662ـ خطبة الجمعة: أيها الطلاب الناجحون

662ـ خطبة الجمعة: أيها الطلاب الناجحون

662ـ خطبة الجمعة: أيها الطلاب الناجحون

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا عِبَادَ اللهِ: الشُّكْرُ للهِ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ نِصْفُ الإِيمَانِ، وَقَالُوا في تَعْرِيفِ الشُّكْرِ: هُوَ الثَّنَاءُ عَلَى اللهِ تعالى المُنْعِمِ بِمَا مَنَحَكَ مِنْ نِعَمٍ وَمَعْرُوفٍ، وَيَكُونُ الشُّكْرُ بِالقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَالجَوَارِحِ.

شُكْرُ القَلْبِ يَكُونُ بِمَعْرِفَةِ مَصْدَرِ النِّعْمَةِ، فَاللهُ تَبَارَكَ وتعالى هُوَ مَصْدَرِ النِّعْمَةِ ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ﴾. وَمَنْ شَكَرَ اللهَ تعالى بِقَلْبِهِ فَإِنَّهُ يَرُدُّ النِّعْمَةَ إلى مَصْدَرِهَا، وَهُوَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا، وَلَا يَنْسِبُهَا لِنَفْسِهِ، فَمَنْ نَسَبَ النِّعْمَةَ لِنَفْسِهِ، هَذَا مَا شَكَرَ اللهَ بِقَلْبِهِ، وَكَانَ حَالُهُ كَحَالِ قَارُونَ الذي قَالَ: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾. فَشُكْرُ القَلْبِ أَنْ تَرُدَّ النِّعْمَةَ إلى المُنْعِمِ عَزَّ وَجَلَّ.

أَمَّا شُكْرُ اللِّسَانِ فَيَكُونُ بِالثَّنَاءِ عَلَى اللهِ تعالى وَالتَّحَدُّثِ بِنِعْمَةِ اللهِ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾.

أَمَّا شُكْرُ الجَوَارِحِ فَيَكُونُ في صَرْفِ النِّعْمَةِ في طَاعَةِ اللهِ تعالى، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾.

﴿وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ﴾:

يَا عِبَادَ اللهِ: لَو تَدَبَّرْنَا القُرْآنَ العَظِيمَ لَوَجَدْنَا الحَقَّ جَلَّ جَلَالُهُ كَثِيرَاً مَا يُعَلِّقُ العَطَاءَ وَالجَزَاءَ عَلَى المَشِيئَةِ، يَقُولُ تعالى: ﴿فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾. وَيَقُولُ تعالى: ﴿فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ﴾.

وَلَكِنْ بِالنِّسْبَةِ للشَّاكِرِينَ فَقَدْ جَزَمَ بِالجَزَاءِ لِمَنْ شَكَرَ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾.

فَعَكْسُ الشُّكْرِ هُوَ الكُفْرُ، وَالنَّاسُ عَلَى قِسْمَيْنِ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرَاً وَإِمَّا كَفُورَاً﴾.

لِذَلِكَ وَجَبَ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يُصَنِّفَ نَفْسَهُ هَلْ هُوَ مِنَ الشَّاكِرِينَ لِنِعَمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَمْ مِنَ الكَافِرِينَ بِنِعْمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟

وَهَذَا سَيِّدُنَا سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عِنْدَمَا رَأَى عَرْشَ بِلْقِيسَ أَمَامَهُ قَالَ: ﴿هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾.

أَيُّهَا الطُّلَّابُ النَّاجِحُونَ:

يَا عِبَادَ اللهِ: بَعْدَ هَذِهِ المُقَدِّمَةِ أَتَوَجَّهُ إلى الطُّلَّابِ الذينَ امْتَحَنَهُمُ اللهُ تعالى بِالنَّجَاحِ، وَإلى ذَوِيهِمْ، لِأَقُولَ لَهُمْ: يَا أَيُّهَا الطُّلَّابُ، وَيَا ذَوِيهِمْ، اشْكُرُوا اللهَ تعالى عَلَى نِعْمَةِ النَّجَاحِ بِقُلُوبِكُمْ، وَرُدُّوا النِّعْمَةَ إلى مَصْدَرِهَا، وَهُوَ اللهُ تعالى المُنْعِمُ، فَمِنْ تَمَامِ فَضْلِهِ عَلَيْكُمْ أَنْ خَلَقَ فِيكُمْ وَنَسَبَ إِلَيْكُمْ، عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ، وَلَو شَاءَ اللهُ تعالى لَأَنْسَاكُمْ كُلَّ مَا عَلِمْتُمْ، وَلَرَدَّكُمْ إلى أَرْذَلِ العُمُرِ، لِكَيْ لَا تَعْلَمُوا بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئَاً.

وَاشْكُرُوا اللهَ تعالى بِالتَّحَدُّثِ بِنِعْمَةِ اللهِ عَلَيْكُمْ ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾.

وَاشْكُرُوا اللهَ تعالى بِجَوَارِحِكُمْ، فَلَا تُقَابِلُوا نِعْمَةَ النَّجَاحِ بِمَعْصِيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، لَا تَجْتَمِعُوا عَلَى مَعْصِيَةِ الغِنَاءِ، وَلَا عَلَى مَعْصِيَةِ الاخْتِلَاطِ، وَلَا عَلَى مَعْصِيَةِ صَرْفِ المَالِ بِطَرِيقٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ.

يَا أَيُّهَا الطُّلَّابُ، لَا تَغْتَرُّوا بِنَجَاحِكُمْ، وَلَا تُقَابِلُوا نِعْمَةَ اللهِ تعالى بِمَعْصِيَةِ اللهِ تعالى، فَمَشْرُوعُكُمْ لَمْ يَنْتَهِ بَعْدُ، أَمَامَكُمْ المِشْوَارُ طَوِيلٌ، في الجَامِعَةِ وَمَا بَعْدَهَا، فَلَا تُحَوِّلُوا نِعْمَةَ اللهِ عَنْكُمْ، لِأَنَّهَا إِذَا تَحَوَّلَتْ عَنْ عَبْدٍ قَلَّمَا تَرْجِعُ إِلَيْهِ.

فَاتَّقُوا اللهَ في أَسْمَاعِكُمْ، وَاتَّقُوا اللهَ في أَبْصَارِكُمْ، وَاتَّقُوا اللهَ في بُيُوتِكُمْ، وَاتَّقُوا اللهَ في مَجَالِسِكُمْ، فَاللهُ تعالى نَاظِرٌ إِلَيْكُمْ أَتَشْكُرُونَهُ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ، أَمْ تَكْفُرُونَ بِهَا، وَرَدِّدُوا قَوْلَ سَيِّدِنَا سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الطُّلَّابُ النَّاجِحُونَ: رَاعُوا مَشَاعِرَ إِخْوَانِكُمْ مِنَ الطُّلَّابِ الذينَ امْتَحَنَهُمُ اللهُ تعالى بِعَدَمِ النَّجَاحِ، لِحِكْمَةٍ يُرِيدُهَا اللهُ تعالى، أَكْثِرُوا لَهُمْ مِنَ الدُّعَاءِ بِأَنْ يَجْبُرَ اللهُ تعالى مُصَابَهُمْ، وَخَاصَّةً بَعْدَ أَنْ بَذَلُوا الجُهْدَ في دِرَاسَتِهِمْ، وَأَقُولُ لِمَنْ أُكْرِمَ بِنِعْمَةِ النَّجَاحِ، وَلِمَنِ اخْتُبِرَ بِعَدَمِ النَّجَاحِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ هُوَ الآنَ في اخْتِبَارٍ مِنَ اللهِ تعالى، فَمَنْ شَكَرَ مِنَ النَّاجِحِينَ فَهُوَ حَقَّاً مِنَ النَّاجِحِينَ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ بِإِذْنِ اللهِ تعالى، وَإِلَّا فَهُوَ رَاسِبٌ في الآخِرَةِ بِسَبَبِ كُفْرَانِ النِّعْمَةِ.

وَأَمَا مَنْ حُرِمَ نِعْمَةَ النَّجَاحِ وَصَبَرَ فَهُوَ وَاللهِ مِنَ المُفْلِحِينَ النَاجِحِينَ عِنْدَ اللهِ تعالى، وَهَذَا هُوَ المُعَوَّلُ عَلَيْهِ.

فَالمُعَوَّلُ عَلَيْهِ نَجَاحٌ وَفَلَاحٌ في الآخِرَةِ، إِمَّا بِالشُّكْرِ وَإِمَّا بِالصَّبْرِ، فَمَنْ شَكَرَ فَهُوَ عَلَى خَيْرٍ، وَمَنْ صَبَرَ فَهُوَ عَلَى خَيْرٍ.

وَصَدَقَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القَائِلُ: «عَجَبَاً لِأَمْرِ المُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرَاً لَهُ» رواه الإمام مسلم عَنْ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

اللَّهُمَّ اجْعَلِ النَّاجِحِينَ مِنَ الشَّاكِرِينَ، وَاجْعَلْ غَيْرَ النَّاجِحِينَ مِنَ الصَّابِرِينَ، لِيَكُونُوا جَمِيعَاً مِنَ النَّاجِينَ وَالنَّاجِحِينَ يَوْمَ القِيَامَةِ يَا رَبَّ العَالَمِينَ. اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 9/ ذو القعدة /1440هـ، الموافق: 12/ تموز / 2019م

 2019-07-12
 2868
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

26-04-2024 7 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 7
19-04-2024 228 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 228
12-04-2024 931 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 931
09-04-2024 606 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 606
04-04-2024 711 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 711
28-03-2024 632 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 632

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3161
المكتبة الصوتية 4797
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413892864
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :