39ـ علاقة سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بأولاده الكرام

39ـ علاقة سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بأولاده الكرام

 

 مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

39ـ علاقة سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ  بأولاده الكرام رَضِيَ اللهُ عنهُم

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: لقد جاءَ الإسلامُ بِمِعيارٍ حقيقِيٍّ للعَلاقَةِ بينَ الآباءِ والأبنَاءِ، هذا المِعيارُ قَائِمٌ على خُلُقِ الرَّحمَةِ والرَّأفَةِ والشَّفَقَةِ، والتَّوجِيهِ والرِّعايَةِ الصَّحِيحَةِ لهَؤلاءِ الأبناءِ في كُلِّ شُؤونِ حَياتِهِم.

الأَبُ هوَ الحِصنُ الحَصِينُ الذي يَأوِي إليهِ الأَبناءُ في كُلِّ وَقتٍ، وخَاصَّةً في وَقتِ الشِّدَّةِ، وقَد خَلَّدَ اللهُ تعالى عَلاقَةَ سيِّدِنا لُقمانَ معَ وَلَدِهِ في القُرآنِ العَظيمِ، حَيثُ عَلَّمَ الأَجيالَ كَيفَ تَكونُ عَلاقَةُ الوَالِدِ بِوَلَدِهِ، فقال تعالى في كِتابِهِ العَظيمِ: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بالله إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم * وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِير * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون * يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِير * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور * وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِير﴾.

علاقَةُ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ  معَ أولادِهِ الكِرامِ رَضِيَ اللهُ عنهُم:

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: نحنُ اليومَ بِأمَسِّ الحاجَةِ إلى أنْ نَتَعَلَّمَ من سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كيفَ تَكونُ عَلاقَةُ الوَالِدِ بِوَلَدِهِ، لأنَّ البَعضَ أَساءَ في التَّعامُلِ معَ أولادِهِ حتَّى صَارَ سَبَبَاً في نُفورِهِم من دِينِ الله عزَّ وجلَّ.

فَيَا مَن يُريدُ كمالَ التَّربِيَةِ لأَولَادِهِ حتَّى يكونوا ذُخراً له في الدُّنيا والآخِرَةِ، تَعالَ وانظُر إلى عَلاقَةِ سيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ معَ أَولادِهِ وأَحفَادِهِ.

أولاً: تربِيَةٌ قائِمَةٌ على الحُبِّ والعَطفِ والحَنانِ:

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: أبناؤُنا اليَومَ بِحَاجَةٍ إلى حُبٍّ وعَاطِفَةٍ وحَنَانٍ، تَعالَوا لِنَنظُرَ إلى هذهِ العَلاقَةِ الرَّائِقَةِ بينَ الأبِ وأبنائِهِ.

روى الإمام البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مَشْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَرْحَباً بِابْنَتِي».

ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثاً، فَبَكَتْ.

فَقُلْتُ لَهَا: لِمَ تَبْكِينَ؟

ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثاً، فَضَحِكَتْ.

فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ فَرَحاً أَقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ، فَسَأَلْتُهَا عَمَّا قَالَ.

فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتُهَا.

فَقَالَتْ: أَسَرَّ إِلَيَّ: «إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي الْقُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَارَضَنِي الْعَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلَا أُرَاهُ إِلَّا حَضَرَ أَجَلِي، وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِي لَحَاقاً بِي» فَبَكَيْتُ.

فَقَالَ: «أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَوْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ؟» فَضَحِكْتُ لِذَلِكَ.

ثانياً: عاطِفَةٌ جَيَّاشَةٌ مُنضَبِطَةٌ بِضَوابِطِ الشَّريعَةِ:

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: أبناؤُنا اليومَ بحاجَةٍ إلى عاطِفَةٍ جَيَّاشَةٍ نَحوَهُم، ولكن يَجِبُ أن تكونَ مُنضَبِطَةً بِضَوابِطِ الشَّريعَةِ، تعالَوا لِنَنظُرَ إلى هذهِ العاطِفَةِ المَضبوطَةِ بالشَّرعِ الحَنيفِ.

روى البيهقي عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَن بْنِ عَوْفٍ، فَخَرَجَ بِهِ إلَى النَّخْلِ، فَأُتِيَ بِإِبْرَاهِيمَ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَوُضِعَ فِي حِجْرِهِ، فَقَالَ: «يَا بُنَيَّ ، لاَ أَمْلِكُ لَك مِنْ اللهِ شَيْئاً»

وَذَرَفَتْ عَيْنُهُ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَن: تَبْكِي يَا رَسُولَ اللهِ؟! أَوَ لَمْ تَنْهَ عَنْ الْبُكَاءِ؟

قَالَ: «إِنَّمَا نَهَيْتُ عَنِ النَّوْحِ، عَنْ صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فَاجِرَيْنِ، صَوْتٍ عِنْدَ نَغْمَةِ لَهْوٍ وَلَعِبٍ، وَمَزَامِيرِ شَيْطَانٍ، وَصَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ، خَمْشِ وُجُوهٍ، وَشَقِّ جُيُوبٍ، وَرَنَّةِ شَيْطَانٍ، إِنَّمَا هَذِهِ رَحْمَةٌ، وَمَنْ لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ، يَا إبْرَاهِيمُ، لَوْلا أَنَّهُ أَمْرٌ حَقٌّ، وَوَعْدٌ صِدْقٌ، وَسَبِيلٌ مَأْتِيَّةٌ، وَإِنَّ آخِرَنَا لَيَلْحَقُ أوَّلَنا، لَحَزِنَّا عَلَيْك حُزْناً أَشَدَّ مِنْ هَذَا، وَإِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ، تَبْكِي الْعَيْنُ، وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلا نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ».

وفي رواية ابن ماجه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: لَمَّا قُبِضَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُم النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُدْرِجُوهُ فِي أَكْفَانِهِ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ».

فَأَتَاهُ فَانْكَبَّ عَلَيْهِ وَبَكَى.

ثالثاً: اِختِيارُ أجمَلِ الأسماءِ:

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: أبناؤُنا اليومَ بحاجَةٍ إلى انتِقاءِ الأسماءِ الحَسَنَةِ لهُم، لأنَّ كُلَّ مُسَمَّىً لهُ حَظٌّ من اسمِهِ، روى الإمام مسلم عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ : «إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللهِ عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ».

تَعالَوا لِنَنظُرَ إلى سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كيفَ كَانَ يَختارُ الأَسماءَ لأَحفَادِهِ.

روى الإمام أحمد عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا وُلِدَ الْحَسَنُ سَمَّيْتُهُ حَرْباً، فَجَاءَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟»

قُلْتُ: حَرْباً.

قَالَ: «بَلْ هُوَ حَسَنٌ».

فَلَمَّا وُلِدَ الْحُسَيْنُ سَمَّيْتُهُ حَرْباً، فَجَاءَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟»

قُلْتُ: حَرْباً.

قَالَ: «بَلْ هُوَ حُسَيْنٌ».

فَلَمَّا وُلِدَ الثَّالِثُ سَمَّيْتُهُ حَرْباً، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟»

قُلْتُ: حَرْباً.

قَالَ: «بَلْ هُوَ مُحَسِّنٌ»

ثُمَّ قَالَ: «سَمَّيْتُهُمْ بِأَسْمَاءِ وَلَدِ هَارُونَ، شَبَّرُ وَشَبِيرُ وَمُشَبِّرٌ».

رابعاً: اللَّهفَةُ على الأولادِ:

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: أَبناؤُنا اليَومَ بِحَاجَةٍ إلى شُعُورِ اللَّهفَةِ نَحوَهُم، تَعالَوا لِنَنظُرَ إلى شِدَّةِ الحُبِّ واللَّهفَةِ من سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَحوَ أَحفادِهِ الذينَ هُم بِمَنزِلَةِ أَبنائِهِ.

روى ابن ماجه عن عبد الله بن بُريدة عن أبيه رَضِيَ اللهُ عنهُما قال: رَأَيْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَأَقْبَلَ حَسَنٌ وَحُسَيْنٌ عَلَيْهِمَا السَّلَام، عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَعْثُرَانِ وَيَقُومَانِ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَهُمَا فَوَضَعَهُمَا فِي حِجْرِهِ، فَقَالَ: «صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ: ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾ رَأَيْتُ هَذَيْنِ فَلَمْ أَصْبِرْ» ثُمَّ أَخَذَ فِي خُطْبَتِهِ.

وكانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَحمِلُ بعضَ أحفادِهِ عندَ الصَّلاةِ، روى الشيخان عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَلِأَبِي الْعَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا.

وهذا هوَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَخرُجُ على المُسلمينَ في إِحدَى الصَّلَواتِ، وهوَ حَامِلٌ أحَدَ ابنَيهِ الحَسَنِ أو الحُسَينِ، روى الحاكم والطبراني في الكبير عَنْ عَبْدِ الله بن شَدَّادِ بن الْهَادِ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي إِحْدَى صَلاتَيِ النَّهَارِ، الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ، وَهُوَ حَامِلٌ الْحَسَنَ أَوِ الْحُسَيْنَ، فَتَقَدَّمَ فَوَضَعَهُ عِنْدَ قَدَمِهِ الْيُمْنَى، فَسَجَدَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَجْدَةً فَأَطَالَهَا، فَرَفَعْتُ رَأْسِيَ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ، فَإِذَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ، وَإِذَا الْغُلامُ رَاكِبٌ ظَهْرَهُ، فَعُدْتُ فَسَجَدْتُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ نَاسٌ: يَا رَسُولَ الله، لَقَدْ سَجَدْتَ فِي صَلاتِكَ هَذِهِ سَجْدَةً مَا كُنْتَ تَسْجُدُهَا، أَشَيْئاً أُمِرْتَ بِهِ، أَوْ كَانَ يُوحَى إِلَيْكَ؟

قَالَ: «كُلٌّ لَمْ يَكُنْ، وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي ـ اِتَّخَذَنِي رَاحِلَةً لَهُ بِالرُّكُوبِ عَلَى ظَهْرِي ـ فَكَرِهْتُ أَنْ أُعْجِلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ».

خامساً: حُبٌّ بدونِ جَورٍ على الآخَرينَ:

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: هذا الخُلُقُ من سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في تَعامُلِهِ معَ أبنائِهِ، وهذهِ الرَّحمَةُ والعَاطِفَةُ الجَيَّاشَةُ لم تَكُن تَدفَعُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ وحَاشاهُ من ذلكَ ـ إلى الجَورِ على المُسلمينَ من أجلِهِم، ويا حَبَّذا لو سَمِعَ كُلُّ مَسؤولٍ من الأمَّةِ هذا.

روى البزار عن عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ أتى فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فَقَالَ: إِنِّي أَشْتَكِي صَدْرِي مِمَّا أَجِدُ بِالْقِرَبِ.

قَالَتْ: وَأَنَا والله إنِّي لأَشْتَكِي يَدَيَّ مِمَّا أَطْحَنُ الرَّحَا.

فَقَالَ لَهَا: ائْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ أَتَاهُ سَبْيٌ، ائْتِيهِ لَعَلَّهُ يُخْدِمُكِ خَادِماً.

فَانْطَلَقَتْ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُمَا.

فَقَالَ: «إنَّكُمَا جِئْتُمَانِي لأُخْدِمَكُمَا خَادِماً، وَإِنِّي سَأُخْبِرُكُمَا بِمَا هُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ الْخَادِمِ، فَإِنْ شِئْتُمَا أَخْبَرْتُكُمَا بِمَا هُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ الْخَادِمِ: تُسَبِّحَانِهِ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ، وَتَحْمَدَانِهِ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ، وَتُكَبِّرَانِهِ أَرْبَعاً وَثَلاَثِينَ، وَإِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا مِنْ اللَّيْلِ فَتِلْكَ مِئَة».

نعم أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: لقد كانَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ أولادَهُ الكِرامَ رَضِيَ اللهُ عنهُم أنَّهُ لن يُحَابِيَهُم ـ رَغمَ مَحَبَّتِهِ الشَّديدَةِ لهُم ـ على حِسابِ المسلمينَ، بل كانَ يُعَلِّمُهُم كيفَ يَرتَبِطونَ بالله تعالى، فاللهُ تعالى هوَ خيرُ مُعينٍ.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: تَلَمَّسوا خُلُقَ الرَّحمَةِ في قُلوبِكُم نحوَ أبنائِكُم، واعلَموا أنَّ الرَّحمَةَ لا تُنزَعُ إلا من قلبِ شَقِيٍّ، كما جاءَ في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلَّا مِنْ شَقِيٍّ».

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: اِهتَمُّوا بِتَربِيَةِ الأبناءِ، أشعِروهُم بالحُبِّ والعَطفِ والحَنانِ معَ الانضِباطِ بِضَوابِطِ الشَّريعَةِ، واعدِلوا بينَهُم.

روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ أَبْصَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ الْحَسَنَ، فَقَالَ: إِنَّ لِي عَشْرَةً مِنْ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ وَاحِداً مِنْهُمْ.

فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:« إِنَّهُ مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ».

سيِّدي يا رسولَ الله، جزاكَ اللهُ عنَّا خيرَ الجَزاءِ، فما أعظَمَكَ يا سيِّدي يا رسولَ الله من أبٍ وجَدٍّ!!.

اللَّهُمَّ خَلِّقنا بأخلاقِهِ يا أرحَمَ الرَّاحِمينَ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 11/شعبان /1434هـ، الموافق: 20/حزيران / 2013م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الحبيب المصطفى   

26-06-2019 2372 مشاهدة
316ـ العناية الربانية بالحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ سَخَّرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ المَوْجُودَاتِ، وَمِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِهِ صَلَّى ... المزيد

 26-06-2019
 
 2372
20-06-2019 1406 مشاهدة
315ـ سَيَبْلُغُ مَا بَلَغَ مُلْكُ كِسْرَى

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 20-06-2019
 
 1406
28-04-2019 1195 مشاهدة
315ـ«لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ المَلَائِكَةُ»

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1195
28-04-2019 1198 مشاهدة
314ـ في محط العناية

لَقَدِ رَحِمَ اللهُ تعالى هَذِهِ الأُمَّةَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُبَشِّرَاً وَنَذِيرَاً، وَجَعَلَهُ خَاتَمَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَجَعَلَ شَرِيعَتَهُ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1198
21-03-2019 1848 مشاهدة
313- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾

فَعَلَى قَدْرِ التَّحَمُّلِ يَكُونُ الأَدَاءُ، وَبِحَسْبِ الشَّهَادَةِ تَكُونُ المُهِمَّةُ، لِذَلِكَ عَلَّمَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِفَضْلِهِ العَظِيمِ مَا لَمْ يَكُنْ ... المزيد

 21-03-2019
 
 1848
13-03-2019 1713 مشاهدة
312- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:«فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ»

وَجَاءَتْ تَارَةً بِمَدْحِ أَهْلِهِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَالمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾. وَقَالَ: ﴿وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. وَقَالَ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا ... المزيد

 13-03-2019
 
 1713

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414948931
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :