35ـ عرض الأعمال على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ سَيِّدِي الشَّيْخُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ في كِتَابِهِ (الإِيمَانِ بِعَوَالِمِ الآخِرَةِ وَمَوَاقِفِهَا):
عَرْضُ الأَعْمَالِ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ
قَالَ اللهُ تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.
وَجَاءَ في الأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَعْمَالَ المُؤْمِنِينَ تُعْرَضُ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
فَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «حَيَاتِي خَيْرٌ لَكَمْ، تُحْدِثُونَ وَيُحَدَثُ لَكَمْ (أَيْ: تُحْدِثُونَ أَقْوَالًا وَأَعْمَالًا، وَيُحْدَثُ لَكُمْ أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ، فِيهَا بَيَانُ مَا يَجُوزُ وَمَا لَا يَجُوزُ) وَوَفَاتِي خَيْرٌ لَكَمْ تُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالُكُمْ، فَمَا رَأَيْتُ مِنْ خَيْرٍ حَمِدْتُ اللهَ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْ شَرٍّ اسْتَغْفَرْتُ اللهَ لَكَمْ﴾. هَكَذَا أَوْرَدَهُ الحَافِظُ العِرَاقِيُّ في شَرْحِ التَّقْرِيبِ بِنَصِّهِ، وَقَالَ: رواه أبو بكر البزَّار في مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. اهـ.
وأَوْرَدَهُ في الجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ سَعْدٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ مُرْسَلًا، وَقَالَ الحَافِظُ الهَيْثَمِيُّ: رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ.
فَأَعْمَالُ المُؤْمِنِينَ تُعْرَضُ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَالحِكْمَةُ في ذَلِكَ كَمَا بَيَّنَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ مَا كَانَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ خَيْرًا حَمِدَ اللهَ تعالى، وَفَرِحَ بِهَا، وَبَاهَى بِهَا في ذَلِكَ العَالَمِ، وَمَا كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ هَنَاتٍ وَسَيِّئَاتٍ اسْتَغْفَرَ اللهَ تعالى لَهُمْ.
وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ هَذَا الحَدِيثِ، وَبَيْنَ مَا جَاءَ في حَدِيثِ الحَوْضِ، حَيْثُ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَيُرْفَعَنَّ إِلَيَّ رِجَالٌ مِنْكُمْ، حَتَّى إِذَا أَهْوَيْتُ لِأُنَاوِلَهُمْ اخْتُلِجُوا دُونِي.
فَأَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَصْحَابِي.
يَقُولُ: لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ.
فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي».
كَمَا جَاءَ في الصَّحِيحَيْنِ، فَإِنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى المُرْتَدِّينَ، الذينَ ارْتَدُّوا بَعْدَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ دِينِهِمْ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: «سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي».
وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بَعْدَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَعْمَالُ الكُفَّارِ مِنْ أُمَّتِهِ لَا تُعْرَضُ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، إِذْ لَا فَائِدَةَ لِعَرْضِهَا، لِأَنَّ الحِكْمَةَ في هَذَا العَرْضِ فَرَحُهُ وَمُبَاهَاتُهُ بِأَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ، وَاسْتِغْفَارُهُ لِأَعْمَالِهِمُ السَّيِّئَةِ.
وَيَدُلُّكَ عَلَى هَذَا قَوْلُ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، كَمَا في البُخَارِيِّ: إِذَا أَعْجَبَكَ حُسْنُ عَمَلِ امْرِئٍ فَقُلْ: ﴿اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤْمِنُونَ﴾.
وَمِنْ جُمْلَةِ مَا يُعْرَضُ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَيُسَرُّ وَيَفْرَحُ بِهِ صَلَوَاتُ المُصَلِّينَ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
روى ابن ماجه بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَكْثِرُوا الصَّلَاةَ عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؛ فَإِنَّهُ مَشْهُودٌ، تَشْهَدُهُ الْمَلَائِكَةُ، وَإِنَّ أَحَدًا لَنْ يُصَلِّيَ عَلَيَّ، إِلَّا عُرِضَتْ عَلَيَّ صَلَاتُهُ، حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا».
قَالَ: قُلْتُ: وَبَعْدَ الْمَوْتِ؟
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَبَعْدَ الْمَوْتِ، إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ، فَنَبِيُّ اللهِ حَيٌّ يُرْزَقُ».
قَالَ الحَافِظُ المُنْذِرِيُّ: رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، وَابْنُ حبانَ في صَحِيحِهِ، وَالحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
وَعَنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «حَيْثُمَا كُنْتُمْ فَصَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي».
قَالَ المُنْذِرِيُّ: رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.
وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ بَلَغَتْنِي صَلَاتُهُ، وَصَلَّيْتُ عَلَيْهِ، وَكُتِبَتْ لَهُ سِوَى ذَلِكَ عَشْرُ حَسَنَاتٍ».
قَالَ في التَّرْغِيبِ: رواه الطَّبَرَانِيُّ في الأَوْسَطِ بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ. اهـ.
** ** **
تاريخ الكلمة:
الخميس: 19/ شعبان /1442هـ، الموافق: 1/ نيسان / 2021م
ارسل إلى صديق |
وَأَمَّا مَا وَرَدَ في حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ مِنِ اعْتِذَارِ الخَلِيلِ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِسَبَبِ الكَذَبَاتِ، فَإِنَّمَا هِيَ كَذَبَاتٌ صُورَةً لَا حَقِيقَةً، لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ المَعَارِيضِ، وَقَدْ جَاءَ ... المزيد
يَقُولُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ سَيِّدِي الشَّيْخُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ في كِتَابِهِ (الإِيمَانِ بِعَوَالِمِ الآخِرَةِ وَمَوَاقِفِهَا): الوَجْهُ الثَّانِي: في الجَوَابِ عَمَّا وَرَدَ مِنْ نِسْبَةِ الذُّنُوبِ للأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ ... المزيد
أَوَّلًا: قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فِيهِ إِعْلَانٌ بِمَقَامِ سِيَادَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَإِعْلَامٌ لِجَمِيعِ ... المزيد
الشَّفَاعَةُ كَمَا قَالَ الحَافِظُ الزَّرْقَانِيُّ: هِيَ انْضِمَامُ الأَدْنَى ـ أَيْ: لُجُوءُهُ وَقَصْدُهُ ـ إلى الأَعْلَى، لِيَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى مَا يَرُومُهُ، أَيْ: في جَلْبِ مَنْفَعَةٍ، أَو دَفْعِ مَضَرَّةٍ عَنِ المَشْفُوعِ بِهِ. وَالشَّفَاعَةُ ... المزيد
سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَسْتَقْبِلُ أُمَّتَهُ عَلَى الحَوْضِ وَيَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ مِنْ بَيْنِ الأُمَمِ: ... المزيد
رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا، فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى المَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى المِنْبَرِ، ... المزيد