17ـ وصف عنقه الشريف   

17ـ وصف عنقه الشريف   

17ـ وصف عنقه وكتفه ومنكبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

يَقُولُ سَيِّدُنَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:

وَأَجْمَلَ مِنْكَ لَمْ تَرَ قَطُّ عَيْنِي   ***   وَأَفْضَلَ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النِّسَاءُ

خُـلِقْتَ مُبَرَّأً مِنْ كُلِّ عَيْبٍ   ***   كَأَنَّكَ قَدْ خُلِقْتَ كَمَا تَـشَاءُ

وَصْفُ عُنُقِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عُنُقٌ مُتَنَاسِقٌ مَعَ حَجْمِ رَأْسِهِ، كَأَنَّهُ جِيدُ دُمْيَةٍ.

وَقَدْ شَبَّهُوا عُنُقَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّهُ يُتَأَنَّقُ فِي صَنْعَتِهَا، وَيُبَالَغُ فِي تَحْسِينِهَا.

وكان عُنُقُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُعْتَدِلَ الطُّولِ، لَا هُوَ طَوِيلٌ وَلَا قَصِيرٌ.

وكانَ ظَاهِرَ الوَضَاءَةِ مُتَلَأْلِئًا، وَكَأَنَّهُ فِي الْبَيَاضِ وَالْبَهَاءِ إِبْرِيقُ فِضَّةِ فِي صَفَائِهِ وَنَقَائِهِ.

يَقُولُ سَيِّدُنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كَانَ عُنُقُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِبْرِيقَ فِضَّةٍ. رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ.

وَعَنِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ أَحْسَنَ عِبَادِ اللهِ عُنُقًا، لَا يُنْسَبُ إِلَى الطُّولِ وَلَا إِلَى الْقِصَرِ؛ مَا ظَهَرَ مِنْ عُنُقِهِ لَلشَّمْسِ وَالرِّيَاحِ فَكَـأَنَّمَا إِبْرِيقُ فِضَّةٍ يَشُوبُ ذَهَبًا، يَتَلَأْلَأُ فِي بَيَاضِ الْفِضَّةِ وَحُمْرَةِ الذَّهَبِ، وَمَا غَيَّبَ الثِّيَابُ مِنْ عُنُقِهِ فَمَا تَحْتَهَا فَكَأَنَّهُ الْقَمَرُ لَيْلَةَ الْبَدْرِ. رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ.

هَذِهِ الْعُنُقُ الْمُبَارَكَةُ: سَجَّلَتْ لَنَا أَرْوَعَ حِكَايَةٍ عَنْ صَبْرِهِ، وَتَحَمُّلِهِ، وَجمِيلِ اسْتِيعَابِهِ لِلْأَعْرَابِ وَالْجَاهِلِينَ، يَوْمَ جَبَذَهُ أَعْرَابِيٌّ جَبْذَةً شَدِيدَةً، كَمَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ البُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ.

ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي عِنْدَكَ.

فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ.

لَقَدْ حَوَى عُنُقُهُ مِنَ الْحُسْنِ مَا حَوَى، وَمَا حَادَ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ وَمَا الْتَوَى؛ لله ِدَرُّهُ، عَلَى عَرْشِ الْجَمَالِ اسْتَوَى.

كَتِفُهُ الْمُبَارَكُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

لَقَدْ كَانَ كَتِفَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَرِيضَيْنِ عَظِيمَيْنِ فِي تَنَاسُقٍ تَامٍّ مَعَ جَسَدِهِ الشَّرِيفِ؛ وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَرِيضَ الصَّدْرِ، وَأَعْلَى الظَّهْرِ.

فَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَيَقُولُ هِنْدُ بْنُ أَبِي هَالَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَرِيضَ الصَّدْرِ، بَعِيدَ مَا بَيْنَ المَنْكِبَيْنِ. رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ.

وَقَدْ سُئِلَ سَيِّدُنَا أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ صِفَةً وَأَجْمَلَهَا، إِذَا وَضَعَ رِدَاءَهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ فَكأَنَّهُ سَبِيكَةُ فِضَّةٍ، وَإِذَا ضَحِكَ يَتَلأْلأُ. رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ.

هَذَا الْكَتِفُ الْمُبَارَكُ: تَحَمَّلَ فِي سَبِيلِ الدَّعْوَةِ مَا تَحَمَّلَ، وَأُوذِيَ فِي جَنْبِ اللهِ أَيَّمَا إِيذَاءٍ؛ جَعَلُوا عَلَيْهِ سَلَا جَزُورٍ، وَجَعَلَ الْمُشْرِكُونَ يَتَضَاحَكُونَ لِيَدْعُوَ عَلَيْهِمْ بِالْهَلَاكِ وَالثُّبُورِ، فَكَانَ أَنْ كَفَاهُ اللهُ وَانْتَقَمَ لَهُ، فَجُرُّوا عَلَى أَكْتَافِهِمْ قَتْلَى إِلَى قَلِيبِ بَدْرٍ، رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ، إِذْ جَاءَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ بِسَلَا جَزُورٍ، فَقَذَفَهُ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَخَذَتْهُ عَنْ ظَهْرِهِ، وَدَعَتْ عَلَى مَنْ صَنَعَ ذَلِكَ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ عَلَيْكَ المَلَأَ مِنْ قُرَيْشٍ: أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ، وَشَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ ـ أَوْ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ شُعْبَةُ الشَّاكُّ ـ قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُمْ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ، فَأُلْقُوا فِي بِئْرٍ، غَيْرَ أَنَّ أُمَيَّةَ ـ أَوْ أُبَيًّا ـ تَقَطَّعَتْ أَوْصَالُهُ فَلَمْ يُلْقَ فِي الْبِئْرِ.

مَنْكِبَاهُ الشَّرِيفَانِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

المَنْكِبُ: هُوَ مَجْمَعُ الْعَضُدِ وَالْكَتِفِ.

وَلَقَدْ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَنْكِبَانِ: عَظِيمَانِ، عَرِيضَانِ قَدِ اتَّسَعَ مَا بَيْنَهُمَا فِي اعْتِدَالٍ، اتَّسَقَتْ رُؤُوسُهُمَا فِي جَمَالٍ: يَقُولُ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

وَالْكُرْدُوسُ: هُوَ كُلُّ عَظْمَيْنِ الْتَقَيَا فِي مِفْصَلٍ، نَحْو: المَنْكِبَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْوِرْكَيْنِ. وَقِيلَ: رُؤُوسُ العِظَامِ.

وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَضَعَ رِدَاءَهُ عَنْهُمَا بَرَزَا كَسَبِيكَةِ الْفِضَّةِ: يَقُولُ سَيِّدُنَا أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَضَعَ رِدَاءَهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَكَأَنَّهُ سَبِيكَةُ فِضَّةٍ. رَوَاهُ البيْهَقِيُّ.

هَذَا المَنْكِبُ المُبَارَكُ: كَانَ سَنَدًا لِلسَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا تَقِفُ خَلْفَ الْحَبِيبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَتُسْنِدُ خَدَّهَا عَلَى مَنْكِبِهِ الشَّرِيفِ لِتَنْظُرَ إِلَى أَبْنَاءِ الْحَبَشَةِ يَلْعَبُونَ فِي المَسْجِدِ، فَتَنْعَمَ هِيَ فِي رِحَابِ كَتِفِهِ، وَتَنْهَلَ مِنْ جَمَالِ حُبِّهِ وَلُطْفِهِ، مَا يُغْنِيهَا عَنْ لَعِبِ الوِلْدَانِ، رَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: دَخَلَ الْحَبَشَةُ الْمَسْجِدَ يَلْعَبُونَ فَقَالَ لِي: «يَا حُمَيْرَاءُ، أَتُحِبِّينَ أَنْ تَنْظُرِي إِلَيْهِمْ؟».

فَقُلْتُ: نَعَمْ.

فَقَامَ بِالْبَابِ وَجِئْتُهُ فَوَضَعْتُ ذَقَنِي عَلَى عَاتِقَهُ فَأَسْنَدْتُ وَجْهِي إِلَى خَدِّهِ.

قَالَتْ: وَمِنْ قَوْلِهِمْ يَوْمَئِذٍ أَبَا الْقَاسِمِ طَيِّبًا.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «حَسْبُكِ».

فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَا تَعْجَلْ.

فَقَامَ لِي ثُمَّ قَالَ: «حَسْبُكِ».

فَقُلْتُ: لَا تَعْجَلْ يَا رَسُولَ اللهِ.

قَالَتْ: وَمَا لِي حُبُّ النَّظَرِ إِلَيْهِمْ، وَلَكِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ يَبْلُغَ النِّسَاءَ مَقَامُهُ لِي وَمَكَانِي مِنْهُ.

هَذَا المَنْكِبُ المُبَارَكُ: عَاشَ عِبَادَةَ الافْتِقَارِ لِلْمَوْلَى جَلَّ جَلَالُهُ حَيْثُ سَقَطَ رِدَاءُ الْحَبِيبِ مِنْ عَلَيْهِ وَهُوَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ رَاجِيًا دَاعِيًا يَوْمَ بَدْرٍ أَنْ يَنْصُرَ أَهْلَهُ وَأَحْبَابَهُ، رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: «اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ». فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ، فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ فَأَمَدَّهُ اللهُ بِالْمَلَائِكَةِ

هَذَا المَنْكِبُ المُبَارَكُ القَوِيُّ: نَالَ شَرَفَ الصُّعُودِ عَلَيْهِ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رَوَاهُ الإِمَامُ الحَاكِمُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ اللَّيْلَةَ الَّتِي أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَبِيتَ عَلَى فِرَاشِهِ، وَخَرَجَ مِنْ مَكَّةَ مُهَاجِرًا، انْطَلَقَ بِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْأَصْنَامِ، فَقَالَ: «اجْلِسْ» فَجَلَسْتُ إِلَى جَنْبِ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ صَعِدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْكِبِي؛ ثُمَّ قَالَ: «انْهَضْ» فَنَهَضْتُ بِهِ، فَلَمَّا رَأَى ضَعْفِي تَحْتَهُ، قَالَ: «اجْلِسْ»، فَجَلَسْتُ، فَأَنْزَلْتُهُ عَنِّي، وَجَلَسَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا عَلِيُّ، اصْعَدْ عَلَى مَنْكِبِي».

فَصَعِدْتُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ نَهَضَ بِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَخُيِّلَ إِلَيَّ أَنِّي لَوْ شِئْتُ نِلْتُ السَّمَاءَ، وَصَعِدْتُ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَتَنَحَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَلْقَيْتُ صَنَمَهُمُ الْأَكْبَرَ، وَكَانَ مِنْ نُحَاسٍ مَوَتَّدًا بِأَوْتَادٍ مِنْ حَدِيدٍ إِلَى الْأَرْضِ.

فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عَالِجْهُ» فَعَالَجْتُهُ، فَمَا زِلْتُ أُعَالِجُهُ، وَيَقُولُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِيهْ إِيهْ» فَلَمْ أَزَلْ أُعَالِجُهُ حَتَّى اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ.

فَقَالَ: «دُقَّهُ» فَدَقَقْتُهُ فَكَسَرْتُهُ وَنَزَلْتُ.

هَذَا المَنْكِبُ المُبَارَكُ: شَهِدَ كَرَمَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ: حِينَ سَأَلَهُ النَّاسُ فَأَعْطَاهُمْ مِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْإِبِلِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، رَوَى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: تَعَلَّقَ ثَوْبُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ بِشَجَرَةٍ، وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ يَسْأَلُونَهُ مِنَ الْغَنَائِمِ، فَحَسِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ أَمْسَكُوا بِرِدَائِهِ وَقَالَ: «أَرْسِلُوا رِدَائِي تُرِيدُونَ أَنْ تُبَخِّلُونِي، وَاللهِ لَوْ أَفَاءَ اللهُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ شَجَرِ تِهَامَةَ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ، ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا، وَلَا جَبَانًا وَلَا كَذَّابًا».

فَقَالُوا: إِنَّمَا تَعَلَّقَتْ بِثِيَابِهِ سَمُرَةٌ؛ فَخَلَّصُوهُ.

وَفي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ: فَجَذَبُوا ثَوْبَهُ، حَتَّى بَدَا مَنْكِبُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِرُؤْيَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

تاريخ الكلمة

**    **    **

الأربعاء: 11/ صفر /1444هـ، الموافق: 7/ أيلول / 2022م

الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  أجمل العالمين خَلقًا ﷺ

19-01-2024 220 مشاهدة
24ـ كفه الشريفة صلى الله عليه وسلم

كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذَا كَفٍّ عَظِيمَةٍ، مَبْسُوطَةٍ صُورَةً وَخِلْقَةً، أَلْيَنَ مِنَ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، تَمِيلُ إِلَى الْغِلَظِ وَالْقِصَر، اجْتَمَعَ لَهَا مَعَ اللِّينِ ... المزيد

 19-01-2024
 
 220
04-08-2023 221 مشاهدة
23ـ ذراعاه الشريفتان صلى الله عليه وسلم

كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذِرَاعَانِ طَوِيلَتَانِ، فِي تَنَاسُبٍ مَعَ بَاقِي أَعْضَاءِ جَسَدِهِ الشَّرِيفِ، طَالَ زِنْدَاهَا، وَامْتَدَّ سَاعِدَاهَا، وَعَلَاهَا شَعْرٌ كَثِيفٌ. وَمِمَّا ... المزيد

 04-08-2023
 
 221
09-06-2023 256 مشاهدة
22ـ عرقه الشريف وطيب رائحته صلى الله عليه وسلم

إِنَّنَا نَتَحَدَّثُ عَنْ خَيْرِ خَلْقِ اللهِ، وَلَهُ مِنَ الْخَصَائِصِ مَا لَمْ تَكُنْ لِغَيْرِهِ، وَمِنْهَا إِفْرَازَاتُ عَرَقِهِ المُبَارَكَةِ؛ فَقِفْ عِنْدَ حُدُودِ الأَدَبِ، وَاسْتَشْعِرْ طِيبَ الْحَبِيبِ المحبَّبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ ... المزيد

 09-06-2023
 
 256
11-05-2023 361 مشاهدة
21ـ إبطه الشريفة صلى الله عليه وسلم

تَنْبِيهٌ للنَّبِيهِ: مَنْ نَتَكَلَّمُ عَنْهُ، وَنَصِفُ جَسَدَهُ وَشَكْلَهُ، هُوَ سَيِّدُ الْعَالَمِينَ، وَحَبِيبُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، حَبِيبُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى ... المزيد

 11-05-2023
 
 361
13-01-2023 231 مشاهدة
20ـ بطنه الشريف صلى الله عليه وسلم

لَمْ تَكُنْ بَطْنُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَبِيرَةً فَتَعِيبَهُ، وَإِنَّمَا كَانَتْ سَوَاءً بِصَدْرِهِ. تَقُولُ السَّيِّدَةُ أُمُّ مَعْبَدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا في وَصْفِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ ... المزيد

 13-01-2023
 
 231
22-12-2022 242 مشاهدة
19ـ صدره الشريف صلى الله عليه وسلم

كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَرِيضَ الصَّدْرِ، مَمْسُوحَهُ، كَأَنَّهُ المِرْآةُ فِي اسْتِوَائِهَا وَشِدَّتِهَا، وَقَدِ امْتَلَأَ الصَّدْرُ الشريف لَحْمًا؛ فَلَا هُوَ بِالْبَدِنِ السَّمِينِ، ... المزيد

 22-12-2022
 
 242

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412990788
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :