5ـ البسملة (3)

5ـ البسملة (3)

تفسير القرآن العظيم

5ـ البسملة (3)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ اسْتِفْتَاحَ أَيِّ أَمْرٍ مُهِمٍّ، ذِي بَالٍ، يَنْبَغِي أَنْ يُبْدَأَ بِبِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَقَدِ اسْتَعْمَلَ هَذِهِ الكَلِمَةَ سَيِّدُنَا سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بْنُ سَيِّدِنَا دَاوُدَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، عِنْدَمَا كَتَبَ كِتَابَهُ إلى بِلْقِيسَ مَلِكَةِ سَبَأ، فَقَالَ فِيهِ: ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾.

وَجَاءَ في الحَدِيثِ الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلِّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِاسْمِ اللهِ فَهُوَ أَبْتَرُ» وَفِي رِوَايَةٍ: «فَهُوَ أَقْطَعُ» وَفِي أُخْرَى: «فَهُوَ أَجْذَمُ».

فَكُلُّ كَلَامٍ، وَكُلُّ خُطْبَةٍ، وَكُلُّ رِسَالَةٍ، وَكُلُّ مُحَاوَرَةٍ، وَكُلُّ دَرْسٍ، وَكُلُّ مَوْعِظَةٍ، لَا يُبْتَدَأُ فِيهَا بِذِكْرِ اللهِ، وَبِبِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَهُوَ أَبْتَرٌ نَاقِصٌ، مَمْحُوقُ البَرَكِةِ، لَا يَكُونُ كَامِلَاً.

عِنْدَمَا يَقُولُ العَبْدُ: بِسْمِ اللهِ، يَعْنِي: أَتَيَمَّنُ بِذِكْرِ اسْمِ اللهِ جَلَّ جَلَالُهُ، وَأَسْتَعِينُ بِاسْمِهِ وَبِعَوْنِهِ وَإِرَادَتِهِ عَلَى أَنْ أُتِمَّ قَوْلِي، وَأُتِمُّ كَلَامِي، وَأُتِمُّ تِلَاوَتِي، وَأُتِمُّ دَرْسِي، وَأُتِمُّ عَمَلِي، فَإِنَّهُ يُوشِكُ بِبَرَكَةِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللهُ تعالى لَهُ، وَأَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ تَحْقِيقِ رَغْبَتِهِ وَأُمْنِيَتِهِ، وَأَنْ يَكُونَ عَمَلُهُ مُبَارَكَاً نَاجِزَاً تَامَّاً، فَهَذَا كُلُّهُ بِبَرَكَةِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ كَانَتْ كُتُبُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَبْدَأُ بِبِسْمِ اللهِ، وَكَذَلِكَ شَأْنُ رَسَائِلِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَمِنْ بَعْدِهِمْ مِنَ التَّابِعِينَ وَالصَّالِحِينَ.

وَكَذَلِكَ تُكْتَبُ بِجَمِيعِ الكُتُبِ وَالمُؤَلَّفَاتِ وَالمَقُولَاتِ، كُلُّ هَذَا اقْتِدَاءً بِكِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ الذي بُدِئَ ببِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.

بَرَكَةُ البَسْمَلَةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: البَسْمَلَةُ فِيهَا مِنَ البَرَكَةِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ تعالى، يَشْعُرُ بِبَرَكَتِهَا أَيُّ إِنْسَانٍ، فَلَو أَكَلَ العَبْدُ وَقَالَ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حُرِمَ الشَّيْطَانُ الطَّعَامَ، وَلَو دَخَلَ العَبْدُ بَيْتَهُ وَقَالَ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حُرِمَ الشَّيْطَانُ المَبِيتَ في ذَاكَ البَيْتِ، وَلَو جَامَعَ العَبْدُ زَوْجَتَهُ وَقَالَ: بِسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، يُصْرَفُ الشَّيْطَانُ عَنْهُ وَعَنْ زَوْجَتِهِ، وَإِنْ رُزِقَا وَلَدَاً بَرِئَ مِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ، وَلَو دَخَلَ العَبْدُ الخَلَاءَ وَقَالَ: بِسْمِ اللهِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبْثِ وَالخَبَائِثِ حُفِظَ بِإِذْنِ اللهِ تعالى، وَإِنْ نَزَعَ العَبْدُ الثِّيَابَ وَقَالَ: بِسْمِ اللهِ؛ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْيُنِ الشَّيْطَانِ سِتْرٌ وَحِجَابٌ.

رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يُنْجِيَهُ اللهُ مِنَ الزَّبَانِيَةِ التِّسْعَةَ عَشَرَ فَلْيَقْرَأْ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.

طَيَّبْتَ اسْمَنَا:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَيُذْكَرُ أَنَّ بِشْرَ الحَافِي رَأَى كَاغِدَاً (أَيْ: وَرَقَاً وَهُوَ اسمٌ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ) مَكْتُوبَاً فِيهِ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَرَفَعَهُ وَطَيَّبَهُ بِالمِسْكِ وَبَلَعَهُ، فَرَأَى في النَّوْمِ قَائِلَاً يَقُولُ: يَا بِشْـرُ، طَيَّبْتَ اسْمَنَا فَنَحْنُ نُطَيِّبُ اسْمَكَ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. / من تفسير الرازي.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿بِسْمِ اللهِ﴾: إِنَّهُ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَعَوْنٌ عَلَى كُلِّ دَوَاءٍ. / كذا في تفسير القرطبي

فَلْنُحَافِظْ عَلَى التَّسْمِيَةِ في جَمِيعِ شُؤُونِنَا، وَخَاصَّةً عِنْدَ تِلَاوَةِ القُرْآنِ العَظِيمِ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 22/ ذو القعدة /1440هـ، الموافق: 25/تموز / 2019م

الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  تفسير القرآن العظيم

05-11-2020 1745 مشاهدة
26ـ ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾

﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ إِشَارَةً إلى المُعَذَّبِينَ في نَارِ جَهَنَّمَ، حَيْثُ يُشْرِفُ عَلَى تَعْذِيبِهِمْ في سَقَرَ تِسْعَةَ عَشَرَ مِنَ المَلَائِكَةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ... المزيد

 05-11-2020
 
 1745
30-10-2020 1903 مشاهدة
25ـ ﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ﴾

بَعْدَ القَرَارِ النِّهَائِيِّ الذي تَوَصَّلَ إِلَيْهِ الوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَةِ في حَقِّ القُرْآنِ العَظِيمِ، وَفي حَقِّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بَعْدَ تَفْكِيرٍ وَتَقْدِيرٍ وَتَرَيُّثٍ ... المزيد

 30-10-2020
 
 1903
30-10-2020 1540 مشاهدة
72ـ ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ﴾

إِنَّ حَالَةَ الكِبَرِ هِيَ الحَالَةُ التي يَحْتَاجَانِ فِيهَا إلى بِرِّ الوَلَدِ، وَذَلِكَ لِتَغَيُّرِ الحَالِ عَلَيْهِمَا بِالضَّعْفِ وَالكِبَرِ، لِذَا أَلْزَمَ الشَّارِعُ في هَذِهِ الحَالِةِ مِنْ مُرَاعَاةِ أَحْوَالِهِمَا أَكْثَرَ مِمَّا ... المزيد

 30-10-2020
 
 1540
22-10-2020 1746 مشاهدة
24ـ ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ﴾

التَّفْكِيرُ هُوَ العَمَلُ البَدَهِيُّ للعَقْلِ، إِذْ لَا فَائِدَةَ مِنْ وُجُودِ عَقْلٍ مِنْ غَيْرِ تَفْكِيرٍ، لِأَنَّ العَقْلَ المَشْلُولَ لَيْسَ بِعَقْلٍ، بَلْ هُوَ جِهَازٌ مُعَطَّلٌ، وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ. ... المزيد

 22-10-2020
 
 1746
15-10-2020 2243 مشاهدة
23ـ ﴿كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا﴾

لَقَدْ دَلَّتْ رِوَايَاتُ أَسْبَابِ نُزُولِ هَذِهِ الآيَاتِ عَلَى أَنَّ الوَلِيدَ بْنَ المُغِيرَةِ قَدْ أَدْرَكَ عَظَمَةَ مَا سَمِعَ مِنْ آيَاتِ القُرْآنِ المَجِيدِ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ قَوْلِ البَشَرِ، وَعَبَّرَ عَنْ دَهْشَتِهِ، وَلَكِنَّهُ ... المزيد

 15-10-2020
 
 2243
08-10-2020 1980 مشاهدة
22ـ ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا﴾ (3)

يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتعالى في كِتَابِهِ العَظِيمِ في سُورَةِ المُدَّثِّرِ: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا﴾. هَذَا خِطَابٌ مِنَ اللهِ تعالى لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿ذَرْنِي ... المزيد

 08-10-2020
 
 1980

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5701
المقالات 3236
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 424888989
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :