22ـ غزوة بدر، وجندي البركة (1)

22ـ غزوة بدر، وجندي البركة (1)

22ـ غزوة بدر، وجندي البركة (1)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ، مِنْ جُنُودِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ جُنْدِيُّ البَرَكَةِ، وَهُوَ تَضْخِيمُ النَّتِيجَةِ للفِعْلِ البَسِيطِ، تَعْمَلُ شَيْئًا في الأَصْلِ لَا يُؤَدِّي إلى نَتِيجَةٍ كَبِيرَةٍ، فَإِذَا بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ يُبَارِكُ في هَذَا العَمَلِ وَيُضَخِّمُهُ، وَيُضَخِّمُ أَثَرَهُ، حَتَّى تُصْبِحَ النَّتِيجَةُ هَائِلَةً.

إِنَّ أُمَّةً لَا تَقْرَأُ تَارِيخَهَا، لَا يُمْكِنُ أَنْ تَعْرِفَ حَاضِرَهَا، وَلَا أَنْ تُخَطِّطَ لِمُسْتَقْبَلِهَا، قَالَ تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى﴾.

وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تعالى لَنَا قَصَصَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ لِنَتَدَبَّرَ فِيهَا وَنَسْتَقِيَ مِنْهَا العِبَرَ، وَنَقْرَأَ بَيْنَ سُطُورِهَا وَثَنَايَاهَا الدُّرُوسَ التي كَتَبَهَا اللهُ تعالى في قَوَاعِدَ مُحْكَمَةٍ ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ ﴿كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.

وَقَضَى اللهُ سُبْحَانَهُ وتعالى أَنَّ الأَرْضَ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، وَكَمَا قَضَتْ حِكْمَتُهُ تعالى أَنْ قَطَعَ عَلَى ذَاتِهِ القُدْسِيَّةِ الوَعْدَ أَنَّهُ يُدَافِعُ عَنِ المُؤْمِنِينَ، وَرَبَطَ الشَّرْطَ بِالمَشْرُوطِ، فَقَالَ تعالى: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ﴾.

اقْرَأِ التَّارِيخَ إِذْ فِيهِ العِبَرْ   ***   ضَاعَ قَوْمٌ لَيْسَ يَدْرُونَ الخَبَرْ

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذِهِ الدُّنْيَا كُلُّهَا بِمَا فِيهَا مِنَ الأَحْدَاثِ دَرْسٌ وَعِبْرَةٌ، يَظْهَرُ للمُؤْمِنِ فِيهَا قَدَرُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ النَّافِذُ، وَحِكْمَتُهُ البَالِغَةُ، وَمَشِيئَتُهُ التي لَا يَرُدُّهَا شَيْءٌ، وَكَذَلِكَ تَظْهَرُ مِنْ خِلَالِهَا الصُّورَةُ الحَقِيقِيَّةُ لِأَسْبَابِ النَّصْرِ، وَالصُّورَةُ الحَقِيقِيَّةُ لِأَسْبَابِ الهَزِيمَةِ.

يَوْمُ بَدْرٍ، وَإِعْلَانُ النَّصْرِ قَبْلَ بَدْءِ المَعْرَكَةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنَ المَعْلُومِ أَنَّ الانْتِصَارَ لَا يُعْلَنُ قَبْلَ اللِّقَاءِ، وَأَنَّهُ في المَعَارِكِ المُهِمَّةِ يَبْقَى الجَزْمُ بِالنَّصْرِ وَالجَوْلَةِ الأَخِيرَةِ حَتَّى اللَّحَظَاتِ الأَخِيرَةِ غَيْرَ مَعْرُوفٍ، لَكِنْ في غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى المُمَيَّزَةِ أُعْلِنَ النَّصْرُ قَبْلَ بَدْءِ المَعْرَكَةِ بِسَنَوَاتٍ، قَالَ تعالى: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾. وَكَانَ هَذَا في مَكَّةَ المُكَرَّمَةِ، حَتَّى قَالَ فَارُوقُ الأُمَّةِ: أَيُّ جَمْعٍ سَيُهْزَمُ؟

جَاءَ يَوْمُ بَدْرٍ الأَغَرُّ، وَصُفَّتِ الصُّفُوفُ، وَتَعَيَّنَ اللِّقَاءُ، مَاذَا صَنَعَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

تَوَجَّهَ إلى اللهِ تعالى يُنَاشِدُهُ، وَيَسْأَلُ مَوْلَاهُ تَبَارَكَ وتعالى، وَيُلْحِفُ في المَسْأَلَةِ، وَيُلِحُّ في الدُّعَاءِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: «اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ» فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ.

فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ، فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ فَأَمَدَّهُ اللهُ بِالْمَلَائِكَةِ.

بَعْدَ الدُّعَاءِ وَالإِلْحَاحِ، أَخَذَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِحَفْنَةٍ مِنَ الحَصَى، وَرَمَى بِهَا في وَجْهِ المُشْرِكِينَ، رَوَى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَ كَفًّا مِنَ الْحَصْبَاءِ فَاسْتَقْبَلَنَا بِهِ، فَرَمَانَا بِهَا، وَقَالَ: «شَاهَتِ الْوُجُوهُ» فَانْهَزَمْنَا، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى﴾.

وَفي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَلِيٍّ: «نَاوِلْنِي كَفًّا مِنْ حَصْبَاءَ» فَنَاوَلَهُ، فَرَمَى بِهِ وُجُوهَ الْقَوْمِ، فَمَا بَقِي أَحَدٌ مِنَ الْقَوْمِ إِلَّا امْتَلَأَتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحَصْبَاءِ، فَنَزَلَتْ: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: صَدَقَ اللهُ تعالى القَائِلُ: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾. لَا تَقِسِ الأَمْرَ بِعَدَدِ جُنُودِكَ أَو بِأَسْلِحَتِكَ، أَو بِإِمْكَانِيَّاتِكَ إِذَا كُنْتَ نَصَرْتَ اللهَ تعالى، فَلِلَّهِ تعالى جُنُودٌ في السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ حِسِّيَّةٌ وَمَعْنَوِيَّةٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ.

مِنْ جُنُودِ اللهِ تعالى الرُّعْبُ، قَالَ تعالى: ﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ﴾.

مِنْ جُنُودِ اللهِ تعالى المَلَائِكَةُ، قَالَ تعالى: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾. جُنُودٌ لَا سَبِيلَ لِرُؤْيَتِهِمْ، وَلَا سَبِيلَ لِمُحَارَبَتِهِمْ.

مِنْ جُنُودِ اللهِ تعالى البَرَكَةُ، حَيْثُ يَجْعَلُ اللهُ تعالى مِنَ القَلِيلِ الكَثِيرَ.

رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ عُمَرَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَتَرَاءَيْنَا الْهِلَالَ (أَيْ: طَلَبْنَا رُؤْيَتَهُ) وَكُنْتُ رَجُلًا حَدِيدَ الْبَصَرِ، فَرَأَيْتُهُ وَلَيْسَ أَحَدٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَآهُ غَيْرِي، قَالَ: فَجَعَلْتُ أَقُولُ لِعُمَرَ، أَمَا تَرَاهُ؟ فَجَعَلَ لَا يَرَاهُ، قَالَ: يَقُولُ عُمَرُ: سَأَرَاهُ وَأَنَا مُسْتَلْقٍ عَلَى فِرَاشِي (يَعْنِي: جَعَلَ عُمَرُ يُطَالِعٌ في السَّمَاءَ وَلَكِنْ لَا يَرَاهُ، فَقَالَ بَعْدَ عَجْزِهِ عَنْ رُؤْيَتِهِ: سَأَرَاهُ وَأَنَا مُسْتَلْقٍ عَلَى فِرَاشِي، يَعْنِي سَأَرَاهُ بِلَا مَشَقَّةٍ بَعْدُ) ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا عَنْ أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُرِينَا مَصَارِعَ أَهْلِ بَدْرٍ، بِالْأَمْسِ، يَقُولُ: «هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا، إِنْ شَاءَ اللهُ».

قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا أَخْطَأوا الْحُدُودَ الَّتِي حَدَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَفي رِوَايَةٍ للإمام أحمد قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَخْطَأُوا تِيكَ، كَانُوا يُصْرَعُونَ عَلَيْهَا.

صَدَرَ قَرَارُ نَتِيجَةِ المَعْرَكَةِ قَبْلَ بَدْئِهَا، لَو لَمْ يَكُنْ يُوحَى إِلَيْهِ، فَمِنْ أَيْنَ يَعْلَمُ؟ إِذًا هُوَ بِحَقٍّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الأَمِينُ.

لَقَدْ تَيَقَّنَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالنَّصْرِ، لِأَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّ لَهُمْ قُلُوبًا مُؤْمِنَةً، وَجِبَاهًا سَاجِدَةً للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمُحِبَّةً للهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَآلِفَةً فِيمَا بَيْنَهُمْ خَالِصَةً لِوَجْهِ اللهِ تعالى، فَتَحَقَّقَتْ أَسْبَابُ النَّصْرِ، فَأَعْلَنَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ النَّصْرَ قَبْلَ بَدْءِ المَعْرَكَةِ، وَصَدَقَ مَنْ قَالَ فِيهِ: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَنْ يَتَصَوَّرُ حَفْنَةً مِنْ حَصْبَاءٍ تُصِيبُ جَيْشًا كَامِلًا، تُصِيبُ العُيُونَ وَالمَنَاخِرَ، وَهَذِهِ الحَفْنَةُ كَانَتْ مِنْ قَبْلِ الهِجْرَةِ كَذَلِكَ، رَوَى الإِمَامُ أَحْمَد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ الْمَلَأَ مِنْ قُرَيْشٍ اجْتَمَعُوا فِي الْحِجْرِ، فَتَعَاهَدُوا بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةِ الْأُخْرَى: لَوْ قَدْ رَأَيْنَا مُحَمَّدًا، قُمْنَا إِلَيْهِ قِيَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَلَمْ نُفَارِقْهُ حَتَّى نَقْتُلَهُ، قَالَ: فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَبْكِي حَتَّى دَخَلَتْ عَلَى أَبِيهَا، فَقَالَتْ: هَؤُلَاءِ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِكَ فِي الْحِجْرِ، قَدْ تَعَاهَدُوا: أَنْ لَوْ قَدْ رَأَوْكَ قَامُوا إِلَيْكَ فَقَتَلُوكَ، فَلَيْسَ مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا قَدْ عَرَفَ نَصِيبَهُ مِنْ دَمِكَ، قَالَ: «يَا بُنَيَّةُ أَدْنِي وَضُوءًا» فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِمُ الْمَسْجِدَ، فَلَمَّا رَأَوْهُ، قَالُوا: هُوَ هَذَا، هُوَ هَذَا. فَخَفَضُوا أَبْصَارَهُمْ، وَعُقِرُوا فِي مَجَالِسِهِمْ، فَلَمْ يَرْفَعُوا إِلَيْهِ أَبْصَارَهُمْ، وَلَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ رَجُلٌ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَامَ عَلَى رُؤُوسِهِمْ، فَأَخَذَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ، فَحَصَبَهُمْ بِهَا، وَقَالَ: «شَاهَتِ الْوُجُوهُ» قَالَ: فَمَا أَصَابَتْ رَجُلًا مِنْهُمْ حَصَاةٌ إِلَّا قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا.

صَدَقَ اللهُ تعالى القَائِلُ: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾. فَالحَصَى جُنْدِيٌّ مِنْ جُنُودِ اللهِ تعالى.

نَعَمْ، إِنَّهُ لَحَقٌّ «فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا كَذَلِكَ. آمين.

**      **    **

تاريخ الكلمة:

السبت: 22/ رمضان /1443هـ، الموافق: 23/نيسان / 2022م

 2022-04-24
 675
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  دروس رمضانية

14-03-2024 7013 مشاهدة
1-مواساة لأصحاب الأعذار في رمضان

يَا مَنْ أَقْعَدَكُمُ المَرَضُ عَنِ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ، وَقُلُوبُكُمْ تَتَلَهَّفُ للصِّيَامِ وَالقِيَامِ، أَبْشِرُوا وَلَا تَحْزَنُوا، فَأَنْتُمْ في نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ وَرَبِّ الكَعْبَةِ، مَا دَامَتْ قُلُوبُكُمْ تَتَطَلَّعُ للصِّيَامِ ... المزيد

 14-03-2024
 
 7013
26-05-2022 1150 مشاهدة
28ـ غزوة بدر وحسرة المشركين

فِي خِتَامِ هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ المُبَارَكِ، وَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى العَظِيمَةِ المُبَارَكَةِ، التي جَسَّدَتْ لَنَا بِوُضُوحٍ تَامٍّ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * ... المزيد

 26-05-2022
 
 1150
26-05-2022 1019 مشاهدة
27ـ غزوة بدر درس عملي لكل ظالم ومظلوم

غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى فِيهَا دَرْسٌ عَمَلِيٌّ لِكُلِّ ظَالِمٍ، وَلِكُلِّ مَظْلُومٍ، وَكَأَنَّ لِسَانَ حَالِ الغَزْوَةِ يَقُولُ لِكُلِّ مَظْلُومٍ: اصْبِرْ وَصَابِرْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَحِيدَ عَنْ جَادَّةِ الصَّوَابِ، فَالعَاقِبَةُ لَكَ، ... المزيد

 26-05-2022
 
 1019
29-04-2022 794 مشاهدة
26ـ غزوة بدر وتواضع القائد

مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى نَتَعَلَّمُ خُلُقَ التَّوَاضُعِ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَيْفَ كَانَ يَتَعَامَلُ مَعَ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ. ... المزيد

 29-04-2022
 
 794
29-04-2022 1681 مشاهدة
25ـ هنيئًا لكم أيها الصائمون القائمون

يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾. وَيَقُولُ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ... المزيد

 29-04-2022
 
 1681
29-04-2022 1749 مشاهدة
24ـ أقوام عاشوا عيش السعداء

الزَّمَنُ يَمضِي ولا يَعُودُ، ولَيسَ هُناكَ شَيءٌ أسرَعُ من الزَّمَنِ، فهوَ لا يَتَوَقَّفُ، تَمُرُّ اللَّيالِي والأيَّامُ والشُّهُورُ والسَّنَوَاتُ على الإنسَانِ ويَنتَهِي وُجُودُهُ فِيها كَأَنَّهُ لم يَلبَثْ فِيها إلا سَاعَةً من الزَّمَنِ. ... المزيد

 29-04-2022
 
 1749

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5682
المقالات 3210
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 422765426
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :