32ـ مع الحبيب المصطفى: وفاؤه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لوطنه

32ـ مع الحبيب المصطفى: وفاؤه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لوطنه

 

 مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

32ـ وفاؤه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لوطنه

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: أصحابُ الهِمَمِ العالِيَةِ، الذينَ عَرَفوا أنَّ الدُّنيا فانِيَةٌ، والآخِرَةَ باقِيَةٌ، جَعَلوا قُدوَتَهُم سيِّدَنا رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حيثُ كانَ من أخلاقِهِ الوَفاءُ للوَطَنِ ولأهلِهِ.

وإنْ كانَت فاتَتنا رُؤيَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فلن يَفُوتَنا سَماعُ أَخبارِهِ، ورَحِمَ اللهُ الشَّريفَ الرَضِيَّ حينَ قال:

فاتَنِي أنْ أَرَى الدِّيَارَ بِطَرفِي   ***    فَلَعَلِّي أَرَى الدِّيَارَ بِسَمعِي

صُوَرٌ من وَفائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لأهلِ مَكَّةَ:

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: لا يوجَدُ في النَّاسِ من يُقارِبُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الوَفاءِ، وحُسنِ العَهدِ، وأَداءِ الأمانَةِ، وقد عُرِفَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَبلَ النُّبُوَّةِ في مَكَّةَ بالصَّادِقِ الأَمينِ، وممَّا لا شَكَّ فيهِ بأنَّ الصَّادِقَ الأَمينَ هوَ صَاحِبُ وَفاءٍ ولو غُدِرَ بهِ، صَاحِبُ وَفاءٍ ولو أُسِيءَ إليهِ، صَاحِبُ وَفاءٍ ولو أصابَهُ الأذى، الصَّادِقُ الأمينُ لا يَعرِفُ الغَدرَ، ولو معَ الذي غَدَرَ به.

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: لِنَسمعْ إلى بعضِ الصُّوَرِ من وَفائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِبَلَدِهِ مَكَّةَ المكَرَّمة، التي خاطَبَها عندما خَرَجَ منها بقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «والله إنَّكِ لَخَيرُ أرضِ الله، وأحَبُّ أرضٍ إلى الله، ولولا أنِّي أُخرِجتُ مِنكِ ما خَرَجتُ» رواه الحاكم عن عبدِ الله بنِ عَدِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

وروى الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: وَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْحَزْوَرَةِ فَقَالَ: «عَلِمْتُ أَنَّكِ خَيْرُ أَرْضِ الله، وَأَحَبُّ الْأَرْضِ إِلَى الله، وَلَوْلَا أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا خَرَجْتُ».

نَعَم أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: المُحِبُّ لِوَطَنِهِ، ولأَهلِ وَطَنِهِ، لا يَعرِفُ إلا الوَفاءَ لَهُ ولهُم، لأنَّهُ في الحَقيقَةِ لا يَكونُ المُحِبُّ لِوَطَنِهِ، ولأَهلِ وَطَنِهِ إلا المُتَّبِعَ لسيِّدِنا رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

أولاً: أخَّرَ سيِّدَنا عليَّاً رَضِيَ اللهُ عنهُ لِيُؤَدِّيَ الأماناتِ لأهلِها:

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: لَقَد أمَرَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سيِّدَنا عليَّاً رَضِيَ اللهُ عنهُ أن يَتَخَلَّفَ عن الهِجرَةِ حتَّى يُؤَدِّيَ عنهُ الوَدائِعَ التي كَانَت عِندَهُ للنَّاسِ، لأنَّهُ لَيسَ بِمَكَّةَ أحَدٌ عِندَهُ شيءٌ يَخشَى عليهِ إلا وَقَد وَضَعَهُ عندَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لما يَعلَمُ من صِدقِهِ وأمانَتِهِ.

فإذا كانَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ بأبي هوَ وأمِّي ورُوحِي ـ بِهذهِ الحَالَةِ من أَدَاءِ الأَمانَةِ، وهُوَ خَارِجٌ من مَكَّةَ مُهاجِراً، وقد استَولى كُفَّارُ قُرَيشٍ على مَالِهِ ومَالِ أصحابِهِ رَضِيَ اللهُ عنهُم وأرضاهُم وقد فَعَلَ، فكيفَ لا يَرُدُّ الأمانَةَ إلى أَصحابِها، وقد نَصَرَهُ اللهُ تعالى عليهِم، وأعادَهُ إليهِم فَاتِحاً، وهذا ما فَعَلَهُ بعدَ الفَتْحِ حيثُ رَدَّ مِفتاحَ الكعبَةِ المشَرَّفَةِ، وإن كانَ فيها فَخْرَ الدُّنيا.

ثانياً: رَدَّ مِفتاحَ الكعبَةِ المشَرَّفَةِ لأحفادِ عبدِ الدَّارِ:

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: من أحَبَّ وَطَنَهُ وأهلَ وَطَنِهِ لا يَعرِفُ الغَدرَ، بل يَرُدُّ لكُلِّ صاحِبِ حَقٍّ حَقَّهُ، فهذا سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَدخُلُ مَكَّةَ فاتِحاً لها، وهيَ أحَبُّ البلادِ إليه، وأَهلُها هُمُ الذينَ أَخرَجُوهُ مِنها، مَاذَا فَعَلَ بعدَ أنْ أخَذَ مِفتاحَ الكَعبَةِ المشَرَّفَةِ؟

أخرج الإمام مسلم عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: أَقْبَلَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ عَلَى نَاقَةٍ لِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، حَتَّى أَنَاخَ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ دَعَا عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ.

فَقَالَ: «ائْتِنِي بِالْمِفْتَاحِ».

فَذَهَبَ إِلَى أُمِّهِ، فَأَبَتْ أَنْ تُعْطِيَهُ.

فَقَالَ: والله لَتُعْطِينِهِ أَوْ لَيَخْرُجَنَّ هَذَا السَّيْفُ مِنْ صُلْبِي ـ كنايةً عن قَتلِهِ نفسَهُ ـ.

فَأَعْطَتْهُ إِيَّاهُ، فَجَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ ـ أي: فَدَفَعَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المِفتاحَ إلى عُثمانَ ـ فَفَتَحَ الْبَابَ ـ يعني: فَفَتَحَ عُثمانُ البابَ بأمرِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ.

وفي رواية للطبراني في الكبير عَنِ الزُّهْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ  قَالَ لِعُثْمَانَ بن طَلْحَةَ يَوْمَ الْفَتْحِ: «آتِنِي بِمِفْتَاحِ الْكَعْبَةِ».

فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ، وَرَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَنْتَظِرُهُ، حَتَّى أَنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ مِنَ الْعَرَقِ ـ الجُمانُ: هوَ حَبٌّ يُعمَلُ من الفِضَّةِ كاللُّؤلُؤِ، فَشُبِّهَت قَطَراتُ عَرَقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بالجُمانِ لِمُشَابَهَتِها في الصِّفاتِ والحُسنِ ـ وَيَقُولُ: «مَا يَحبِسُهُ؟».

فَسَعَى إِلَيْهِ رَجُلٌ.

وَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ الَّتِي عِنْدَهَا الْمِفْتَاحُ ـ وهيَ أُمُّ عُثْمَانَ ـ تَقُولُ: إِنَّهُ إِنْ أَخَذَهُ مِنْكُمْ لَمْ يُعْطِيكُمُوهُ أَبَداً.

 فَلَمْ يَزَلْ بِهَا عُثْمَانُ حَتَّى أَعْطَتْهُ الْمِفْتَاحَ، وَانطَلَقَ بِهِ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَفَتَحَ الْبَابَ، ثُمَّ دَخَلَ الْبَيْتَ، ثُمَّ خَرَجَ وَالنَّاسُ مَعَهُ، فَجَلَسَ عِنْدَ السِّقَايَةِ ـ سِقايةِ الحُجَّاجِ ـ

فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بن أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ: يَا رَسُولَ الله، لَئِنْ كُنَّا أُوتِينَا النُّبُوَّةَ، وَأُعْطِينَا السِّقَايَةَ، وَأُعْطِينَا الْحِجَابَةَ ـ حِجابَةَ الكعبَةِ ـ مَا قَوْمٌ بِأَعْظَمَ نَصِيباً مِنَّا.

قَالَ: وَكَانَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَرِهَ مَقَالتَهُ، ثُمَّ دَعَا عُثْمَانَ بن طَلْحَةَ فَدَفَعَ إِلَيْهِ الْمِفْتَاحَ.

نعم أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: هكذا يكونُ الوَفاءُ ممَّن كانَ صَادِقاً في حُبِّهِ لِوَطَنِهِ، ولأهلِ وَطَنِهِ، لقد رَدَّ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِفتاحَ الكعبَةِ المشَرَّفَةِ لأحفادِ عبدِ الدَّارِ، رَحمَةً ورَأفَةً بِهِم، وشَفَقَةً عليهِم، وهوَ الفَاتِحُ لِمَكَّةَ المكَرَّمَةَ التي أخرَجَهُ أهلُها منها.

نعم، دَفَعَ إليهِمُ المِفتاحَ معَ استِشرافِ عليٍّ والعبَّاسِ رَضِيَ اللهُ عنهُما، وطَلَبِهِما لهُ.

بَل الأكثَرُ من هذا، أخبَرَهُم سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ لا يَنزِعُها منهُم إلا ظالِمٌ، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لبني طَلحَةَ: «خُذُوها يا بَني طَلحَةَ خَالِدَةً تَالِدَةً ـ دائِمَةً ـ لا يَنزِعُها منكُم إلا ظالِمٌ» يعني: حِجابَةَ الكعبَةِ.

وجاءَ في أخبارِ مَكَّةَ للأزرقي، قال العبَّاسُ للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: بِأبي أنتَ وأمِّي يا رسولَ الله، أعْطِنا الحِجابَةَ معَ السِّقايَةِ.

فأنزلَ اللهُ عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾.

فقال عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ: فَمَا سَمِعتُها من رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَبلَ تِلكَ السَّاعَةِ، فَتَلاها، ثمَّ دَعَا عُثمانَ بنَ طَلحَةَ، فَدَفَعَ إليه المِفتاحَ.

وقال: «غَيِّبوهُ» ثمَّ قال: «خُذُوها يا بَني أبي طَلحَةَ بِأمانَةِ الله سُبحانَهُ، واعمَلُوا فيها بالمعروفِ خَالِدَةً تَالِدَةً، لا يَنزِعُها من أيديكُم إلا ظالِمٌ ».

ثالثاً: «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ مَنْزِلٍ؟»

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: لقد بَلَغَ وَفاءُ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لأهلِ بَلَدِهِ، أنَّهُ أسقَطَ حُقوقَهُ الخاصَّةَ به التي استَولى عليها كُفَّارُ قُرَيشٍ، من أموالٍ وبُيوتٍ وأراضٍ، لذلكَ لم يَنزِلِ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في بَيتِهِ الذي تَرَكَهُ، ونَزَلَ في خَيفِ بني كنانَةَ، ولم يُطالِبْ أحَداً من قُرَيشٍ بما كانوا قد استَولَوا عليه من دُورٍ وأموالٍ وأراضٍ وغَيرِها.

روى الإمام مسلم عن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: يَا رَسُولَ الله، أَتَنْزِلُ فِي دَارِكَ بِمَكَّةَ؟ ـ التي هيَ حَقُّكَ من أبيكَ عبدِ الله التي وَرِثَها عن أبيهِ، والتي وُلِدتَ فيها يا رسولَ الله ـ.

 فَقَالَ: «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ؟» ـ يعني: ما تَرَكَ عَقيلٌ وطالِبٌ لنا شيئاً، فقد وَرِثا أبا طالِبٍ ـ

الرِّباعُ: جمعُ رَبْعٍ، وهوَ المنزِلُ المُشتَمِلُ على أبياتٍ.

رابعاً: نَزَعَ الرَّايَةَ من سَعدِ بنِ عُبادَةَ:

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: من وَفاءِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِوَطَنِهِ، ولأهلِ وَطَنِهِ في مَكَّةَ المكَرَّمَةَ، أنَّهُ نَزَعَ الرَّايَةَ من سَعدِ بنِ عُبادَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، لأنَّهُ قالَ يومَ فَتْحِ مَكَّةَ لأبي سُفيان: الْيَوْمَ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ، الْيَوْمَ تُسْتَحَلُّ الْكَعْبَةُ. رواه الإمام البخاري عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عنهُما.

ويُقالُ بأنَّ سَعدَ بنَ عُبادَةَ عندما قالَ ذلكَ، عَارَضَتِ امْرَأَةٌ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرِهِ وَأَنْشَأَتْ تَقُولُ:

يَـا نَـبِيَّ الْهُـدَى إِلَــيْكَ لَجَــا     ***   حَــيُّ قُـرَيْـشٍ وَلَاتَ حِـيـنَ لَجَــاءِ

حِــينَ ضَــاقَـتْ عَــلَـيْهِــمُ    ***   سَـعَةُ الْأَرْضِ وَعَـادَاهُمْ إِلَـهُ الــسَّمَاءِ

وَالْــتَقَـتْ حَــلْقَتَا الْبِــطَـانِ    ***   عَلَى الْقَوْ مِ وَنُودُوا بِالصَّيْلَمِ الصَّلْـعَاءِ

إِنَّ سَـعْدًا يُرِيدُ قَاصِمَةَ الــظَّهْرِ  ***   بِـأَهْــــلِ الْحَـجُـونِ وَالْـــبَطْــحَـاءِ

خَزْرَجِيٌّ لَوْ يَسْتَطِيعُ مِنَ الْغَيْظِ   ***    رَمَـــانَا بِـالـنَّسْرِ وَالْــــــــــــعَوَّاءِ

فَانْهَيَنْهُ فَـإِنَّـهُ الْأَسَـدُ الْأَسْـوَدُ    ***   وَاللَّـــــيْثُ وَالِـــغٌ فِي الـــــــدِّمَاءِ

فَـلَئِـنْ أَقْـحَـمَ اللِّـوَاءَ وَنَـادَى    ***   يَـــــا حُمــَاةَ اللِّـــوَاءِ أَهْـــلَ اللِّوَاءِ

لَـتَكُـونَـنَّ بِـالْـبِطَـاحِ قُـرَيْـشٌ    ***   بُـــــقْعَةَ الْــــقَاعِ فِي أَكُـــفِّ الْإِمَاءِ

إِنَّـهُ مُصْلَتٌ يُـرِيدُ لَـهَا الــرَّأْيَ    ***   صُــمُوتٌ كَــــالْحَيَّةِ الـــــــــصَّمَّاءِ

رواه الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهُما.

فَرَقَّ لها النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وأخَذَتْهُ الرَّأفَةُ بِهِم، لذا نَزَعَ الرَّايَةَ منهُ.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: هذهِ هيَ سِيرَةُ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وهذا هوَ مِنهَجُ حبيبِنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، هكذا يكونُ الوَفاءُ للوَطَنِ ولأهلِهِ لمن كَانَ صَادِقاً في مَحَبَّةِ وَطَنِهِ وأَهلِهِ، ولا أُرِيدُ التَّعلِيقَ بَعدَ هَذا، إلا أن أَقُولَ: أينَ نحنُ من سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من خُلُقِ الوَفاءِ للوَطَنِ وأَهلِهِ؟

اللَّهُمَّ رُدَّنا إليكَ ردَّاً جميلاً. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 3/رجب /1434هـ، الموافق: 13/أيار/ 2013م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الحبيب المصطفى   

26-06-2019 2371 مشاهدة
316ـ العناية الربانية بالحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ سَخَّرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ المَوْجُودَاتِ، وَمِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِهِ صَلَّى ... المزيد

 26-06-2019
 
 2371
20-06-2019 1406 مشاهدة
315ـ سَيَبْلُغُ مَا بَلَغَ مُلْكُ كِسْرَى

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 20-06-2019
 
 1406
28-04-2019 1195 مشاهدة
315ـ«لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ المَلَائِكَةُ»

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1195
28-04-2019 1198 مشاهدة
314ـ في محط العناية

لَقَدِ رَحِمَ اللهُ تعالى هَذِهِ الأُمَّةَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُبَشِّرَاً وَنَذِيرَاً، وَجَعَلَهُ خَاتَمَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَجَعَلَ شَرِيعَتَهُ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1198
21-03-2019 1847 مشاهدة
313- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾

فَعَلَى قَدْرِ التَّحَمُّلِ يَكُونُ الأَدَاءُ، وَبِحَسْبِ الشَّهَادَةِ تَكُونُ المُهِمَّةُ، لِذَلِكَ عَلَّمَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِفَضْلِهِ العَظِيمِ مَا لَمْ يَكُنْ ... المزيد

 21-03-2019
 
 1847
13-03-2019 1713 مشاهدة
312- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:«فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ»

وَجَاءَتْ تَارَةً بِمَدْحِ أَهْلِهِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَالمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾. وَقَالَ: ﴿وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. وَقَالَ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا ... المزيد

 13-03-2019
 
 1713

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414946423
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :