21ـ دعواته المستمرة لأمته في دنياه وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم
مقدمة الكلمة:
أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِن مَظَاهِرِ الرَّحْمَةِ المُهْدَاةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَعَوَاتُهُ المُسْتَمِرَّةُ لِأُمَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في دُنْيَاهُ، وَبَعْدَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
وَلَا نَعْلَمُ رَسُولًا مِنَ الرُّسُلِ، وَلَا نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ دَعَا لِأُمَّتِهِ مَا دَعَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكُلُّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى حِرْصِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمَّتِهِ، وَرَحْمَتِهِ بِهَا.
مِنْ دَعَوَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ
أَوَّلًا: رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا، وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي أَنْ لَا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ، فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وَإِنَّ رَبِّي قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ، يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ، وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا ـ أَوْ قَالَ مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا ـ حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا، وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا».
ثَانِيًا: رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ نُرِيدُ الْمَدِينَةَ، فَلَمَّا كُنَّا قَرِيبًا مِنْ عَزْوَرَا نَزَلَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَدَعَا اللهَ سَاعَةً، ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا فَمَكَثَ طَوِيلًا، ثُمَّ قَامَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَدَعَا اللهَ سَاعَةً، ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا فَمَكَثَ طَوِيلًا، ثُمَّ قَامَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ سَاعَةً، ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا ـ ذَكَرَهُ أَحْمَدُ ثَلَاثًا ـ قَالَ: «إِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي وَشَفَعْتُ لِأُمَّتِي، فَأَعْطَانِي ثُلُثَ أُمَّتِي فَخَرَرْتُ سَاجِدًا شُكْرًا لِرَبِّي، ثُمَّ رَفَعْتُ رَأْسِي فَسَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي فَأَعْطَانِي ثُلُثَ أُمَّتِي فَخَرَرْتُ سَاجِدًا لِرَبِّي شُكْرًا، ثُمَّ رَفَعْتُ رَأْسِي، فَسَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي فَأَعْطَانِي الثُّلُثَ الْآخِرَ فَخَرَرْتُ سَاجِدًا لِرَبِّي».
فَأُمَّتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كُلُّهَا تَخْرُجُ مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَتَدْخُلُ الجَنَّةَ بَعْدَ تَطْهِيرِ وَتَمْحِيصِ مَنْ شَاءَ اللهُ تعالى أَنْ يُعَذِّبَهُ وَيُعَاتِبَهُ، ثُمَّ يَنْجُو الجَمِيعُ بِإِذْنِ اللهِ تعالى مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ بِشَفَاعَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
ثَالِثًا: رَوَى ابْنُ حِبَّانَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا رَأَيْتُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ طِيبَ نَفْسٍ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ لِي.
فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَائِشَةَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنَبِهَا وَمَا تَأَخَّرَ، مَا أَسَرَّتْ وَمَا أَعْلَنَتْ».
فَضَحِكَتْ عَائِشَةُ حَتَّى سَقَطَ رَأْسُهَا فِي حِجْرِهَا مِنَ الضَّحِكِ.
قَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيَسُرُّكِ دُعَائِي؟».
فَقَالَتْ: وَمَا لِي لَا يَسُرُّنِي دُعَاؤُكَ.
فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَاللهِ إِنَّهَا لَدُعَائِي لِأُمَّتِي فِي كُلِّ صَلَاةٍ».
وَفي رِوَايَةٍ للحَاكِمِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّهَا جَاءَتْ هِيَ وَأَبَوَاهَا أَبُو بَكْرٍ وَأُمُّ رُومَانَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَا: إِنَّا نُحِبُّ أَنْ تَدْعُوَ لِعَائِشَةَ بِدَعْوَةٍ وَنَحْنُ نَسْمَعُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَائِشَةَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ مَغْفِرَةً وَاجِبَةً ظَاهِرَةً بَاطِنَةً».
فَعَجِبَ أَبَوَاهَا لِحُسْنِ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَهَا.
فَقَالَ: «تَعْجَبَانِ! هَذِهِ دَعْوَتِي لِمَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ».
يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَحْرِصَ عَلَى كَثْرَةِ فِعْلِ الطَّاعَاتِ حَتَّى نَكُونَ أَهْلًا لِقَبُولِ دَعْوَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَلَقَدْ دَعَا لَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرَانَا، تَأَمَّلُوا، نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو لَنَا بِالمَغْفِرَةِ وَلَمْ يَرَنَا، أَمَا يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ حَرِيصِينَ عَلَى اتِّبَاعِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ تَمَامِ رَحْمَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِأُمَّتِهِ أَنَّهُ يَسْتَغْفِرُ لَهُمْ وَهُوَ في قَبْرِهِ الشَّرِيفِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه البَزَّارُ عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «حَيَاتِي خَيْرٌ لَكَمْ تُحْدِثُونَ وَيُحَدَثُ لَكَمْ، وَوَفَاتِي خَيْرٌ لَكَمْ تُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالُكُمْ، فَمَا رَأَيْتُ مِنْ خَيْرٍ حَمَدَتُ اللهَ عَلَيْهِ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْ شَرٍّ اسْتَغْفَرْتُ اللهَ لَكَمْ».
فَهَلْ عَرَفْنَا قَدْرَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِحُسْنِ الاقْتِدَاءِ وَالاتِّبَاعِ. آمين.
** ** **
تاريخ الكلمة:
الاثنين: 24/محرم /1444هـ، الموافق: 22/آب / 2022م
ارسل إلى صديق |
رَحْمَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِعَالَمِ الجِنِّ: رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَلْقَمَةَ هَلْ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ شَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ... المزيد
مِنْ مَظَاهِرِ رَحْمَتِهِ تَبَارَكَ وتعالى بِأُمَّةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَشُمُولِهَا بِرَحْمَتِهِ المُهْدَاةِ، أَنْ قَبَضَ اللهُ سُبْحَانَهُ وتعالى نَبِيَّهَا الكَرِيمَ صَلَّى اللهُ ... المزيد
إِنَّ الذي يُنْذِرُ قَوْمَهُ ـ خَاصَّةً مِنْ أَمْرٍ خَطِيرٍ ـ إِنَّمَا يَبْعَثُهُ عَلَى إِنْذَارِهِمُ الحِرْصُ وَالرَّحْمَةُ وَالشَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ، حَتَّى لَا يُصَابُوا بِأَذًى، وَلَو كَانَ غَيْرَ مُبَالٍ بِمَا يَحْدُثُ لَهُمْ لَما أَنْذَرَهُمْ. ... المزيد
الرَّحْمَةُ فَضِيلَةٌ مَحْمُودَةٌ، وَخُلُقٌ مِنَ الأَخْلَاقِ الفَاضِلَةِ، وَصِفَةٌ مِنَ الصِّفَاتِ الكَامِلَةِ، وَهِيَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللهِ تعالى، كَمَا قَالَ تعالى لِنَبِيِّهِ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ ... المزيد
لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ عَظَمَةِ خَيْرِ الخَلْقِ عَلَى الإِطْلَاقِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، النِّعْمَةِ المُسْدَاةِ، وَالرَّحْمَةِ المُهْدَاةِ، خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ ... المزيد
مِنْ صُوَرِ الرَّحْمَةِ المُهْدَاةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: خَفْضُ جَنَاحِهِ لِمَنِ اتَّبَعَهُ مِنَ المُؤْمِنِينَ، فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُتَوَاضِعٌ ... المزيد