892ـ خطبة الجمعة: الإسلام رفع الإنسان فوق كل المقدسات

892ـ خطبة الجمعة: الإسلام رفع الإنسان فوق كل المقدسات

892ـ خطبة الجمعة: الإسلام رفع الإنسان فوق كل المقدسات

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدِ اعْتَادَ شَيَاطِينُ الإِنْسِ الذينَ دَارُوا في فَلَكِ شَيَاطِينِ الجِنِّ عَلَى التَّسَتُّرِ وَرَاءَ شِعَارَاتٍ بَرَّاقَةٍ وَاهِيَةٍ، تَبْدُو في ظَاهِرِهَا مَعْقُولَةً وَجَمِيلَةً وَحَسَنَةً، يُلْقِي النَّاسُ إِلَيْهَا أَسْمَاعَهُمْ، حَتَّى يَصِلُوا إلى دَرَجَةٍ عَالِيَةٍ مِنَ الإِقْنَاعِ، دُونَ أَنْ يَنْتَبِهُوا إلى مَزَالِقِهَا الخَطِرَةِ التي تُوصِلُهُمْ إلى الضَّلَالِ.

لَقَدْ رَفَعَ شَيَاطِينُ الإِنْسِ بِإِيحَاءٍ مِنْ شَيَاطِينِ الجِنِّ  شِعَارَ حُقُوقِ الإِنْسَانِ، وَحُقُوقِ المَرْأَةِ، وَحُقُوقِ الطِّفْلِ، لِأَنَّ الإِسْلَامَ ظَلَمَ الإِنْسَانَ بِتَشْرِيعِهِ، كَمَا ظَلَمَ المَرْأَةَ وَالطِّفْلَ حَسَبَ مَا يَدَّعُونَ، وَتَحْتَ هَذَا الشِّعَارِ البَرَّاقِ الذي انْسَاقَ خَلْفَهُ الكَثِيرُ مِنَ النَّاسِ، حَتَّى حَارَبُوا الإِسْلَامَ، رَأَيْنَا أَصْحَابَ هَذَا الشِّعَارِ يَقْتُلُونَ الإِنْسَانَ، وَيَقْتُلُونَ المَرْأَةَ وَالأَطْفَالَ، مَجَازِرُ تُرْتَكَبُ عَلَى مَرْأَى مِنْ هَؤُلَاءِ الشَّيَاطِينِ، وَكَأَنَّ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ.

الإِسْلَامُ رَفَعَ الإِنْسَانَ فَوْقَ كُلِّ المُقَدَّسَاتِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: الحَقُّ الذي لَا خَفَاءَ فِيهِ إِلَّا عَلَى شَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالجِنِّ أَنَّ الشَّرِيعَةَ الإِسْلَامِيَّةَ رَفَعَتْ قِيمَةَ الإِنْسَانِ فَوْقَ كُلِّ المُقَدَّسَاتِ، قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾.

كَيْفَ لَا يَكُونُ هَذَا الإِنْسَانُ مُكَرَّمًا، وَفِيهِ نَفْحَةٌ عُلْوِيَّةٌ مِنْ رُوحِ اللهِ تعالى: ﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾؟

لَقَدْ كَرَّمَ اللهُ تعالى الإِنْسَانَ حِينَ خَلَقَهُ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ سَوَّاهُ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَأَسْجَدَ لَهُ مَلَائِكَتَهُ، وَسَخَّرَ لَهُ مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا في الأَرْضِ، وَأَسْبَغَ عَلَيْهِ نِعَمَهُ الظَّاهِرَةَ وَالبَاطِنَةَ حَتَّى خَاطَبَهُ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ لَا نَنْسَى مَوْقِفَ سَيِّدِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، عِنْدَمَا كَانَ يَطُوفُ بِالكَعْبَةِ ـ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الكَعْبَةُ، وَمَا تُمَثِّلُهُ في قُلُوبِ المُسْلِمِينَ ـ رَوَى ابْنُ مَاجَه عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ وَيَقُولُ: «مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ، مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ حُرْمَةً مِنْكِ، مَالِهِ، وَدَمِهِ، وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلَّا خَيْرًا».

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في يَوْمِ حَجَّةِ الوَدَاعِ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟».

قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ.

قَالَ: «فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟».

قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ.

قَالَ: «فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟».

قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ.

قَالَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ قَضِيَّةَ الإِنْسَانِ قَضِيَّةٌ كَبِيرَةٌ أَوْلَاهَا الإِسْلَامُ جُلَّ اهْتِمَامِه، بَلْ مَا أَنْزَلَ اللهُ تعالى شَرِيعَتَهُ إِلَّا لِتَكْرِيمِ هَذَا الإِنْسَانِ وَمِنْ أَجْلِ إِسْعَادِهِ: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾.  ﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ حَضَّنَا الإِسْلَامُ عَلَى تَكْرِيمِ النَّاسِ، وَإِنْزَالِهِمْ مَنَازِلَهُمْ، رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُنَزِّلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ.

وَتَدَبَّرُوا قَوْلَهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنْ نُنَزِّلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ. (مُطْلَقَ النَّاسِ).

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا، وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا» رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ.

وَقَالَ سَيِّدُنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِرَجُلٍ: اجْعَلْ كَبِيرَ المُسْلِمِينَ عِنْدَكَ أَبًا، وَصَغِيرَهُمُ ابْنًا، وَأَوْسَطَهُمْ أَخًا، فَأَيَّ أُولَئِكَ تُحِبُّ أَنْ تُسِيءَ إِلَيْهِ؟!

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: دِينُنَا الحَنِيفُ يَنْظُرُ إلى الإِنْسَانِ أَنَّهُ إِنْسَانٌ مُكَرَّمٌ، وَسِرُّ التَّكْرِيمِ لَهُ أَرْبَعَةُ جَوَانِبُ:

أَوَّلًا: خَلَقَهُ اللهُ تعالى بِيَدَيْهِ.

ثَانِيًا: نَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ.

ثَالِثًا: أَسْجَدَ لَهُ مَلَائِكَتَهُ الذينَ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ، وَلَا يَعْلَمُ عَدَدَهُمْ إِلَّا اللهُ تعالى.

رَابِعًا: عَلَّمَهُ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا.

هَذَا التَّكْرِيمُ لَيْسَ إِلَّا للإِنْسَانِ، وَهَذَا التَّكْرِيمُ لَا تَجِدُهُ إِلَّا في الإِسْلَامِ، عَرَفَ هَذَا مَنْ عَرَفَ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ.

أَيْنَ دُعَاةُ الإِنْسَانِيَّةِ مِنْ شَيَاطِينِ الإِنْسِ مِنْ هَذِهِ التَّعَالِيمِ؟

يَا عِبَادَ اللهِ: أَمَا آنَ لَنَا أَنْ نَسْتَيْقِظَ مِنْ سُبَاتِنَا لَعَلَّ اللهَ تعالى يُعِيدُ إِلَيْنَا عِزَّنَا وَكَرَامَتَنَا وَمُقَدَّسَاتِنَا وَأَمْوَالَنَا وَقُوَّتَنَا؟

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 17/ جمادى الأولى /1445هـ، الموافق: 1/ كانون الأول / 2023م

 2023-12-01
 2829
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

28-11-2024 2501 مشاهدة
932ـ خطبة الجمعة: مهمتنا أيام الكرب والغمة

أَحْوَالٌ عَصِيبَةٌ، وَظُرُوفٌ رَهِيبَةٌ تُحِيطُ بِأَهْلِ بِلَادِ الشَّامِ في هَذِهِ الأَيَّامِ، نَرَى صُوَرًا مُحْزِنَةً، أُمَّةٌ في مَجْمُوعِهَا كَأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ شَيْئًا، أُمَّةٌ قَالَ اللهُ تعالى فِيهَا: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ ... المزيد

 28-11-2024
 
 2501
22-11-2024 848 مشاهدة
931ـ خطبة الجمعة: الدافع إلى محبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

الإنْسَانُ السَّوِيُّ مَجْبُولٌ وَمَفْطُورٌ مِنْ أَصْلِ خَلْقِهِ عَلَى الحُبِّ، وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ إِنْسَانٍ سَوِيٍّ عَاقِلٍ بِدُونِ حُبٍّ، سَوَاءٌ أَكَانَ الحُبُّ مُدَنَّسًا أَمْ مُقَدَّسًا، فَالمُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ... المزيد

 22-11-2024
 
 848
14-11-2024 995 مشاهدة
930ـ خطبة الجمعة: غرس الله تعالى محبته صلى الله عليه وسلم في الجمادات وغيرها

لَقَدْ عَظَّمَ اللهُ نَبِيَّنَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَكْرَمَهُ، وَفَضَّلَهُ عَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ، وَأَعْطَاهُ مِنَ المِيزَاتِ وَالخَصَائِصِ مَا لَمْ يُعْطِهِ لِأَحَدٍ مِنَ البَشَرِ ... المزيد

 14-11-2024
 
 995
04-10-2024 4218 مشاهدة
929ـ خطبة الجمعة: الأدب مع الله قلبًا ولسانًا وأركانًا

إِنَّ أَعْلَى مَرَاتِبِ الأَدَبِ الأَدَبُ مَعَ اللهِ تعالى، بَلْ هُوَ أَصْلُ كُلِّ أَدَبٍ، وَالأَدَبُ مَعَ اللهِ تعالى هُوَ حُسْنُ الانْقِيَادِ لِأَوَامِرِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، مَعَ تَعْظِيمِهِ وَإِجْلَالِهِ وَالحَيَاءِ مِنْهُ تَبَارَكَ وتعالى. ... المزيد

 04-10-2024
 
 4218
27-09-2024 2486 مشاهدة
928ـ خطبة الجمعة: الآداب المطلوبة من كل مسلم

لَقَدْ جَاءَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِرِسَالَةٍ مِنْ عِنْدِ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ، وَهَذَا مِنْ تَكْرِيمِ اللهِ تعالى لِخَلْقِهِ، وَقَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نَتَأَدَّبُ مَعَ حَبِيبِهِ ... المزيد

 27-09-2024
 
 2486
20-09-2024 1770 مشاهدة
927ـ خطبة الجمعة: الأدب معه صلى الله عليه وسلم

مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ العَظِيمَ بِتَدَبُّرٍ وَإِنْصَافٍ، فَإِنَّهُ يَجِدُ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ يَدْعُو جَمِيعَ العُقَلَاءِ مِنْ بَنِي الإِنْسَانِ إلى الأَدَبِ مَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ... المزيد

 20-09-2024
 
 1770

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5632
المقالات 3201
المكتبة الصوتية 4873
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 420108774
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :