156ـ كلمة شهر صفر الخير 1441: بسمة الحياة لأصحاب الأمل

156ـ كلمة شهر صفر الخير 1441: بسمة الحياة لأصحاب الأمل

156ـ كلمة شهر صفر الخير 1441: بسمة الحياة لأصحاب الأمل

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: جَاءَ شَهْرُ صَفَر الخَيْرِ وَالكَثِيرُ مِنَ النَّاسِ يَتَشَاءَمُ فِيهِ، مَعَ العِلْمِ بِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَذَّرَنَا مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا عَدْوَى، وَلَا طِيَرَةَ، وَلَا هَامَةَ، وَلَا صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

بَسْمَةُ الحَيَاةِ لِأَصْحَابِ الأَمَلِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: بَسْمَةُ الحَيَاةِ وَلَذَتُهَا مِنْ نَصِيبِ أَصْحَابِ الأَمَلِ، وَأَصْحَابِ التَّفَاؤُلِ، فَرُبَّ مِحْنَةٍ تَلِدُ مِنْحَةً، وَرُبَّ نُورٍ يَشِعُّ مِنْ حَالِكِ الظَّلَامِ، فَإِنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَإِنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وَإِنَّ مَعَ الـعُسْرِ يُـسْرَاً، فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا فَمَا بَعْدَ دَيَاجِيرِ الظَّلَامِ إِلَّا فَلَقُ الصُّبْحِ المُشْرِقِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الحَيَاةُ الدُّنْيَا كَثِيرَةُ التَّقَلُّبِ، لَا تَسْتَقِيمُ لِمَخْلُوقٍ عَلَى حَالٍ، وَلَا تَصْفُو لِمَخْلُوقٍ مِنْ كَدَرٍ، فَفِيهَا الخَيْرُ وَالشَّرُّ، وَالصَّلَاحُ وَالفَسَادُ، وَالسُّرُورُ وَالحُزْنُ، وَالأَمَلُ وَاليَأْسُ.

الأَمَلُ وَالتَّفَاؤُلُ شُعَاعَانِ يُضِيئَانِ دَيَاجِيرَ الظَّلَامِ، وَيُشِعَّانِ فِي دُرُوبَ الحَيَاةِ للأَنَامِ، وَيَبْعَثَانِ في النَّفْسِ البَشَرِيَّةِ الجِدَّ وَالمُثَابَرَةَ، وَيُلَقِّنَاهَا الجَلَدَ وَالمُصَابَرَةَ، مَا الذي يَدْفَعُ التَّاجِرَ للأَسْفَارِ وَالمُخَاطَرَةِ إِلَّا الأَمَلُ في الرِّبْحِ؟

وَمَا الذي يَدْفَعُ الطَّالِبَ إلى الجِدِّ وَالمُثَابَرَةِ وَالسَّهَرِ إِلَّا الأَمَلُ في النَّجَاحِ؟

وَمَا الذي يُحَبِّبُ إِلَى المَرِيضَ الدَّوَاءَ المُرَّ إِلَّا أَمَلُهُ في الشِّفَاءِ؟

وَمَا الذي يَدْعُو المُؤْمِنَ أَنْ يُخَالِفَ هَوَاهُ وَيُطِيعَ مَوْلَاهُ إِلَّا أَمَلُهُ بِجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ للمُتَّقِينَ؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: صَاحِبُ الأَمَلِ وَالتَّفَاؤُلِ يُلَاقِي شَدَائِدَ هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا بِقَلْبٍ مُطْمَئِنٍّ، وَوَجْهٍ مُسْتَبْشِرٍ، وَثَغْرٍ بَاسِمٍ، وَأَمَلٍ عَرِيضٍ، إِذَا أُعْسِرَ لَمْ يَنْقَطِعْ أَمَلُهُ في تَبَدُّلِ العُسْرِ إلى يُسْرٍ، وَإِذَا اقْتَرَفَ ذَنْبَاً لَمْ يَيْأَسْ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تعالى وَمَغْفِرَتِهِ تَعَلُّقَاً وَأَمَلَاً بِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعَاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾.

صَاحِبُ الأَمَلِ وَالتَّفَاؤُلِ يَعِيشُ مَعَ أَحَادِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القَائِلِ: «لَا عَدْوَى، وَلَا طِيَرَةَ، وَلَا هَامَةَ، وَلَا صَفَرَ».

وَالقَائِلِ: «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الفَأْلُ الصَّالِحُ: الكَلِمَةُ الحَسَنَةُ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

بِالأَمَلِ يَذُوقُ الإِنْسَانُ طَعْمَ السَّعَادَةِ، وَبِالتَّفَاؤُلِ يُحِسُّ بِبَهْجَةِ الحَيَاةِ، لِأَنَّهُ يَعِيشُ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عَجَبَاً لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرَاً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرَاً لَهُ» رواه الإمام مسلم عَنْ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَعِيشَ حَيَاةً طَيِّبَةً كَرِيمَةً، وَيَتْرُكَ لِنَفْسِهِ ذِكْرَاً صَالِحَاً فَلْيَكُنْ مُتَفَائِلَاً، بَعِيدَاً عَنِ اليَأْسِ وَالتَّشَاؤُمِ، لِأَنَّ المُتَشَائِمَ يَعِيشُ حَيَاةَ الشَّقَاءِ وَالضَّنْكِ وَالبُؤْسِ، وَهَذَا الصِّنْفُ مِنَ النَّاسِ لَا يُقَدِّمُ وَلَا يُؤَخِّرُ، لَا يَبْنِي وَطَنَاً، وَلَا يُعَمِّرُ دُنْيَا، وَلَا يَنْصُرُ دِينَاً.

لِنَكُنْ مِنْ أَهْلِ الأَمَلِ وَالتَّفَاؤُلِ، وَلْنَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنَ اليَأْسِ وَأَهْلِهِ، لِأَنَّ اليَأْسَ وَالقُنُوطَ يُطْفِئُ جَذْوَةَ الأَمَلِ في النُّفُوسِ، وَيَقْطَعُ خُيُوطَ الرَّجَاءِ مِنَ القُلُوبِ، وَيَقْتُلُ بَوَاعِثَ الجِدِّ وَالعَمَلِ، وَيُسْلِمُ أَصْحَابَهُ للسَّآمَةِ وَالمَلَلِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: صِفَةُ اليَأْسِ وَالقُنُوطِ لَيْسَتْ مِنْ صِفَةِ المُؤْمِنِينَ، يَقُولُ سَيِّدُنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ: الْإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللهِ، وَالْقَنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ. رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الحَيَاةُ قَصِيرَةٌ، فَلَا تُقَصِّرُوهَا بِالهُمُومِ الأَحْزَانِ، وَلَا تَحْمِلُوا الأَرْضَ فَوْقَ رُؤُوسِكُمْ، وَقَدْ جَعَلَهَا اللهُ تَحْتَ أَقْدَامِكُمْ، وَلَا تَلْعَنُوا الظَّلَامَ وَلَا تَذْرِفُوا لَهُ الدُّمُوْعَ، بَلْ أَوْقِدُوا نُورَ الأَمَلِ.

لَا تُنَغِّصُوا عَيْشَكُمْ بِكَدَرِ الحَيَاةِ فَإِنَّهَا هَكَذَا خُلِقَتْ لَا تَصْفُو لِأَحَدٍ مِنَ الكَدَرِ، وَلَولا أَنَّهَا دَارُ ابْتِلَاءٍ وَاخْتِبَارٍ، لَمْ تَكُنْ فِيهَا الأَمْرَاضُ وَالأَكْدَارُ، وَلَمْ يَضِقِ العَيْشُ فِيهَا عَلَى الأَنْبِيَاءِ وَالأَخْيَارِ.

اللَّهُمَّ رَضِّنَا بِقَضَائِكَ، وَبَارِكْ لَنَا فِيمَا قُدِّرَ لَنَا، حَتَّى لَا نُحِبَّ تَعْجِيلَ مَا أَخَّرْتَ، وَلَا تَأْخِيرَ مَا عَجَّلْتَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 1/ صفر الخير /1441هـ، الموافق: 29/ أيلول / 2019م

 2019-09-30
 1618
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

24-06-2025 165 مشاهدة
227ـ أجلنا محتوم

وَدَّعْنَا عَامًا هِجْرِيًّا مَضَى مِنْ عُمُرِنَا وَاسْتَقْبَلْنَا عَامًا هِجْرِيًّا جَدِيدًا، لَا نَدْرِي أَيَنْتَهِي فِيهِ أَجَلُنَا أَمْ لَا. عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ عِلْمَ الْيَقِينِ أَنَّ الْمَوْتَ حَتْمٌ لَازِمٌ لَا مَنَاصَ مِنْهُ لِكُلِّ ... المزيد

 24-06-2025
 
 165
27-05-2025 211 مشاهدة
226ـ هل من مغتنم؟

هَذِهِ العَشْرُ قَدْ أَقْبَلَتْ، وَأَبْوَابُ التَّنَافُسِ فِيهَا قَدْ فُتِحَتْ، فَهَلْ مِنْ مُنَافِسٍ فِي الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي يُحِبُّهَا اللهُ تَعَالَى؟ فَالأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ الَّتِي يُحِبُّهَا اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الأَيَّامِ ... المزيد

 27-05-2025
 
 211
30-04-2025 248 مشاهدة
225ـ لا تحزنوا فالله معكم

الإِيمَانُ الحَقِيقِيُّ يُخْرِجُ العَبْدَ مِنَ الشَّدَائِدِ وَالمِحَنِ وَالكُرُوبِ، وَيَجْعَلُهُ فِي حَالَةِ ارْتِبَاطٍ بِاللهِ تَعَالَى وَاليَوْمِ الآخِرِ، الإِيمَانُ هُوَ دِرْعُ وَسِلَاحُ وَمَنَارُ المُؤْمِنِ وَقْتَ الشَّدَائِدِ القَاسِيَةِ، ... المزيد

 30-04-2025
 
 248
06-04-2025 387 مشاهدة
224ـ ما أجمل الأتقياء وأكرمهم

مَا أَجْمَلَ الأَتْقِيَاءَ وَأَكْرَمَهُمْ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، تَآلَفَتْ قُلُوبُهُمْ فِي اللهِ تَعَالَى وَعَلَى طَاعَتِهِ، وَهَذَا مِنْ فَضْلِ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، قَالَ تَعَالَى: ﴿فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ ... المزيد

 06-04-2025
 
 387
04-03-2025 418 مشاهدة
223ـ اعتبروا الناس بأعمالهم

مَنْ حُجِبَ عَنِ العِلْمِ عَذَّبَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى جَهْلِهِ، وَأَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا مَنْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ العِلْمُ فَأَدْبَرَ عَنْهُ، وَسَاقَ اللهُ إِلَيْهِ الهُدَى فَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ ... المزيد

 04-03-2025
 
 418
08-01-2025 1038 مشاهدة
221ـ نموذجان من المسلمين اليوم

الإِنْسَانُ خُلِقَ لِلْجَنَّةِ، وَالجَنَّةُ خُلِقَتْ لَهُ، وَالجَنَّةُ هِيَ سِلْعَةٌ، وَسِلْعَةُ اللهِ غَالِيَةٌ، وَثَمَنُهَا فِي الدُّنْيَا؛ فَمَا هُوَ ثَمَنُ الجَنَّةِ؟ ثَمَنُ الجَنَّةِ هُوَ العِبَادَةُ للهِ تعالى، وَالإِسْلَامُ عَقَائِدُ ... المزيد

 08-01-2025
 
 1038

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5701
المقالات 3237
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 424993439
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :