11ـ كلمات حول الروح الإنساني

11ـ كلمات حول الروح الإنساني

11ـ كلمات حول الروح الإنساني

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ سَيِّدِي الشَّيْخُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ في كِتَابِهِ (الإِيمَانُ بِعَوَالِمِ الآخِرَةِ وَمَوَاقِفِهَا):

ثُمَّ إِنَّ سُبْحَانَهُ وتعالى سَجَّلَ عَلَى العِبَادِ قِلَّةَ العِلْمِ، وَكَثْرَةَ الجَهْلِ، وَأَنَّ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ العِلْمِ فَهُوَ مِمَّا آتَاهُمْ وَتَفَضَّلَ بِهِ عَلَيْهِمْ هُوَ سُبْحَانَهُ، وَأَنَّ العِلْمَ المُحِيطَ بِكُلِّ شَيْءٍ هُوَ للهِ تعالى وَحْدَهُ:

فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلَاً﴾.

وَهَذِهِ القِلَّةُ في العِلْمِ التي أُوتُوهَا هِيَ في غَايَةِ القِلَّةِ، وَمَهْمَا تَصَوَّرَهَا الإِنْسَانُ مِنْ قِلَّةٍ فَهِيَ أَقَلُّ وَأَقَلُّ؛ وَقَدْ ضَرَبَ سَيِّدُنَا الخَضِرُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، مِثَالَاً لِهَذِهِ القِلَّةِ في العِلْمِ التي أُعْطِيهَا سَائِرُ المَخْلُوقَاتِ بِالنِّسْبَةِ للعِلْمِ الإِلَهِيِّ الذي لَا يَتَنَاهَى، حَيْثُ قَالَ لِسَيِّدِنَا مُوسَى عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، حِينَ اجْتَمَعَا وَجَلَسَا عَلَى شَاطِئِ البَحْرِ، فَأَرْسَلَ اللهُ تعالى عُصْفُورَاً، فَوَقَفَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ، وَنَقَرَ في البَحْرِ.

فَقَالَ لَهُ الخَضِرُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا مُوسَى مَا عِلْمي وَعِلْمُكَ، وَعِلْمُ سَائِرِ الخَلَائِقِ مِنْ عِلْمِ اللهِ تعالى إِلَّا كَمَا نَقَرَ هَذَا العُصْفُورُ مِنَ البَحْرِ.

كَمَا جَاءَ هَذَا في: (الصَّحِيحَيْنِ) عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يَحْكِي ذَلِكَ عَنْ مُوسَى وَالخَضِرِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، بِإِقْرَارٍ مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِذَلِكَ.

وَهَذَا المِثَالُ جَاءَ لِبَيَانِ سَعَةِ عِلْمِ اللهِ تعالى الذي لَا يَتَنَاهَى، وَقِلَّةِ عُلُومِ الخَلَائِقِ المُتَلَاشِيَةِ بِالنِّسْبَةِ لِعِلْمِ اللهِ تعالى، وَلَمْ يَجِئ هَذَا المِثَالُ لِتَحْدِيدِ النِّسْبَةِ؛ وَإِلَّا فَلَا نِسْبَةَ وَلَا تَنَاسُبَ.

فَهُوَ سُبْحَانَهُ العَلِيمُ بِكُلِّ شَيْءٍ، عِلْمَاً ذَاتِيَّاً وَاجِبَاً، وَعِلْمُهُ قَدِيمٌ لَا أَوَّلَ لَهُ وَلَا آخِرَ لَهُ، وَقَدْ أُوجِدَ العَالَمُ عَلَى عِلْمٍ مِنْهُ سَابِقٍ، قَالَ تعالى: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾.

فَعِلْمُهُ بِالمَخْلُوقَاتِ سَابِقٌ عَلَيْهَا، وَإِلَّا كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يُكَوِّنَهَا وَأَنْ يُصَوِّرَهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عِلْمٌ بِهَا سَابِقٌ؟ كَمَا جَاءَ التَّنْبِيهُ إِلَيْهِ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ.

هَذَا وَإِنَّ عِلْمَهُ مُحِيطٌ بِمَا كَانَ وَبِمَا يَكُونُ، فَهُوَ يَعْلَمُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ، وَمَا لَا يَكُونُ، وَيَعْلَمُ مَا لَا يَكُونُ كَيْفَ يَكُونُ لَو كَانَ.

قَالَ تعالى في الكُفَّارِ: ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْرَاً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾.

وَقَالَ تعالى في الكُفَّارِ حِينَ وَقَفُوا عَلَى النَّارِ، وَتَمَنَّوْا أَنْ لَو عَادُوا إلى الدُّنْيَا لِيُصْلِحُوا أَمْرَهُمْ: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾ الآيَةَ.

ثُمَّ إِنَّ عَالَمَ الأَمْرِ الذي أَلْمَحَنَا إِلَيْهِ هُوَ دَاخِلٌ في عَالَمِ المَلَكُوتِ؛ الذي جَاءَ ذِكْرُهُ في الآيَاتِ القُرْآنِيَّةِ، وَالأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ، كَمَا أَنَّ عَالَمَ الخَلْقِ دَاخِلٌ في جُمْلَةِ عَالَمِ المُلْكِ، وَكُلٌّ مِنَ العَالَمَيْنِ المَذْكُورَيْنِ: المُلْكُ وَالمَلَكُوتُ بِيَدِ اللهِ تعالى، يَتَصَرَّفُ فِيهِمَا كَيْفَمَا يَشَاءُ، كَمَا هُوَ مُقْتَضَى حِكْمَتِهِ المُوَافَقَةِ لِعِلْمِهِ سُبْحَانَهُ.

قَالَ تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.

وَقَالَ تعالى: ﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾.

فَكُلُّ شَيْءٍ كَائِنٌ في عَالَمِ الخَلْقِ مَا قَامَ إِلَّا بِالمَلَكُوتِ، وَهُوَ الأَمْرُ الرَّبَّانِيُّ الذي قَامَتْ بِهِ الأَشْيَاءُ، فَمَلَكُوتُ الأَشْيَاءِ الإِنْسَانِيَّةِ هُوَ رُوحُهَا.

وَفي: (السُّنَنِ) عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي في اللَّيْلِ، وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اللهُ أَكْبَرُ ـ ثَلَاثَاً ـ ذُو المَلَكُوتِ وَالجَبَرُوتِ وَالكِبْرِيَاءِ وَالعَظَمَةِ».

وَفي: (سُنَنِ) أَبِي داود، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً فَقَرَأَ سُورَةَ البَقَرَةِ، لَا يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إِلَّا وَقَفَ وَسَأَلَ، وَلَا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إِلَّا وَقَفَ وَتَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ، يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: «سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ» الحَدِيثَ.

وفي: (مُسْنَدِ) الإمام أحمد، عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُمْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَقَرَأَ السَّبْعَ الطِّوَالَ فِي سَبْعِ رَكَعَاتٍ، وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَكَعَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وَقَالَ: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» ثُمَّ قَالَ: «الْحَمْدُ للهِ ذِي الْمَلَكُوتِ وَالْجَبَرُوتِ وَالْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ».

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 26/ صفر الخير /1441هـ، الموافق: 24/ تشرين الأول / 2019م

الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  الإيمان بعوالم الآخرة ومواقفها

11-01-2024 169 مشاهدة
60ـ يستقبل أمته على الحوض

سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَسْتَقْبِلُ أُمَّتَهُ عَلَى الحَوْضِ وَيَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ مِنْ بَيْنِ الأُمَمِ: ... المزيد

 11-01-2024
 
 169
29-12-2023 168 مشاهدة
59ـ ينتظر الواردين من أمته

رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا، فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى المَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى المِنْبَرِ، ... المزيد

 29-12-2023
 
 168
14-12-2023 176 مشاهدة
58ـ عالم الحوض

قَالَ اللهُ تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾. في هَذِهِ السُّورَةِ الكَرِيمَةِ يَذْكُرُ اللهُ تعالى فَضْلَهُ العَظِيمَ عَلَى رَسُولِهِ الكَرِيمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى ... المزيد

 14-12-2023
 
 176
28-09-2023 493 مشاهدة
57ـ لواء الحمد

لَقَدْ ثَبَتَ بِالأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّ لِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِوَاءً عَالِيًا عَلَى جَمِيعِ أَلْوِيَةِ الشَّرَفِ وَالكَرَامَةِ، وَاسِعًا كُلَّ السَّعَةِ، يَأْوِي ... المزيد

 28-09-2023
 
 493
16-09-2023 460 مشاهدة
56ـ حشر كل إنسان مع محبوبه

رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ... المزيد

 16-09-2023
 
 460
25-07-2023 272 مشاهدة
55ـ طول الموقف يوم القيامة

قَالَ تعالى: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللهِ ذِي الْمَعَارِجِ * تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ * فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا * ... المزيد

 25-07-2023
 
 272

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3161
المكتبة الصوتية 4797
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413882009
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :