163ـ هنيئًا لكم شهر الصيام
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: بِدَايَةً: كُلُّ عَامٍ وَأَنْتُمْ بِخَيْرٍ، كُلُّ عَامٍ وَأَنْتُمْ بِصِحَّةٍ وَعَافِيَةٍ وَسَعَادَةٍ، كُلُّ عَامٍ وَأَنْتُمْ مَعَ أُصُولِكُمْ وَفُرُوعِكُمْ كَالجَسَدِ الوَاحِدِ، كُلُّ عَامٍ وَأَنْتُمْ مُنْدَرِجُونَ تَحْتَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ وَتَحْتَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾.
كُلُّ عَامٍ وَكُلُّ نَفَسٍ وَأَنْتُمْ للهِ شَاكِرِينَ نِعَمَهُ، مُقِرِّينَ بِآلَائِهِ وَإِحْسَانِهِ، كُلُّ عَامٍ وَكُلُّ نَفَسٍ وَأَنْتُمْ بِمَزِيدٍ مِنَ الاسْتِحْيَاءِ مِنَ اللهِ تعالى.
هَنِيئًا لَكُمْ شَهْرَ الصِّيَامِ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَنِيئًا لَكُمْ شَهْرَ الصِّيَامِ، هَنِيئًا لَكُمْ عِبَادَتَكُمْ فِيهِ، هَنِيئًا لَكُمْ ثَبَاتَكُمْ عَلَى الطَّاعَةِ في زَمَنٍ قَلَّ فِيهِ الثَّابِتُونَ، هَنِيئًا لَكُمْ بِطُمَأْنِينَةِ أَنْفُسِكُمْ، وَاسْتِقَامَةِ سِيرَتِكُمْ، وَفَرْحَتِكُمْ مَعَ رَبِّكُمْ، وَنِعْمَةِ الرِّضَا في حَيَاتِكُمْ وَآخِرَتِكُمْ.
هَنِيئًا لَكِ يَا أُمَّةَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْتِ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ، لَيْسَ عَلَيْكِ عَذَابٌ في الآخِرَةِ بِإِذْنِ اللهِ تعالى، لِأَنَّ نَبِيَّكِ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ، هَنِيئًا لَكِ شَهْرَ الرَّحْمَةِ.
بِاللهِ عَلَيْكِ يَا أَيَّتُهَا الأُمَّةُ المَرْحُومَةُ، تَعَرَّضِي لِمَزِيدِ الرَّحْمَةِ مِنَ اللهِ تعالى الرَّحِيمِ، وَذَلِكَ بِالتَّرَاحُمِ «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» رواه الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
يَا أَيُّهَا الصَّائِمُونَ، هَنِيئًا لَكُمْ بِامْتِثَالِكُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ إِذْ يَقُولُ: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾. لَقَدْ أَدْرَكْتُمْ عَظَمَةَ خَالِقِكُمْ، فَمَا أَرْوَعَ طَاعَتَكُمْ، وَمَا أَوْسَعَ مَدَارِكَكُمْ، لَقَدْ عَرَفْتُمْ حَقِيقَةَ دُنْيَاكُمُ التي أَنْتُمْ فِيهَا، فَهِيَ دُنْيَا اخْتِبَارٍ وَابْتِلَاءٍ، فَصَبَرْتُمْ وَصَابَرْتُمْ حَتَّى أَقْبَلَ عَلَيْكُمْ شَهْرُ الصَّبْرِ شَهْرُ الصِّيَامِ، هَنِيئًا لَكُمْ بِشَارَةَ رَبِّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ إِذْ يَقُولُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. فَهَنِيئًا لَكُمُ الفَلَاحُ وَالنَّجَاحُ.
فَيَا أَيُّهَا الصَّائِمُونَ الصَّابِرُونَ: اصْبِرُوا وَمَا صَبْرُكُمْ إِلَّا بِاللهِ، وَأَبْشِرُوا بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.
وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ» رواه الحاكم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
هَنِيئًا لَكُمْ يَا أُمَّةَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَيْثُ تَطْمَئِنُّ قُلُوبُكُمْ بِذِكْرِ اللهِ ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾.
هَنِيئًا لِأَقْدَامٍ وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مُصَلِّيَةً رَاكِعَةً سَاجِدَةً، هَنِيئًا لَكُمْ يَوْمَ تَنْصَرِفُونَ مَغْفُورًا لَكُمْ قَدْ بُدِّلَتْ سَيِّئَاتِكُمْ حَسَنَاتٍ بِإِذْنِ اللهِ تعالى.
هَنِيئًا لَكُمْ إِذْ تُقَدِّمُونَ أَعْمَالًا تُبَيِّضُ الوَجْهَ يَوْمَ نَلْقَى اللهَ تعالى ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾. ﴿يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾. ﴿يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثًا﴾. ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا﴾.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَنِيئًا لَنَا شَهْرَ الصِّيَامِ، إِذْ يُنَادِي فِيهِ المُنَادِي: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ.
فَهَلُمُّوا إلى رَبٍّ غَفُورٍ رَحِيمٍ، يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا.
هَلُمُّوا إلى رَبٍّ كَرِيمٍ خَاطَبَنَا بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. وَبِقَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
وَبِقَوْلِهِ في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
سُـبْحَانَ مَنْ يَعْفُو وَنَهْفُو دَائِمًا *** وَلَمْ يَــزَلْ مَهْمَا هَفَا العَبْدُ عَفَا
يُعْطِي الذي يُخْطِي وَلَا يَمْنَعُهُ *** جَلَالُهُ عَنِ العَطَا لِذِي الخَطَا
اللَّهُمَّ هَنِّئْنَا بِرَمَضَانَ، وَاجْعَلْهُ رَحْمَةً عَلَى البَشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ. آمين.
** ** **
تاريخ الكلمة:
الجمعة: 1/ رمضان /1441هـ، الموافق: 24/ نيسان / 2020م
هَا نَحْنُ في شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، شَهْرِ المَوْلِدِ الشَّرِيفِ، حَيْثُ يَحْتَفِلُ المُسْلِمُونَ في بُيُوتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَفي بُيُوتِهِمْ، وَيَجْمَعُونَ النَّاسَ عَلَى الإِنْشَادِ وَالمَدِيحِ، وَتَوْزِيعِ الحَلْوَى، وَجَعْلِ المَوَائِدِ؛ ... المزيد
مَنْ عَرَفَ حَقِيقَةَ الدُّنْيَا فَلَنْ يَحْزَنَ، خُلِقَتِ الدُّنْيَا وَنَعِيمُهَا مَمْزُوجٌ بِالأَكْدَارِ، فَكَيْفَ بِأَكْدَارِهَا؟! قَالَ تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ ... المزيد
الرِّفْقُ وَاللِّينُ مَا وُجِدَا في شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَمَا فُقِدَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ، فَاللِّينُ في الكَلَامِ وَالْتِزَامُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾. وَقَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا ... المزيد
هَذِهِ أَيَّامُ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ قَدْ أَقْبَلَتْ، فَاسْمَعُوا إلى هَدْيِ حَبِيبِكُمُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى ... المزيد
إِنَّ حَيَاةَ الإِنْسَانِ مَحْدُودَةُ الآجَالِ، وَأَيَّامَهُ وَلَيَالِيَهُ تَمْضِي سَرِيعَةً إلى الزَّوَالِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا يَنْتَقِلُ مِنْ حَالٍ إلى حَالٍ، وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ في كِتَابِهِ العَظِيمِ: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا ... المزيد
هَا هُوَ يَوْمُ العِيدِ قَدْ جَاءَ بَعْدَ طَاعَةٍ عَظِيمَةٍ، بَعْدَ رُكْنٍ عَظِيمٍ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، كَيْفَ لَا يَأْتِي يَوْمُ عِيدٍ بَعْدَ انْتِهَاءِ شَهْرٍ عَظِيمٍ مُبَارَكٍ أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ، الذي هُوَ سِرُّ سَعَادَتِنَا؟ ... المزيد