170ـ كيف القدوم على الله تعالى؟

170ـ كيف القدوم على الله تعالى؟

كلمة شهر ربيع الثاني 1442

170ـ كيف القدوم على الله تعالى؟

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: نَحْنُ نَعِيشُ أَيَّامًا كَثُرَتْ فِيهَا الغَفْلَةُ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَثُرَ فِيهَا الاشْتِغَالُ بِالآخَرِينَ، وَنَسِينَا أَنْفُسَنَا إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ تعالى.

هَلَّا خَلَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا بِنَفْسِهِ يَوْمًا فَحَاسَبَهَا حِسَابًا شَدِيدًا عَمَّا بَدَرَ مِنْهَا مِنَ الأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ؟

هَلْ حَاوَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا أَنْ يَعُدَّ سَيِّئَاتِهِ كَمَا يَعُدُّ حَسَنَاتِهِ؟

هَلْ تَذَكَّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا إِسَاءَتَهُ للآخَرِينَ، كَمَا يَتَذَكَّرُ إِحْسَانَهُ للآخَرِينَ؟ وَهَلْ تَذَكَّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا إِحْسَانَ الآخَرِينَ لَهُ، كَمَا يَذْكُرُ إِحْسَانَهُ للآخَرِينَ؟

هَلْ تَأَمَّلْنَا طَاعَاتِنَا التي نَفْتَخِرُ بِذِكْرِهَا، هلْ فِيهَا الإِخْلَاصُ للهِ تعالى، أَمِ الرِّيَاءُ وَالسُّمْعَةُ وَالشُّهْرَةُ؟

كَيْفَ القُدُومُ عَلَى اللهِ تعالى؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ حُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ، وَحُفَّتِ الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ وَالأَخْطَارِ، هَلَّا فَكَّرْنَا كَيْفَ يَكُونُ القُدُومُ عَلَى اللهِ تعالى وَنَحْنُ مُحَمَّلُونَ بِالذُّنُوبِ وَالآثَامِ وَالأَوْزَارِ؟

هَلَّا تَذَكَّرْنَا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾؟

لِنَذْكُرْ جَمِيعًا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾.

وَلْنَذْكُرْ قَوْلَ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ، يَوْمَ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ. رواه ابن أبي شيبة.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ مَدَحَ اللهُ تعالى أَهْلَ طَاعَتِهِ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾.

روى الترمذي عَنْ السيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾؟

قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟

قَالَ: «لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا تُقْبَلَ مِنْهُمْ ﴿أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ سَلَفُنَا الصَّالِحُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ يَتَقَرّبُونَ إلى اللهِ تعالى بِالطَّاعَاتِ، وَيُسَارِعُونَ فِيهَا بِأَنْوَاعِ القُرُبَاتِ، وَيُحَاسِبُونَ أَنْفُسَهُمْ عَلَى الزَّلَّاتِ، ثُمَّ يَخَافُونَ أَلَّا يَتَقَبَّلَ اللهُ تعالى أَعْمَالَهُمْ.

روى أبو يعلى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ابْكُوا، فَإِنْ لَمْ تَبْكُوا فَتَبَاكَوْا، فَإِنَّ أَهْلَ النَّارِ يَبْكُونَ فِي النَّارِ حَتَّى تَسِيلَ دُمُوعُهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ كَأَنَّهَا جَدَاوِلُ، حَتَّى تَنْقَطِعَ الدُّمُوعُ، فَتَسِيلَ ـ يَعْنِي الدِّمَاءَ ـ فَتُقَرِّحَ الْعُيُونَ، فَلَوْ أَنَّ سُفُنًا أُرْخِيَتْ فِيهَا لَجَرَتْ».

وَكَانَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: يَا لَيْتَنِي شَجَرَةٌ تُعْضَدُ ثُمَّ تُؤْكَلُ. رواه ابن أبي الدنيا.

وروى الحاكم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا﴾ حَتَّى خَتَمَهَا، ثُمَّ قَالَ: «إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ، وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ، أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحَقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ قَدْرِ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا مَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا للهِ، وَاللهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَاللهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي شَجَرَةٌ تُعْضَدُ».

وَهَذَا سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَسْمَعُ رَجُلَاً يَقْرَأُ: ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ﴾.

فَجَعَلَ يَبْكِي حَتَّى اشْتَدَّ بُكَاؤُهُ، ثُمَّ خَرَّ يَضْطَرِبُ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ.

فَقَالَ: دَعُونِي، فَإِنِّي سَمِعْتُ قَسَمَ حَقٍّ مِنْ رَبِّي. رواه ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنِ الشَّعْبِيِّ.

وَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: مَصَّرَ اللهُ بِكَ الأَمْصَارَ، وَفَتَحَ بِكَ الفُتُوحَ وَفَعَلَ.

فَقَالَ عُمَرُ: وَدِدْتُ أَنِّي أَنْجُو لَا أَجْرَ وَلَا وِزْرَ.

وَهَذَا سَيِّدُنَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، كَانَ يَقُولُ: لَوْ أَنِّي بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَلَا أَدْرِي إِلَى أَيَّتِهِمَا يُؤْمَرُ بِي لَاخْتَرْتُ أَنْ أَكُونَ رَمَادًا قَبْلَ أَنْ أَعْلَمَ إِلَى أَيَّتِهِمَا أَصِيرُ. /حلية الأولياء.

وَهَذَا سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ كَثِيرَ البُكَاءِ، وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اتِّبَاعُ الْهَوَى، وَطُولُ الْأَمَلِ، أَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فَإِنَّهُ يَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ، وَأَمَّا طُولُ الْأَمَلِ فَيُنْسِي الْآخِرَةَ. رواه البيهقي.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 1/ ربيع الثاني /1442هـ، الموافق: 16/ تشرين الثاني / 2020م

 2020-11-19
 1433
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

09-04-2024 88 مشاهدة
212ـ كيف تستقبل العيد أنت؟

هَا هُوَ يَوْمُ العِيدِ قَدْ جَاءَ بَعْدَ طَاعَةٍ عَظِيمَةٍ، بَعْدَ رُكْنٍ عَظِيمٍ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، كَيْفَ لَا يَأْتِي يَوْمُ عِيدٍ بَعْدَ انْتِهَاءِ شَهْرٍ عَظِيمٍ مُبَارَكٍ أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ، الذي هُوَ سِرُّ سَعَادَتِنَا؟ ... المزيد

 09-04-2024
 
 88
13-03-2024 255 مشاهدة
211ـ القرآن أنيسنا

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ شَهْرُ الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ... المزيد

 13-03-2024
 
 255
09-02-2024 502 مشاهدة
210ـ انظر عملك في شهر شعبان

أَخْرَجَ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ. قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ ... المزيد

 09-02-2024
 
 502
13-01-2024 302 مشاهدة
209ـ اغتنام ليل الشتاء

الدُّنْيَا دَارُ عَمَلٍ، وَفُرْصَةُ تَزَوُّدٍ لِيَوْمِ الرَّحِيلِ، قَالَ تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾.  الأَيَّامُ تَتَعَاقَبُ وَتَتَوَالَى، وَهَا نَحْنُ في الشِّتَاءِ، فَلْنَسْمَعْ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ ... المزيد

 13-01-2024
 
 302
14-12-2023 442 مشاهدة
208ـ ماذا جرى لهذه الأمة؟

مَاذَا جَرَى لِهَذِهِ الأُمَّةِ؟ هَلْ تَفْقِدُ ذَاكِرَتَهَا وَتَجْلِسُ مَعَ عَدُوِّهَا تَبْحَثُ عَنْ سَلَامٍ وَعُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ؟ يَذْبَحُهَا عَدُوُّهَا بِالأَمْسِ، فَتَمُدُّ لَهُ ذِرَاعَ المُصَافَحَةِ اليَوْمَ. يَصْفَعُهَا بِالأَمْسِ، ... المزيد

 14-12-2023
 
 442
16-11-2023 545 مشاهدة
207ـ لا تزال الأمة تبتلى

مَاذَا يَقُولُ الإِنْسَانُ المُسْلِمُ، وَمَاذَا يَفْعَلُ وَالمَجَازِرُ الدَّمَوِيَّةُ تُرْتَكَبُ عَلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ وَفي غَزَّةَ خَاصَّةً شَمَلَتِ الشُّيُوخَ وَالنِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ الضُّعَفَاءَ وَالآمِنِينَ، وَالعَالَمُ كُلُّهُ ... المزيد

 16-11-2023
 
 545

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412979608
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :