17ـ وصف عنقه الشريف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:
يَقُولُ سَيِّدُنَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
وَأَجْمَلَ مِنْكَ لَمْ تَرَ قَطُّ عَيْنِي *** وَأَفْضَلَ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النِّسَاءُ
خُـلِقْتَ مُبَرَّأً مِنْ كُلِّ عَيْبٍ *** كَأَنَّكَ قَدْ خُلِقْتَ كَمَا تَـشَاءُ
وَصْفُ عُنُقِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عُنُقٌ مُتَنَاسِقٌ مَعَ حَجْمِ رَأْسِهِ، كَأَنَّهُ جِيدُ دُمْيَةٍ.
وَقَدْ شَبَّهُوا عُنُقَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّهُ يُتَأَنَّقُ فِي صَنْعَتِهَا، وَيُبَالَغُ فِي تَحْسِينِهَا.
وكان عُنُقُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُعْتَدِلَ الطُّولِ، لَا هُوَ طَوِيلٌ وَلَا قَصِيرٌ.
وكانَ ظَاهِرَ الوَضَاءَةِ مُتَلَأْلِئًا، وَكَأَنَّهُ فِي الْبَيَاضِ وَالْبَهَاءِ إِبْرِيقُ فِضَّةِ فِي صَفَائِهِ وَنَقَائِهِ.
يَقُولُ سَيِّدُنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كَانَ عُنُقُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِبْرِيقَ فِضَّةٍ. رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ.
وَعَنِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ أَحْسَنَ عِبَادِ اللهِ عُنُقًا، لَا يُنْسَبُ إِلَى الطُّولِ وَلَا إِلَى الْقِصَرِ؛ مَا ظَهَرَ مِنْ عُنُقِهِ لَلشَّمْسِ وَالرِّيَاحِ فَكَـأَنَّمَا إِبْرِيقُ فِضَّةٍ يَشُوبُ ذَهَبًا، يَتَلَأْلَأُ فِي بَيَاضِ الْفِضَّةِ وَحُمْرَةِ الذَّهَبِ، وَمَا غَيَّبَ الثِّيَابُ مِنْ عُنُقِهِ فَمَا تَحْتَهَا فَكَأَنَّهُ الْقَمَرُ لَيْلَةَ الْبَدْرِ. رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ.
هَذِهِ الْعُنُقُ الْمُبَارَكَةُ: سَجَّلَتْ لَنَا أَرْوَعَ حِكَايَةٍ عَنْ صَبْرِهِ، وَتَحَمُّلِهِ، وَجمِيلِ اسْتِيعَابِهِ لِلْأَعْرَابِ وَالْجَاهِلِينَ، يَوْمَ جَبَذَهُ أَعْرَابِيٌّ جَبْذَةً شَدِيدَةً، كَمَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ البُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ.
ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي عِنْدَكَ.
فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ.
لَقَدْ حَوَى عُنُقُهُ مِنَ الْحُسْنِ مَا حَوَى، وَمَا حَادَ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ وَمَا الْتَوَى؛ لله ِدَرُّهُ، عَلَى عَرْشِ الْجَمَالِ اسْتَوَى.
كَتِفُهُ الْمُبَارَكُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
لَقَدْ كَانَ كَتِفَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَرِيضَيْنِ عَظِيمَيْنِ فِي تَنَاسُقٍ تَامٍّ مَعَ جَسَدِهِ الشَّرِيفِ؛ وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَرِيضَ الصَّدْرِ، وَأَعْلَى الظَّهْرِ.
فَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَيَقُولُ هِنْدُ بْنُ أَبِي هَالَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَرِيضَ الصَّدْرِ، بَعِيدَ مَا بَيْنَ المَنْكِبَيْنِ. رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ.
وَقَدْ سُئِلَ سَيِّدُنَا أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ صِفَةً وَأَجْمَلَهَا، إِذَا وَضَعَ رِدَاءَهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ فَكأَنَّهُ سَبِيكَةُ فِضَّةٍ، وَإِذَا ضَحِكَ يَتَلأْلأُ. رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ.
هَذَا الْكَتِفُ الْمُبَارَكُ: تَحَمَّلَ فِي سَبِيلِ الدَّعْوَةِ مَا تَحَمَّلَ، وَأُوذِيَ فِي جَنْبِ اللهِ أَيَّمَا إِيذَاءٍ؛ جَعَلُوا عَلَيْهِ سَلَا جَزُورٍ، وَجَعَلَ الْمُشْرِكُونَ يَتَضَاحَكُونَ لِيَدْعُوَ عَلَيْهِمْ بِالْهَلَاكِ وَالثُّبُورِ، فَكَانَ أَنْ كَفَاهُ اللهُ وَانْتَقَمَ لَهُ، فَجُرُّوا عَلَى أَكْتَافِهِمْ قَتْلَى إِلَى قَلِيبِ بَدْرٍ، رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ، إِذْ جَاءَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ بِسَلَا جَزُورٍ، فَقَذَفَهُ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَخَذَتْهُ عَنْ ظَهْرِهِ، وَدَعَتْ عَلَى مَنْ صَنَعَ ذَلِكَ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ عَلَيْكَ المَلَأَ مِنْ قُرَيْشٍ: أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ، وَشَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ ـ أَوْ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ شُعْبَةُ الشَّاكُّ ـ قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُمْ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ، فَأُلْقُوا فِي بِئْرٍ، غَيْرَ أَنَّ أُمَيَّةَ ـ أَوْ أُبَيًّا ـ تَقَطَّعَتْ أَوْصَالُهُ فَلَمْ يُلْقَ فِي الْبِئْرِ.
مَنْكِبَاهُ الشَّرِيفَانِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
المَنْكِبُ: هُوَ مَجْمَعُ الْعَضُدِ وَالْكَتِفِ.
وَلَقَدْ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَنْكِبَانِ: عَظِيمَانِ، عَرِيضَانِ قَدِ اتَّسَعَ مَا بَيْنَهُمَا فِي اعْتِدَالٍ، اتَّسَقَتْ رُؤُوسُهُمَا فِي جَمَالٍ: يَقُولُ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَالْكُرْدُوسُ: هُوَ كُلُّ عَظْمَيْنِ الْتَقَيَا فِي مِفْصَلٍ، نَحْو: المَنْكِبَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْوِرْكَيْنِ. وَقِيلَ: رُؤُوسُ العِظَامِ.
وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَضَعَ رِدَاءَهُ عَنْهُمَا بَرَزَا كَسَبِيكَةِ الْفِضَّةِ: يَقُولُ سَيِّدُنَا أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَضَعَ رِدَاءَهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَكَأَنَّهُ سَبِيكَةُ فِضَّةٍ. رَوَاهُ البيْهَقِيُّ.
هَذَا المَنْكِبُ المُبَارَكُ: كَانَ سَنَدًا لِلسَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا تَقِفُ خَلْفَ الْحَبِيبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَتُسْنِدُ خَدَّهَا عَلَى مَنْكِبِهِ الشَّرِيفِ لِتَنْظُرَ إِلَى أَبْنَاءِ الْحَبَشَةِ يَلْعَبُونَ فِي المَسْجِدِ، فَتَنْعَمَ هِيَ فِي رِحَابِ كَتِفِهِ، وَتَنْهَلَ مِنْ جَمَالِ حُبِّهِ وَلُطْفِهِ، مَا يُغْنِيهَا عَنْ لَعِبِ الوِلْدَانِ، رَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: دَخَلَ الْحَبَشَةُ الْمَسْجِدَ يَلْعَبُونَ فَقَالَ لِي: «يَا حُمَيْرَاءُ، أَتُحِبِّينَ أَنْ تَنْظُرِي إِلَيْهِمْ؟».
فَقُلْتُ: نَعَمْ.
فَقَامَ بِالْبَابِ وَجِئْتُهُ فَوَضَعْتُ ذَقَنِي عَلَى عَاتِقَهُ فَأَسْنَدْتُ وَجْهِي إِلَى خَدِّهِ.
قَالَتْ: وَمِنْ قَوْلِهِمْ يَوْمَئِذٍ أَبَا الْقَاسِمِ طَيِّبًا.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «حَسْبُكِ».
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَا تَعْجَلْ.
فَقَامَ لِي ثُمَّ قَالَ: «حَسْبُكِ».
فَقُلْتُ: لَا تَعْجَلْ يَا رَسُولَ اللهِ.
قَالَتْ: وَمَا لِي حُبُّ النَّظَرِ إِلَيْهِمْ، وَلَكِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ يَبْلُغَ النِّسَاءَ مَقَامُهُ لِي وَمَكَانِي مِنْهُ.
هَذَا المَنْكِبُ المُبَارَكُ: عَاشَ عِبَادَةَ الافْتِقَارِ لِلْمَوْلَى جَلَّ جَلَالُهُ حَيْثُ سَقَطَ رِدَاءُ الْحَبِيبِ مِنْ عَلَيْهِ وَهُوَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ رَاجِيًا دَاعِيًا يَوْمَ بَدْرٍ أَنْ يَنْصُرَ أَهْلَهُ وَأَحْبَابَهُ، رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: «اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ». فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ، فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ فَأَمَدَّهُ اللهُ بِالْمَلَائِكَةِ
هَذَا المَنْكِبُ المُبَارَكُ القَوِيُّ: نَالَ شَرَفَ الصُّعُودِ عَلَيْهِ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَوْمَ قَالَ: انْطَلَقْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَيْلًا حَتَّى أَتَيْنَا الْكَعْبَةَ فَقَالَ لِي: اجْلِسْ ثُمَّ نَهَضْتُ بِهِ فَلَمَّا رَأَى ضَعْفِي تَحْتَهُ قَالَ: اجْلِسْ فَجَلَسْتُ فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنِّي، وَجَلَسَ لِي وَقَالَ: اصْعَدْ عَلَى مَنْكِبَيَّ فَصَعِدْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ نَهَضَ بِي حَتَّى أَنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنِّي لَوْ شِئْتُ أَنْ أَنَالَ أُفُقَ السَّمَاءِ. رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ.
هَذَا المَنْكِبُ المُبَارَكُ: شَهِدَ كَرَمَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ: حِينَ سَأَلَهُ النَّاسُ فَأَعْطَاهُمْ مِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْإِبِلِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ أَعْطَيْتُكُمْ مِنَ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالْإِبِلِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَمَاذَا تُرِيدُونَ؟ أَتُرِيدُونَ أَنْ تُبَخِّلونِي، فَوَاللهِ مَا أَنَا بِبَخِيلٍ، وَلَا جَبَانٍ، وَلَا كَذُوبٍ»، فَجَذَبُوا ثَوْبَهُ، حَتَّى بَدَا مَنْكِبُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ.
ظَهْرُهُ الشَّرِيفُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
كَانَ ظَهْرُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَاسِعًا، جَمِيلَ الْمَنْظَرِ وَالصُّورَةِ، تربَّعَ عَلى نَاغِضِهِ الأَيْسَرِ مِنْ جِهَةِ الْقَلْبِ خَاتَمُ النُّبوَّةِ: تَقُولُ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَاسِعَ الظَّهْرِ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، وَكَانَ طَوِيلَ مَسْرَبَةِ الظَّهرِ. أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ في الدَّلَائِلِ.
وَالمَسْرَبَةُ: هِيَ الفقَارُ الَّتِي فِي الظَّهْرِ مِنْ أَعْلَاهُ إِلَى أَسْفَلِهِ.
وَكَانَ مُتَلَأْلِئًا، كَأَنَّهُ سَبِيكَةُ الْفِضَّةِ فِي اسْتِوَائِهِ وَصَفَائِهِ: فَعَنْ مُحَرِّشٍ الْكَعْبِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْجِعْرَانَةِ لَيْلًا، فَنَظَرْتُ إِلَى ظَهْرِهِ كَأَنَّهُ سَبِيكَةُ فِضَّةٍ. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ.
هَذَا الظَّهْرُ المُبَارَكُ: أُوذِيَ فِي اللهِ، وَرُمِيَ بِالْحِجَارَةِ يَوْمَ الطَّائِفِ، فَالْتَجَأَ إِلَى شَجَرَةٍ يَسْتَضِيءُ بِهَا لُعُبُودِيَّتِهِ لِرَبِّهِ.
هَذَا الظَّهْرُ المُبَارَكُ: اسْتَقَلَّهُ صَبِيٌّ فَصَعِدَ عَلَيْهِ، لَمْ يَقُمْ، بَلْ أَخَّرَ فِي السُّجُودِ لِئَلَّا يُعَكِّرَ صَفْوَ صِبَاهُ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ إِمَامًا، وَقَالَ: «إِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي فَكَرِهْتُ أَنْ أُعْجِلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ» رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ.
هَذَا الظَّهْرُ الْمُبَارَكُ: غَدَا بِالرَّحْمَةِ مَرْكُوبَ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، كَمَا يَقُولُ سَيِّدُنَا جَابِرٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعَةٍ، وَعَلَى ظَهْرِهِ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، وَهُوَ يَقُولُ: «نِعْمَ الْجَمَلُ جَمَلُكُمَا، وَنِعْمَ الْعِدْلانِ أَنْتُمَا» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ.
هَذَا الظَّهْرُ الْمُبَارَكُ: نَبَتَ فِيهِ خَاتَمُ التَّمَيُّزِ وَالاصْطِفَاءِ وَالنُّبُوَّةِ.
اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِرُؤْيَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.
تاريخ الكلمة
** ** **
الخميس: 27/ ذو الحجة /1443هـ، الموافق: 26/ تموز / 2022م
ارسل إلى صديق |
كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْدَى النَّاسِ صَوْتًا، وَأَحْسَنَهُمْ نَغْمَةً، يَطْرُقُ صَوْتُهُ الآذَانَ دُونَ ثِقَلٍ، وَيَنْسَابُ إِلَيْهَا دُونَ تَكَلُّفٍ أَوْ مَلَلٍ، حَبِيبٌ، قَرِيبٌ، جَمِيلٌ، ... المزيد
لَقَدْ أَعْطَى اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رَسُولَهُ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَصَائِصَ كَثَيرَةً فِي رِيقِهِ الشَّرِيفِ، وَذَلِكَ أَنَّ رِيقَهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلْعَلِيلِ، وَرَوَاءٌ لِلْغَلِيلِ، ... المزيد
يَقُولُ الأَطِبَّاءُ: سَلَامَةُ الأَسْنَانِ مَظْهَرٌ لِسَلَامَةِ الأَبْدَانِ؛ وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَرَّاقَ الثَّنَايَا، مُنِيرَ الرَّبَاعِيَّاتِ (الرَّبَاعِيَةُ: هِيَ السِّنُّ بَيْنَ الثَّنِيَّةِ ... المزيد
كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَحْسَنِ عِبَادِ اللهِ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَحْسَنِ عِبَادِ اللهِ شَفَتَيْنِ، وَأَلْطَفِهِمْ ... المزيد
يَقُولُ هِنْدُ بْنِ أَبِي هَالَةَ في وَصْفِهِ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَقْنَى الْعِرْنَيْنِ. رواه البيهقي. العِرْنِينُ: هُوَ الأَنْفُ، وَقِيلَ: رَأْسُ الأَنْفِ، وَجَمْعُهُ عَرَانِينُ. ... المزيد
كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْوَرَ العَالَمِينَ وَجْهًا، وَأَبْهَاهَمْ طَلْعَةً، وَأَحْسَنَهُمْ لِحْيَةً، كَسَا سَوَادَهَا بَيَاضُ وَجْهِهِ جَمَالًا، فَهِيَ جَمِيلَةٌ في مُحَيَّاهُ، ... المزيد