1ـ أهمية علم التفسير

1ـ أهمية علم التفسير

تفسير القرآن العظيم

1ـ أهمية علم التفسير

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ جَمِيعَ العُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ مُهِمَّةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ، وَلَكِنَّ هَذِهِ العُلُومَ تَتَفَاوَتُ مِنْ حَيْثُ الأَهَمِّيَّةُ، وَلَنْ نَخُوضَ في خِلَافِ العُلَمَاءِ رَحِمَهُمُ اللهُ تعالى في أَهَمِّ العُلُومِ، هَلْ هُوَ عِلْمُ العَقِيدَةِ؟ أَمْ عِلْمُ التَّفْسِيرِ؟ أَمْ عِلْمُ الحَدِيثِ؟

الذي يُهِمُّنَا أَنْ نَعْلَمَ أَهَمِّيَّةَ العِلْمِ في دِينِنَا، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾. وَلِقَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ﴾.

وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقَاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمَاً سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَرِيقَاً إِلَى الجَنَّةِ» رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عِلْمُ التَّفْسِيرِ مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ أَهَمِّ العُلُومِ وَمِنْ أَشْمَلِهَا، لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِكَلَامِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا شَكَّ بِأَنَّ كَلَامَ اللهِ تعالى هُوَ أَشْرَفُ وَأَجَلُّ وَأَعْظَمُ وَأَكْمَلُ وَأَتَمُّ كَلَامٍ عَلَى الإِطْلَاقِ.

﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ تَدَبُّرَ آيَاتِ اللهِ تعالى في كِتَابِهِ العَظِيمِ هُوَ أَشْرَفُ العُلُومِ وَأَجَلُّهَا، وَأَوْضَحُهَا سَبِيلَاً لِمَعْرِفَةِ دِينِ اللهِ تعالى، وَمَعْرِفَةِ مُرَادِ اللهِ تعالى مِنَّا، وَللوُصُولِ إلى مَرْضَاةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

لَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا كِتَابَهُ العَظِيمِ المُبَارَكَ لِنَتَدَبَّرَ آيَاتِهِ، لَا لِنَهْجُرَهُ، أَنْزَلَ إِلَيْنَا القُرْآنَ العَظِيمَ لِنُحِلَّ حَلَالَهُ، وَنُحَرِّمَ حَرَامَهُ، وَنَتَخَلَّقَ بِأَخْلَاقِهِ، لِيَكُونَ قَائِدَاً لَنَا إلى جَنَّاتِ النَّعِيمِ، مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقَاً.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ تعالى عَلَى الأُمَّةِ تَدَبٌّرَ القُرْآنَ العَظِيمَ، قَالَ تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ﴾.

هَذَا الكِتَابُ الذي أَنْزَلَهُ اللهُ تعالى عَلَى قَلْبِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هُوَ كِتَابٌ مُبَارَكٌ، لَا تَنْضَبُ فُيُوضُ مَعَانِيهِ، وَلَكِنْ لَا يَحْظَى بِهَا إِلَّا أُولُوا الأَلْبَابِ، أَهْلُ العُقُولِ الحَصِيفَةِ، وَالأَذْهَانِ النَّظِيفَةِ، وَالقُلُوبِ الشَّرِيفَةِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ أَنَّبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الذينَ أَعْرَضُوا عَنِ القُرْآنِ العَظِيمِ وَهَجَرُوهُ، وَلَمْ يَعْبَأُوا بِهِ، وَلَا بِمَا جَاءَ فِيهِ، فَقَالَ تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ * أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ * أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾.

بَلْ أَوْضَحَ اللهُ تعالى للمُرْتَابِينَ مَا يَدُلُّهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَيَهْدِيهِمْ سَوَاءَ السَّبِيلِ، وَيُقْنِعُهُمْ إِذَا أَرَادُوا النَّجَاةَ وَالسَّعَادَةَ الحَقَّةَ الأَبَدِيَّةَ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَقَالَ تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافَاً كَثِيرَاً﴾. وَقَالَ: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ فَضْلُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا عَظِيمَاً بِأَنْ جَعَلَنَا مِنْ أَهْلِ القُرْآنِ وَاصْطَفَانَا لِحَمْلِهِ، فَقَالَ تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾.

هَذَا الكِتَابُ كِتَابُ هُدَىً، وَكِتَابُ خَيْرٍ وَحَقٍّ وَفَضِيلَةٍ، وَدُسْتُورُ عَدْلٍ وَأَمَانٍ في كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾.

وَكُلُّنَا عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ سَعَادَةَ البَشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ، وَصَلَاحَ البِلَادِ وِالعِبَادِ مَرْهُونٌ بِاتِّبَاعِ هَذَا الكِتَابِ، فَالأُمَّةُ وَالأَفْرَادُ إِذَا جَعَلُوهُ قَائِدَاً لَهُمْ، وَإِمَامَاً نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ حَصَلَتْ لَهُمْ سَعَادَةُ الدَّارَيْنِ، وَنَجَاةُ الحَيَاتَيْنِ، وَإِنْ جَعَلُوهُ ـ لَا قَدَّرَ اللهُ تعالى ـ خَلْفَ ظُهُورِهِمْ عَمَّ الذُّلُّ وَالشَّقَاءُ في الحَيَاةِ الأُولَى وَالآخِرَةِ، قَالَ تعالى: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدَىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكَاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرَاً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا وَقَفْنَا تَحْتَ رَايَةِ القُرْآنِ، وَتَفَيَّأْنَا ظِلَالَهُ، ارتَقَيْنَا سُلَّمَ المَجْدِ، وَتَبَوَّأْنَا مَكَانَةَ العِزِّ وَالشَّرَفِ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُوَفِّقَنَا لِتِلَاوَةِ كِتَابِهِ، وَفَهْمِ آيَاتِهِ، وَالعَمَلِ بِهِ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 16/ شوال /1440هـ، الموافق: 20/حزيران / 2019م

الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  تفسير القرآن العظيم

05-11-2020 1275 مشاهدة
26ـ ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾

﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ إِشَارَةً إلى المُعَذَّبِينَ في نَارِ جَهَنَّمَ، حَيْثُ يُشْرِفُ عَلَى تَعْذِيبِهِمْ في سَقَرَ تِسْعَةَ عَشَرَ مِنَ المَلَائِكَةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ... المزيد

 05-11-2020
 
 1275
30-10-2020 1276 مشاهدة
25ـ ﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ﴾

بَعْدَ القَرَارِ النِّهَائِيِّ الذي تَوَصَّلَ إِلَيْهِ الوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَةِ في حَقِّ القُرْآنِ العَظِيمِ، وَفي حَقِّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بَعْدَ تَفْكِيرٍ وَتَقْدِيرٍ وَتَرَيُّثٍ ... المزيد

 30-10-2020
 
 1276
30-10-2020 1023 مشاهدة
72ـ ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ﴾

إِنَّ حَالَةَ الكِبَرِ هِيَ الحَالَةُ التي يَحْتَاجَانِ فِيهَا إلى بِرِّ الوَلَدِ، وَذَلِكَ لِتَغَيُّرِ الحَالِ عَلَيْهِمَا بِالضَّعْفِ وَالكِبَرِ، لِذَا أَلْزَمَ الشَّارِعُ في هَذِهِ الحَالِةِ مِنْ مُرَاعَاةِ أَحْوَالِهِمَا أَكْثَرَ مِمَّا ... المزيد

 30-10-2020
 
 1023
22-10-2020 1139 مشاهدة
24ـ ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ﴾

التَّفْكِيرُ هُوَ العَمَلُ البَدَهِيُّ للعَقْلِ، إِذْ لَا فَائِدَةَ مِنْ وُجُودِ عَقْلٍ مِنْ غَيْرِ تَفْكِيرٍ، لِأَنَّ العَقْلَ المَشْلُولَ لَيْسَ بِعَقْلٍ، بَلْ هُوَ جِهَازٌ مُعَطَّلٌ، وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ. ... المزيد

 22-10-2020
 
 1139
15-10-2020 1793 مشاهدة
23ـ ﴿كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا﴾

لَقَدْ دَلَّتْ رِوَايَاتُ أَسْبَابِ نُزُولِ هَذِهِ الآيَاتِ عَلَى أَنَّ الوَلِيدَ بْنَ المُغِيرَةِ قَدْ أَدْرَكَ عَظَمَةَ مَا سَمِعَ مِنْ آيَاتِ القُرْآنِ المَجِيدِ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ قَوْلِ البَشَرِ، وَعَبَّرَ عَنْ دَهْشَتِهِ، وَلَكِنَّهُ ... المزيد

 15-10-2020
 
 1793
08-10-2020 1500 مشاهدة
22ـ ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا﴾ (3)

يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتعالى في كِتَابِهِ العَظِيمِ في سُورَةِ المُدَّثِّرِ: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا﴾. هَذَا خِطَابٌ مِنَ اللهِ تعالى لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿ذَرْنِي ... المزيد

 08-10-2020
 
 1500

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3159
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412670387
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :