12ـ كلمة شهر صفر الخير: (البلاء مُوكَّلٌ بالمنطق)

12ـ كلمة شهر صفر الخير: (البلاء مُوكَّلٌ بالمنطق)

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (البلاء موكل بالمنطق) رواه القضاعي في مسند الشهاب، ورواه البيهقي في شعب الإيمان بلفظ: (البلاء موكَّل بالقول).

وروي أن سيدنا يوسف عليه السلام شكا إلى الله تعالى طول الحبس، فأوحى الله تعالى إليه: يا يوسف أنت حبست نفسك حيث قلت: {رب السجن أحب إليَّ}، ولو قلت العافية أحب إليَّ لعوفيت [أورده ابن كثير في تفسيره].

عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم سَمِعَ كَلِمَةً فَأَعْجَبَتْهُ فَقَالَ: (أَخَذْنَا فَأْلَكَ مِنْ فِيكَ) رواه أبو داود. فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل الحسن ويكره الطيرة، لأن التشاؤم سوء ظن بالله تعالى بغير سبب محقق، والتفاؤل حسن ظن بالله تعالى، والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله تعالى على كل حال، فهو يجلب السعادة إلى النفس والقلب، ويستريح المؤمن فيه، وتقوى عزيمته، ويكون مقتدياً بالنبي صلى الله عليه وسلم، آخذاً بالأسوة الحسنة، حيث كان يتفاءل النبي صلى الله عليه وسلم.

وإنه من العجيب أن ترى البعض إذا دخل شهر صفر الخير تشاءموا من هذا الشهر المبارك، وهذه عادة جاهلية، وهو شقاء في الدنيا وعذاب في الآخرة، لأنه من الكبائر.

وذلك لقول النَبِيِ صلى الله عليه وسلم: (الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، ثَلاثًا، وَمَا مِنَّا إِلا وَلَكِنَّ الله يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ) رواه أبو داود وابن ماجه. وقوله صلى الله عليه وسلم: (وما منَّا إلا) يعني: ما منا إلا وقع في قلبه شيء من ذلك يعني قلوب أمته ، ولكن الله يذهب ذلك عن قلب كل من يتوكل على الله تعالى.

وقد جاء في صحيح مسلم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لا عَدْوَى وَلا هَامَةَ وَلا نَوْءَ وَلا صَفَرَ).

الهامة : الرأس ، واسم طائر ليلي ـ وهو المراد هنا ـ كانوا يتشاءمون بها، وقيل: هي البومة.

الأنواء : ثمان وعشرون مَنْزلةً، ينزل القَمَر كلَّ ليلة في منزلة منها، وكانت العرب تزعُم أن مع سُقوط المنزِلة وطلُوع رَقيبها يكون مَطر.

الصفر : كانت العَرَب تزعُم أن في البَطْن حيَّةً يقال لها الصَّفَر، تُصِيب الإنسان إذا جَاع وتُؤْذِيه، وأنَّها تُعْدِي، وقيل : تأخيرُ المُحرَّم إلى صَفَر، ويجعَلُون صَفَر هو الشهرَ الحرامَ.

وعن عكرمة رضي الله عنه قال: كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما، فمرَّ طائر يصيح، فقال رجل من القوم: خيرٌ خيرٌ، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: ما عند هذا لا خير ولا شر.

تعال يا أخي واسمع، إذا كنت ممن يتشاءم من شهر صفر، أو من طير أومن شخص:

روى الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ مِنْ حَاجَةٍ فَقَدْ أَشْرَكَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ الله مَا كَفَّارَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ: اللهمَّ لا خَيْرَ إِلا خَيْرُكَ، وَلا طَيْرَ إِلا طَيْرُكَ، وَلا إِلَهَ غَيْرُكَ).

لذلك كان سلفنا الصالح دائماً في حالة التفاؤل لأن اعتمادهم وتوكلهم على الله تعالى، هذا سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه عندما خرج من المدينة، قال مزاحم: فنظرت فإذا القمر في الدَّبَران، ـ يعني منزل من منازل القمر حين يتبع الثريا ـ فكرهت أن أقول له، فقلت: ألا تنظر إلى القمر ما أحسن استواءه هذه الليلة؟ قال : فنظر عمر رضي الله عنه فإذا هو الدَّبَرَان، فقال لمزاحم: كأنك أردت أن تُعلمَني أن القمر في الدَّبَرَان يا مزاحم، إنا لا نخرج بشمس ولا بقمر، ولكنا نخرج بالله الواحد القهار.

وإذا شعرت بضعفك ولم تسلم من ذلك فخذ بوصية سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: قَالَ صلى الله عليه وسلم : (ثَلاثٌ لازِمَاتٌ لأُمَّتِي : الطِّيَرَةُ ، وَالْحَسَدُ ، وَسُوءُ الظَّنِّ، فَقَالَ رَجُلٌ: مَا يُذْهِبُهُنَّ يَا رَسُولَ الله مِمَّنْ هُوَ فِيهِ ؟ قَالَ: إِذَا حَسَدْتَ فَاسْتَغْفَرِ الله، وَإِذَا ظَنَنْتَ فَلا تُحَقِّقْ، وَإِذَا تَطَيَّرْتَ فَامْضِ) رواه الطبراني.

أخي المسلم: كن متفائلاً، وإياك أن تكون متشائماً، وادع الله بهذا الدعاء: اللهم لا طيرَ إلا طيرُك، ولا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك، اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يذهب بالسيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك.

أخي المسلم: إذا كنت عازماً على سفر في شهر صفر الخير فسافر، وإذا كنت عازماً على تجارة في شهر صفر فتاجر، وإذا كنت عازماً على عقد زواج أو زواج في شهر صفر الخير فاعقد عقد الزواج وتزوج، وتذكر قول الله تعالى: { تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. فالخير كله في يد الله تعالى، فإنه لا يأتي بالخير إلا الله تعالى، ولا يصرف السوء إلا الله، اللهم إنا نسألك سعادة الدارين لنا جميعاً. آمين، وأرجوكم دعوة صالحة بظهر الغيب.

أخوكم أحمد النعسان

** ** **

 

 2008-02-12
 6437
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

08-01-2025 384 مشاهدة
221ـ نموذجان من المسلمين اليوم

الإِنْسَانُ خُلِقَ لِلْجَنَّةِ، وَالجَنَّةُ خُلِقَتْ لَهُ، وَالجَنَّةُ هِيَ سِلْعَةٌ، وَسِلْعَةُ اللهِ غَالِيَةٌ، وَثَمَنُهَا فِي الدُّنْيَا؛ فَمَا هُوَ ثَمَنُ الجَنَّةِ؟ ثَمَنُ الجَنَّةِ هُوَ العِبَادَةُ للهِ تعالى، وَالإِسْلَامُ عَقَائِدُ ... المزيد

 08-01-2025
 
 384
08-01-2025 184 مشاهدة
220ـ إلا الخيانة والكذب

الظَّوَاهِرُ القَبِيحَةُ فِي المُجْتَمَعِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَلَكِنَّ أَقْبَحَهَا وَأَخْطَرَهَا ظَاهِرَةُ الكَذِبِ، هَذِهِ الظَّاهِرَةُ الَّتِي قَالَ عَنْهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ ... المزيد

 08-01-2025
 
 184
08-01-2025 182 مشاهدة
219ـ نعمة الإيمان وأثرها على العبد

أَعْظَمُ نِعْمَةٍ أَسْبَغَهَا اللهُ تعالى عَلَى عَبْدِهِ هِيَ نِعْمَةُ الإِيمَانِ، وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ تعالى مَا نَطَقَ بِهَا العَبْدُ، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ ... المزيد

 08-01-2025
 
 182
08-01-2025 181 مشاهدة
218ـ كن محافظًا على أعظم نعمة أسبغها الله عليك

هُنَاكَ كَثِيرٌ مِنَ النِّعَمِ الَّتِي أَسْبَغَهَا اللهُ تعالى عَلَى خَلْقِهِ قَدْ لَا يَنْتَفِعُ العَبْدُ مِنْهَا، قَدْ يُعْطِيكَ اللهُ تعالى نِعْمَةَ المَالِ فَلَا تَنْتَفِعُ مِنْهُ، وَقَدْ يُعْطِيكَ نِعْمَةَ الجَاهِ وَلَا تَنْتَفِعُ مِنْهَا، ... المزيد

 08-01-2025
 
 181
08-09-2024 488 مشاهدة
217ـ علامة المحبة

هَا نَحْنُ في شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، شَهْرِ المَوْلِدِ الشَّرِيفِ، حَيْثُ يَحْتَفِلُ المُسْلِمُونَ في بُيُوتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَفي بُيُوتِهِمْ، وَيَجْمَعُونَ النَّاسَ عَلَى الإِنْشَادِ وَالمَدِيحِ، وَتَوْزِيعِ الحَلْوَى، وَجَعْلِ المَوَائِدِ؛ ... المزيد

 08-09-2024
 
 488
05-08-2024 591 مشاهدة
216ـ إذا عرفت حقيقة الدنيا فلن تحزن

مَنْ عَرَفَ حَقِيقَةَ الدُّنْيَا فَلَنْ يَحْزَنَ، خُلِقَتِ الدُّنْيَا وَنَعِيمُهَا مَمْزُوجٌ بِالأَكْدَارِ، فَكَيْفَ بِأَكْدَارِهَا؟! قَالَ تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ ... المزيد

 05-08-2024
 
 591

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5637
المقالات 3202
المكتبة الصوتية 4873
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 420756833
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :