41ـ مع الحبيب المصطفى: قُمْ أَبَا تُرَابٍ

41ـ مع الحبيب المصطفى: قُمْ أَبَا تُرَابٍ

 

 مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

41ـ قُمْ أَبَا تُرَابٍ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: مِمَّا لا شَكَّ فيهِ ولا رَيبَ بأنَّ الأسرَةَ هيَ نَواةُ المُجتَمَعِ ولَبِناتُهُ، فَبِصَلاحِها صَلاحُ المُجتَمَعِ، وبِفَسادِها فَسادُ المُجتَمَعِ.

ولو نَظَرَ الواحِدُ منَّا إلى المُجتَمَعِ بِشَكلٍ عامٍّ فإنَّهُ يَرى الكثيرَ من الأُسَرِ تَعيشُ في تَعاسَةٍ وشَقاءٍ وهَمٍّ وكَدَرٍ وعَناءٍ، وما ذاكَ إلا لِبُعدِها عن الهُدى الذي جاءَنا من الله تعالى عن طَريقِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قال تعالى: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً﴾.

لقد ضَيَّعَت بعضُ الأُسَرِ أوامِرَ الله تعالى، وأوامِرَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بل وقد وَقَعَت فيما نهى اللهُ تعالى عنهُ، ونهى عنهُ رسولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فأصبَحَ التَّمَزُّقُ والتَّفَكُّكُ الأُسَرِيُّ علامَةً بارِزَةً من علاماتِ المُجتَمَعِ المُعاصِرِ، وسِمَةً من سِماتِ الأُسَرِ، إلا ما رَحِمَ اللهُ تعالى.

الشِّقاقُ والخِلافُ سِلاحٌ فَتَّاكٌ في يَدِ الشَّيطانِ:

أيُّها الإخوة الكرام: لا رَيبَ بأنَّ الشِّقاقَ والخِلافَ من أخطَرِ أسلِحَةِ الشَّيطانِ الفَتَّاكَةِ التي يُوغِرُ بها صُدورَ الخَلقِ، حتَّى يَنفَصِلوا بعدَ اتِّحادٍ، ويَتَنافَروا بعدَ اتِّفاقٍ، ويَتَباغَضوا بعدَ مَحَبَّةٍ، ويَتَعادَوا بعدَ أُخُوَّةٍ.

والإسلامُ جاءَ للصَّلاحِ والإصلاحِ، لذلكَ اهتَمَّ بِمَسألَةِ الإصلاحِ إذا وَقَعَ الخِلافُ بينَ المؤمنينَ، وأخَذَها بِعَينِ الاعتِبارِ، فالنَّاسُ بَشَرٌ، يُخطِئونَ ويُصيبونَ، ولا عِصمَةَ لأحَدٍ غيرِ الأنبياءِ والمُرسَلينَ عليهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ بني آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» رواه الحاكم عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

أيُّها الإخوة الكرام: لقد عالَجَ الإسلامُ الخِلافَ بينَ النَّاسِ على مُختَلَفِ المُستَوَياتِ والمَراحِلِ، عالَجَها بِدءاً من مَرحَلَةِ المُشاحَنَةِ والمُجادَلَةِ، ومُروراً بالهَجرِ والتَّباعُدِ، وانتِهاءً بِمَرحَلَةِ الاعتِداءِ والقِتالِ، فما من مَرحَلَةٍ من مَراحِلِ الخِلافِ إلا والإسلامُ عالَجَها، وَصَدَقَ اللهُ تعالى القائِلُ: ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾.

الخِلافُ بينَ الزَّوجَينِ:

أيُّها الإخوة الكرام: الخِلافُ بينَ الزَّوجَينِ أمرٌ طَبيعِيٌّ، لأنَّ الزَّوجَ ليسَ مَعصوماً، ولأنَّ الزَّوجَةَ ليسَت مَعصومَةً، ولكنَّ الخِلافَ بينَ الزَّوجَينِ إمَّا أن يُوَسِّعَهُ الزَّوجانِ ـ وذلكَ بِمُخالَفَةِ أمرِ الله تعالى، وأمرِ رَسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ وإمَّا أن يُضَيِّقاهُ ـ وذلكَ بالتَّقَيُّدِ بِتَعاليمِ وهَدْيِ الإسلامِ ـ.

وَقفَةٌ معَ حديثِ: «قُمْ أَبَا تُرَابٍ»:

أيُّها الإخوة الكرام: تعالَوا لِنَستَمِعَ خِلافاً حَصَلَ بينَ زوجَينِ كريمَينِ مُلتَزِمَينِ كِتابَ الله تعالى، وسُنَّةَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

روى الإمام البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: جَاءَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ فَاطِمَةَ، فَلَمْ يَجِدْ عَلِيَّاً فِي الْبَيْتِ.

فَقَالَ: «أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ؟»

قَالَتْ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ، فَغَاضَبَنِي، فَخَرَجَ، فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي.

فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِإِنْسَانٍ: «انْظُرْ أَيْنَ هُوَ؟»

فَجَاءَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، هُوَ فِي الْمَسْجِدِ رَاقِدٌ.

فَجَاءَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ، وَأَصَابَهُ تُرَابٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُهُ عَنْهُ، وَيَقُولُ: «قُمْ أَبَا تُرَابٍ، قُمْ أَبَا تُرَابٍ».

أيُّها الإخوة الكرام: ما أروَعَ الحَياةَ عِندَما يَجتَمِعُ قَلبُ الزَّوجَينِ على مَحَبَّةِ الله تعالى، ومَحَبَّةِ رسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وأن يَكونَ حُبُّهُما أحَبَّ إليهِما مِمَّا سِواهُما.

ولكن طَبيعَةُ الأيَّامِ تَتَقَلَّبُ، والدَّهرُ يَتَغَيَّرُ، فلا شيءَ في الحَياةِ يَمضي على وَتيرَةٍ واحِدَةٍ، والأيَّامُ لا تَسيرُ على نَسَقٍ واحِدٍ، والنُّفوسُ تَتَغَيَّرُ كما تَتَغَيَّرُ الأيَّامُ، وتَتَقَلَّبُ العواطِفُ كما تَتَقَلَّبُ الفُصولُ.

لذلكَ، لا نَستَغرِب إذا حَصَلَ خِلافٌ بينَ زَوجَينِ كَريمَينِ كَسَيِّدِنا عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ، وأمِّنا وسَيِّدَتِنا فاطِمَةُ رَضِيَ اللهُ عنها، ولكن يَجِبُ أن نُلاحِظَ بأنَّ البيتَ المُسلِمَ إذا حَصَلَ فيهِ خِلافٌ يَبقى مُنضَبِطاً بِضَوابِطِ الشَّريعَةِ، وخاصَّةً فيما يَتَعَلَّقُ في أسرارِ البُيوتِ.

لقد سَألَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ابنَتَهُ السَّيِّدَةَ فاطِمَةَ الزَّهراء رَضِيَ اللهُ عنها: «أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ؟»

فأجابَت: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ، فَغَاضَبَنِي.

لم تَزِدْ على ذلكَ شيئاً، وما ذاكَ إلا حِفظاً لأسرارِ البُيوتِ.

أينَ الزَّوجانِ من المُحافَظَةِ على أسرارِ البُيوتِ؟

أيُّها الإخوة الكرام: لِيَتَساءَلْ كُلٌّ من الزَّوجَينِ أينَ كُلُّ واحِدٍ منهُما من المُحافَظَةِ على أسرارِ البُيوتِ؟

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ نَشْرَ الأسرارِ الزَّوجِيَّةِ، وهَتْكَ أستارِ البُيوتِ وَصْفُ الذينَ لا يَخافونَ اللهَ تعالى، حتَّى إنَّهُ وَصَلَ بعضُ الرِّجالِ والنِّساءِ إلى هَتْكِ أسرارِ وأستارِ البُيوتِ في أخَصِّ علاقَةٍ تَكونُ بينَ الرَّجُلِ وزَوجَتِهِ، معَ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَذَّرَ من ذلكَ.

روى أبو داود عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: صَلَّى رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَنْسَ مِنْ صَلَاتِهِ شَيْئاً، فَقَالَ: «مَجَالِسَكُمْ مَجَالِسَكُمْ» ثُمَّ حَمِدَ اللهَ تَعَالَى وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ»

ثُمَّ اتَّفَقُوا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الرِّجَالِ فَقَالَ: «هَلْ مِنْكُم الرَّجُلُ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ فَأَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ، وَأَلْقَى عَلَيْهِ سِتْرَهُ، وَاسْتَتَرَ بِسِتْرِ الله؟»

قَالُوا: نَعَمْ.

قَالَ: «ثُمَّ يَجْلِسُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا فَعَلْتُ كَذَا»

فَسَكَتُوا.

فَأَقْبَلَ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ: «هَلْ مِنْكُنَّ مَنْ تُحَدِّثُ؟»

فَسَكَتْنَ، فَجَثَتْ فَتَاةٌ كَعَابٌ عَلَى إِحْدَى رُكْبَتَيْهَا وَتَطَاوَلَتْ لِرَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِيَرَاهَا وَيَسْمَعَ كَلَامَهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّهُمْ لَيَتَحَدَّثُونَ، وَإِنَّهُنَّ لَيَتَحَدَّثْنَهُ.

فَقَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَا مَثَلُ ذَلِكَ؟، إِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ شَيْطَانَةٍ لَقِيَتْ شَيْطَاناً فِي السِّكَّةِ، فَقَضَى مِنْهَا حَاجَتَهُ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، أَلَا وَإِنَّ طِيبَ الرِّجَالِ مَا ظَهَرَ رِيحُهُ وَلَمْ يَظْهَرْ لَوْنُهُ، أَلَا إِنَّ طِيبَ النِّسَاءِ مَا ظَهَرَ لَوْنُهُ وَلَمْ يَظْهَرْ رِيحُهُ»

قَالَ أَبُو دَاوُد: وَمِنْ هَا هُنَا حَفِظْتُهُ عَنْ مُؤَمَّلٍ وَمُوسَى: «أَلَا لَا يُفْضِيَنَّ رَجُلٌ إِلَى رَجُلٍ، وَلَا امْرَأَةٌ إِلَى امْرَأَةٍ، إِلَّا إِلَى وَلَدٍ أَوْ وَالِدٍ».

وروى الإمام مسلم عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: قال رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ الله مَنْزِلَةً يَوْم الْقِيامَةِ، الرَّجُل يُفضِي إلى المَرْأَةِ، وَتُفضِي إلَيهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا».

أيُّها الإخوة الكرام: مِمَّا لا شَكَّ فيهِ بأنَّ نَشْرَ أسرارِ الزَّوجِيَّةِ، وهَتْكَ أستارِ البُيوتِ إذا حَصَلَ صارَ حَلُّ الخِلافِ صَعباً بينَ الزَّوجَينِ، وقد يَدفَعُ هذا الأمرُ كُلَّاً من الزَّوجَينِ إلى الكَذِبِ والافتِراءِ.

فهلَّا تَتَعلَّمُ النِّساءُ اليومَ هذا الأدَبَ من السَّيِّدَةِ فاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عنها؟ حيثُ كانَت حَريصَةً على أسرارِ بَيتِها، فلم تَزِدْ على قَولِها: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ، فَغَاضَبَنِي !!.

حِكمَةُ الرِّجالِ في ساعَةِ الغَضَبِ:

أيُّها الإخوة الكرام: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء﴾ الرِّجالُ عُقولُهُم أكبَرُ من عَواطِفِهِم، لذلكَ جُعِلَتِ العِصمَةُ في يَدِهِم، فهلَّا استَخدَمَ الرِّجالُ عُقولَهُم في ساعَةِ الغَضَبِ، وذلكَ بأن يَتَحَوَّلوا من الحالِ الذي هم فيها إلى حالٍ غَيرِهِ، وذلكَ امتِثالاً لأمرِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ، فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ، وَإِلَّا فَلْيَضْطَجِعْ» رواه الإمام أحمد وأبو داود عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

لذلكَ رَأينا حِكمَةَ سيِّدِنا علِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ في ساعَةِ الخِلافِ أنَّهُ خَرَجَ من بَيتِهِ إلى بَيتِ الله، إلى مَسجِدِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ واضطَجَعَ فيهِ. وبذلكَ ضَيَّقَ دائِرَةَ الخِلافِ.

حِكمَةُ وَلِيِّ الزَّوجَةِ:

أيُّها الإخوة الكرام: أينَ حِكمَةُ أولِياءِ النِّساءِ إذا حَصَلَ خِلافٌ بينَ بناتِهِنَّ وأزاوجِهِنَّ؟

اُنظُروا إلى سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ماذا فَعَلَ؟ لقد أصلَحَ بينَهُما، ولاطَفَ سيِّدَنا علِيَّاً رَضِيَ اللهُ عنهُ بِقَولِهِ: «قُمْ أَبَا تُرَابٍ، قُمْ أَبَا تُرَابٍ».

لقد كانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قُدوَةً لأولِياءِ البناتِ في الإصلاحِ بينَ بناتِهِم وأزواجِهِنَّ، وقد كانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَتَهَلَّلُ وَجهُهُ عِندَما يُصلِحُ بينَ ابنَتِهِ وزوجِها، كما جاء في الطَّبقات الكبرى لابن سعدٍ عن حبيبِ بن أبي ثابِتٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: كانَ بينَ عَلِيٍّ وفاطِمَةَ كَلامٌ، فَدَخَلَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ  فألقى له مِثالاً، فاضطجَعَ عَلَيهِ.

فَجَاءَت فَاطِمَةُ فاضطجَعَت من جَانِبٍ، وجاءَ عَلِيٌّ فاضطجَعَ من جَانِبٍ.

فَأَخَذَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِيَدِ عَلِيٍّ فَوَضَعَها على سُرَّتِهِ وأَخَذَ بِيَدِ فَاطِمَةَ فَوَضَعَهَا على سُرَّتِهِ ولم يَزَل حتَّى أصلَحَ بينَهُما.

ثمَّ خَرَجَ فقيل له: دَخَلتَ وأنتَ على حَالٍ، وخَرَجتَ ونحنُ نرى البِشرَ في وَجهِكَ.

فقال: «وما يَمنَعُني وقد أصلَحتُ بينَ أحَبِّ اثنَينِ إلَيَّ».

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: بُيوتَكُم بُيوتَكُم، وأُسَرَكُم أُسَرَكُم، اِتَّقوا اللهَ تعالى فيها، واعلَموا بأنَّ صَلاحَها صلاحُ المُجتَمَعِ، وفَسادَها فَسادُ المُجتَمَعِ، اِحذَروا الشِّقاقَ، فإنْ حَصَلَ فانضَبِطوا بِضَوابِطِ الشَّريعَةِ.

إيَّاكُم ونَشْرَ أسرارِ البُيوتِ، وهَتْكَ أستارِها.

إذا غَضِبَ أحَدُكُم فَلْيُمسِك يَدَهُ ولِسانَهُ، ولْيُغَيِّرْ مَكانَهُ.

يا أولِياءَ الزَّوجَينِ كونوا مُصلِحينَ لا مُحَرِّضينَ، وتَعَرَّفوا على سِيرَةِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وأهلِ بَيتِهِ الأطهارِ.

اللَّهُمَّ وَفِّقنا لذلكَ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 18/شعبان/1434هـ، الموافق: 27/حزيران / 2013م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الحبيب المصطفى   

26-06-2019 2372 مشاهدة
316ـ العناية الربانية بالحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ سَخَّرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ المَوْجُودَاتِ، وَمِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِهِ صَلَّى ... المزيد

 26-06-2019
 
 2372
20-06-2019 1406 مشاهدة
315ـ سَيَبْلُغُ مَا بَلَغَ مُلْكُ كِسْرَى

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 20-06-2019
 
 1406
28-04-2019 1195 مشاهدة
315ـ«لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ المَلَائِكَةُ»

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1195
28-04-2019 1198 مشاهدة
314ـ في محط العناية

لَقَدِ رَحِمَ اللهُ تعالى هَذِهِ الأُمَّةَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُبَشِّرَاً وَنَذِيرَاً، وَجَعَلَهُ خَاتَمَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَجَعَلَ شَرِيعَتَهُ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1198
21-03-2019 1848 مشاهدة
313- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾

فَعَلَى قَدْرِ التَّحَمُّلِ يَكُونُ الأَدَاءُ، وَبِحَسْبِ الشَّهَادَةِ تَكُونُ المُهِمَّةُ، لِذَلِكَ عَلَّمَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِفَضْلِهِ العَظِيمِ مَا لَمْ يَكُنْ ... المزيد

 21-03-2019
 
 1848
13-03-2019 1713 مشاهدة
312- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:«فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ»

وَجَاءَتْ تَارَةً بِمَدْحِ أَهْلِهِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَالمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾. وَقَالَ: ﴿وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. وَقَالَ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا ... المزيد

 13-03-2019
 
 1713

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414947892
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :