63ـ عما ورد من نسبة الذنوب للأنبياء عليهم الصلاة والسلام

63ـ عما ورد من نسبة الذنوب للأنبياء عليهم الصلاة والسلام

63ـ عما ورد من نسبة الذنوب للأنبياء عليهم الصلاة والسلام

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ سَيِّدِي الشَّيْخُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ في كِتَابِهِ (الإِيمَانِ بِعَوَالِمِ الآخِرَةِ وَمَوَاقِفِهَا):

الوَجْهُ الثَّانِي: في الجَوَابِ عَمَّا وَرَدَ مِنْ نِسْبَةِ الذُّنُوبِ للأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللهِ تعالى عَلَيْهِمْ في بَعْضِ الآيَاتِ وَالأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ كَحَدِيثِ الشَّفَاعَةِ المُتَقَدِّمِ، وَبَيَانِ مَفَاهِيمِ تِلْكَ الذُّنُوبِ.

فَنَقُولُ: ـ وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ ـ لَقَدْ أَجَابَ العُلَمَاءُ المُتَقَدِّمُونَ عَمَّا أُضِيفَ إلى الأَنْبِيَاءِ مِنْ نِسْبَةِ الذُّنُوبِ، بَعْدَ أَنْ دَلَّ الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ دَلَالَةً قَطْعِيَّةً عَلَى عِصْمَتِهِمْ مِنَ المُخَالَفَاتِ وَالمُحَرَّمَاتِ، وَكُلٌّ مِنَ العُلَمَاءِ المُتَقَدِّمِينَ ـ نَفَعَنَا اللهُ بِهِمْ ـ أَجَابَ بِجَوَابٍ فِيهِ بَيَانُ نَزَاهَةِ الأَنْبيَاءِ، وَبَيَانُ كَمَالِهِمْ وَشَرَافَتِهِمْ وَبَرَاءَتِهِمْ مِنَ الفَوَاحِشِ وَالقَبَائِحِ، وَلَوْلَا خَشْيَةُ الإِطَالَةِ؛ وَبِاعْتِبَارِ أَنَّ هَذَا البَحْثَ لَيْسَ مَوْضِعَ تَفْصِيلِهِ هُنَا، لَذَكَرْنَا تِلْكَ الأَقْوَالَ مُفَصَّلَةً، وَلَكِنْ نَذْكُرُ الآنَ قَوْلًا مِنْهَا مَشْهُورًا بَيْنَ العُلَمَاءِ وَالعُرَفَاءِ، قَرِيبَ التَّنَاوُلِ، مَذْكُورًا في كُتُبِ عُلَمَاءِ الظَّاهِرِ، وَمُبَيَّنًا في كُتُبِ عُلَمَاءِ البَاطِنِ: وَهُوَ أَنَّ الذُّنُوبَ المُضَافَةَ للأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ الوَارِدُ ذِكْرُهَا في الآيَاتِ وَالأَحَادِيثِ هِيَ لَيْسَتْ كَذُنُوبِ غَيْرِهِمْ أَصْلًا، بَلْ ذَلِكَ مِنْ بَابِ القَاعِدَةِ المُقَرَّرَةِ المَشْهُورَةِ بَيْنَ جَمِيعِ طَبَقَاتِ العُلَمَاءِ وَالعُرَفَاءِ، سَلَفًا وَخَلَفًا: حَسَنَاتُ الأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ المُقَرَّبِينَ، وَمُبَاحَاتُ العَوَامِّ سَيِّئَاتُ الأَبْرَارِ.

فَمَا وَرَدَ مِنْ إِضَافَةِ الذَّنْبِ إلى الأَنْبِيَاءِ في آيَةٍ أَو حَدِيثٍ فَهُوَ يُعَدُّ ذَنْبًا بِالنِّسْبَةِ لِمَقَامِهِمُ العَالِي، وَبِالنِّسْبَةِ لِمَنْزِلَةِ قُرْبِهِمْ الخَاصِّ بِهِمْ، وَإِنَّ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِمْ لَا يُعَدُّ ذَنْبًا أَصْلًا بَلْ يُعْتَبَرُ حَسَنَةً.

وَمِنَ المُقَرَّرِ أَنَّ الوَزِيرَ المُقَرَّبَ للمَلِكِ حُكْمُهُ غَيْرُ أَحْكَامِ السُّوقَةِ، بَلْ وَاجِبُ التَّعْظِيمِ وَمَرَاسِيمِ الأَدَبِ مَعَ المَلِكِ وَالنُّزُولِ عِنْدَ رَغْبَتِهِ وَأَمْرِهِ كُلُّ ذَلِكَ هُوَ في الوَزِيرِ أَقْوَى وَأَشَدُّ في المَسْؤُولِيَّةِ مِنْ غَيْرِهِ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ فَهَذِهِ الأَكْلَةُ مِنَ الشَّجَرَةِ التي قَالَ اللهُ تعالى فِيهَا: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى﴾. وَيُسَمِّيهَا آدَمُ خَطِيئَةً وَهِيَ أَكْلُهُ مِنَ الشَّجَرَةِ.

هَذِهِ الأَكْلَةُ لَو صَدَرَتْ مِنْ آحَادِ الأُمَّةِ غَيْرِ الأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللهِ تعالى عَلَيْهِمْ لَكَانَتْ حَسَنَةً لِوُجُوهٍ:

1ـ إِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَسِيَ العَهْدَ الذي عَهِدَهُ إِلَيْهِ رَبُّهُ، وَهُوَ أَنْ لَا يَقْرَبَ هَذِهِ الشَّجَرَةَ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾.

قَالَ العَلَّامَةُ النَّسَفِيُّ في تَفْسِيرِهِ: ﴿فنَسِيَ﴾ أَيْ: النَّهْيَ، وَالأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُؤَاخَذُونَ بِنِسْيَانِ الذي لَو تَكَلَّفُوهُ لَحَفِظُوهُ ﴿وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ أَيْ: قَصْدًا إلى الخِلَافِ لِأَمْرِهِ. اهـ.

يَعْنِي: أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ مِنْهُ نِسْيَانًا، وَلَمْ يَقَعْ مِنْهُ قَصْدًا للمُخَالَفَةِ وَارْتِكَابِ النَّهْيِ.

2ـ إِنَّ إِبْلِيسَ قَاسَمَهُ وَقَاسَمَ حَوَّاءَ زَوْجَتَهُ، وَحَلَفَ لَهُمَا الأَيْمَانَ المُكَرَّرَةَ بِأَنَّهُ لَهُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ في أَكْلِهِمَا مِنَ الشَّجَرَةِ، وَلَمْ يَعْهَدْ آدَمُ أَبَدًا بِأَنَّ أَحَدًا يَحْلِفُ بِاللهِ كَاذِبًا، لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ لَهُ سَابِقَةٌ، فَلِذَلِكَ وَقَعَ قَسَمُ إِبْلِيسَ مِنْ آدَمَ مَوْقِعَ الصِّدْقِ وَالقَبُولِ.

3ـ إِنَّ إِبْلِيسَ اللَّعِينَ أَتَى آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ طَرِيقَةٍ يَدُلُّهُ عَلَى مَا يُحِبُّهُ آدَمُ وَيَتَمَنَّى حُصُولَهُ وَالظَّفَرَ بِهِ، وَهُوَ الخُلُودُ وَالبَقَاءُ في الجَنَّةِ، مُجَاوِرًا لِرَبِّهِ الكَرِيمِ سُبْحَانَهُ، مُسْتَظِلًّا بِظِلَالِ الخَيْرِ وَالنُّورِ الإِلَهِيِّ الدَّائِمِ، فَقَالَ لِآدَمَ: ﴿هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى﴾.

فَهُنَا يَجْتَهِدُ آدَمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في هَذَا المَوْقِفِ طَوِيلًا، فَيُؤَدِّيهِ اجْتِهَادُهُ المُلَاحَظُ فِيهِ نِسْيَانَهُ للنَّهْيِ عَنْ قُرْبِ الشَّجَرَةِ، وَالمُلَاحَظُ فِيهِ تَكْرَارُ حَلْفُ إِبْلِيٍسَ، وَالمُلَاحَظُ فِيهِ بُغْيَةُ آدَمَ الخُلْدَ في جِوَارِ رَبِّهِ الكَرِيمِ، فَيُؤَدِّيهِ نظَرُهُ إلى أَنْ يَتَقَدَّمَ فَيَأْكُلَ مِنَ الشَّجَرَةِ، لَا بِقَصْدِ المُخَالَفَةِ لِمَا نَهَاهُ اللهُ عَنْهُ، لِأَنَّ اللهَ تعالى قَالَ: ﴿وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ عَلَى الذَّنْبِ، وَلَا قَصْدًا إلى المُخَالَفَةِ، بَلْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى خَطَأٍ وَنِسْيَانٍ، وَقَصْدَ البَقَاءِ في الجِوَارِ الكَرِيمِ، وَهَذَا المَعْنَى قَدْ جَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللهِ تعالى عَلَيْهِمْ، وَعَنِ ابْنِ زَيْدٍ، وَنَقَلَهُ المُفَسِّرُونَ عَنْ جَمَاعَاتٍ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ.

فَلَو أَنَّ مِثْلَ هَذَا وَقَعَ لِأَحَدٍ مِنَ الأُمَّةِ غَيْرِ الأَنْبِيَاءِ لَمَا عُدَّ ذَنْبًا بِالنِّسْبَةِ لَهُ، لِصُدُورِهِ عَنْ نِسْيَانٍ، وَتَغْرِيرِ عَدُوٍّ، وَعَنْ نِيَّةٍ حَسَنَةٍ، وَلَكِنْ عُدَّ بِالنِّسْبَةِ لِمَقَامِ النُّبُوَّةِ ذَنْبًا، لِأَنَّ للأَنْبِيَاءِ أَحْكَامًا خَاصَّةً بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّهِمْ، حَتَّى إِنَّهُمْ لَيُؤَاخَذُونَ عَلَى مَا لَا يُؤَاخَذُ عَلَيْهِ غَيْرُهُمْ، كَمَا تَقَدَّمَ في كَلَامِ العَلَّامَةِ النَّسَفِيِّ حَوْلَ الآيَةِ.

وَأَمَّا اعْتِذَارُ سَيِّدِنَا نُوحٍ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنِ التَّقَدُّمِ للشَّفَاعَةِ بِسَبَبِ سُؤَالِهِ رَبَّهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَهُوَ كَمَا قَالَ اللهُ تعالى: ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ﴾ أَيْ: في نَجَاةِ ابْنِهِ، كَمَا جَرَى عَلَيْهِ المُحَقِّقُونَ مِنَ المُفَسِّرِينَ ﴿فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي﴾ أَيْ: هُوَ بَعْضُ أَهْلِي، لِأَنَّهُ كَانَ ابْنَهُ مِنْ صُلْبِهِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ﴾ فَاللهُ تعالى وَصَفَهُ بِأَنَّهُ ابْنُهُ، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلًا؟ فَهُوَ ابْنُهُ مِنْ صُلْبِهِ حَقِيقَةً، خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَ غَيْرَ ذَلِكَ ﴿وَإِنَّ وَعْدَكَ الحَقُّ﴾ أَيْ: لَا شَكَّ في إِنْجَازِهِ وَالوَفَاءِ بِهِ، وَقَدْ وَعَدْتَنِي أَنْ تُنْجِيَ أَهْلِي، فَمَالِ وَلَدِي ﴿وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ﴾ أَيْ: فَأَنْتَ أَعْلَمُ الحُكَّامِ بِالحِكَمِ وَالأَحْكَامِ، وَأَعْدَلَهُمْ في القَضَاءِ وَالحُكْمِ ﴿قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ نَفَى كَوْنَهُ مِنْ أَهْلِهِ ثُمَّ بَيَّنَ عِلَّةَ النَّفْيِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾.

قَالَ العَلَّامَةُ النَّسَفِيُّ في تَفْسِيرِهِ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: كَانَ عِنْدَ نُوحٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّ ابْنَهُ كَانَ عَلَى دِينِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يُنَافِقُ، وَإِلَّا لَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَقُولَ ـ نُوحٌ ـ ابْنِي مِنْ أَهْلِي، وَيَسْأَلُهُ نَجَاتَهُ وَقَدْ سَبَقَ مِنْهُ النَّهْيُ عَنْ سُؤَالٍ مِثْلِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ﴾. فَكَانَ يَسْأَلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ الذي عِنْدَهُ كَمَا كَانَ أَهْلُ النِّفَاقِ يُظْهِرُونَ المُوَافَقَةَ لِنَبِيِّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَيُضْمِرُونَ الخِلَافَ لَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ حَتَّى أَطْلَعَهُ اللهُ عَلَيْهِ.

وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ أَيْ مِنَ الذينَ وَعَدْتُ النَّجَاةَ لَهُمْ وَهُمُ المُؤْمِنُونَ حَقِيقَةً في السِّرِّ وَالظَّاهِرِ. اهـ.

وَالمَعْنَى: إِنَّهُ مُتَظَاهِرٌ بِالإِسْلَامِ مَعَكَ، وَلَكِنَّهُ مُبْطِنٌ للكُفْرِ، مُنَافِقٌ بِالوَاقِعِ، فَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ، لِقَطْعِ النَّسَبِ بَيْنَ المُؤْمِنِ وَالكَافِرِ ﴿فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ﴾. أَيْ: مِنْ أَنْ أَطْلُبَ مِنْكَ في المُسْتَقْبَلِ مَا لَا عِلْمِ لِي بِصِحَّتِهِ، تَأَدُّبًا بِأَدَبِكَ، وَاتِّعَاظًا بِمَوْعِظَتِكَ ﴿وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ﴾. الآيَةَ. وَفي هَذَا سَلَامٌ مِنَ اللهِ تعالى وَبَرَكَاتٌ عَلَى نُوحٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَعَلَى مَنْ مَعَهُ، وَعَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ.

وَقَدْ جَاءَ في بَعْضِ رِوَايَاتِ البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ اعْتِذَارُ نُوحٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِغَيْرِ مَا سَبَقَ، بَلْ بِقَوْلِ نُوحٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُ بِهَا عَلَى قَوْمِي» وَقَدْ جَمَعَ الحَافِظُ في (الفَتْحِ) بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّ نُوحًا عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اعْتَذَرَ بِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: نَهْيُ اللهِ تعالى لَهُ أَنْ يَسْأَلَهُ مَا لَيْسَ بِهِ عِلْمٌ، بَعْدَ أَنْ سَأَلَ نَجَاةَ ابْنِهِ، فَخَشِيَ ـ نُوحٌ ـ أَنْ تَكُونَ شَفَاعَتُهُ لِأَهْلِ المَوْقِفِ مِنْ ذَلِكَ.

ثَانِيهِمَا: أَنَّ لَهُ دَعْوَةً مُحَقَّقَةَ الإِجَابَةِ ـ أَيْ: بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِكَافَّةِ أُمَّتِهِ ـ وَقَدِ اسْتَوْفَاهَا بِدُعَائِهِ عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ، فَخَشِيَ أَنْ يَطْلُبَ فَلَا يُجَابَ. اهـ.

قُلْتُ: وَهَذَا يُشِيرُ إلى مَا وَرَدَ في الحَدِيثِ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» الحَدِيثَ.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 2/ربيع الأول /1446هـ، الموافق:  5/ أيلول / 2024م

الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  الإيمان بعوالم الآخرة ومواقفها

19-09-2024 406 مشاهدة
64ـ عما ورد من نسبة الذنوب للأنبياء عليهم الصلاة والسلام (2)

وَأَمَّا مَا وَرَدَ في حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ مِنِ اعْتِذَارِ الخَلِيلِ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِسَبَبِ الكَذَبَاتِ، فَإِنَّمَا هِيَ كَذَبَاتٌ صُورَةً لَا حَقِيقَةً، لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ المَعَارِيضِ، وَقَدْ جَاءَ ... المزيد

 19-09-2024
 
 406
15-08-2024 328 مشاهدة
62ـ حول أحاديث الشفاعة

أَوَّلًا: قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فِيهِ إِعْلَانٌ بِمَقَامِ سِيَادَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَإِعْلَامٌ لِجَمِيعِ ... المزيد

 15-08-2024
 
 328
25-07-2024 461 مشاهدة
61ـ الشفاعة وأنواعها

الشَّفَاعَةُ كَمَا قَالَ الحَافِظُ الزَّرْقَانِيُّ: هِيَ انْضِمَامُ الأَدْنَى ـ أَيْ: لُجُوءُهُ وَقَصْدُهُ ـ إلى الأَعْلَى، لِيَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى مَا يَرُومُهُ، أَيْ: في جَلْبِ مَنْفَعَةٍ، أَو دَفْعِ مَضَرَّةٍ عَنِ المَشْفُوعِ بِهِ. وَالشَّفَاعَةُ ... المزيد

 25-07-2024
 
 461
11-01-2024 627 مشاهدة
60ـ يستقبل أمته على الحوض

سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَسْتَقْبِلُ أُمَّتَهُ عَلَى الحَوْضِ وَيَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ مِنْ بَيْنِ الأُمَمِ: ... المزيد

 11-01-2024
 
 627
29-12-2023 628 مشاهدة
59ـ ينتظر الواردين من أمته

رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا، فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى المَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى المِنْبَرِ، ... المزيد

 29-12-2023
 
 628
14-12-2023 566 مشاهدة
58ـ عالم الحوض

قَالَ اللهُ تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾. في هَذِهِ السُّورَةِ الكَرِيمَةِ يَذْكُرُ اللهُ تعالى فَضْلَهُ العَظِيمَ عَلَى رَسُولِهِ الكَرِيمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى ... المزيد

 14-12-2023
 
 566

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5698
المقالات 3216
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 423359944
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :