172ـ العلاقة بين الرجولة وتعلق القلب بالمساجد

172ـ العلاقة بين الرجولة وتعلق القلب بالمساجد

كلمة شهر جمادى الآخرة 1442

172ـ العلاقة بين الرجولة وتعلق القلب بالمساجد

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: في هَذَا الوَسَطِ الذي نَعِيشُهُ هَلَّا تَفَقَّدْنَا قُلُوبَنَا في أَيِّ شَيْءٍ تَعَلَّقَتْ؟

السَّعِيدُ مَنْ تَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِالمَسَاجِدِ، لِأَنَّ القُلُوبَ إِذَا تَعَلَّقَتْ بِالمَسَاجِدِ ازْدَادَتْ إِيمَانًا وَهُدًى وَتَقْوَى؛ في المَسَاجِدِ يَتَرَبَّى الرِّجَالُ الكُمَّلُ، في المَسَاجِدِ تَكْمُلُ الشَّخْصِيَّاتُ، في المَسَاجِدِ يُصَحِّحُ العَبْدُ سَيْرَهُ إلى اللهِ تعالى، في المَسَاجِدِ يَزْدَادُ قُرْبًا مِنَ اللهِ تعالى وَطَاعَتِهِ، وَبُعْدًا عَنْ مَعْصِيَتِهِ وَمُخَالَفَتِهِ.

المسَاجِدُ مَصَانِعُ الرِّجَالِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: المسَاجِدُ هِيَ مَصَانِعُ الرِّجَالِ، لِأَنَّ المَسَاجِدَ تُرَبِّي رِجَالًا صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ تعالى عَلَيْهِ، وَمِنْهَا تَنْهضُ الأَجْيَالُ، فَالمُؤْمِنُ الحَقُّ تَرَى قَلْبَهُ مُعَلَّقًا بِالمَسَاجِدِ.

يَقُولُ اللهُ تعالى عَنِ المَسَاجِدِ: ﴿يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ﴾. لَيْسُوا ذُكُورًا فَحَسْبُ، وَلَكِنَّهُمْ رِجَالٌ، لِأنَّ كَلِمَةَ الرَّجُلِ تَحْمِلُ مَعْنَيَيْنِ: الأَوَّلُ: ذَكَرٌ، وَالثَّانِي: رَجُلٌ مُكْتَمِلُ الرُّجُولَةِ.

وَلِذَلِكَ لَا تَأْتِي كَلِمَةُ ﴿رِجَالٌ﴾ في القُرْآنِ وَلَا في السُّنَّةِ إِلَّا وَتَعْنِي رِجَالًا عِظَامًا، قَالَ تعالى فِيهِمْ: ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.

وَقَالَ فِيهِمْ: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ﴾.

وَقَالَ تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا﴾.

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ» وَعَدَّ مِنْهُمْ: «وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. فَالرِّجَالُ هُمُ الذينَ اكْتَمَلَتْ رُجُولَتُهُمْ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا أَنْ يَتَفَقَّدَ قَلْبَهُ، أَيْنَ تَعَلُّقُهُ؟ هَلْ قَلْبُهُ مُتَعَلِّقٌ بِالمَسَاجِدِ، أَمْ بِزِينَةِ الدُّنْيَا وَمَتَاعِهَا وَزَخَارِفِهَا؟

كَمِ الفَارِقُ كَبِيرٌ بَيْنَ رَجُلٍ في تِجَارَتِهِ وَزِينَةِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَقَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالمَسَاجِدِ لَا تُلْهِيهِ التِّجَارَةُ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ؛ وَبَيْنَ رَجُلٍ هُوَ في صَلَاتِهِ وَقَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِحُطَامِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا؟

يَا حَسْرَةً عَلَى أَصْحَابِ القُلُوبِ الغَافِلَةِ عَنِ اللهِ تعالى، مَا هُمْ قَائِلُونَ للهِ تعالى عِنْدَمَا يَسْأَلُهُمْ عَنْ قُلُوبِهِمْ: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا﴾؟

وَاقِعُنَا مَرِيرٌ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَاقِعُنَا مَرِيرٌ، لَقَدْ كَانَ سَلَفُنَا الصَّالِحُ مُحَافِظًا عَلَى أَوْقَاتِ السَّحَرِ، وَشُهُودِ صَلَاةِ الفَجْرِ خَاصَّةً في جَمَاعَةٍ؛ أَمَّا اليَوْمَ فَقَدْ تَعَلَّقَتِ القُلُوبُ بِزَخَارِفِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَنَسِيَ الكَثِيرُ وَقْتَ السَّحَرِ، وَتَنَاسَوْا صَلَاةَ الفَجْرِ في جَمَاعَةٍ، وَإِنْ ذَكَّرْتَهُمْ بِهَا في الشِّتَاءِ قَالُوا لَكَ: البَرْدُ شَدِيدٌ، وَإِنْ ذَكَّرتَهُمْ في الصَّيْفِ قَالُوا لَكَ: اللَّيْلُ قَصِيرٌ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِتَعَلُّقِ القَلْبِ بِالدُّنْيَا، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَلُمُّوا لِمُجَاهَدَةِ أَنْفُسِنَا، وَالْتِزَامِ بُيُوتِ اللهِ تعالى بُكْرَةً وَعِشِيَّا، سَائِلِينَ المَوْلَى أَنْ يَجْعَلَنَا مِنَ الرِّجَالِ الذينَ قَالَ اللهُ تعالى فِيهِمْ: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾.

لَا نُغَيِّرُ ولَا نُبَدِّلُ مَا كَانَ عَلَيْهِ سَلَفُنَا الصَّالِحُ، وَخَاصَّةً شُهُودَ صَلَاةِ الفَجْرِ في جَمَاعَةٍ.

أَمْرُ صَلَاةِ الفَجْرِ عَظِيمٌ، لَقَدْ جَعَلَهَا اللهُ تعالى مُنْفَرِدَةً، وَتَشْهَدُهَا المَلَائِكَةُ، روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ، وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ».

وروى الإمام مسلم عَنْ جُنْدَبٍ الْقَسْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللهِ، فَلَا يَطْلُبَنَّكُمُ اللهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ يُدْرِكْهُ، ثُمَّ يَكُبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ».

لِتَحْذَرْ يَا أَخِي المُسْلِمَ مِنْ فَوَاتِ صَلَاة الفَجْرِ في جَمَاعَةٍ، وَذَلِكَ لِمَا روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ، وَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ، فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ».

اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ وَالأَبْصَارِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ، وَاجْعَلْ قُلُوبَنَا قُلُوبَ رِجَالٍ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 1/ جمادى الآخرة /1442هـ، الموافق: 14/ كانون الثاني / 2021م

 2021-01-14
 1366
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

24-06-2025 148 مشاهدة
227ـ أجلنا محتوم

وَدَّعْنَا عَامًا هِجْرِيًّا مَضَى مِنْ عُمُرِنَا وَاسْتَقْبَلْنَا عَامًا هِجْرِيًّا جَدِيدًا، لَا نَدْرِي أَيَنْتَهِي فِيهِ أَجَلُنَا أَمْ لَا. عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ عِلْمَ الْيَقِينِ أَنَّ الْمَوْتَ حَتْمٌ لَازِمٌ لَا مَنَاصَ مِنْهُ لِكُلِّ ... المزيد

 24-06-2025
 
 148
27-05-2025 203 مشاهدة
226ـ هل من مغتنم؟

هَذِهِ العَشْرُ قَدْ أَقْبَلَتْ، وَأَبْوَابُ التَّنَافُسِ فِيهَا قَدْ فُتِحَتْ، فَهَلْ مِنْ مُنَافِسٍ فِي الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي يُحِبُّهَا اللهُ تَعَالَى؟ فَالأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ الَّتِي يُحِبُّهَا اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الأَيَّامِ ... المزيد

 27-05-2025
 
 203
30-04-2025 236 مشاهدة
225ـ لا تحزنوا فالله معكم

الإِيمَانُ الحَقِيقِيُّ يُخْرِجُ العَبْدَ مِنَ الشَّدَائِدِ وَالمِحَنِ وَالكُرُوبِ، وَيَجْعَلُهُ فِي حَالَةِ ارْتِبَاطٍ بِاللهِ تَعَالَى وَاليَوْمِ الآخِرِ، الإِيمَانُ هُوَ دِرْعُ وَسِلَاحُ وَمَنَارُ المُؤْمِنِ وَقْتَ الشَّدَائِدِ القَاسِيَةِ، ... المزيد

 30-04-2025
 
 236
06-04-2025 368 مشاهدة
224ـ ما أجمل الأتقياء وأكرمهم

مَا أَجْمَلَ الأَتْقِيَاءَ وَأَكْرَمَهُمْ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، تَآلَفَتْ قُلُوبُهُمْ فِي اللهِ تَعَالَى وَعَلَى طَاعَتِهِ، وَهَذَا مِنْ فَضْلِ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، قَالَ تَعَالَى: ﴿فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ ... المزيد

 06-04-2025
 
 368
04-03-2025 414 مشاهدة
223ـ اعتبروا الناس بأعمالهم

مَنْ حُجِبَ عَنِ العِلْمِ عَذَّبَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى جَهْلِهِ، وَأَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا مَنْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ العِلْمُ فَأَدْبَرَ عَنْهُ، وَسَاقَ اللهُ إِلَيْهِ الهُدَى فَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ ... المزيد

 04-03-2025
 
 414
08-01-2025 1025 مشاهدة
221ـ نموذجان من المسلمين اليوم

الإِنْسَانُ خُلِقَ لِلْجَنَّةِ، وَالجَنَّةُ خُلِقَتْ لَهُ، وَالجَنَّةُ هِيَ سِلْعَةٌ، وَسِلْعَةُ اللهِ غَالِيَةٌ، وَثَمَنُهَا فِي الدُّنْيَا؛ فَمَا هُوَ ثَمَنُ الجَنَّةِ؟ ثَمَنُ الجَنَّةِ هُوَ العِبَادَةُ للهِ تعالى، وَالإِسْلَامُ عَقَائِدُ ... المزيد

 08-01-2025
 
 1025

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5701
المقالات 3236
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 424832231
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :