140ـ كلمة شهر شوال 1439: الحرص على العلاقات بين أفراد الأمة

140ـ كلمة شهر شوال 1439: الحرص على العلاقات بين أفراد الأمة

 

140ـ كلمة شهر شوال 1439: الحرص على العلاقات بين أفراد الأمة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَاللهِ الذي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، لَو عَرَفْنَا المَغْزَى مِنَ العِيدِ كَمَا أَرَادَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، لَكَانَ مُجْتَمَعُنَا مُتَمَاسِكَاً، لَكَانَ كَالبُنْيَانِ المَرْصُوصِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضَاً.

عِيدٌ يَضْحَكُ فِيهِ النَّاسُ وَيُحْزِنُ قَلْبَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ عِيدَاً، بَلْ هُوَ مَأْتَمٌ عِنْدَ العُقَلَاءِ.

مَا قِيمَةُ العِيدِ إِذَا تَبَسَّمَتِ الشِّفَاهُ، وَحَزِنَ قَلْبُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القَائِلِ: «حَيَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ تُحَدِّثُونَ وَنُحَدِّثُ لَكُمْ، وَوَفَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ تُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالُكُمْ، فَمَا رَأَيْتُ مِنَ خَيْرٍ حَمِدْتُ اللهَ عَلَيْهِ، وَمَا رَأَيْتُ مِنَ شَرٍّ اسْتَغْفَرْتُ اللهَ لَكُمْ» رواه البزار عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

هَلْ أَعْمَالُنَا التي تُعْرَضُ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تُدْخِلُ إلى قَلْبِهِ الفَرْحَةَ وَالسُّرُورَ فَيَحْمَدُ اللهَ تعالى، أَمْ تُحْزِنُ قَلْبَهُ الشَّرِيفَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَيَسْتَغْفِرُ لَنَا؟

الحِرْصُ عَلَى العَلَاقَاتِ بَيْنَ أَفْرَادِ الأُمَّةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَرِيصَاً كُلَّ الحِرْصِ عَلَى العَلَاقَاتِ بَيْنَ أَفْرَادِ الأُمَّةِ، وَعَلَى جَمْعِ شَمْلِهَا تَحْقِيقَاً لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعَاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانَاً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾.

وَلَيْسَ أَغْيَظَ لِأَعْدَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ مِنْ أَنْ يَرَوُا المُسْلِمِينَ مُتَآلِفِينَ مُتَآخِينَ مُتَحَابِّينَ؛ لِذَا رَأَيْنَا أَعْدَاءَ هَذِهِ الأُمَّةِ في كُلِّ زَمَانٍ وَكُلِّ مَكَانٍ حَرِيصِينَ عَلَى أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَفْرَادِهَا، تَحْقِيقَاً لِمَا أَرَادَهُ الشَّيْطَانُ ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ﴾. وَقَالُوا الكَلِمَةَ المَعْرُوفَةَ عِنْدَ الجَمِيعِ: فَرِّقْ تَسُدْ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَاقِعُنَا مَرِيرٌ، لَا أَقُولُ: ضَعُفَتِ العَلَاقَاتُ بَيْنَ أَفْرَادِ الأُمَّةِ، بَلْ أَقُولُ: لَقَدْ تَمَزَّقَتِ العَلَاقَاتُ وَظَهَرَتْ آثَارُ هَذَا التَّمَزُّقِ في هَذِهِ الآوِنَةِ.

لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَدِيدَ الحِرْصِ عَلَى العَلَاقَاتِ بَيْنَ أَفْرَادِ المُجْتَمَعِ حَتَّى لَا يُعَكَّرَ صَفْوُهَا، أَو تُضْعِفَهَا كَلِمَةٌ جَارِحَةٌ، أَو كَلِمَةٌ تُنْقَلُ عَلَى لِسَانِ جَاهِلٍ، فَعَلَّمَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الأُمَّةَ قَاعِدَةً في العَلَاقَاتِ الأُخَوِيَّةِ مَخَافَةَ أَنْ تَتَقَطَّعَ أَوَاصِرُ الأُخُوَّةِ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُبَلِّغْنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئَاً؛ فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ» رواه الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: المُؤْمِنُ الحَقُّ هُوَ الذي يَعِيشُ مَعَ الآخَرِينَ بِمَشَاعِرِهِ وَأَحَاسِيسِهِ، يَحْزَنُ لِحُزْنِهِمْ، وَيَفْرَحُ لِفَرَحِهِمْ، وَيَهْتَمُّ بِشُؤُونِهِمْ، وَلَا يَعِيشُ مُنْعَزِلَاً بِمَشَاعِرِهِ وَأَحَاسِيسِهِ، لَا يَهْتَمُّ بِغَيْرِهِ، وَذَلِكَ لِمَا رواه الإمام أحمد عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ المُؤْمِنَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ، يَأْلَمُ المُؤْمِنُ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ كَمَا يَأْلَمُ الْجَسَدُ لِمَا فِي الرَّأْسِ».

المُؤْمِنُ الحَقُّ هُوَ الذي يَعِيشُ مَعَ المُؤْمِنِينَ عِيشَةً تَسْتَجْلِبُ مَحَبَّةَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ مَحَبَّتِهِ للآخَرِينَ مَحَبَّةً خَالِصَةً لِوَجْهِ اللهِ تعالى، طَمَعَاً في الوُصُولِ إلى المَقَامِ الذي حَدَّثَ عَنْهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، وَالمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ، وَالمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ» رواه الإمام أحمد والحاكم عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

طَمَعَاً في الوُصُولِ إلى المَقَامِ الذي حَدَّثَ عَنْهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: المُتَحَابُّونَ فِي جَلَالِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الخَوْلَانِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: حَتَّى يَكُونَ المُجْتَمَعُ مُتَمَاسِكَاً فَلَا بُدَّ مِنْ سَلَامَةِ الصَّدْرِ، لَا بُدَّ مِنْ تَطْهِيرِ القَلْبِ مِنَ الحِقْدِ وَالغِلِّ وَالحَسَدِ، حَتَّى نَسْعَدَ في حَيَاتِنَا الدُّنْيَا، وَنَفُوزَ بِرِضَا رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ.

نَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَبْقَى قُلُوبُنَا قُلُوبَاً سَلِيمَةً طَاهِرَةً، لِيَسْتَلِمَهَا مِنَّا طَاهِرَةً سَلِيمَةً، كَمَا سَلَّمَنَا إِيَّاهَا سَلِيمَةً، لَعَلَّ اللهَ تعالى يَنْفَعُنَا يَوْمَ القِيَامَةِ ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**      **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 1/ شوال /1439هـ، الموافق: 15/ حزيران / 2018م

 2018-06-14
 2297
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

04-03-2025 110 مشاهدة
223ـ اعتبروا الناس بأعمالهم

مَنْ حُجِبَ عَنِ العِلْمِ عَذَّبَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى جَهْلِهِ، وَأَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا مَنْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ العِلْمُ فَأَدْبَرَ عَنْهُ، وَسَاقَ اللهُ إِلَيْهِ الهُدَى فَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ ... المزيد

 04-03-2025
 
 110
08-01-2025 658 مشاهدة
221ـ نموذجان من المسلمين اليوم

الإِنْسَانُ خُلِقَ لِلْجَنَّةِ، وَالجَنَّةُ خُلِقَتْ لَهُ، وَالجَنَّةُ هِيَ سِلْعَةٌ، وَسِلْعَةُ اللهِ غَالِيَةٌ، وَثَمَنُهَا فِي الدُّنْيَا؛ فَمَا هُوَ ثَمَنُ الجَنَّةِ؟ ثَمَنُ الجَنَّةِ هُوَ العِبَادَةُ للهِ تعالى، وَالإِسْلَامُ عَقَائِدُ ... المزيد

 08-01-2025
 
 658
08-01-2025 297 مشاهدة
220ـ إلا الخيانة والكذب

الظَّوَاهِرُ القَبِيحَةُ فِي المُجْتَمَعِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَلَكِنَّ أَقْبَحَهَا وَأَخْطَرَهَا ظَاهِرَةُ الكَذِبِ، هَذِهِ الظَّاهِرَةُ الَّتِي قَالَ عَنْهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ ... المزيد

 08-01-2025
 
 297
08-01-2025 321 مشاهدة
219ـ نعمة الإيمان وأثرها على العبد

أَعْظَمُ نِعْمَةٍ أَسْبَغَهَا اللهُ تعالى عَلَى عَبْدِهِ هِيَ نِعْمَةُ الإِيمَانِ، وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ تعالى مَا نَطَقَ بِهَا العَبْدُ، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ ... المزيد

 08-01-2025
 
 321
08-01-2025 321 مشاهدة
218ـ كن محافظًا على أعظم نعمة أسبغها الله عليك

هُنَاكَ كَثِيرٌ مِنَ النِّعَمِ الَّتِي أَسْبَغَهَا اللهُ تعالى عَلَى خَلْقِهِ قَدْ لَا يَنْتَفِعُ العَبْدُ مِنْهَا، قَدْ يُعْطِيكَ اللهُ تعالى نِعْمَةَ المَالِ فَلَا تَنْتَفِعُ مِنْهُ، وَقَدْ يُعْطِيكَ نِعْمَةَ الجَاهِ وَلَا تَنْتَفِعُ مِنْهَا، ... المزيد

 08-01-2025
 
 321
08-09-2024 561 مشاهدة
217ـ علامة المحبة

هَا نَحْنُ في شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، شَهْرِ المَوْلِدِ الشَّرِيفِ، حَيْثُ يَحْتَفِلُ المُسْلِمُونَ في بُيُوتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَفي بُيُوتِهِمْ، وَيَجْمَعُونَ النَّاسَ عَلَى الإِنْشَادِ وَالمَدِيحِ، وَتَوْزِيعِ الحَلْوَى، وَجَعْلِ المَوَائِدِ؛ ... المزيد

 08-09-2024
 
 561

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5670
المقالات 3204
المكتبة الصوتية 4879
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 421861751
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :