55ـ طول الموقف يوم القيامة

55ـ طول الموقف يوم القيامة

55ـ طول الموقف يوم القيامة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ سَيِّدِي الشَّيْخُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ في كِتَابِهِ (الإِيمَانِ بِعَوَالِمِ الآخِرَةِ وَمَوَاقِفِهَا):

طُولُ المَوْقِفِ يَوْمَ القِيَامَةِ:

قَالَ تعالى: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللهِ ذِي الْمَعَارِجِ * تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ * فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا * يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ * وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا﴾.

وَالمَعْنَى: لَا يَسْأَلُ قَرِيبٌ قَرِيبَهُ وَلَا الصَّاحِبُ صَاحِبَهُ: كَيْفَ حَالُكَ؟ وَلَا يُكَلِّمُهُ لِهَوْلِ ذَلِكَ اليَوْمِ وَشِدَّتِهِ، أَو المُرَادُ وَلَا يَسْأَلُهُ الإِحْسَانَ إِلَيْهِ وَلَا الرِّفْقَ بِهِ كَمَا كَانَ يَسْأَلُهُ في الدُّنْيَا، لِشِدَّةِ الأَمْرِ وَهَوْلِ يَوْمِ القِيَامَةِ.

قَالَ الحَافِظُ الهَيْثَمِيُّ في مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ: بَابُ خِفَّةِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ:

ثُمَّ رَوَى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، يَوْمٌ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، مَا أَطْوَلَ هَذَا الْيَوْمَ؟

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهُ لَيُخَفَّفُ عَلَى الْمُؤْمِنِ حَتَّى يَكُونَ أَخَفَّ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ يُصَلِّيهَا فِي الدُّنْيَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو يَعْلَى، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ عَلَى ضَعْفٍ فِي رَاوِيهِ. اهـ.

وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: «يَكُونُ ذَلِكَ الْيَوْمُ أَقْصَرَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ سَاعَةٍ مِنْ نَهَارٍ»

وَللحَاكِمِ وَالبَيْهَقِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا: «يَوْمُ الْقِيَامَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كَقَدْرِ مَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ».

وَعِنْدَ أَبِي يَعْلَى بِرِجَالِ الصَّحِيحِ: «فَيَهُونُ ذَلِكَ الْيَوْمُ عَلَى الْمُؤْمِنِ كَتَدَلِّي الشَّمْسِ لِلْغُرُوبِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ».

قَالَ الحَافِظُ الزُّرْقَانِيُّ: وَطَرِيقُ الجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الأَحَادِيثِ: أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ دَرَجَاتِ إِيمَانِ المُؤْمِنِينَ. اهـ.

وَرَوَى ابْنُ المُبَارَكِ في كِتَابِ الزُّهْدِ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ في المُصَنَّفِ، وَاللَّفْظُ لَهُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ، عَنْ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: تُعْطَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَرَّ عَشْرِ سِنِينَ، ثُمَّ تَدْنُو مِنْ جَمَاجِمِ النَّاسِ حَتَّى تَكُونَ قَابَ قَوْسَيْنِ، فَيَغْرَقُونَ حَتَّى يَرْشَحَ الْعَرَقُ قَامَةً فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ يَرْتَفِعَ حَتَّى يُغَرْغِرَ الرَّجُلُ.

زَادَ ابْنُ المُبَارَكِ في رِوَايَتِهِ: وَلَا يَضُرُّ حَرُّهَا يَوْمَئِذٍ مُؤْمِنًا وَلَا مُؤْمِنَةً.

قَالَ العُلَمَاءُ: وَظَاهِرُ بَعْضِ الأَحَادِيثِ يَعُمُّ جَمِيعَ أَهْلِ المَوْقِفِ، وَلَكِنَّ هُنَاكَ أَحَادِيثَ أُخْرَى تَدُلُّ عَلَى أَنَّ العَرَقَ وَأَهْوَالَ المَوْقِفِ تَعُمُّ الكُفَّارَ وَالمُذْنِبِينَ، وَأَشَدُّهُمُ الكُفَّارُ، ثُمَّ أَصْحَابُ الكَبَائِرِ، ثُمَّ مَنْ دُونَهُمْ في الذُّنُوبِ، ثُمَّ وَثُمَّ عَلَى قَدْرِ ذُنُوبِهِمْ.

وَأَمَّا الأَنْبِيَاءُ فَهُمْ في أَمَانٍ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ أَتْبَاعُهُمْ مِنَ الشُّهَدَاءِ وَالصِّدِّيقِينَ وَالصَّالِحِينَ، وَأَهْلِ الظِّلَالِ كَمَا تَقَدَّمَ.

قَالَ تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾.

قَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾: هُوَ يَوْمُ القِيَامَةِ.

قَالَ المُفَسِّرُونَ: وَأَرَادَ أَنَّ مَوْقِفَهُمْ للحِسَابِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ هُوَ مِقْدَارُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِنْ سِنِيِّ الدُّنْيَا. اهـ.

أَقُولُ: وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ مَا رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ صَاحِبِ كَنْزٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهُ، إِلَّا جُعِلَ ـ أَيْ: الكَنْزُ ـ صَفَائِحَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَتُكْوَى بِهَا جَبْهَتُهُ وَجَنْبُهُ وَظَهْرُهُ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ عِبَادِهِ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ، ثُمَّ يُرَى سَبِيلَهُ، إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ» الحَدِيثَ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ كَمَا سَيَأْتِي بِتَمَامِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى.

عُمُومُ الحَشْرِ لِجَمِيعِ الثَّقَلَيْنِ

وَالزَّمَانِ وَالمَكَانِ وَالحَيَوَانِ وَالطُّيُورِ

قَالَ تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾.

دَلَّتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلَى أَنَّ اللهَ تعالى يَجْمَعُ الإِنْسَ وَالجِنَّ، وَيَسْأَلُهُمْ عَمَّا جَرَى بَيْنَهُمْ في الدُّنْيَا مِنَ التَّضْلِيلِ وَالإِغْوَاءِ، وَمِنَ الاسْتِمْتَاعِ وَالانْتِفَاعِ عَلَى الوَجْهِ المُحَرَّمِ، فَيَقُولُ سُبْحَانَهُ: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ﴾. أَيْ: أَضْلَلْتُمْ كَثِيرًا مِنَ الإِنْسِ، وَجَعَلْتُمُوهُمْ أَتْبَاعَكُمْ في الضَّلَالِ، وَالمُرَادُ هُنَا بِالجِنِّ الشَّيَاطِينُ أُولُو الضَّلَالِ.

﴿وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ﴾.

أَمَّا اسْتِمْتَاعُ الإِنْسِ بِالجِنِّ فَهُوَ مَا كَانُوا يُلْقُونَ إِلَيْهِمْ مِنَ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ، وَالسِّحْرِ وَالكَهَانَةِ، وَتَزْيِينِهِمُ الأُمُورَ التي كَانُوا يَهْوَوْنَهَا.

وَاسْتِمْتَاعُ الجِنِّ بِالإِنْسِ هُوَ طَاعَةُ الإِنْسِ للجِنِّ في الضَّلَالَةِ وَالغِوَايَةِ وَالمَعَاصِي، وَالشِّرْكِ وَالكُفْرِ.

وَهَكَذَا تُحْشَرُ الأَزْمِنَةُ، كَمَا جَاءَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «تُحْشَرُ الأَيَّامُ عَلَى هَيْئَتِهَا، وَتُحْشَرُ الْجُمُعَةُ زَهْرَاءَ مُنِيرَةً، أَهْلُهَا يَحُفُّونَ بِهَا كَالْعَرُوسِ تُهْدَى إِلَى خِدْرِهَا، تُضِيءُ لَهُمْ، يَمْشُونَ فِي ضَوْئِهَا، أَلْوَانُهُمْ كَالثَّلْجِ بَيَاضًا، وَرِيحُهُمْ كَالْمِسْكِ، يَخُوضُونَ فِي جِبَالِ الْكَافُورِ، يَنْظُرُ إِلَيْهِمُ الثَّقْلَانِ لَا يَطْرُقُونَ ـ أَيْ: لَا يَدَعُونَ النَّظَرَ إِلَيْهِمْ ـ تَعَجُّبًا حَتَّى يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وَلَا يُخَالِطُهُمْ أَحَدٌ إِلَّا الْمُؤَذِّنُونَ الْمُحْتَسِبُونَ» قَالَ الحَافِظُ المُنْذِرِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ في صَحِيحِهِ. اهـ.

وَكَذَلِكَ تُحْشَرُ الأَرْضُ وَمَا عَلَيْهَا مِنْ مَدَرٍ وَحَجَرٍ، وَشَجَرٍ مِنْ رَطْبٍ وَيَابِسٍ، لِأَجْلِ أَنْ تَشْهَدَ عَلَى مَنْ عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا.

قَالَ اللهُ تعالى إِخْبَارًا عَنِ الأَرْضِ يَوْمَ القِيَامَةِ: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا﴾.

قَال أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾. قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارُهَا»؟

قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.

قَالَ: «فَإِنَّ أَخْبَارَهَا أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ ـ أَيْ: عَلَى كُلِّ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ـ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا، أَنْ تَقُولَ: عَمِلَ كَذَا وَكَذَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا؛ فَهَذِهِ أَخْبَارُهَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَرَوَى البُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ لَهُ: إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الغَنَمَ وَالبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ، أَوْ بَادِيَتِكَ، فَأَذَّنْتَ بِالصَّلَاةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ، فَإِنَّهُ «لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذِّنِ، جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ، إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ».

قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَرَوَاهُ مَالِكٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَه وَزَادَ: وَلَا حَجَرٌ وَلَا شَجَرٌ إِلَّا شَهِدَ لَهُ.

وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ في صَحِيحِهِ بِلَفْظِ: «لَا يَسْمَعُ صَوْتَهُ شَجَرٌ، وَلَا مَدَرٌ، وَلَا حَجَرٌ، وَلَا جِنٌّ، وَلَا إِنْسٌ إِلَّا شَهِدَ لَهُ».

وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ: «وَيَشْهَدُ لَهُ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ».

أَمَّا حَشْرُ الحَيَوَانَاتِ:

قَالَ اللهُ تعالى: ﴿وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ﴾.

وَقَالَ تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾.

فَأَخْبَرَ أَنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرَهُ يُحْشَرُ إلى اللهِ تعالى.

وَرَوَى مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُقَادَ ـ أَيْ: يُقْتَصَّ ـ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ».

وَرَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُقْتَصُّ للْخَلْقِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، حَتَّى لِلْجَمَّاءِ مِنَ الْقَرْنَاءِ، وَحَتَّى لِلذَّرَّةِ مِنَ الذَّرَّةِ» وَرُوَاتُهُ رُوَاةُ الصَّحِيحِ كَمَا في التَّرْغِيبِ.

فَاللهُ تعالى يَحْشُرُ الحَيَوَانَاتِ لِيَقْتَصَّ مِنْ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ، فَيَقْتَصُّ مِنَ الشَّاةِ القَرْنَاءِ التي نَطَحَتِ الجَلْحَاءَ التي لَا قُرُونَ لَهَا.

وَرَوَى النَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ في صَحِيحِهِ عَنِ الشَّرِيدِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا عَبَثًا عَجَّ ـ أَيْ: العُصْفُورُ ـ إِلَى اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: يَا رَبِّ، إِنَّ فُلَانًا قَتَلَنِي عَبَثًا، وَلَمْ يَقْتُلْنِي مَنْفَعَةً».

فَلَا يَجُوزُ قَتْلُ العُصْفُورِ وَنَحْوِهِ عَبَثًا، أَيْ: لَهْوًا وَلَعِبًا، إِلَّا لِمَنْفَعَةِ أَكْلٍ أَو نَحْوِهِ.

كَمَا رَوَى النَّسَائِيُّ وَالحَاكِمُ وَصَحَّحَ إِسْنَادَهُ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ إِنْسَانٍ يَقْتُلُ عُصْفُورًا فَمَا فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا إِلَّا سَأَلَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا حَقُّهَا؟

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «حَقُّهَا أَنْ يَذْبَحَهَا فَيَأْكُلَهَا وَلَا يَقْطَعَ رَأْسَهَا فَيَرْمِيَ بِهِ».

وَرَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَأَى شَاتَيْنِ تَنْتَطِحَانِ، فَقَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ هَلْ تَدْرِي فِيمَ تَنْتَطِحَانِ؟».

قَالَ: لَا.

قَالَ: «لَكِنَّ اللهَ يَدْرِي، وَسَيَقْضِي بَيْنَهُمَا».

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى حَشْرِ الحَيَوَانَاتِ، حَدِيثُ مَانِعِ زَكَاةِ الإِبِلِ وَالبَقَرِ وَالغَنَمِ، وَأَنَّهَا تَجِيءُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْظَمَ مَا كَانَتْ وَأَسْمَنَهُ، تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا، وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ العِبَادِ؛ الحَدِيثُ في الصَّحِيحَيْنِ وَسَيَأْتِي نَصُّهُ إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى في مَوْضِعِهِ.

اللَّهُمَّ احْشُرْنَا تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِكَ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّكَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 2/ المحرم /1444هـ، الموافق: 20/ تموز / 2023م

الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  الإيمان بعوالم الآخرة ومواقفها

19-09-2024 371 مشاهدة
64ـ عما ورد من نسبة الذنوب للأنبياء عليهم الصلاة والسلام (2)

وَأَمَّا مَا وَرَدَ في حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ مِنِ اعْتِذَارِ الخَلِيلِ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِسَبَبِ الكَذَبَاتِ، فَإِنَّمَا هِيَ كَذَبَاتٌ صُورَةً لَا حَقِيقَةً، لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ المَعَارِيضِ، وَقَدْ جَاءَ ... المزيد

 19-09-2024
 
 371
10-09-2024 379 مشاهدة
63ـ عما ورد من نسبة الذنوب للأنبياء عليهم الصلاة والسلام

يَقُولُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ سَيِّدِي الشَّيْخُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ في كِتَابِهِ (الإِيمَانِ بِعَوَالِمِ الآخِرَةِ وَمَوَاقِفِهَا): الوَجْهُ الثَّانِي: في الجَوَابِ عَمَّا وَرَدَ مِنْ نِسْبَةِ الذُّنُوبِ للأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ ... المزيد

 10-09-2024
 
 379
15-08-2024 306 مشاهدة
62ـ حول أحاديث الشفاعة

أَوَّلًا: قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فِيهِ إِعْلَانٌ بِمَقَامِ سِيَادَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَإِعْلَامٌ لِجَمِيعِ ... المزيد

 15-08-2024
 
 306
25-07-2024 423 مشاهدة
61ـ الشفاعة وأنواعها

الشَّفَاعَةُ كَمَا قَالَ الحَافِظُ الزَّرْقَانِيُّ: هِيَ انْضِمَامُ الأَدْنَى ـ أَيْ: لُجُوءُهُ وَقَصْدُهُ ـ إلى الأَعْلَى، لِيَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى مَا يَرُومُهُ، أَيْ: في جَلْبِ مَنْفَعَةٍ، أَو دَفْعِ مَضَرَّةٍ عَنِ المَشْفُوعِ بِهِ. وَالشَّفَاعَةُ ... المزيد

 25-07-2024
 
 423
11-01-2024 605 مشاهدة
60ـ يستقبل أمته على الحوض

سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَسْتَقْبِلُ أُمَّتَهُ عَلَى الحَوْضِ وَيَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ مِنْ بَيْنِ الأُمَمِ: ... المزيد

 11-01-2024
 
 605
29-12-2023 616 مشاهدة
59ـ ينتظر الواردين من أمته

رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا، فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى المَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى المِنْبَرِ، ... المزيد

 29-12-2023
 
 616

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5682
المقالات 3210
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 422736959
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :