62ـ حول أحاديث الشفاعة

62ـ حول أحاديث الشفاعة

62ـ حول أحاديث الشفاعة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ سَيِّدِي الشَّيْخُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ في كِتَابِهِ (الإِيمَانِ بِعَوَالِمِ الآخِرَةِ وَمَوَاقِفِهَا):

بَيَانَاتٌ وَإِيضَاحَاتٌ مُهِمَّةٌ حَوْلَ أَحَادِيثِ الشَّفَاعَةِ المُتَقَدِّمَةِ:

أَوَّلًا: قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فِيهِ إِعْلَانٌ بِمَقَامِ سِيَادَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَإِعْلَامٌ لِجَمِيعِ الأَنَامِ بِسُؤْدُدِهِ العَامِّ، وَذَلِكَ مِنْ بَابِ تَحَدُّثِهِ بِنِعَمِ رَبِّهِ وَتَكْرِيمِهِ إِيَّاهُ، لَا مِنْ بَابِ المُفَاخَرَةِ، قَالَ تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ وَلِذَلِكَ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الحَمْدِ وَلَا فَخْرَ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَمَ فَمَنْ سِوَاهُ إِلَّا تَحْتَ لِوَائِي، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ وَلَا فَخْرَ».

وَإِنَّمَا خَصَّ ذِكْرَ يَوْمِ القِيَامَةِ بِذَلِكَ، مَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَهُ السِّيَادَةُ عَلَى وَلَدِ آدَمَ كُلِّهِمْ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ يَوْمَئِذٍ يُقِرُّونَ بِسِيَادَتِهِ، وَيَعْتَرِفُونَ بِفَضْلِهِ، الأَبْرَارَ وَالفُجَّارَ، السُّعَدَاءَ وَالأَشْقِيَاءَ، وَأَمَّا في الدُّنْيَا فَلَا يُقِرُّ بِذَلِكَ إِلَّا مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَقًّا.

وَمِنَ المَعْلُومِ أَنَّ سَيِّدَ القَوْمِ هُوَ كَرِيمُ القَوْمِ وَشَرِيفُهُمْ، الذي يَهْتَمُّ بِشَأْنِهِمْ، وَيَسْعَى لِمَا فِيهِ صَلَاحُ أَمْرِهِمْ، يَفْزَعُونَ إِلَيْهِ في المُهِمَّاتِ، وَيَقْصِدُونَهُ في النَّائِبَاتِ، وَيَرْجُونَ خَيْرَهُ وَبِرَّهُ في الشَّدَائِدِ وَالضَّائِقَاتِ.

وَلِذَا أَعْلَنَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمَقَامِ سِيَادَتِهِ لِيَقْصِدُوهُ في أَشَدِّ الحَالَاتِ وَالكُرُبَاتِ، أَلَا وَهِيَ كُرُبَاتُ المَوْقِفِ وَأَهْوَالُهُ وَمَضَايِقُهُ، وَبَيَّنَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يُنْقِذُهُمْ مِنْ أَهْوَالِ ذَلِكَ المَوْقِفِ وَشَدَائِدِهِ إِلَّا سَيِّدُهُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَحِينَذَاكَ كُلُّهُمْ يَرَوْنَ مَقَامَ سِيَادَتِهِ، وَيُقِرُّونَ لَهُ بِذَلِكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

ثَانِيًا: قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَالْحِكْمَةُ فِي أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَلْهَمَهُمْ ـ أَيْ: أَلْهَمَ أَهْلَ المَوْقِفِ ـ سُؤَالَ آدَمَ وَمَنْ بَعْده صَلَوَات اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ فِي الابْتِدَاءِ ـ أَيْ: لِيَشْفَعُوا بِهِمْ ـ وَلَمْ يُلْهَمُوا سُؤَالَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هِيَ ـ وَاللهُ أَعْلَمُ ـ إِظْهَارُ فَضِيلَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُمْ ـ أَهْلَ المَوْقِفِ ـ لَوْ سَأَلُوهُ اِبْتِدَاءً لَكَانَ يَحْتَمِلُ أَنَّ غَيْرَهُ يَقْدِرُ عَلَى هَذَا وَيُحَصِّلُهُ، وَأَمَّا إِذَا سَأَلُوا غَيْرَهُ مِنْ رُسُلِ اللهِ تَعَالَى وَأَصْفِيَائِهِ فَامْتَنَعُوا ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَجَابَ وَحَصَلَ غَرَضُهُمْ؛ فَهُوَ النِّهَايَةُ فِي ارْتِفَاعِ المَنْزِلَةِ وَكَمَالِ الْقُرْبِ وَعَظِيمِ الْإِدْلَالِ وَالْأُنْسِ.

قَالَ: وَفِيهِ تَفْضِيلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَمِيعِ الْمَخْلُوقِينَ مِنَ الرُّسُلِ وَالْآدَمِيِّينَ وَالْمَلَائِكَةِ؛ فَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ الْعَظِيمَ وَهِيَ الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ غَيْرُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. وَاللهُ أَعْلَمُ. اهـ.

وَإِنَّمَا لَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ يَتَقَدَّمَ للشَّفَاعَةِ العُظْمَى، لِأَنَّ التَّجَلِّيَ وَقْتَئِذٍ بِالغَضَبِ الشَّدِيدِ، وَلِذَا قَالَ كُلُّ رَسُولٍ: إِنَّ رَبِّي غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ.

وَلِذَلِكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَتَقَدَّمَ للشَّفَاعَةِ إِلَّا أَحَبُّ حَبِيبٍ إلى اللهِ تعالى، وَأَقْرَبُ مُقَرَّبٍ، أَلَا وَهُوَ السَّيِّدُ الأَكْرَمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ ابْنُ عَرَبَيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَإِنَّمَا أَخْبَرَنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ أَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ شَفَقَةً عَلَيْنَا ـ أُمَّةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المُتَبِّعِينَ لَهُ ـ لِنَسْتَرِيحَ مِنَ التَّعَبِ الحَاصِلِ بِالذَّهَابِ إلى نَبِيٍّ بَعْدَ نَبِيٍّ في ذَلِكَ اليَوْمِ العَظِيمِ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ يَقُولُ: نَفْسِي نَفْسِي، وَإِنَّهُ لَا يُهِمُّنِي الْيَوْمَ إِلا نَفْسِي.

فَأَرَادَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِعْلَامَنَا بِمَقَامِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ لِنَصِيرَ في مَكَانِنَا مُسْتَرِيحِينَ، حَتَّى تَأْتِيَ نَوْبَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَيَقُولَ: أَنَا لَهَا أَنَا لَهَا.

قَالَ: فَكُلُّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ هَذَا الحَدِيثُ أَو بَلَغَهُ وَنَسِيَهُ ـ أَيْ: لِشِدَّةِ تِلْكَ الأَهْوَالِ في المَوْقِفِ ـ لَا بُدَّ مِنْ تَعَبِهِ، وَذَهَابِهِ إلى نَبِيٍّ بَعْدَ نَبِيٍّ، بِخِلَافِ مَنْ بَلَغَهُ ذَلِكَ الحَدِيثُ وَدَامَ مَعَهُ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ فَلَمْ يَنْسَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَتْعَبُ، فَصَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَكْثَرَ شَفَقَتَهُ عَلَى الأُمَّةِ! اهـ.

جَعَلَنَا اللهُ تعالى مِمَّنْ بَلَغَهُ هَذَا الحَدِيثُ فَلَمْ يَنَسْهُ أَبَدًا. آمين.

ثَالِثًا: إِنَّ الإِنْسَانَ قَدْ يَتَوَهَّمُ مِنْ أَحَادِيثِ الشَّفَاعَةِ المُتَقَدِّمِ بَعْضُهَا، وَفِيهَا أَنَّ كُلًّا مِنْ آدَمَ وَنُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى يَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، فَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ، فَيَسْتَحْيِي رَبَّهُ مِنْهَا.

وَفِيهَا أَنَّ كُلًّا مِنْ هَؤُلَاءِ أَيْضًا يَذْكُرُ ذَنْبَهُ، وَيَتَوَقَّفُ عَنِ التَّقَدُّمِ للشَّفَاعَةِ، فَقَدْ يَتَوَهَّمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ قَدْ وَقَعُوا في ذُنُوبٍ وَخَطِيئَاتٍ، كَبَقِيَّةِ المُذْنِبِينَ وَالعُصَاةِ مِمَّنْ لَيسُوا بِأَنْبِيَاءَ، وَهَذَا الوَهْمُ مَدْفُوعٌ وَمَرْفُوعٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

الوَجْهُ الأَوَّلُ: إِنَّ مِنْ وَاجِبِ الإِيمَانِ بِالأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الاعْتِقَادَ بِعِصْمَةِ اللهِ تعالى لَهُمْ مِنَ الذُّنُوبِ وَالمَعَاصِي، لِثُبُوتِ ذَلِكَ بِالأَدِلَّةِ؛ نَذْكُرُ جُمْلَةً مِنْهَا:

1ـ إِنَّ اللهَ تعالى أَمَرَ العِبَادَ بِطَاعَةِ الرُّسُلِ وَاتِّبَاعِهِمْ صَلَوَاتُ اللهِ تعالى عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمْ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ﴾. أَيْ: بِأَمْرِ اللهِ تعالى وَإِرَادَتِهِ، فَلَو جَازَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الرُّسُلِ ذَنْبٌ أَو شَيْءٌ مِنَ الفَوَاحِشِ وَالمُحَرَّمَاتِ لَكَانَ النَّاسُ مَأْمُورِينَ بِاتِّبَاعِهِمْ في ذَلِكَ الذَّنْبِ أَو الفَاحِشَةِ، لِأَنَّ اللهَ تعالى أَمَرَ النَّاسَ بِاتِّبَاعِ الرُّسُلِ اتِّبَاعًا مُطْلَقًا، وَكَيْفَ تَتَّبِعُهُمُ النَّاسُ في ذُنُوبِهِمْ أَو مُخَالَفَاتِهِمْ ـ لَو فُرِضَ أَنَّهُمْ يَصْدُرُ عَنْهُمْ ذَلِكَ ـ في حِينِ أَنَّ اللهَ تعالى لَا يَأْمُرُ بِالذُّنُوبِ وَلَا بِالفَحْشَاءِ، بَلْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ سُبْحَانَهُ؟ قَالَ اللهُ تعالى: ﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾.

فَلَو جَازَ أَنْ تَقَعَ الرُّسُلُ في الذُّنُوبِ وَالفَوَاحِشِ لَكَانَ النَّاسُ مَأْمُورِينَ بِاتِّبَاعِهِمْ في ذَلِكَ، وَاللهُ لَا يَأْمُرُ بِذَلِكَ، بَلْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ.

2ـ لَو صَدَرَ مِنَ الرُّسُلِ ذَنْبٌ أَو مُخَالَفَةٌ شَرْعِيَّةٌ لَكَانَ حَالُهُمْ في اسْتِحْقَاقِ الذَّمِّ عَاجِلًا، وَالعِقَابِ آجِلًا أَشَدَّ مِنْ حَالِ عُصَاةِ الأُمَّةِ، وَذلِكَ بَاطِلٌ شَرْعًا وَعَقْلًا، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ كَانَتْ نِعْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَعْظَمَ وَفَضْلُ اللهِ تعالى عَلَيْهِ أَكْبَرَ، كَانَ صُدُورُ الذَّنْبِ وَالمُخَالَفَةِ مِنْهُ أَفْحَشَ، وَلِذَا كَانَ حَدُّ العَبْدِ نِصْفَ حَدِّ الحُرِّ.

3ـ لَو صَدَرَ مِنْهُمْ مُخَالَفَةٌ شَرْعِيَّةٌ لَمَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ، قَالَ اللهُ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾. وَفي قِرَاءَةٍ: ﴿فَتَثَبَّتُوا﴾.

فَقَدْ أَمَرَ اللهُ تعالى بِالتَّثَبُّتِ وَالتَّوَقُّفِ في خَبَرِ الفَاسِقِ.

4ـ إِنَّ الرُّسُلَ صَلَوَاتُ اللهِ تعالى وَسَلَامُهُ عَلَى رَسُولِنَا وَعَلَيْهِمْ كَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِفِعْلِ الطَّاعَاتِ وَتَرْكِ المَعَاصِي وَالمُخَالَفَاتِ، فَلَو أَنَّهُمْ فَعَلُوا المَعْصِيَةَ وَالمُخَالَفَةَ الشَّرْعِيَّةَ لَدَخَلُوا في جُمْلَةِ المَلُومِينَ وَالمَذْمُومِينَ الذينَ قَالَ اللهُ تعالى فِيهِمْ: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ﴾. بَلْ لِتَنَاوُلِهِمُ اللَّوْمُ وَالعِقَابُ الشَّدِيدَانِ في قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾. وَحَاشَاهُمْ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُمْ أَبْرِيَاءُ أَصْفِيَاءُ أَتْقِيَاءُ أَنْقِيَاءُ، قَدْ أَثْنَى اللهُ تعالى عَلَيْهِمْ، وَمَدَحَهُمْ وَرَفَعَ شَأْنَهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ، قَالَ تعالى بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ طَائِفَةً مِنْ رُسُلِهِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ بِالمَدْحِ وَالثَّنَاءِ قَالَ: ﴿وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ﴾.

فَقَدْ وَصَفَهُمُ اللهُ سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُمْ مُصْطَفَوْنَ، وَأَنَّهُمْ أَخْيَارٌ، وَهَذَانِ الوَصْفَانِ يَشْتَمِلَانِ عَلَى جَمِيعِ الأَفْعَالِ الحَسَنَةِ، وَيَنْفِيَانِ جَمِيعَ الأَفْعَالِ القَبِيحَةِ.

وَقَالَ تعالى في وَصْفِ رُسُلِهِ صَلَوَاتُ اللهِ تعالى عَلَى رَسُولِنَا وَعَلَيْهِمْ: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾. فَنَزَّهَ سُبْحَانَهُ جَانِبَ الرُّسُلِ عَنِ الدَّنَسِ وَالمُخَالَفَةِ.

5ـ إِنَّ اللهَ تعالى أَخْبَرَ عَنْ رُسُلِهِ أَنَّهُ هُوَ سُبْحَانَهُ أَخْلَصَهُمْ، فَهُمُ المُخْلَصُونَ وَالمُخْلِصُونَ.

قَالَ تعالى: ﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ﴾.

وَقَالَ تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾.

وَقَالَ في يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾.

وَقَدْ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ إِبْلِيسَ لَا سَبِيلَ لَهُ إلى إِغْوَاءِ المُخْلَصِينَ، قَالَ تعالى إِخْبَارًا عَنْ إِبْلِيسَ: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾.

وَأَعْظَمُ خَلْقِ اللهِ تعالى إِخْلَاصًا وَاسْتِخْلَاصًا رُسُلُ اللهِ تعالى، الذينَ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُ هُوَ سُبْحَانَهُ أَخْلَصَهُمْ إِلَيْهِ، فَلَا سَبِيلَ لِإِبْلِيسَ إِلَيْهِمْ، وَلَا سُلْطَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ، وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ في إِيقَاعِهِمْ فِيمَا هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مِمَّا يُوجِبُ القَطْعَ بِعِصْمَةِ الرُّسُلِ عَنِ المَعَاصِي وَالمُخَالَفَاتِ.

6ـ إِنَّ اللهَ تعالى جَعَلَ الرُّسُلَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَئِمَّةَ هُدًى، فَلَا يَصْدُرُ عَنْهُمْ إِلَّا الهُدَى وَالتُّقَى، قَالَ تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾.

فَلَو جَازَتْ عَلَيْهِمُ الذُّنُوبُ وَالمُخَالَفَاتُ الشَّرْعِيَّةُ لَوَجَبَ عَلَى الأُمَّةِ أَنْ تَتَّبِعَهُمْ في مُخَالَفَاتِهِمْ، وَحِينَذَاكَ يَخْرُجُونَ عَنْ كَوْنِهِمْ أَئِمَّةَ هُدًى، بَلِ الأَمْرُ بِالعَكْسِ، وَحَاشَاهُمْ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ تَفْصِيلِ هَذَا البَحْثِ، وَإِنَّمَا تَأْتِي تَفَاصِيلُ ذَلِكَ في كِتَابِنَا: (الإِيمَانِ بِالرُّسُلِ صَلَوَاتُ اللهِ تعالى عَلَيْهِمْ) إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 11/صفر/1446هـ، الموافق:  15/ آب / 2024م

الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  الإيمان بعوالم الآخرة ومواقفها

19-09-2024 3 مشاهدة
64ـ عما ورد من نسبة الذنوب للأنبياء عليهم الصلاة والسلام (2)

وَأَمَّا مَا وَرَدَ في حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ مِنِ اعْتِذَارِ الخَلِيلِ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِسَبَبِ الكَذَبَاتِ، فَإِنَّمَا هِيَ كَذَبَاتٌ صُورَةً لَا حَقِيقَةً، لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ المَعَارِيضِ، وَقَدْ جَاءَ ... المزيد

 19-09-2024
 
 3
10-09-2024 29 مشاهدة
63ـ عما ورد من نسبة الذنوب للأنبياء عليهم الصلاة والسلام

يَقُولُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ سَيِّدِي الشَّيْخُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ في كِتَابِهِ (الإِيمَانِ بِعَوَالِمِ الآخِرَةِ وَمَوَاقِفِهَا): الوَجْهُ الثَّانِي: في الجَوَابِ عَمَّا وَرَدَ مِنْ نِسْبَةِ الذُّنُوبِ للأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ ... المزيد

 10-09-2024
 
 29
25-07-2024 140 مشاهدة
61ـ الشفاعة وأنواعها

الشَّفَاعَةُ كَمَا قَالَ الحَافِظُ الزَّرْقَانِيُّ: هِيَ انْضِمَامُ الأَدْنَى ـ أَيْ: لُجُوءُهُ وَقَصْدُهُ ـ إلى الأَعْلَى، لِيَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى مَا يَرُومُهُ، أَيْ: في جَلْبِ مَنْفَعَةٍ، أَو دَفْعِ مَضَرَّةٍ عَنِ المَشْفُوعِ بِهِ. وَالشَّفَاعَةُ ... المزيد

 25-07-2024
 
 140
11-01-2024 323 مشاهدة
60ـ يستقبل أمته على الحوض

سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَسْتَقْبِلُ أُمَّتَهُ عَلَى الحَوْضِ وَيَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ مِنْ بَيْنِ الأُمَمِ: ... المزيد

 11-01-2024
 
 323
29-12-2023 373 مشاهدة
59ـ ينتظر الواردين من أمته

رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا، فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى المَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى المِنْبَرِ، ... المزيد

 29-12-2023
 
 373
14-12-2023 396 مشاهدة
58ـ عالم الحوض

قَالَ اللهُ تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾. في هَذِهِ السُّورَةِ الكَرِيمَةِ يَذْكُرُ اللهُ تعالى فَضْلَهُ العَظِيمَ عَلَى رَسُولِهِ الكَرِيمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى ... المزيد

 14-12-2023
 
 396

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5629
المقالات 3189
المكتبة الصوتية 4847
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 417355465
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :