213ـ أقبلوا على الملك العليم العلام

213ـ أقبلوا على الملك العليم العلام

كلمة شهر ذي القعدة 1445

213ـ أقبلوا على الملك العليم العلام

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ حَيَاةَ الإِنْسَانِ مَحْدُودَةُ الآجَالِ، وَأَيَّامَهُ وَلَيَالِيَهُ تَمْضِي سَرِيعَةً إلى الزَّوَالِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا يَنْتَقِلُ مِنْ حَالٍ إلى حَالٍ، وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ في كِتَابِهِ العَظِيمِ: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَا أَجْمَلَ مَوَاسِمَ العِبَادَاتِ! لَقَدْ مَضَى شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ الذي كَانَ مَحَطَّةً لِتَزْكِيَةِ النُّفُوسِ، وَوَسِيلَةً مِنْ وَسَائِلِ تَطْهِيرِ القُلُوبِ مِنْ دَنَسِ الذُّنُوبِ.

وَهَا نَحْنُ نَنْتَقِلُ إلى مَوْسِمٍ آخَرَ، أَلَا وَهُوَ مَوْسِمُ الحَجِّ، وَهَا نَحْنُ في الشَّهْرِ الثَّانِي مِنْ أَشْهُرِ الحَجِّ.

أَقْبِلُوا عَلَى المَلِكِ العَلِيمِ العَلَّامِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَقْبِلُوا في هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ المُبَارَكِ، شَهْرِ ذِي القَعْدَةِ، عَلَى المَلِكِ العَلِيمِ العَلَّامِ، وَذَلِكَ بِحِفْظِ الجَوَارِحِ الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ عَنِ الآثَامِ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ عَنِ النَّظَرِ إلى الحَرَامِ، وَحَصِّنُوا فُرُوجَكُمْ، وَطَيِّبُوا مَطَاعِمَكُمْ، وَكُفُّوا الأَذَى عَنِ المُسْلِمِينَ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ، لِأَنَّ المُسْلِمَ الحَقَّ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَقْبِلُوا في هَذَا الشَّهْرِ المُبَارَكِ عَلَى قَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾.

وَعَلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ـ وَعَدَّ مِنْهُمْ ـ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

انْتَبِهُوا إلى مَلَابِسِهِنَّ، وَإلى حِجَابِهِنَّ، وَإلى مُخَالَطَتِهِنَّ مَعَ الرِّجَالِ، هَلْ مَلَابِسُهُنَّ مَلَابِسُ شَرْعِيَّةٌ أَمَامَ النِّسَاءِ؟ وَهَلْ حِجَابُهُنَّ شَرْعِيٌّ إِذَا خَرَجْنَ مِنْ بُيُوتِهِنَّ؟ وَحِجَابُ المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ هُوَ الذي يَسْتُرُهَا مِنْ فَرْقِهَا إلى قَدَمِهَا.

انْتَبِهُوا إلى مَحَارِمِكُمْ عِنْدَمَا يَذْهَبْنَ إلى حَفَلَاتِ الأَعْرَاسِ، هَلْ في تِلْكَ الأَمَاكِنِ كَشْفٌ لِلْعَوْرَاتِ وَهَلْ فِيهَا الغِنَاءُ؟ مَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ للهِ تعالى؟

وَأَمَّا أَنْتِ يَا أُخْتَاهُ، يَا مَنْ دَخَلَ عَلَيْكِ شَهْرُ ذِي القَعْدَةِ، وَهُوَ ثَانِي شَهْرٍ مِنْ أَشْهُرِ الحَجِّ، هَلْ قَلْبُكِ وَرُوحُكِ مَعَ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، مِنْ خِلَالِ الْتِزَامِكِ بِأَوَامِرِ اللهِ تعالى؟

كُونِي يَا أُخْتَاهُ مِنْ أَهْلِ الطَّاعَةِ للهِ تعالى وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكُونِي مِنْ أَهْلِ الاسْتِقَامَةِ وَمِمَّنْ تُحْسِنُ تَبَعُّلَهَا لِزَوْجِهَا، حَيْثُ إِنَّهُ جَنَّتُهَا وَنَارُهَا، كُونِي يَا أُخْتَاهُ حَريصَةً كُلَّ الحِرْصِ عَلَى حُسْنِ تَرْبِيَةِ البَنَاتِ سُلُوكًا قَبْلَ الأَقْوَالِ.

أَنْتِ يَا أُخْتَاهُ الكَرِيمَةُ دِعَامَةُ البَيْتِ، صَلَاحُكِ صَلَاحُ البَيْتِ، وَفَسَادُكِ ـ لَا قَدَّرَ اللهُ تعالى ـ فَسَادُ البَيْتِ، أَنْتِ العُنْوَانُ لِسَعَادَةِ البَيْتِ وَنَجَاحِهِ، فَاحْذَرِي مِنَ اللِّينِ في القَوْلِ مَعَ الرِّجَالِ، وَاحْذَرِي الدِّعَايَاتِ المُضَلِّلَةَ، التي تُرِيدُكِ أَنْ تَخْرُجِي مِنَ البَيْتِ كَاسِيَةً عَارِيَةً مُتَبَرِّجَةً مُتَعَطِّرَةً لِتُقْضَى شَهَوَاتُ الذِّئَابِ البَشَرِيَّةِ عَنْ طَرِيقِكِ.

وَاللهِ ثُمَّ وَاللهِ، مَا أَحَدٌ أَعْطَاكِ مِنَ الحُقُوقِ كَمَا أَعْطَاكِ إِيَّاهُ شَرْعُنَا الشَّرِيفُ، لَا وَرَبِّ الكَعْبَةِ، وَظُلْمُ الأَزْوَاجِ لَا يَتَحَمَّلُهُ شَرْعُ اللهِ تعالى، فَهُمُ الذينَ ظَلَمُوكِ وَظَلَمُوا شَرْعَ اللهِ تعالى، فَكُونِي عَلَى حَذَرٍ مِنْ ضَيَاعِ دِينِكِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَا نَحْنُ في الشَّهْرِ الثَّانِي مِنْ أَشْهُرِ الحَجِّ، فَهَلُمُّوا جَمِيعًا لِنَقُولَ لِأَمْرِ اللهِ تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ.

وَنَقُولَ مِثْلَهَا لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾.

يَا رَبِّ وَفِّقْنَا لِفِعْلِ الطَّاعَاتِ وَالقُرُبَاتِ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 1/ ذو القعدة /1445هـ، الموافق: 9/أيار / 2024م

 2024-05-09
 1046
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

30-04-2025 129 مشاهدة
225ـ لا تحزنوا فالله معكم

الإِيمَانُ الحَقِيقِيُّ يُخْرِجُ العَبْدَ مِنَ الشَّدَائِدِ وَالمِحَنِ وَالكُرُوبِ، وَيَجْعَلُهُ فِي حَالَةِ ارْتِبَاطٍ بِاللهِ تَعَالَى وَاليَوْمِ الآخِرِ، الإِيمَانُ هُوَ دِرْعُ وَسِلَاحُ وَمَنَارُ المُؤْمِنِ وَقْتَ الشَّدَائِدِ القَاسِيَةِ، ... المزيد

 30-04-2025
 
 129
06-04-2025 221 مشاهدة
224ـ ما أجمل الأتقياء وأكرمهم

مَا أَجْمَلَ الأَتْقِيَاءَ وَأَكْرَمَهُمْ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، تَآلَفَتْ قُلُوبُهُمْ فِي اللهِ تَعَالَى وَعَلَى طَاعَتِهِ، وَهَذَا مِنْ فَضْلِ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، قَالَ تَعَالَى: ﴿فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ ... المزيد

 06-04-2025
 
 221
04-03-2025 338 مشاهدة
223ـ اعتبروا الناس بأعمالهم

مَنْ حُجِبَ عَنِ العِلْمِ عَذَّبَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى جَهْلِهِ، وَأَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا مَنْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ العِلْمُ فَأَدْبَرَ عَنْهُ، وَسَاقَ اللهُ إِلَيْهِ الهُدَى فَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ ... المزيد

 04-03-2025
 
 338
08-01-2025 917 مشاهدة
221ـ نموذجان من المسلمين اليوم

الإِنْسَانُ خُلِقَ لِلْجَنَّةِ، وَالجَنَّةُ خُلِقَتْ لَهُ، وَالجَنَّةُ هِيَ سِلْعَةٌ، وَسِلْعَةُ اللهِ غَالِيَةٌ، وَثَمَنُهَا فِي الدُّنْيَا؛ فَمَا هُوَ ثَمَنُ الجَنَّةِ؟ ثَمَنُ الجَنَّةِ هُوَ العِبَادَةُ للهِ تعالى، وَالإِسْلَامُ عَقَائِدُ ... المزيد

 08-01-2025
 
 917
08-01-2025 546 مشاهدة
220ـ إلا الخيانة والكذب

الظَّوَاهِرُ القَبِيحَةُ فِي المُجْتَمَعِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَلَكِنَّ أَقْبَحَهَا وَأَخْطَرَهَا ظَاهِرَةُ الكَذِبِ، هَذِهِ الظَّاهِرَةُ الَّتِي قَالَ عَنْهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ ... المزيد

 08-01-2025
 
 546
08-01-2025 457 مشاهدة
219ـ نعمة الإيمان وأثرها على العبد

أَعْظَمُ نِعْمَةٍ أَسْبَغَهَا اللهُ تعالى عَلَى عَبْدِهِ هِيَ نِعْمَةُ الإِيمَانِ، وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ تعالى مَا نَطَقَ بِهَا العَبْدُ، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ ... المزيد

 08-01-2025
 
 457

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5698
المقالات 3216
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 423369132
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :