192ـ جيل رباه سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ    (1)

192ـ جيل رباه سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ    (1)

كلمة شهر صفر الخير 1444

192ـ جيل رباه سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1)

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: جِيلٌ بِأَكْمَلِهِ رَبَّاهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَسْبِقْ لِنَبِيٍّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ أَنَّهُ رَبَّى جِيلًا بِأَكْمَلِهِ، كَمَا فَعَلَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَقَدْ تَوَلَّى رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ التَّعْرِيفَ بِهَذَا الجِيلِ، وَكَذَلِكَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

صِفَةُ الصَّحَابَةِ في القُرْآنِ العَظِيمِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ وَصَفَ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى الجِيلَ الذي رَبَّاهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في القُرْآنِ العَظِيمِ، فَقَالَ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾.

جِيلٌ مِثَالِيٌّ حَقَّقَ مُسْتَوًى شَامِخًا في الارْتِقَاءِ الرُّوحِيِّ وَالخُلُقِيِّ، فَصَقَلَتْهُ العِبَادَةُ، وَكَسَاهُ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ نُورًا وَبَهَاءً، جِيلٌ خَلَّدَتْهُ كُتُبٌ سَمَاوِيَّةٌ قَبْلَ وُجُودِهِ، فَوَصَفَتْهُ التَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ قَبْلَ أَنْ يَصِفَهُ القُرْآنُ العَظِيمُ بِأَعْظَمِ الأَوْصَافِ.

وَقَدْ ذُكِرَ عِنْدَ الإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رَجُلٌ يَنْتَقِصُ الصَّحَابَةَ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ، فَقَرَأَ الإِمَامُ مَالِكٌ هَذِهِ الآيَاتِ حَتَّى بَلَغَ: ﴿يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾. فَقَالَ الإِمَامُ مَالِكٌ: مَنْ أَصْبَحَ مِنَ النَّاسِ في قَلْبِهِ غَيْظٌ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ أَصَابَتْهُ هَذِهِ الآيَةُ.

جِيلٌ عَظِيمٌ مُبَارَكٌ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّى الأَمَانَةَ، وَحَفِظَ القُرْآنَ وَالسُّنَّةَ، وَلَو فَرَّطَ فِيهِمَا لَمَا وَصَلَا إِلَيْنَا سَالِمَيْنِ مَحْفُوظَيْنِ بِحِفْظِ اللهِ تعالى لَهُمَا، لِذَلِكَ فَإِنَّ الطَّعْنَ في هَذَا الجِيلِ حَقِيقَةً إِنَّمَا هُوَ طَعْنٌ في دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ خَطِيرَةٌ جِدًّا.

جِيلٌ عَظِيمٌ مُبَارَكٌ مَوْصُوفٌ بِالخَيْرِيَّةِ وَالأَفْضَلِيَّةِ المُطْلَقَةِ عَلَى سَائِرِ الأَجْيَالِ السَّابِقَةِ وَاللَّاحِقَةِ، قَالَ تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ﴾.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ـ قَالَ عِمْرَانُ فَلَا أَدْرِي: أَذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ـ ثُمَّ إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذُرُونَ وَلَا يَفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

جِيلٌ عَظِيمٌ مُبَارَكٌ، وَخَيْرِيَّتُهُ مُطْلَقَةٌ، اتَّصَفَ بِهَا حَتَّى صَارَ مَثَلًا أَعْلَى للمُسْلِمِينَ في كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، فَهُمْ يَتَطَلَّعُونَ إِلَيْهِمْ، وَيَعْتَزُّونَ بِهِمْ، وَيَقْتَدُونَ بِأَعْمَالِهِمْ، وَيَسْتَرْشِدُونَ بِسَيْرِهِمْ حَتَّى يَنَالُوا الرِّضَا مِنَ اللهِ تعالى، وَجَنَّاتِ النَّعِيمِ، قَالَ تعالى مَادِحًا هَذَا الجِيلَ وَكُلَّ مَنْ سَارَ سَيْرَهُ: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ رَبَّى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أُنَاسًا كَانُوا هُدَاةً مُعَلِّمِينَ، وَمُصْلِحِينَ عَامِلِينَ، حَتَّى صَارُوا أَمَنَةً للنَّاسِ، كَمَا قَالَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَمَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي» أَيْ: حَفَظَتُهُمْ، كَمَا أَنَّ المَلَائِكَةَ حَفَظَةُ السَّمَاءِ، فَالصَّحَابَةُ حَفَظَةٌ للأُمَّةِ، وَهَذَا الحِفْظُ للأُمَّةِ بِحِفْظِهِمْ دِينَهَا، وَقِيَامِهِمْ بِتَبْلِيغِ رِسَالَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَمَا هِيَ مِنْ غَيْرِ تَبْدِيلٍ وَلَا تَحْرِيفٍ وَلَا تَضْيِيعٍ، وَصَدَقَ فِيهِمْ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾.

اللَّهُمَّ ارْضَ عَنْهُمْ وَأَرْضِهِمْ، وَارْضَ عَنَّا بِهِمْ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 1/صفر الخير /1444هـ، الموافق: 28/ آب / 2022م

 2022-08-29
 449
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

16-11-2023 167 مشاهدة
207ـ لا تزال الأمة تبتلى

مَاذَا يَقُولُ الإِنْسَانُ المُسْلِمُ، وَمَاذَا يَفْعَلُ وَالمَجَازِرُ الدَّمَوِيَّةُ تُرْتَكَبُ عَلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ وَفي غَزَّةَ خَاصَّةً شَمَلَتِ الشُّيُوخَ وَالنِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ الضُّعَفَاءَ وَالآمِنِينَ، وَالعَالَمُ كُلُّهُ ... المزيد

 16-11-2023
 
 167
16-09-2023 310 مشاهدة
205ـ كيف لا نحب الحبيب صلى الله عليه وسلم!

مَا أَجْمَلَ شَهْرَ الرَّبِيعِ الذي وُلِدَ فِيهِ الحَبِيبُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟! حَيْثُ إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ يُذَكِّرُنَا بِفَصْلِ الرَّبِيعِ الذي فِيهِ تَتَفَتَّحُ الأَزْهَارُ، وَتُغَرِّدُ ... المزيد

 16-09-2023
 
 310
17-08-2023 180 مشاهدة
204ـ مرحبًا بصفر الخير

التَّشَاؤُمُ وَالتَّطَيُّرُ مِنَ الصِّفَاتِ المَذْمُومَةِ، وَالأَخْلَاقِ اللَّئِيمَةِ، وَلَا يَصْدُرَانِ إِلَّا مِنَ النُّفُوسِ المُسْتَكِينَةِ، لِمُنَافَاةِ ذَلِكَ للتَّوَكُّلِ وَاليَقِينِ، فَهُمَا مِنْ سِمَاتِ الكُسَالَى وَالبَطَّالِينَ، ... المزيد

 17-08-2023
 
 180
14-07-2023 307 مشاهدة
203ـ فوائد محاسبة النفس

انْقَضَى عَامٌ هِجْرِيٌّ مِنْ حَيَاتِنَا، وَلَا نَدْرِي مَاذَا كَانَ في صَفَحَاتِ العَامِ المُنْصَرِمِ، هَلْ سَوَّدْنَا تِلْكَ الصَّفَحَاتِ بِسُوءِ أَعْمَالِنَا، أَمْ بَيَّضْنَاهَا بِصَالِحِ طَاعَاتِنَا وَقُرُبَاتِنَا؟ الحَقُّ يُقَالُ: نُفُوسُنَا ... المزيد

 14-07-2023
 
 307
18-06-2023 267 مشاهدة
202ـ حنين القلوب لزيارة بيت الله الحرام

إِنَّ إِخْوَانَكُمْ في هَذِهِ الأَيَّامِ المُبَارَكَةِ قَدْ أَحْرَمُوا للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَصَدُوا بَيْتَ اللهِ الحَرَامَ، وَمَلَؤُوا الفَضَاءَ بِالتَّلْبِيَةِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّعْظِيمِ، مُسْتَجِيبِينِ في ذَلِكَ نِدَاءَ ... المزيد

 18-06-2023
 
 267
22-05-2023 428 مشاهدة
201ـ تفقد قلبك

إِنَّ الحَجَّ إلى بَيْتِ اللهِ تعالى الحَرَامِ مِنْ أَعْظَمِ الفَرَائِضِ التي فَرَضَهَا اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ، وَمِنْ رَحْمَتِهِ تَبَارَكَ وتعالى بِهِمْ أَنْ أَوْجَبَهُ عَلَيْهِمْ مَرَّةً وَاحِدَةً في العُمُرِ، مُقَيَّدًا ... المزيد

 22-05-2023
 
 428

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5601
المقالات 3123
المكتبة الصوتية 4669
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 410681454
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2023 
برمجة وتطوير :