158ـ واخجلتاه منك يا سيدي يا رسول الله
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فَيَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، وَاخَجْلَتَاهُ مِنْكَ، لَقَدْ كُنْتَ حَرِيصَاً عَلَيْنَا كُلَّ الحِرْصِ حَتَّى نَفُوزَ بِجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ، لَقَدْ كُنْتَ حَرِيصَاً عَلَيْنَا كُلَّ الحِرْصِ أَنْ لَا نَقَعَ في النَّارِ، وَلَكِنَّ الكَثِيرَ مِنَّا مَنْ يَتَفَلَّتُ مِنْكَ، وَصَدَقَ فِينَا قَوْلُكَ: «مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَوْقَدَ نَارَاً، فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا، وَهُوَ يَذُبُّهُنَّ عَنْهَا، وَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِي» رواه الإمام مسلم عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
عَلَّمْتَنَا يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ:
يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، لَقَدْ عَلَّمْتَنَا كُلَّ الفَضَائِلِ، وَمَا تَرَكْتَ أَمْرَاَ يُقَرِّبُنَا إلى اللهِ تعالى إِلَّا أَمَرْتَنَا بِهِ، وَدَلَلْتَنَا عَلَيْهِ، وَمَا تَرَكْتَ أَمْرَاً يُبْعِدُنَا عَنْ اللهِ تعالى إِلَّا حَذَّرْتَنَا مِنْهُ، وَنَبَّهْتَنَا عَلَيْهِ.
سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، عَلَّمْتَنَا الصِّدْقَ بِسُلُوكِكَ قَبْلَ قَوْلِكَ، فَكُنْتَ الصَّادِقَ الأَمِينَ، وَقُلْتَ لَنَا: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقَاً، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابَاً» رواه الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، لَقَدْ سَأَلَكَ أَصْحَابُكَ الكِرَامُ: هَلْ يَسْرِقُ المُؤْمِنُ؟ فَقُلْتَ: لَعَلَّهُ وَيَتُوبُ، وَسَأَلُوكَ: هَلْ يَكْذِبُ المُؤْمِنُ؟ فَقُلْتَ: لَا.
لَقَدْ جَعَلْتَ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ الكَذِبَ ثُلُثَ النِّفَاقِ، وَجَعَلْتَ إِخْلَافَ الوَعْدِ الثُّلُثَ الثَّانِي، وَخِيَانَةَ الأَمَانَةِ الثُّلُثَ الثَّالِثَ، فَقُلْتَ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ: «آيَةُ المُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
أَيْنَ نَحْنُ مِنْ هَذَا يَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ؟
الكَذِبُ اليَوْمَ قَائِمٌ عَلَى قَدَمٍ وَسَاقٍ، الكَذِبُ اليَوْمَ يَبْلُغُ الآفَاقَ.
يَا وَيْلَاهُ للكَذَّابِ، روى الإمام البخاري عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى صَلَاةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا؟».
قَالَ: فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا، فَيَقُولُ: «مَا شَاءَ اللهُ».
فَسَأَلَنَا يَوْمَاً فَقَالَ: «هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا؟».
قُلْنَا: لَا.
قَالَ: «لَكِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخَذَا بِيَدِي، فَأَخْرَجَانِي إِلَى الأَرْضِ المُقَدَّسَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ، بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ».
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ مُوسَى ـ أَحَدُ رُوَاةِ الحَدِيثِ ـ: «إِنَّهُ يُدْخِلُ ذَلِكَ الكَلُّوبَ فِي شِدْقِهِ حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا، فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ، قُلْتُ: مَا هَذَا؟» .......
ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَأَخْبِرَانِي عَمَّا رَأَيْتُ، قَالَا: نَعَمْ، أَمَّا الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ، فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بِالكَذْبَةِ، فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ، فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ».
وفي رِوَايَةٍ في مَسَاوِئِ الأَخْلَاقِ للخَرَائِطِيِّ: قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «رَأَيْتُ كَأَنَّ رَجُلَاً جَاءَنِي فَقَالَ لِي: قُمْ، فَقُمْتُ مَعَهُ، فَإِذَا أَنَا بِرَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا قَائِمٌ وَالْآخَرُ جَالِسٌ، بِيَدِ الْقَائِمِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ، يُلْقِمُهُ فِي شِدْقِ الْجَالِسِ، فَيَجْذِبُهُ حَتَّى يَبْلُغَ كَاهِلَهُ، ثُمَّ يَجْذِبُهُ فَيُلْقِمُهُ الْجَانِبَ الْآخَرَ، فَيَمُدُّهُ، فَإِذَا مَدَّهُ رَجَعَ الْآخَرُ كَمَا كَانَ، فَقُلْتُ لِلَّذِي أَقَامَنِي: مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا رَجُلٌ كَذَّابٌ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
بَلْ صَارَ في الأُمَّةِ أَقْبَحُ أَنْوَاعِ الكَذِبِ، أَلَا وَهُوَ الكَذِبُ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ حَذَّرَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ الكَذِبِ، لِأَنَّ عَاقِبَتَهُ وَخِيمَةٌ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُحَذِّرَاً مِنْهُ، وَخَاصَّةً إِذَا كَانَ الكَذِبُ أَمَامَ مَنْ يَظُنُّكَ أَنَّكَ صَادِقٌ: «كَبُرَتْ خِيَانَةً تُحَدِّثُ أَخَاكَ حَدِيثَاً هُوَ لَكَ مُصَدِّقٌ، وَأَنْتَ بِهِ كَاذِبٌ» رواه الإمام أحمد عَنْ نَوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ.
أَعْظَمُ خِيَانَةٍ أَنْ يُعِيرَكَ الإِنْسَانُ سَمْعَهُ، وَيُشْغِلَ نَفْسَهُ، وَيُظْهِرَ لَكَ اهْتِمَامَهُ، وَأَنْتَ تُحَدِّثُهُ كَذِبَاً، هُوَ لَكَ مُصَدِّقٌ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ تَكْذِبُ عَلَيْهِ، هَذِهِ أَعْظَمُ خِيَانَةٍ لَهُ.
نَعَمْ لَقَدْ حَذَّرَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ الكَذِبِ وَلَو كُنَّا مَازِحِينَ، روى الترمذي عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ بِالحَدِيثِ لِيُضْحِكَ بِهِ القَوْمَ فَيَكْذِبُ، وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ».
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الصَّادِقِينَ.
** ** **
تاريخ الكلمة:
الخميس: 1/ ربيع الثاني/1441هـ، الموافق: 28/تشرين الثاني / 2019م
ارسل إلى صديق |
مَاذَا يَقُولُ الإِنْسَانُ المُسْلِمُ، وَمَاذَا يَفْعَلُ وَالمَجَازِرُ الدَّمَوِيَّةُ تُرْتَكَبُ عَلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ وَفي غَزَّةَ خَاصَّةً شَمَلَتِ الشُّيُوخَ وَالنِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ الضُّعَفَاءَ وَالآمِنِينَ، وَالعَالَمُ كُلُّهُ ... المزيد
مَا أَجْمَلَ شَهْرَ الرَّبِيعِ الذي وُلِدَ فِيهِ الحَبِيبُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟! حَيْثُ إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ يُذَكِّرُنَا بِفَصْلِ الرَّبِيعِ الذي فِيهِ تَتَفَتَّحُ الأَزْهَارُ، وَتُغَرِّدُ ... المزيد
التَّشَاؤُمُ وَالتَّطَيُّرُ مِنَ الصِّفَاتِ المَذْمُومَةِ، وَالأَخْلَاقِ اللَّئِيمَةِ، وَلَا يَصْدُرَانِ إِلَّا مِنَ النُّفُوسِ المُسْتَكِينَةِ، لِمُنَافَاةِ ذَلِكَ للتَّوَكُّلِ وَاليَقِينِ، فَهُمَا مِنْ سِمَاتِ الكُسَالَى وَالبَطَّالِينَ، ... المزيد
انْقَضَى عَامٌ هِجْرِيٌّ مِنْ حَيَاتِنَا، وَلَا نَدْرِي مَاذَا كَانَ في صَفَحَاتِ العَامِ المُنْصَرِمِ، هَلْ سَوَّدْنَا تِلْكَ الصَّفَحَاتِ بِسُوءِ أَعْمَالِنَا، أَمْ بَيَّضْنَاهَا بِصَالِحِ طَاعَاتِنَا وَقُرُبَاتِنَا؟ الحَقُّ يُقَالُ: نُفُوسُنَا ... المزيد
إِنَّ إِخْوَانَكُمْ في هَذِهِ الأَيَّامِ المُبَارَكَةِ قَدْ أَحْرَمُوا للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَصَدُوا بَيْتَ اللهِ الحَرَامَ، وَمَلَؤُوا الفَضَاءَ بِالتَّلْبِيَةِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّعْظِيمِ، مُسْتَجِيبِينِ في ذَلِكَ نِدَاءَ ... المزيد
إِنَّ الحَجَّ إلى بَيْتِ اللهِ تعالى الحَرَامِ مِنْ أَعْظَمِ الفَرَائِضِ التي فَرَضَهَا اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ، وَمِنْ رَحْمَتِهِ تَبَارَكَ وتعالى بِهِمْ أَنْ أَوْجَبَهُ عَلَيْهِمْ مَرَّةً وَاحِدَةً في العُمُرِ، مُقَيَّدًا ... المزيد