26ـ مع الحبيب المصطفى: شرب سيدنا رسول الله    الفَضْلَةَ

26ـ مع الحبيب المصطفى: شرب سيدنا رسول الله    الفَضْلَةَ

 

مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

26ـ شرب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الفَضْلَةَ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: لقد تَمَكَّنَتِ الدُّنيا من قُلوبِ كثيرٍ من النَّاسِ، حتَّى أوقَعَتْهُم في بعضِ المخالفاتِ الشَّرعِيَّةِ، بل أوقَعَتْهُم في بعضِ الموبِقاتِ، بِسَبَبِها هَجَرَ الأخُ أخاهُ، وهَجَرَ أُختَهُ، بِسَبَبِها حُرِمَ بعضُ الوَرَثَةِ من إرثِ مُوَرِّثِهِم، فكم من زوجةٍ حُرِمَت من إرثِها؟ وكم من بنتٍ حُرِمَت من إرثِها؟ وكم من يَتيمٍ ضَاعَ حَقُّهُ من إرثِهِ؟ بل وكم من أبٍ وأمٍّ حَرَموا بعضَ أولادِهِم من التَّرِكَةِ؟!

نعم، لقد تَمَكَّنَتِ الدُّنيا من قُلوبِ كثيرٍ من النَّاسِ، حتَّى أوقَعَتْهُم في بعضِ الموبِقاتِ، فهذا يُرابي، وذاكَ يَرتَشي، وآخَرُ يَسلِبُ ويَسرِقُ ويَخطِفُ، وآخَرُ يَحلِفُ الأيمانَ الكاذِبَةَ، وآخَرُ يَشهَدُ شهادةَ زُورٍ من أجلِ دُرَيهِماتٍ.

الدُّنيا والآخِرَةُ ضَرَّتانِ:

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: إنَّ حُبَّ الدُّنيا رأسُ كلِّ خَطيئةٍ، فمن أحَبَّها أكثرَ من حُبِّهِ للآخِرَةِ أضَرَّتْهُ وجَعَلَتْهُ من الخاسِرينَ، لأنَّهُ رَجَّحَ الفانِيَةَ على الباقِيَةِ، ولنَسمعْ إلى بعضِ أحاديثِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في ذلكَ:

أولاً: أخرجَ رزين عن حُذَيفَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: سَمِعتُ رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يقول: «الخمرُ جِماعُ الإثمِ، والنَّساءُ حَبائِلُ الشَّيطانِ، وحُبُّ الدُّنيا رأسُ كلَّ خَطيئَةٍ».

ثانياً: روى الإمام أحمد عَن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ دُنْيَاهُ أَضَرَّ بِآخِرَتِهِ، وَمَنْ أَحَبَّ آخِرَتَهُ أَضَرَّ بِدُنْيَاهُ، فَآثِرُوا مَا يَبْقَى عَلَى مَا يَفْنَى».

ثالثاً: روى الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ هَمَّهُ، جَعَلَ اللهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ، جَعَلَ اللهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِن الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ».

وفي روايةٍ للبيهقي عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: إنَّ العبدَ إذا كانَتِ الدُّنيا هَمَّتهُ أفشى اللهُ عليه ضَيعَتَهُ، وجَعَلَ فَقرَهُ بينَ عَينَيهِ، فلا يُصبِحُ إلا فقيراً، ولا يُمسي إلا فقيراً، ومن كانَتِ الآخِرَةُ هَمَّتهُ كَفَّ اللهُ عليهِ في قَلبِهِ، ولا يُصبِحُ إلا غَنِيَّاً ولا يُمسي إلا غَنِيَّاً.

وفي روايةٍ للطبراني عن أبي الدَّرداءِ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «وَمَا أَقْبَلَ عَبْدٌ بِقَلْبِهِ إِلَى الله إِلا جَعَلَ اللهُ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ تَفِدُ إِلَيْهِ بِالْوُدِّ وَالرَّحْمَةِ، وَكَانَ اللهُ إِلَيْهِ بِكُلِّ خَيْرٍ أَسْرَعَ».

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: فالدُّنيا والآخِرَةُ كالضَّرَّتَينِ، مهما أرضَيتَ إحداهُما سَخِطَتِ الأخرى، وكَكَفَّتَيِ الميزانِ، مهما رَجَّحتَ إِحْدَاهُما خَفَّتِ الأُخْرَى، وكالمشرِقِ والمَغرِبِ، مهما قَرُبْتَ من أحَدِهِما بَعُدْتَ عن الآخَرِ، وكَقَدَحَينِ، أحَدُهُما مَملُوءٌ والآخَرُ فارِغٌ، فَبِقَدْرِ ما تَصُبُّ من المملوءِ  في الفارِغِ حتَّى يَمتَلِئَ يَفرَغُ الآخَرُ.

من عَرَفَ حقيقَةَ الدُّنيا زَهِدَ فيها:

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: من عَرَفَ حقيقَةَ الدُّنيا زَهِدَ فيها، ومن عَرَفَ حقيقَةَ الآخِرَةِ طَمِعَ فيها، فمن عَرَفَ حقيقَةَ الدُّنيا والآخِرَةِ أسرَعَ في بَذْلِ الدُّنيا لِيَنالَ الآخِرَةَ.

من عَرَفَ الدُّنيا بأنَّها ظِلٌّ زائِلٌ، وخَيالٌ زائِرٌ، وعَرَفَ حقيقَةَ قولِ الله تعالى عن الدُّنيا: ﴿وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُور﴾. زَهِدَ فيها وطَمِعَ في الآخِرَةِ.

من عَرَفَ أنَّ وراءَ الدُّنيا داراً أعظَمَ منها قَدْراً، وأجَلَّ خَطَراً، وأنَّ الدُّنيا فانِيَةٌ، والآخِرَةَ باقِيَةٌ، زَهِدَ في الدُّنيا وطَمِعَ في الآخِرَةِ.

ومن عَرَفَ وآمَنَ بِحَقٍّ بأنَّ رِزقَهُ مَقسومٌ قَبْلَ أن يَخلُقَهُ اللهُ تعالى، وأنَّ رِزقَهُ واصِلٌ إليهِ على ضَعفِهِ، وأنَّ رِزقَهُ في السَّماءِ لن يَصِلَ إليهِ أحَدٌ من المخلوقاتِ أنْ يَسرِقَهُ أو يَسرِقَ منهُ شيئاً، وأنَّ زُهدَهُ في الدُّنيا لن يَنقُصَ من رِزقِهِ شيئاً، كما أنَّ حِرصَهُ عليها لن يَزيدَ في رِزقِهِ شيئاً، ثَلِجَ صَدْرُهُ، ومن عَلِمَ أنَّ رِزقَهُ المقسومَ سَيَأتيهِ، زَهِدَ في الدُّنيا وطَمِعَ في الآخِرَةِ، وسعى لها سَعْيَها وهوَ مؤمنٌ بهذهِ الحقيقَةِ.

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: لقد عَرَّفَنا سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حقيقَةَ هذهِ الدُّنيا، روى الإمام مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِالسُّوقِ دَاخِلاً مِنْ بَعْضِ الْعَالِيَةِ، وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ ـ أي: جانِبَهُ ـ فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ  ـ أي: صَغِير الْأُذُنَيْنِ ـ مَيِّتٍ، فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ.

ثُمَّ قَالَ: «أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟»

فَقَالُوا: مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ، وَمَا نَصْنَعُ بِهِ؟

قَالَ: «أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ؟»

قَالُوا: والله لَوْ كَانَ حَيَّاً كَانَ عَيْباً فِيهِ، لِأَنَّهُ أَسَكُّ، فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ؟

فَقَالَ: «فوالله لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى الله مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ».

لذلكَ حَذَّرَنا سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من أن يُفتَنَ أحَدُنا في الدُّنيا، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ».

شَرِبَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الفَضلَةَ:

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: نحنُ نَبكي على الدُّنيا، ونَتَنافَسُ عليها، ونَقتَتِلُ عليها، ويَسفِكُ البعضُ دِماءَ الآخَرينَ من أجلِها، وما ذاكَ إلا لِجَهلِنا بِحَقيقَتِها.

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: لِنسمعْ هذا الحديثَ الشَّريفَ، ثمَّ لِنُعاتِبْ أنفُسَنا لِبُعدِ الشُّقَّةِ بينَنا وبينَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وأصحابِهِ الكِرامِ رَضِيَ اللهُ عنهُم.

روى الإمام البخاري عن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّهُ قال: آللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنْ كُنْتُ لَأَعْتَمِدُ بِكَبِدِي عَلَى الْأَرْضِ مِنْ الْجُوعِ، وَإِنْ كُنْتُ لَأَشُدُّ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِي مِنْ الْجُوعِ.

وَلَقَدْ قَعَدْتُ يَوْماً عَلَى طَرِيقِهِمُ الَّذِي يَخْرُجُونَ مِنْهُ، فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ الله مَا سَأَلْتُهُ إِلَّا لِيُشْبِعَنِي، فَمَرَّ وَلَمْ يَفْعَلْ.

ثُمَّ مَرَّ بِي عُمَرُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ الله مَا سَأَلْتُهُ إِلَّا لِيُشْبِعَنِي، فَمَرَّ فَلَمْ يَفْعَلْ.

ثُمَّ مَرَّ بِي أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَتَبَسَّمَ حِينَ رَآنِي، وَعَرَفَ مَا فِي نَفْسِي وَمَا فِي وَجْهِي.

ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا هِرٍّ».

قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ الله.

قَالَ: «اِلْحَقْ» وَمَضَى.

فَتَبِعْتُهُ فَدَخَلَ فَاسْتَأْذَنَ، فَأَذِنَ لِي، فَدَخَلَ فَوَجَدَ لَبَناً فِي قَدَحٍ.

فَقَالَ: «مِنْ أَيْنَ هَذَا اللَّبَنُ؟».

قَالُوا: أَهْدَاهُ لَكَ فُلَانٌ ـ أَوْ فُلَانَةُ ـ

قَالَ: «أَبَا هِرٍّ».

قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ الله.

قَالَ: «اِلْحَقْ إِلَى أَهْلِ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ لِي».

قَالَ: وَأَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافُ الْإِسْلَامِ، لَا يَأْوُونَ إِلَى أَهْلٍ وَلَا مَالٍ وَلَا عَلَى أَحَدٍ، إِذَا أَتَتْهُ صَدَقَةٌ بَعَثَ بِهَا إِلَيْهِمْ، وَلَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهَا شَيْئاً، وَإِذَا أَتَتْهُ هَدِيَّةٌ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ، وَأَصَابَ مِنْهَا وَأَشْرَكَهُمْ فِيهَا، فَسَاءَنِي ذَلِكَ.

فَقُلْتُ: وَمَا هَذَا اللَّبَنُ فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ؟ كُنْتُ أَحَقَّ أَنَا أَنْ أُصِيبَ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ شَرْبَةً أَتَقَوَّى بِهَا، فَإِذَا جَاءَ أَمَرَنِي، فَكُنْتُ أَنَا أُعْطِيهِمْ وَمَا عَسَى أَنْ يَبْلُغَنِي مِنْ هَذَا اللَّبَنِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ طَاعَةِ الله وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بُدٌّ، فَأَتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ، فَأَقْبَلُوا فَاسْتَأْذَنُوا فَأَذِنَ لَهُمْ، وَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ مِن الْبَيْتِ.

قَالَ: «يَا أَبَا هِرٍّ».

قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ الله.

قَالَ: «خُذْ فَأَعْطِهِمْ».

قَالَ: فَأَخَذْتُ الْقَدَحَ، فَجَعَلْتُ أُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ الْقَدَحَ، فَأُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ الْقَدَحَ، فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ الْقَدَحَ، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ رَوِيَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ، فَأَخَذَ الْقَدَحَ فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ، فَنَظَرَ إِلَيَّ فَتَبَسَّمَ.

فَقَالَ: «أَبَا هِرٍّ».

قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ الله.

قَالَ: «بَقِيتُ أَنَا وَأَنْتَ».

قُلْتُ: صَدَقْتَ يَا رَسُولَ الله.

قَالَ: «اقْعُدْ فَاشْرَبْ» فَقَعَدْتُ فَشَرِبْتُ.

فَقَالَ: «اشْرَبْ» فَشَرِبْتُ.

فَمَا زَالَ يَقُولُ: «اشْرَبْ» حَتَّى قُلْتُ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا أَجِدُ لَهُ مَسْلَكاً.

قَالَ: «فَأَرِنِي».

فَأَعْطَيْتُهُ الْقَدَحَ، فَحَمِدَ اللهَ، وَسَمَّى، وَشَرِبَ الْفَضْلَةَ.

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: ليسَ هُناكَ أحَدٌ أكرَمَ على الله تعالى من سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ومن أصحابِهِ الكِرامِ رَضِيَ اللهُ عنهُم، وهكذا كانَ حالُهُم، فأينَ نحنُ منهُم؟

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: أختِمُ هذا اللِّقاءَ المبارَكَ بِكَلامٍ لِسَيِّدِنا عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ إذ يقولُ: ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً، وَارْتَحَلَتِ الْآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ، وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ، وَغَداً حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ. رواه الإمام البخاري.

اللَّهُمَّ اجعَلنا مع أُصولِنا وفُروعِنا وأزواجِنا وأحبابِنا من طُلَّابِ الآخِرَةِ. آمين. وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 12/جمادى الثانية /1434هـ، الموافق:22/نيسان / 2013م

الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الحبيب المصطفى   

26-06-2019 2372 مشاهدة
316ـ العناية الربانية بالحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ سَخَّرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ المَوْجُودَاتِ، وَمِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِهِ صَلَّى ... المزيد

 26-06-2019
 
 2372
20-06-2019 1406 مشاهدة
315ـ سَيَبْلُغُ مَا بَلَغَ مُلْكُ كِسْرَى

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 20-06-2019
 
 1406
28-04-2019 1195 مشاهدة
315ـ«لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ المَلَائِكَةُ»

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1195
28-04-2019 1198 مشاهدة
314ـ في محط العناية

لَقَدِ رَحِمَ اللهُ تعالى هَذِهِ الأُمَّةَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُبَشِّرَاً وَنَذِيرَاً، وَجَعَلَهُ خَاتَمَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَجَعَلَ شَرِيعَتَهُ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1198
21-03-2019 1848 مشاهدة
313- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾

فَعَلَى قَدْرِ التَّحَمُّلِ يَكُونُ الأَدَاءُ، وَبِحَسْبِ الشَّهَادَةِ تَكُونُ المُهِمَّةُ، لِذَلِكَ عَلَّمَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِفَضْلِهِ العَظِيمِ مَا لَمْ يَكُنْ ... المزيد

 21-03-2019
 
 1848
13-03-2019 1713 مشاهدة
312- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:«فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ»

وَجَاءَتْ تَارَةً بِمَدْحِ أَهْلِهِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَالمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾. وَقَالَ: ﴿وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. وَقَالَ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا ... المزيد

 13-03-2019
 
 1713

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414948135
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :