُولٍ».
فَبَكَى عُمَرُ بُكَاءً شَدِيدًا، خَشِيتُ مَعَهُ أَنْ تَنْشَقَّ مَرَارَتُهُ (أَيْ: جَوْفُ كَبِدِهِ).
ثُمَّ كَفْكَفَ دُمُوعَهُ وَالْتَفَتَ إِلَيَّ وَقَالَ: فَهَلْ تَلُومُنِي يَا أَبَا حَازِمٍ إِذَا أَنَا أَهْزَلْتُ نَفْسِي لِتِلْكَ الْعَقَبَةِ، رَجَاءَ أَنْ أَنْجُوَ مِنْهَا، وَمَا أَظُنُّنِي بِنَاجٍ.
** ** **
تاريخ الكلمة:
يوم الثلاثاء: 13/ رمضان / 1444 هـ، الموافق: 4/ نيسان / 2023 م
ارسل إلى صديق |
ابْتَاعَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَرَسًا مِنْ رَجُلٍ مِنَ الأَعْرَابِ وَنَقَدَهُ ثَمَنَهُ، ثُمَّ امْتَطَى صَهْوَتَهُ وَمَضَى بِهِ. لَكِنَّهُ مَا كَادَ يَبْتَعِدُ بِالفَرَسِ طَوِيلًا حَتَّى ظَهَرَ فِيهِ ... المزيد
حَدَّثَ خَالِدُ بْنُ صَفْوَانَ قَالَ: لَقِيتُ مَسْلَمَةَ بْنَ عَبْدِ المَلِكِ في الحِيْرَةِ فَقَالَ لِي: أَخْبِرْنِي عَنْ حَسَنِ البَصْرَةِ، فَإِنَّي أَظُنُّ أَنَّكَ تَعْرِفُ مِنْ أَمْرِهِ مَا لَا يَعْرِفُ سِوَاكَ. فَقُلْتُ: أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيرَ، ... المزيد
وُلِدَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ لِسَنَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ خِلَافَةِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وَرُبِّيَ في بَيْتٍ يَتَضَوَّعُ الوَرَعَ وَالتُّقَى (يَنْتَشِرُ انْتِشَارَ المِسْكِ) مِنْ كُلِّ رُكْنٍ مِنْ ... المزيد
يَرْوِي قَاضِي المُوصِلِ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى الغَسَّانِيُّ فَيَقُولُ: بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَطُوفُ ذَاتَ يَوْمٍ فِي أَسْوَاقِ حِمْصَ لِيَتَفَقَّدَ البَاعَةَ وَيَتَعَرَّفَ عَلَى الأَسْعَارِ، إِذْ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ عَلَيْهِ ... المزيد
يَرْوِي دُكَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ أَحَدُ الشُّعَرَاءِ الرُّجَّازِ البُدَاةِ فَيَقُولُ: امْتَدَحْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ يَوْمَ كَانَ وَالِيًا عَلَى المَدِينَةِ، فَأَمَرَ لِي بِخَمْسَ عَشْرَةَ نَاقَةً مِنْ كَرَائِمِ الإِبِلِ. ... المزيد
يَرْوِي العَابِدُ الزَّاهِدُ زِيَاد بْنُ مَيْسَرَةَ المَخْزُومِيُّ بِالوَلَاءِ فَيَقُولُ: أَرْسَلَنِي مَوْلَايَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَيَّاشٍ مِنَ المَدِينَةِ إلى دِمَشْقَ لِلِقَاءِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ في حَوَائِجَ ... المزيد