53ـ كلمة شهر رجب 1432هـ: سيدنا رسول الله    إمام الصادقين

53ـ كلمة شهر رجب 1432هـ: سيدنا رسول الله    إمام الصادقين

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فالصدق هو مطابقة القولِ الضميرَ والمخبَرَ عنه معاً، ومتى انخرم شرط من ذلك لم يكن صدقاً تاماً.

الصدق هو: استواء السرِّ والعلانيةِ، والظاهرِ والباطنِ، بألا تُكذِّب أحوالُ العبد أعمالَه، ولا أعمالُه أحوالَه.

دواعي الصدق:

أما دواعي الصدق فأربعة:

1ـ العقل، من حيث كونُه موجباً لقبح الكذب.

2ـ الشرع، حيث ورد بوجوب اتِّباع الصدق وحَظْرِ الكذب، والله سبحانه وتعالى لم يشرع إلا كلَّ خير.

3ـ المروءة، لأنها مانعة من الكذب باعثة على الصدق.

4ـ حب الاشتهار بالصدق، فمنْ يتمتع بهذا الاشتهار بين الناس، لا يردُّ عليه قولُه، ولا يلحقه ندم.

سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إمام الصادقين:

لقد كانت حياة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أفضل مثال للبشرية جمعاء، وللإنسان الكاملِ العاقلِ صاحبِ المروءة الذي اتَّخذ من الصدق في القول، والأمانة في المعاملة خطاً ثابتاً لا يحيد عنه قيد أنملة ـ بأبي وأمي سيدي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

لقد عرف بالصدق قبل البعثة الشريفة، وكان القوم يلقبونه بالصادق الأمين، حتى اشتهر بذلك، واتَّفقت كلمة قريش على تحكمه في وضع الحجر الأسود في مكانه في الكعبة المشرفة، وقالوا: رضينا بالصادق الأمين.

بل اتخذ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من الصدق الذي اشتهر به بين قومه مدخلاً لدعوتهم إلى الحق، لما أمره الله تعالى بالجهر بالدعوة بقوله جلَّت قدرته: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِين} صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّفَا فَجَعَلَ يُنَادِي: يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ، لِبُطُونِ قُرَيْشٍ، حَتَّى اجْتَمَعُوا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولاً لِيَنْظُرَ مَا هُوَ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ، فَقَالَ: أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلاً بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ قَالُوا: نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلا صِدْقًا، قَالَ: فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ. فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا، فَنَزَلَتْ: { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ }.

نعم لقد كان الصدق من خصائص أقواله وأفعاله وأحواله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، لقد كان محفوظ اللسان من تحريف في قول، واسترسال في خبر يكون إلى الكذب منسوباً وللصدق مجانباً.

قريش التي أعلنت عداءها لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ما حفظت عليه كِذْبة في قولٍ قاله، ولو حفظوا ـ وحاشاه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من ذلك ـ كِذبة نادرة في غير الرسالة لجعلوها دليلاً على تكذيبه في الرسالة.

نعم: من لزم الصدق في صغره كان له ي الكبر ألزم، ومن عصم منه في حق نفسه كان في حقوق الله أعصم.

وبعد البعثة المباركة الشريفة صدَّقه الوحي، فقال تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}.

وختاماً: عليَّ وعليكم بالصدق في الأقوال والأفعال والأحوال، ورحم الله من قال: من لم يؤد الفرض الدائم لم يقبل منه الفرضُ المؤقت. قيل: وما الفرض الدائم؟ قال: الصدق.

اللهمَّ اجعلنا من الصادقين في الأقوال والأفعال والأحوال. آمين.

أخوكم أحمد النعسان

يرجوكم دعوة صالحة

**        **     **

 

 2011-06-03
 31946
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

04-03-2025 109 مشاهدة
223ـ اعتبروا الناس بأعمالهم

مَنْ حُجِبَ عَنِ العِلْمِ عَذَّبَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى جَهْلِهِ، وَأَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا مَنْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ العِلْمُ فَأَدْبَرَ عَنْهُ، وَسَاقَ اللهُ إِلَيْهِ الهُدَى فَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ ... المزيد

 04-03-2025
 
 109
08-01-2025 657 مشاهدة
221ـ نموذجان من المسلمين اليوم

الإِنْسَانُ خُلِقَ لِلْجَنَّةِ، وَالجَنَّةُ خُلِقَتْ لَهُ، وَالجَنَّةُ هِيَ سِلْعَةٌ، وَسِلْعَةُ اللهِ غَالِيَةٌ، وَثَمَنُهَا فِي الدُّنْيَا؛ فَمَا هُوَ ثَمَنُ الجَنَّةِ؟ ثَمَنُ الجَنَّةِ هُوَ العِبَادَةُ للهِ تعالى، وَالإِسْلَامُ عَقَائِدُ ... المزيد

 08-01-2025
 
 657
08-01-2025 297 مشاهدة
220ـ إلا الخيانة والكذب

الظَّوَاهِرُ القَبِيحَةُ فِي المُجْتَمَعِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَلَكِنَّ أَقْبَحَهَا وَأَخْطَرَهَا ظَاهِرَةُ الكَذِبِ، هَذِهِ الظَّاهِرَةُ الَّتِي قَالَ عَنْهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ ... المزيد

 08-01-2025
 
 297
08-01-2025 320 مشاهدة
219ـ نعمة الإيمان وأثرها على العبد

أَعْظَمُ نِعْمَةٍ أَسْبَغَهَا اللهُ تعالى عَلَى عَبْدِهِ هِيَ نِعْمَةُ الإِيمَانِ، وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ تعالى مَا نَطَقَ بِهَا العَبْدُ، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ ... المزيد

 08-01-2025
 
 320
08-01-2025 320 مشاهدة
218ـ كن محافظًا على أعظم نعمة أسبغها الله عليك

هُنَاكَ كَثِيرٌ مِنَ النِّعَمِ الَّتِي أَسْبَغَهَا اللهُ تعالى عَلَى خَلْقِهِ قَدْ لَا يَنْتَفِعُ العَبْدُ مِنْهَا، قَدْ يُعْطِيكَ اللهُ تعالى نِعْمَةَ المَالِ فَلَا تَنْتَفِعُ مِنْهُ، وَقَدْ يُعْطِيكَ نِعْمَةَ الجَاهِ وَلَا تَنْتَفِعُ مِنْهَا، ... المزيد

 08-01-2025
 
 320
08-09-2024 559 مشاهدة
217ـ علامة المحبة

هَا نَحْنُ في شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، شَهْرِ المَوْلِدِ الشَّرِيفِ، حَيْثُ يَحْتَفِلُ المُسْلِمُونَ في بُيُوتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَفي بُيُوتِهِمْ، وَيَجْمَعُونَ النَّاسَ عَلَى الإِنْشَادِ وَالمَدِيحِ، وَتَوْزِيعِ الحَلْوَى، وَجَعْلِ المَوَائِدِ؛ ... المزيد

 08-09-2024
 
 559

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5670
المقالات 3204
المكتبة الصوتية 4879
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 421851306
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :