59ـ ينتظر الواردين من أمته

59ـ ينتظر الواردين من أمته

59ـ ينتظر الواردين من أمته

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ سَيِّدِي الشَّيْخُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ في كِتَابِهِ (الإِيمَانِ بِعَوَالِمِ الآخِرَةِ وَمَوَاقِفِهَا):

سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

عَلَى حَوْضِهِ يَنْتَظِرُ الوَارِدِينَ عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِهِ

جَعَلَنَا اللهُ تعالى مِنَ المَقْبُولِينَ

رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا، فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى المَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى المِنْبَرِ، فَقَالَ: «إِنِّي فَرَطٌ لَكُمْ، وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، وَإِنِّي وَاللهِ لَأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الآنَ، وَإِنِّي أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الأَرْضِ ـ أَوْ مَفَاتِيحَ الأَرْضِ ـ وَإِنِّي وَاللهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنْ أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا».

وَفي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ عُقْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ».

وَعِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ جُنْدَبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ».

وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أُسَيْدٍ الغِفَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا صَدَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ حَجَّةِ الوَدَاعِ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الحَوْضِ، وَإِنَّكُمْ وَارِدُونَ عَلَى حَوْضٍ عَرْضُهُ مَا بَيْنَ بُصْرَى وَصَنْعَاءَ، فِيهِ آنِيَةٌ عَدَدَ النُّجُومِ».

وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ أَقُولُ: إِيَّاكُمْ وَجَهَنَّمَ، إِيَّاكُمْ وَالْحُدُودَ، فَإِذَا مِتُّ فَأَنَا فَرَطُكُمْ، وَمَوْعِدُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، فَمَنْ وَرَدَ أَفْلَحَ».

قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الفَرَطُ: بِفَتْح الْفَاء وَالرَّاءِ، وَالفَارِطُ هُوَ الَّذِي يتَقَدَّمُ الْوَارِدَ يُصْلِحُ لَهُمُ الْحِيَاضَ وَالدِّلَاءَ وَنَحْوَهَا مِنْ أَمْرِ الاسْتِسْقَاءِ.

قَالَ: فَمَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَرَطُكُمْ عَلَى الحَوْضِ» يَنْتَظِرُ مِنْ أُمَّتِهِ الوَارِدِينَ عَلَيْهِ، المُتَّبِعِينَ لَهُ، وَذَلِكَ لِيَسْتَقْبِلَهُمْ وَيَسْقِيَهُمْ ـ سَقَانَا اللهُ تعالى مِنْ كَفِّهِ الشَّرِيفَةِ شَرْبَةً لَا نَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَدًا، بِجَاهِهِ وَبِوَجَاهَةِ وَجْهِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ رَبِّهِ تعالى ـ اللَّهُمَّ آمِينَ.

وَهَكَذَا أَحَادِيثُ الحَوْضِ بَلَغَتْ حَدَّ التَّوَاتُرِ، فَيَجِبُ الإِيمَانُ بِهِ قَطْعًا بِلَا شَكٍّ.

جَاءَ في سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ زِيَادٍ قَالَ لِأَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إِنَّمَا بَعَثْتُ إِلَيْكَ لِأَسْأَلَكَ عَنِ الْحَوْضِ، سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ فِيهِ شَيْئًا؟

فَقَالَ لَهُ أَبُو بَرْزَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: نَعَمْ لَا مَرَّةً، وَلَا ثِنْتَيْنِ، وَلَا ثَلَاثًا، وَلَا أَرْبَعًا، وَلَا خَمْسًا، فَمَنْ كَذَّبَ بِهِ فَلَا سَقَاهُ اللهُ مِنْهُ، ثُمَّ خَرَجَ مُغْضَبًا.

وَفي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ كَثِيرًا مَا يُحَدِّثُ أَصْحَابَهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ عَنِ الحَوْضِ وَأَوْصَافِهِ، وَلِذَلِكَ جَاءَتْ أَحَادِيثُ الحَوْضِ عَنْ جَمٍّ غَفِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، في مُنَاسَبَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَمِنْ ثَمَّ ذَكَرَهُ عُلَمَاءُ التَّوْحِيدِ في جُمْلَةِ العَقَائِدِ الإِيمَانِيَّةِ.

قَالَ العَلَّامَةُ اللَّقَّانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى:

إيمَانُنَا بِحَوْضِ خَيْرِ الرُّسُلِ   ***   حَـتْمٌ كَمَا قَـدْ جَاءَنَا في الـنَّقْلِ

يَـنَـالُ شُرْبًا مِنْهُ أَقْوَامٌ وَفَوْا   ***   بِعَهْدِهِمْ وَقُلْ: يُذَادُ مَنْ طَغَوْا

وَالمَعْنَى: أَنَّ الذينَ يَشْرَبُونَ مِنْ حَوْضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دُونَ مَانِعٍ يَمْنَعُهُمْ: هُمُ المُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ مَعَ اللهِ تعالى وَمَعَ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَّا مَنْ بَغَى وَطَغَى، وَارْتَدَّ وَرَجَعَ القَهْقَرَى، فَإِنَّهُمْ يُمْنَعُونَ عَنِ الشُّرْبِ مِنْ حَوْضِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَيْنَا أَنَا قَائِمٌ ـ أَيْ: عَلَى الحَوْضِ ـ إِذَا زُمْرَةٌ ـ أَيْ: جَمَاعَةٌ ـ حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ ـ أَيْ: مَلَكٌ عَلَى صُورَةِ رَجُلٍ ـ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنِهِمْ، فَقَالَ: ـ أَيْ: قَالَ لَهُمْ ـ هَلُمَّ.

فَقُلْتُ: أَيْنَ؟ ـ أَيْ: إلى أَيْنَ تَدْعُوهُمْ ـ

قَالَ: إِلَى النَّارِ وَاللهِ.

قُلْتُ: وَمَا شَأْنُهُمْ؟

قَالَ: إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ عَلَى أَدْبَارِهِمْ القَهْقَرَى.

ثُمَّ إِذَا زُمْرَةٌ، حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنِهِمْ، فَقَالَ: هَلُمَّ ـ أَيْ: فَقَالَ للجِمَاعَةِ تِلْكَ: أَقْبِلُوا ـ.

قُلْتُ: أَيْنَ؟

قَالَ: إِلَى النَّارِ وَاللهِ.

قُلْتُ: مَا شَأْنُهُمْ؟

قَالَ: إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ عَلَى أَدْبَارِهِمْ القَهْقَرَى.

فَلَا أُرَاهُ يَخْلُصُ مِنْهُمْ ـ أَيْ: مِنْ تِلْكَ الزُّمْرَةِ ـ إِلَّا مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ».

قَالَ الحَافِظُ المُنْذِرِيُّ وَغَيْرُهُ: هَمَلُ النَّعَمِ هِيَ ضَوَالُّهَا، وَمَعْنَاهُ: أَنَّ النَّاجِيَ قَلِيلٌ، كَضَالَّةِ النَّعَمِ بِالنِّسْبَةِ إلى جُمْلَتِهَا. اهـ.

وَكَانَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَرْجِعَ عَلَى أَعْقَابِنَا، أَو أَنْ نُفْتَنَ عَنْ دِينِنَا. اهـ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 15/ جمادى الآخرة /1444هـ، الموافق: 28/ كانون الأول/ 2023م

الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  الإيمان بعوالم الآخرة ومواقفها

19-09-2024 406 مشاهدة
64ـ عما ورد من نسبة الذنوب للأنبياء عليهم الصلاة والسلام (2)

وَأَمَّا مَا وَرَدَ في حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ مِنِ اعْتِذَارِ الخَلِيلِ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِسَبَبِ الكَذَبَاتِ، فَإِنَّمَا هِيَ كَذَبَاتٌ صُورَةً لَا حَقِيقَةً، لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ المَعَارِيضِ، وَقَدْ جَاءَ ... المزيد

 19-09-2024
 
 406
10-09-2024 403 مشاهدة
63ـ عما ورد من نسبة الذنوب للأنبياء عليهم الصلاة والسلام

يَقُولُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ سَيِّدِي الشَّيْخُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ في كِتَابِهِ (الإِيمَانِ بِعَوَالِمِ الآخِرَةِ وَمَوَاقِفِهَا): الوَجْهُ الثَّانِي: في الجَوَابِ عَمَّا وَرَدَ مِنْ نِسْبَةِ الذُّنُوبِ للأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ ... المزيد

 10-09-2024
 
 403
15-08-2024 328 مشاهدة
62ـ حول أحاديث الشفاعة

أَوَّلًا: قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فِيهِ إِعْلَانٌ بِمَقَامِ سِيَادَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَإِعْلَامٌ لِجَمِيعِ ... المزيد

 15-08-2024
 
 328
25-07-2024 461 مشاهدة
61ـ الشفاعة وأنواعها

الشَّفَاعَةُ كَمَا قَالَ الحَافِظُ الزَّرْقَانِيُّ: هِيَ انْضِمَامُ الأَدْنَى ـ أَيْ: لُجُوءُهُ وَقَصْدُهُ ـ إلى الأَعْلَى، لِيَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى مَا يَرُومُهُ، أَيْ: في جَلْبِ مَنْفَعَةٍ، أَو دَفْعِ مَضَرَّةٍ عَنِ المَشْفُوعِ بِهِ. وَالشَّفَاعَةُ ... المزيد

 25-07-2024
 
 461
11-01-2024 627 مشاهدة
60ـ يستقبل أمته على الحوض

سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَسْتَقْبِلُ أُمَّتَهُ عَلَى الحَوْضِ وَيَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ مِنْ بَيْنِ الأُمَمِ: ... المزيد

 11-01-2024
 
 627
14-12-2023 566 مشاهدة
58ـ عالم الحوض

قَالَ اللهُ تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾. في هَذِهِ السُّورَةِ الكَرِيمَةِ يَذْكُرُ اللهُ تعالى فَضْلَهُ العَظِيمَ عَلَى رَسُولِهِ الكَرِيمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى ... المزيد

 14-12-2023
 
 566

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5698
المقالات 3216
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 423359624
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :