101ـ كلمة شهر رجب 1436هـ: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}

101ـ كلمة شهر رجب 1436هـ: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}

 

 101ـ كلمة شهر رجب 1436هـ: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: أُوصِي نَفْسِي وإِيَّاكُم أن نُقَدِّمَ لأَنفُسِنَا خَيْرَاً، وأن نَعْمَلَ صَالِحَاً، اِسْتِعْدَادَاً لِيَومٍ تَبْيَضُّ فيهِ وُجُوهٌ، وتَسْوَدُّ فِيهِ وُجُوهٌ، اِسْتِعْدَادَاً لِيَومٍ قَالَ اللهُ تعالى فِيهِ: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾.

اِسْتِعْدَادَاً لِيَومٍ قَالَ اللهُ تعالى فِيهِ: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرَاً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيدَاً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ واللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾.

اِسْتِعْدَادَاً لِيَومٍ قَالَ اللهُ تعالى فِيهِ: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئَاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾.

اِسْتِعْدَادَاً لِيَومٍ قَالَ اللهُ تعالى فِيهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.

﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾:

أيُّها الإخوة الكرام: أَصْحَابُ العُقُولِ الوَاعِيَةِ، والقُلُوبِ المُنَوَّرَةِ، عَرَفُوا قَولَ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾. وعَرَفُوا أَنَّهُ لَن يُنَجِّيَهُم إلا مُحَاسَبَةُ أَنفُسِهِم قَبلَ مَوْتِهِم، فَأَقْبلُوا على إِصْلاحِ أَنفُسِهِم.

يَقُولُ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ، وَإِنَّمَا يَخِفُّ الْحِسَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا ﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ﴾ رواه الترمذي.

ويَقُولُ الغَزَّالِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: مَن حَاسَبَ نَفْسَهُ قَبْلَ أَنْ يُحَاسَبَ خَفَّ في القِيَامَةِ حِسَابُهُ، وَحَضَرَ عِنْدَ السُّؤَالِ جَوَابُهُ، وَحَسُنَ مُنْقَلَبُهُ وَمَآبُهُ، وَمَن لَمْ يُحَاسِبْ نَفْسُهُ دَامَتْ حَسَرَاتُهُ وَطَالَتْ في عَرَصَاتِ القِيَامَةِ وَقَفَاتُهُ، وَقَادَتْهُ إلى الخِزْيِ والمَقْتِ سَيِّئَاتُهُ.

وهذا سَيِّدُنَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، يَدْخُلُ مَزْرَعَةَ أَحَدِ الأَنْصَارِ، فَوَجَدَ فِيهَا طَيْراً يَطِيرُ، فَخَرَّ عَلَى رُكبَتَيهِ يَبكِي، فَقِيلَ لَهُ: لِمَاذَا رَحِمَكَ اللهُ؟

قَالَ: نَظَرتُ إِلَى الطَّيرِ يَطِيرُ عَلَى الشَّجَرِ، وَيَأكُلُ الثَّمَرَ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَا حِسَابَ وَلَا عِقَابَ، يَا لَيتَنِي أَكُونُ طَائِراً.

وهذا سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يُخَاطِبُ نَفْسَهُ ويَقُولُ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، بَخٍ بَخٍ، واللهِ لَتَتَّقِيَنَّ اللهَ أَوْ لَيُعَذِّبَنَّكَ. رواه الإمام مالك في المُوَطَّأ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

يَا أَبْنَاءَ هذا البَلَدِ الحَبِيبِ:

يَا أَبْنَاءَ هذا البَلَدِ الحَبِيبِ، قِفُوا مَعَ هذهِ الآيَاتِ الكَرِيمَةِ:

قَالَ تعالى: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامَاً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾.

 وقَالَ تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾.

وقَالَ تعالى: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.

وقَالَ تعالى: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ واللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.

وقَالَ تعالى: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾.

وقَالَ تعالى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾.

وقَالَ تعالى حِكَايَةً عَن سَيِّدِنَا لُقمَانَ: ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾.

وقَالَ تعالى: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرَاً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيدَاً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ واللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾.

وقَالَ تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرَاً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرَّاً يَرَهُ﴾.

وقَالَ تعالى: ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابَاً يَلْقَاهُ مَنْشُورَاً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبَاً﴾.

وقَالَ تعالى: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرَاً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدَاً﴾.

وقَالَ تعالى: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابَاً﴾.

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: وفِي الخِتَامِ، سَيِّدُنَا آدَمَ عَلَيهِ السَّلامُ أَكَلَ من الشَّجَرَةِ نَاسِيَاً، فَقَالَ: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.

يَا وَيْلَنَا إِنْ عَصَيْنَا اللهَ تعالى في اليَومِ بِذَنْبٍ وَاحِدٍ، فَكَيفَ بِنَا لَو عَصَيْنَاه بِعَشَرَاتِ الذُّنُوبِ؟ فَكَيفَ بِنَا إذا لَقِينَاهُ بِدِمَاءٍ بَرِيئَةٍ سُفِكَتْ؟ وبِأَمْوَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ أُتْلِفَتْ؟ ﴿فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾.

اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 1/رجب/1435هـ، الموافق: 20/نيسان / 2015م

أخوكم أحمد النعسان

يرجوكم دعوة صالحة

 2015-04-20
 2175
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

08-09-2024 328 مشاهدة
217ـ علامة المحبة

هَا نَحْنُ في شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، شَهْرِ المَوْلِدِ الشَّرِيفِ، حَيْثُ يَحْتَفِلُ المُسْلِمُونَ في بُيُوتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَفي بُيُوتِهِمْ، وَيَجْمَعُونَ النَّاسَ عَلَى الإِنْشَادِ وَالمَدِيحِ، وَتَوْزِيعِ الحَلْوَى، وَجَعْلِ المَوَائِدِ؛ ... المزيد

 08-09-2024
 
 328
05-08-2024 415 مشاهدة
216ـ إذا عرفت حقيقة الدنيا فلن تحزن

مَنْ عَرَفَ حَقِيقَةَ الدُّنْيَا فَلَنْ يَحْزَنَ، خُلِقَتِ الدُّنْيَا وَنَعِيمُهَا مَمْزُوجٌ بِالأَكْدَارِ، فَكَيْفَ بِأَكْدَارِهَا؟! قَالَ تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ ... المزيد

 05-08-2024
 
 415
25-07-2024 273 مشاهدة
215ـ السعيد له دستور

الرِّفْقُ وَاللِّينُ مَا وُجِدَا في شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَمَا فُقِدَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ، فَاللِّينُ في الكَلَامِ وَالْتِزَامُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾. وَقَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا ... المزيد

 25-07-2024
 
 273
05-06-2024 495 مشاهدة
214ـ أفضل الأشهر

هَذِهِ أَيَّامُ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ قَدْ أَقْبَلَتْ، فَاسْمَعُوا إلى هَدْيِ حَبِيبِكُمُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى ... المزيد

 05-06-2024
 
 495
09-05-2024 633 مشاهدة
213ـ أقبلوا على الملك العليم العلام

إِنَّ حَيَاةَ الإِنْسَانِ مَحْدُودَةُ الآجَالِ، وَأَيَّامَهُ وَلَيَالِيَهُ تَمْضِي سَرِيعَةً إلى الزَّوَالِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا يَنْتَقِلُ مِنْ حَالٍ إلى حَالٍ، وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ في كِتَابِهِ العَظِيمِ: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا ... المزيد

 09-05-2024
 
 633
09-04-2024 915 مشاهدة
212ـ كيف تستقبل العيد أنت؟

هَا هُوَ يَوْمُ العِيدِ قَدْ جَاءَ بَعْدَ طَاعَةٍ عَظِيمَةٍ، بَعْدَ رُكْنٍ عَظِيمٍ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، كَيْفَ لَا يَأْتِي يَوْمُ عِيدٍ بَعْدَ انْتِهَاءِ شَهْرٍ عَظِيمٍ مُبَارَكٍ أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ، الذي هُوَ سِرُّ سَعَادَتِنَا؟ ... المزيد

 09-04-2024
 
 915

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5633
المقالات 3197
المكتبة الصوتية 4873
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 419062447
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :