556ـ خطبة الجمعة: مهمة سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في القرآن
مقدمة الخطبة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ بَلَغَتْ جُرْأَةُ بَعْضِ المُسلِمِينَ اليَوْمَ أَنْ يَقُولُوا: إِنَّ مُهِمَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَحْصُورَةٌ في تَبْلِيغِ رِسَالَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالتي هِيَ القُرْآنُ العَظِيمُ فَقَطْ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾. ثُمَّ قَالَ لَهُ: ﴿إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ﴾. ثُمَّ قَالَ: ﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ المُبِينُ﴾. ثُمَّ قَالَ: ﴿فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ المُبِينُ﴾.
مُهِمَّةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَمَا جَاءَتْ في القُرْآنِ:
يَا عِبَادَ اللهِ: كُونُوا عَلَى حَذَرٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الذينَ يُشَكِّكُونَ الأُمَّةَ في سُنَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وفي حَدِيثِهِ الشَّرِيفِ.
مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ العَظِيمَ بِتَدَبُّرٍ عَرَفَ مَا هِيَ مُهِمَّةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ مُهِمَّةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَمَا جَاءَتْ في القُرْآنِ الكَرِيمِ هِيَ:
تَبْلِيغُ القُرْآنِ الكَرِيمِ:
يَا عِبَادَ اللهِ: قَالَ اللهُ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾. هَذِهِ هِيَ الوَظِيفَةُ الأُولَى لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بَلَاغٌ عَامٌّ وَشَامِلٌ لِكُلِّ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ البَشَرِيَّةُ في عَاجِلِهَا وَآجِلِهَا، وَدُنْيَاهَا وَآخِرَتِهَا.
وَهَذَا البلَاغُ هُوَ وَحْيَانِ، أَحَدُهُمَا مَتْلُوٌّ، وَهُوَ القُرْآنُ العَظِيمُ؛ وَالآخَرُ: غَيْرُ مَتْلُوٍّ، وَهُوَ السُّنَّةُ المُطَهَّرَةُ.
﴿بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾. تَأْدِيَةُ النَّصِّ القُرْآنِيِّ كَمَا أُنْزِلَ، دُونَ تَغْيِيرٍ وَلَا تَبْدِيلٍ، دُونَ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ، دُونَ تَقْدِيمٍ وَلَا تَأْخِيرٍ، فَبَلَّغَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ، حَتَّى أَنَّهُ بَلَّغَ كَلِمَةَ: ﴿قُلْ﴾.
يَا عِبَادَ اللهِ: أَمَّا بِالنِّسْبَةِ للوَحْيِ غَيْرِ المَتْلُوِّ، فَقَدْ بَلَّغَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا صَرِيحٌ في قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمَاً﴾. وَفي قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ﴾. لَقَدْ عَطَفَ اللهُ تعالى الحِكْمَةَ عَلَى آيَاتِ اللهِ تعالى لِتَنْدَرِجَ تَحْتَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾. فَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ تعالى عَلَيْهِ القُرْآنَ وَالحِكْمَةَ، فَبَلَّغَ القُرْآنَ وَهُوَ الوَحْيُ المَتْلُوُّ، وَبَلَّغَ الحِكْمَةَ التي هِيَ السُّنَّةُ وَهِيَ الوَحْيُ غَيْرُ المَتْلُوِّ، وَصَدَقَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القَائِلُ: «أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ، وَمِثْلَهُ مَعَهُ» رواه الإمام أحمد وأبو داود عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وروى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ أَبِي بُصَيْلَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَامَ سِتَّةٍ، سَعِّرْ لَنَا يَا رَسُولَ اللهِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَسْأَلُنِي اللهُ عَنْ سُنَّةٍ أَحْدَثْتُهَا عَلَيْكُمْ لَمْ يَأْمُرْنِي بِهَا، وَلَكِنْ سَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ».
صَرَاحَةٌ مَا بَعْدَهَا صَرَاحَةٌ، فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُبَلِّغٌ عَنْ رَبِّهِ القُرْآنَ وَالسُّنَّةَ، وَكِلَاهُمَا مَحْفُوظٌ بِإِذْنِ اللهِ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:
يَا عِبَادَ اللهِ: رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ﴾.
وَلَقَدْ أَرَاهُ اللهُ تعالى لَيْلَةَ الإِسْرَاءِ مِنْ آيَاتِهِ الكُبْرَى، وَأَرَاهُ مَا أَرَاهُ، وَحَكَى للنَّاسِ بِمَا أَرَاهُ اللهُ تعالى، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أُرِيتُ مَا تَعْمَلُ أُمَّتِي بَعْدِي، فَاخْتَرْتُ لَهُمُ الشَّفَاعَةَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» رواه أبو يعلى عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «قُمْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا المَسَاكِينُ، وَإِذَا أَصْحَابُ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ، إِلَّا أَصْحَابَ النَّارِ، فَقَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ، فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ» رواه الإمام مسلم عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
يَا عِبَادَ اللهِ: لَوْ لَمْ يَحْفَظِ اللهُ تعالى سُنَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَضَاعَتِ الأُمَّةُ، وَلَمَا عَرَفَتْ مُرَادَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهَا، وَرَحِمَ اللهُ سَيِّدَنَا عُمَرَ بْنَ العَزِيزِ وَرَضِيَ اللهُ عَنْهُ عِنْدَمَا قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْ بَعْدَ نَبِيِّكُمْ نَبِيَّاً، وَلَمْ يُنْزِلْ بَعْدَ هَذَا الْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابَاً، فَمَا أَحَلَّ اللهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ فَهُوَ حَلَالٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَا حَرَّمَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ فَهُوَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَلَا وَإِنِّي لَسْتُ بِقاضٍ، وَلَكِنِّي مُنَفِّذٌ، وَلَسْتُ بِمُبْتَدِعٍ، وَلَكِنِّي مُتَّبِعٌ، وَلَسْتُ بِخَيْرٍ مِنْكُمْ، غَيْرَ أَنِّي أَثْقَلُكُمْ حِمْلَاً، أَلَا وَإِنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللهِ أَنْ يُطَاعَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ، أَلَا هَلْ أَسْمَعْتُ؟» رواه الدارمي.
أَتَأْخُذُ الأُمَّةُ بِقَوْلِ سَيِّدِنَا عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَمْ بِقَوْلِ هَؤُلَاءِ الذينَ ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبَاً﴾؟
اللَّهُمَّ احْفَظْ لَنَا دِينَنَا الذي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا. آمين.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
** ** **
تاريخ الخطبة:
الجمعة: 5/ ذو القعدة /1438هـ، الموافق: 27/ تموز / 2017م
اضافة تعليق |
ارسل إلى صديق |
لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد
أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد
إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد
هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد
هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد
شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد