8ـ أثر الإيمان بالآخرة في النفوس (2)

8ـ أثر الإيمان بالآخرة في النفوس (2)

8ـ أثر الإيمان بالآخرة في النفوس (2)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ سَيِّدِي الشَّيْخُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ في كِتَابِهِ (الإِيمَانُ بِعَوَالِمِ الآخِرَةِ وَمَوَاقِفِهَا):

كَمَا أَنَّ الاسْتِعْدَادَ للآخِرَةِ هُوَ عَلَامَةُ انْشِرَاحِ الصَّدْرِ للإِسْلَامِ، وَدُخُولِ الإِيمَانِ في القَلْبِ.

قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ: رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ﴾.

قالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا هَذَا الشَّرْحُ؟

قَالَ: «نُورٌ يُقْذَفُ فِي القَلْبِ».

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، فَهَلْ لِذَلِكَ مِنْ أَمَارَةٍ يُعْرَفُ بِهَا؟ ـ أَيْ: عَلَامَةٌ لِذَلِكَ تُعْرَفُ ـ

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ».

قَالُوا: وَمَا هِيَ؟

قَالَ: «الإِنَابَةُ إِلَى دَارِ الخُلُودِ، وَالتَّجَافِي عَنْ دَارِ الغُرُورِ، وَالاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ المَوْتِ».

وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ كَثِيرٍ هَذَا الحَدِيثَ بِطُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَنِ ابْنِ جَرِيرٍ أَيْضَاً وَغَيْرِهِ.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّهُ لَا حَاجَةَ للإِنْسَانِ أَنْ يَعْمَلَ للآخِرَةِ وَيَسْتَعِدَّ لَهَا، لِأَنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَيْسَتْ أَمْرَاً حَقِيقِيَّاً وَاقِعِيَّاً.

فَيُقَالُ لَهُ في الجَوَابِ: إِنَّ هَذَا الكَلَامَ بَاطِلٌ:

أولاً: إِنَّ أَمْرَ الآخِرَةِ وَمَا فِيهَا مِنَ الحَشْرِ وَالسُّؤَالِ وَالجَزَاءِ، كُلُّ ذَلِكَ حَقٌّ وَحَقِيقَةٌ وَاقِعِيَّةٌ قَطْعَاً، شَرْعَاً وَعَقْلَاً، كَمَا سَبَقَ مِنَ الأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَكَمَا سَوْفَ يَرِدُ إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى في مَوَاضِعِهِ مِنْ هَذَا الكِتَابِ.

ثانياً: يَجِبُ عَلَيْكَ أَيُّهَا العَاقِلُ أَنْ تُفَكِّرَ في نَفْسِكَ إِذَا أَنْتَ أَعْرَضْتَ عَنْ أَوَامِرِ اللهِ تعالى، وَتَرَكْتَ مَا أَوْجَبَهُ عَلَيْكَ، وَارْتَكَبْتَ مَا نَهَاكَ عَنْهُ؛ ثُمَّ جَاءَكَ المَوْتُ وَتَبَيَّنَ لَكَ حَقِيقَتُهَا الوَاقِعَةُ الحَاقَّةُ، وَقَدْ كُنْتَ في الدُّنْيَا تَجْحَدُ وَتُنْكِرُ، فَمَاذَا يَكُونُ مَوْقِفُكَ حِينَذَاكَ؟ إِذَا لَقَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ، وَأَسِفْتَ وَنَدِمْتَ؛ حِينَ لَا تَنْفَعُ النَّدَامَةُ.

وَسَوْفَ يَكُونُ مَوْقِفُكَ إِذَا هُوَ المَوْقِفَ الذي حَذَّرَكَ اللهُ تعالى مِنْهُ قَبْلَ أَنْ تَصِيرَ إِلَيْهِ:

قَالَ تعالى: ﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ اليَوْمَ حَدِيدٌ﴾.

وَقَالَ تعالى: ﴿وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ﴾.

فَتَتَوَارَدُ عَلَيْكَ الحَسَرَاتُ وَالوَيْلَاتُ، وَتَلُومُ نَفْسَكَ عَلَى مَا كُنْتَ تَسْخَرُ بِهِ وَتُنْكِرُهُ قَبْلَ المَوْتِ، فَإِذَا بِكَ تُعَايِنُهُ بَعْدَ المَوْتِ!

قَالَ تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ﴾.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 5/ محرم /1441هـ، الموافق: 5/ أيلول / 2019م

الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  الإيمان بعوالم الآخرة ومواقفها

19-09-2024 464 مشاهدة
64ـ عما ورد من نسبة الذنوب للأنبياء عليهم الصلاة والسلام (2)

وَأَمَّا مَا وَرَدَ في حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ مِنِ اعْتِذَارِ الخَلِيلِ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِسَبَبِ الكَذَبَاتِ، فَإِنَّمَا هِيَ كَذَبَاتٌ صُورَةً لَا حَقِيقَةً، لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ المَعَارِيضِ، وَقَدْ جَاءَ ... المزيد

 19-09-2024
 
 464
10-09-2024 456 مشاهدة
63ـ عما ورد من نسبة الذنوب للأنبياء عليهم الصلاة والسلام

يَقُولُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ سَيِّدِي الشَّيْخُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ في كِتَابِهِ (الإِيمَانِ بِعَوَالِمِ الآخِرَةِ وَمَوَاقِفِهَا): الوَجْهُ الثَّانِي: في الجَوَابِ عَمَّا وَرَدَ مِنْ نِسْبَةِ الذُّنُوبِ للأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ ... المزيد

 10-09-2024
 
 456
15-08-2024 385 مشاهدة
62ـ حول أحاديث الشفاعة

أَوَّلًا: قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فِيهِ إِعْلَانٌ بِمَقَامِ سِيَادَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَإِعْلَامٌ لِجَمِيعِ ... المزيد

 15-08-2024
 
 385
25-07-2024 557 مشاهدة
61ـ الشفاعة وأنواعها

الشَّفَاعَةُ كَمَا قَالَ الحَافِظُ الزَّرْقَانِيُّ: هِيَ انْضِمَامُ الأَدْنَى ـ أَيْ: لُجُوءُهُ وَقَصْدُهُ ـ إلى الأَعْلَى، لِيَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى مَا يَرُومُهُ، أَيْ: في جَلْبِ مَنْفَعَةٍ، أَو دَفْعِ مَضَرَّةٍ عَنِ المَشْفُوعِ بِهِ. وَالشَّفَاعَةُ ... المزيد

 25-07-2024
 
 557
11-01-2024 683 مشاهدة
60ـ يستقبل أمته على الحوض

سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَسْتَقْبِلُ أُمَّتَهُ عَلَى الحَوْضِ وَيَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ مِنْ بَيْنِ الأُمَمِ: ... المزيد

 11-01-2024
 
 683
29-12-2023 653 مشاهدة
59ـ ينتظر الواردين من أمته

رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا، فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى المَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى المِنْبَرِ، ... المزيد

 29-12-2023
 
 653

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5701
المقالات 3235
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 424798736
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :