6ـ جبينه الشريف   

6ـ جبينه الشريف   

6ـ جبينه الشريف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

يَقُولُ سَيِّدُنَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:

وَأَجْمَلَ مِنْكَ لَمْ تَرَ قَطُّ عَيْنِي   ***   وَأَفْضَلَ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النِّسَاءُ

خُـلِقْتَ مُبَرَّأً مِنْ كُلِّ عَيْبٍ   ***   كَأَنَّكَ قَدْ خُلِقْتَ كَمَا تَـشَاءُ

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: اَلْجَبِينُ: هُوَ مَا اكْتَنَفَ الْجَبْهَةَ مِنْ جِهَةِ الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ، وَهُوَ غَيْرُ الْجَبْهَةِ، فَالْجَبْهَةُ بَيْنَ جَبِينَيْنِ.

وَلَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَاسِعَ الْجَبِينِ، فِي اسْتِوَاءٍ وَامْتِدَادٍ طُولًا وَعَرْضًا، فِي تَنَاغُمٍ وَتَلَاؤُمٍ بَدِيعٍ.

مَعَ تَقَاسِيمِ وَجْهِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

يَقُولُ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَمَا رَوَاهُ ابنُ عَسَاكِرَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَلْتَ الْجَبِينِ؛ وَصَلْتُ الْجَبِينِ بِمَعْنى: وَاسِعُ الْجَبِينِ، وَقِيلَ: بَارِزُ الْجَبِينِ، وَقِيلَ: أَمْلَسُ الْجَبِينِ.

وَكُلُّ هَذِهِ المَعَانِي شَمَلَتْهَا جَبْهَتُهُ وَجَبِينُهُ الْجَمِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَعَنْ سيِّدِنَا أَبِي هُرَيْرَةٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَسْيَلَ الْجَبِينِ ـ أَيْ: المُسْتَوِي ـ رواه معمر بن راشد.

وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُفَاضَ الْجَبِينِ ـ أَيْ وَاسِعَهُ ـ رواه الإمام البخاري في الأَدَبِ المُفْرَدِ.

وفي رِوَايَةٍ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَاسِعَ الْجَبِينِ. رواه البيهقي.

وَالْعَرَبُ تَحْمَدُ سَعَةَ الْجَبِينِ وَتَمْتَدِحُهَا، وَهِيَ صِفَةُ جَمَالٍ عِنْدَ أَصْحَابِ الذَّوْقِ السَّلِيمِ، يَقُولُ الْقَلْقْشَنْدِيُّ وَهُوَ يَمْدَحُ جَمَالَ الْجَبْهَةِ وَالْجَبِينِ عِنْدَ الْعَرَبِ: وُضُوحُ الْجَبِينِ، وَسَعَةُ الْجَبْهَةِ، وَانْحِسَارُ الشَّعْرِ عَنْهَا، فَيُسْتَقْبَحُ الْغَمَمُ، وَهُوَ عُمُومُ الْجَبْهَةِ أَوْ بَعْضِهَا بِشَعْرِ الرَّأْسِ.

وَلَقَدْ وَصَفَتْهُ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فَقَالَتْ: كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَجْلَى الْجَبْهَةِ، إِذَا طَلَعَ جَبِينُهُ مِنْ بَيْنِ الشَّعْرِ، أَوْ طَلَعَ فِي فَلَقِ الصُّبْحِ، أَوْ عِنْدَ طَفَلِ اللَّيْلِ ـ إِقْبَالِ اللَّيْلِ عَلَى النَّهَارِ بِظُلْمَتِهِ ـ أَوْ طَلَعَ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّاسِ، تَرَاءَوْا جَبِينَهُ كَأَنَّهُ ضَوْءُ السِّرَاجِ المُتَوَقِّدِ يَتَلَأْلَأُ. رواه البيهقي

هَذَا الْجَبِينُ المُبَارَكُ: لَمَّا انْتَفَضَ عَرَقًا تَوَلَّدَ لُؤْلُؤًا، تَقُولُ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: كُنْتُ قَاعِدَةً أَغْزِلُ، وَالنَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ، فَجَعَلَ جَبِينُهُ يَعْرَقُ وَجَعَلَ عَرَقُهُ يَتَوَلَّدُ نُورًا، فَبُهِتُّ، فَنَظَرَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا لَكِ يَا عَائِشَةُ بُهِتِّ؟».

قُلْتُ: جَعَلَ جَبِينُكَ يَعْرَقُ، وَجَعَلَ عَرَقُكَ يَتَوَلَّدُ نُورًا.

هَذَا الْجَبِينُ الْمُبَارَكُ: شَهِدَ ثِقَلَ كَلَامِ الْمَوْلَى وَهُوَ يَتَنَزَّلُ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، تَقُولُ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الوَحْيُ فِي اليَوْمِ الشَّدِيدِ البَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ، وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا. رواه الإمام البخاري.

وَقَدْ خَالَطَتْ جُزْئِيَّاتُ الأَرْضِ جَبْهَتَهُ الشَّرِيفَةَ تَعْبِيرًا عَنْ صِدْقِ عُبُودِيَّتِهِ، وَتَوَاضُعِ حَضْرَتِهِ؛ فَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَسْجَدَ الْعَابِدِينَ، وَأَعْبَدَ السَّاجِدِينَ، يَقُولُ سَيِّدُنَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ فيِ الْمَاءِ وَالطِّينِ حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي جَبِينِهِ. رواه الشيخان.

وَعَلَى مَلْمَسِ هَذَا الجَبِينِ المُبَارَكِ، وَالْجَبْهَةِ الثَّنِيَّةِ، يَكُونُ الْعَطَاءُ الْأَعْظَمُ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي الْقِيَامَةِ شَفَاعَةً لِأَهْلِ الْمَحْشَرِ، كَمَا جَاءَ فيِ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ: «فَيَأْتُونِي فَأَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَهُ. رواه الشيخان.

صِفَةُ حَاجِبَيْهِ المُبَارَكَيْنِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَزَجَّ الحَاجِبَيْنِ ـ أَيْ: لَهُ حَاجِبَانِ غَزِيرَا الشَّعْرِ ـ طَالَ طَرَفَاهُمَا، وَامْتَدَّا إِلَى مُؤَخَّرِ الْعَيْنِ، مِنْ غَيْرِ قَرَنٍ، حَتَّى كَأَنَّهُمَا خُطَّا بِقَلَمٍ، وَهَذَانِ الْحَاجِبَانِ قَوِيَّانِ، وَرَقِيقَانِ، مَعَ تَقَوُّسٍ بَدِيعٍ فِيهِمَا، وَمُتَّصِلَانِ اتِّصَالًا خَفِيفًا لَا يَكَادُ يُرَى اتِّصَالُهُمَا  ـ لِلْأَنْوَارِ الْمُحَمَّدِيَّةِ ـ إِلَّا إِذَا كَانَ مُسَافِرًا؛ وَذَلِكَ بِسَبَبِ غُبَارِ السَّفَرِ.

تَقُولُ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَزَجَّ الْحَاجِبَيْنِ، سَابِغَهُمَا مِنْ غَيْرِ قَرَنٍ بَيْنَهُمَا، وَكَانَ أَبْلَجَ مَا بَيْنَ الْحَاجِبَيْنِ، حَتَّى كَأَنَّ مَا بَيْنَهُمَا الْفِضَّةُ الْخَالِصَةُ، بَيْنَهُمَا عِرْقٌ يُدِرُّهُ الْغَضَبُ، لَا يُرَى ذَلِكَ الْعِرْقُ إِلَّا أَنْ يُدِرَّهُ الْغَضَبُ. رواه البيهقي.

يَقُولُ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ فِي صِفَةِ حَاجِبَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أَزَجُّ فِي غَيْرِ قَرَنْ إِذَا غَضِبْ   ***   بَيْنَهُمَا عِرْقٌ يُدِرُّهُ الْغَضَبْ

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعلى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: حَاجِبَانِ: للهِ دَرُّهُمَا...مَا أَبْدَعَ تَقَوُّسَهُمَا، وَمَا أَجْمَلَ سِحْرَهُمُا، وَمَا أَلْطَفَ اتِّصَالَهُمَا، حَكَيَا قِصَّةَ الرِّضَا وَالْغَضَبِ فِي تَرَاسُمِهِمَا.

اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِرُؤْيَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

تاريخ الكلمة

**    **    **

الأربعاء: 20/ رجب /1442هـ، الموافق: 3/ آذار / 2021م

الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  أجمل العالمين خَلقًا ﷺ

19-01-2024 680 مشاهدة
24ـ كفه الشريفة صلى الله عليه وسلم

كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذَا كَفٍّ عَظِيمَةٍ، مَبْسُوطَةٍ صُورَةً وَخِلْقَةً، أَلْيَنَ مِنَ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، تَمِيلُ إِلَى الْغِلَظِ وَالْقِصَر، اجْتَمَعَ لَهَا مَعَ اللِّينِ ... المزيد

 19-01-2024
 
 680
04-08-2023 579 مشاهدة
23ـ ذراعاه الشريفتان صلى الله عليه وسلم

كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذِرَاعَانِ طَوِيلَتَانِ، فِي تَنَاسُبٍ مَعَ بَاقِي أَعْضَاءِ جَسَدِهِ الشَّرِيفِ، طَالَ زِنْدَاهَا، وَامْتَدَّ سَاعِدَاهَا، وَعَلَاهَا شَعْرٌ كَثِيفٌ. وَمِمَّا ... المزيد

 04-08-2023
 
 579
09-06-2023 566 مشاهدة
22ـ عرقه الشريف وطيب رائحته صلى الله عليه وسلم

إِنَّنَا نَتَحَدَّثُ عَنْ خَيْرِ خَلْقِ اللهِ، وَلَهُ مِنَ الْخَصَائِصِ مَا لَمْ تَكُنْ لِغَيْرِهِ، وَمِنْهَا إِفْرَازَاتُ عَرَقِهِ المُبَارَكَةِ؛ فَقِفْ عِنْدَ حُدُودِ الأَدَبِ، وَاسْتَشْعِرْ طِيبَ الْحَبِيبِ المحبَّبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ ... المزيد

 09-06-2023
 
 566
11-05-2023 698 مشاهدة
21ـ إبطه الشريفة صلى الله عليه وسلم

تَنْبِيهٌ للنَّبِيهِ: مَنْ نَتَكَلَّمُ عَنْهُ، وَنَصِفُ جَسَدَهُ وَشَكْلَهُ، هُوَ سَيِّدُ الْعَالَمِينَ، وَحَبِيبُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، حَبِيبُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى ... المزيد

 11-05-2023
 
 698
13-01-2023 648 مشاهدة
20ـ بطنه الشريف صلى الله عليه وسلم

لَمْ تَكُنْ بَطْنُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَبِيرَةً فَتَعِيبَهُ، وَإِنَّمَا كَانَتْ سَوَاءً بِصَدْرِهِ. تَقُولُ السَّيِّدَةُ أُمُّ مَعْبَدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا في وَصْفِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ ... المزيد

 13-01-2023
 
 648
22-12-2022 581 مشاهدة
19ـ صدره الشريف صلى الله عليه وسلم

كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَرِيضَ الصَّدْرِ، مَمْسُوحَهُ، كَأَنَّهُ المِرْآةُ فِي اسْتِوَائِهَا وَشِدَّتِهَا، وَقَدِ امْتَلَأَ الصَّدْرُ الشريف لَحْمًا؛ فَلَا هُوَ بِالْبَدِنِ السَّمِينِ، ... المزيد

 22-12-2022
 
 581

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5701
المقالات 3235
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 424692700
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :