200ـ السلام عليك يا شهر رمضان

200ـ السلام عليك يا شهر رمضان

كلمة شهر شوال 1444

200ـ السلام عليك يا شهر رمضان

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَا هُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ قَدْ وَلَّى، وَمَرَّ كَالطَّيْفِ، وَكَانَ كَالحُلْمِ، فَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا شَهْرَ رَمَضَانَ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا شَهْرَ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ وَتِلَاوَةِ القُرْآنِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا شَهْرَ التَّجَاوُزِ وَالغُفْرَانِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا شَهْرَ البَرَكَةِ وَالإِحْسَانِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا شَهْرَ التُّحَفِ وَالرِّضْوَانِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا شَهْرَ الأَمَانِ.

مَا أَجْمَلَكَ يَا شَهْرَ رَمَضَانَ، لَقَدْ كُنْتَ للعَاصِينَ حَبْسًا، وَللمُتَّقِينَ أُنْسًا، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا شَهْرَ النُّسُكِ وَالتَّعَبُّدِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا شَهْرَ الصِّيَامِ وَالتَّهَجُّدِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا شَهْرَ التَّرَاوِيحِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا شَهْرَ الأَنْوَارِ وَالمَصَابِيحِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا شَهْرَ المَتْجَرِ الرَّبِيحِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا شَهْرًا يُتْرَكُ فِيهِ القَبِيحُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أُنْسَ العَارِفِينَ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَوْضَةَ العَابِدِينَ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا شَهْرًا تَسَابَقَ فِيكَ المُتَّقُونَ، السَّلَامُ عَلَيْكَ مِنْ فُؤَادٍ لِفِرَاقِكَ مَحْزُونٌ.

السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَيُّهَا الشَّهْرُ العَظِيمُ المُبَارَكُ؛ هَلْ تَعُودُ أَيَّامُكَ عَلَيْنَا أَمْ لَا تَعُودُ، وَيَا لَيْتَنَا تَحَقَّقْنَا بِمَا تَشْهَدُ بِهِ عَلَيْنَا يَوْمَ الوُرُودِ، وَيَا لَيْتَنَا عَلِمْنَا مَنِ المَقْبُولُ مِنَّا وَمَنِ المَطْرُودُ.

هَلْ يَا أَيُّهَا الشَّهْرُ الكَرِيمُ إِذَا عَادَتْ أَيَّامُكَ فَنَحْنُ في الوُجُودِ، نُنَافِسُ أَهْلَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، أَمِ انْطَبَقَتْ عَلَيْنَا اللُّحُودُ، وَمَزَّقَنَا البِلَى وَالدُّودُ، يَا أَسَفًا عَلَى فِرَاقِكَ يَا أَيُّهَا الشَّهْرُ العَظِيمُ المُبَارَكُ.

فَضْلُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا في رَمَضَانَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ وَلَّى شَهْرُ الصِّيَامِ بِأَوْقَاتِهِ، وَتَفَضَّلَ عَلَيْنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ بِبَرَكَتِهِ وَخَيْرَاتِهِ، وَأَعَانَنَا وَوَفَّقَنَا فِيهِ للصَّالِحَاتِ، وَحَفِظَنَا بِفَضْلِهِ تعالى مِنَ المُوبِقَاتِ، وَأَرْجُو اللهَ تعالى أَنَّهُ عَجَّلَ لَنَا الثَّوَابَ، وادَّخَرَ لَنَا أَكْمَلَ الجَزَاءِ في دَارِ المَآبِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِئَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي».

فَيَا أَصْحَابَ هَذِهِ النِّعْمَةِ، تَذَكَّرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ﴾.

وَتَذَكَّرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى في حَقِّ أَهْلِ الخَشْيَةِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾.

رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾ يَا رَسُولَ اللهِ، هُوَ الَّذِي يَسْرِقُ وَيَزْنِي وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَهُوَ يَخَافُ اللهَ؟

قَالَ: «لَا يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ، يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُ الَّذِي يُصَلِّي وَيَصُومُ وَيَتَصَدَّقُ وَهُوَ يُخَافُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ».

فَالمُحْسِنُ يُتْبِعُ الحَسَنَةَ حَسَنَاتٍ، وَلَا يَغْشَى المُحَرَّمَاتِ، وَمَنْ أَسَاءَ فِيمَا سَلَفَ، فَبَابُ التَّوْبَةِ مَفْتُوحٌ، وَطُرُقُ الخَيْرِ مُيَسَّرَةٌ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: احذَرُوا المَعْصِيَةَ بَعْدَ الطَّاعَةِ، لِأَنَّهَا تُنْقِصُ ثَوَابَهَا أَو تُبْطِلُهَا، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾.

فَلَا تَتَبَدَّلُوا بَعْدَ رَمَضَانَ، لَا تَرْجِعُوا بَعْدَ الطَّاعَاتِ إلى العِصْيَانِ، وَلَا تَرْجِعُوا إلى اللَّغْوِ وَالبَاطِلِ بَعْدَ تِلَاوَةِ القُرْآنِ، تَذَكَّرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنَكُنْ مِنَ المُسَارِعِينَ في الخَيْرَاتِ، المُبْتَعِدِينَ عَنِ المَعَاصِي وَالمُحَرَّمَاتِ، وَأَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَحْفَظَنَا مِنَ الغُرُورِ بِهَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، قَالَ تعالى: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنَّا شَهْرَ الصِّيَامِ، بِقِيَامِهِ وَصِيَامِهِ وَتِلَاوَةِ القُرآنِ، وَأَنْ يُثَبِّتَنَا في الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفي الآخِرَةِ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 1/شوال /1444هـ، الموافق: 21/ آذار / 2023م

 2023-04-20
 1314
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

09-04-2024 94 مشاهدة
212ـ كيف تستقبل العيد أنت؟

هَا هُوَ يَوْمُ العِيدِ قَدْ جَاءَ بَعْدَ طَاعَةٍ عَظِيمَةٍ، بَعْدَ رُكْنٍ عَظِيمٍ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، كَيْفَ لَا يَأْتِي يَوْمُ عِيدٍ بَعْدَ انْتِهَاءِ شَهْرٍ عَظِيمٍ مُبَارَكٍ أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ، الذي هُوَ سِرُّ سَعَادَتِنَا؟ ... المزيد

 09-04-2024
 
 94
13-03-2024 258 مشاهدة
211ـ القرآن أنيسنا

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ شَهْرُ الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ... المزيد

 13-03-2024
 
 258
09-02-2024 503 مشاهدة
210ـ انظر عملك في شهر شعبان

أَخْرَجَ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ. قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ ... المزيد

 09-02-2024
 
 503
13-01-2024 306 مشاهدة
209ـ اغتنام ليل الشتاء

الدُّنْيَا دَارُ عَمَلٍ، وَفُرْصَةُ تَزَوُّدٍ لِيَوْمِ الرَّحِيلِ، قَالَ تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾.  الأَيَّامُ تَتَعَاقَبُ وَتَتَوَالَى، وَهَا نَحْنُ في الشِّتَاءِ، فَلْنَسْمَعْ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ ... المزيد

 13-01-2024
 
 306
14-12-2023 444 مشاهدة
208ـ ماذا جرى لهذه الأمة؟

مَاذَا جَرَى لِهَذِهِ الأُمَّةِ؟ هَلْ تَفْقِدُ ذَاكِرَتَهَا وَتَجْلِسُ مَعَ عَدُوِّهَا تَبْحَثُ عَنْ سَلَامٍ وَعُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ؟ يَذْبَحُهَا عَدُوُّهَا بِالأَمْسِ، فَتَمُدُّ لَهُ ذِرَاعَ المُصَافَحَةِ اليَوْمَ. يَصْفَعُهَا بِالأَمْسِ، ... المزيد

 14-12-2023
 
 444
16-11-2023 545 مشاهدة
207ـ لا تزال الأمة تبتلى

مَاذَا يَقُولُ الإِنْسَانُ المُسْلِمُ، وَمَاذَا يَفْعَلُ وَالمَجَازِرُ الدَّمَوِيَّةُ تُرْتَكَبُ عَلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ وَفي غَزَّةَ خَاصَّةً شَمَلَتِ الشُّيُوخَ وَالنِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ الضُّعَفَاءَ وَالآمِنِينَ، وَالعَالَمُ كُلُّهُ ... المزيد

 16-11-2023
 
 545

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413158637
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :