327ـ خطبة الجمعة: بشائر للصابرين

327ـ خطبة الجمعة: بشائر للصابرين

 

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا عِبادَ الله، الابتِلاءُ في الحياةِ الدُّنيا لا بُدَّ منهُ، وما ذَاكَ إلا لِيُظهِرَ اللهُ تعالى الصَّادِقَ من الكَاذِبِ، والصَّابِرَ من الجازِعِ، وهذهِ هيَ سُنَّةُ الله تعالى في خَلقِهِ، ولن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تحويلاً.

لأنَّهُ لو دَامَتِ المِنَحُ لأهلِ الإيمانِ، ولم تَحصُل مَعَهَا المِحَنُ، لَحَصَلَ الاختِلاطُ والفَسادُ، ولما عَرَفتَ الصَّادِقَ في إيمانِهِ من الكَاذِبِ.

وليسَ المَقصُودُ من المِحَنِ زَعزَعَةَ إيمانِ المؤمنينَ ـ مَعاذَ الله تعالى ـ يقولُ اللهُ تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾. بل المقصودُ منها التَّميِيز، قال تعالى: ﴿ما كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾. وقال تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ الله أَلا إِنَّ نَصْرَ الله قَرِيب﴾.

﴿ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر﴾:

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: من خلالِ قولِهِ تعالى: ﴿وَالْعَصْر * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْر * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر﴾. وحتَّى لا نكونَ من الخاسرينَ، يَجِبُ علينا أن نَتَواصى بالصَّبرِ، ومن هذا المنطَلَقِ أقولُ لِنَفسي ولكلِّ واحِدٍ فيكُم:

أبشِروا إن صَبَرتُم على المصائِبِ، وخاصَّةً إذا لم تكونوا سبباً في نُزولِها، ولم يَكُن لكم فيها اختِيَارٌ، لأنَّ هُناكَ بعضَ المَصائِبِ تَقَعُ على العَبدِ بِسَبَبِهِ، قال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ﴾. فلا يَستَغرِبِ المُرابِي إذا نَزَلَت به المُصِيبَةُ، ولا يَستَغرِبِ المرتَشِي إذا نَزَلَت به المُصيبَةُ، ولا يَستَغرِب من يَكفُرُ بالله تعالى إذا نَزَلَت به المُصِيبَةُ.

فيا من وَقَعَت عليكَ مُصيبَةٌ بدونِ سَبَبٍ منكَ، وبدونِ اختِيارٍ، أبشِر:

أولاً: بالصَّلَواتِ والرَّحمَةِ والهِدايَةِ:

قال تبارَكَ وتعالى: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِين * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لله وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعون * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُون﴾. ويقولُ سيِّدُنا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنهُ: نِعْمَ الْعِدْلَانِ وَنِعْمَ الْعِلَاوَةُ: ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ﴾. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ رواه الإمام البخاري.

العِدلُ الأوَّلُ: صَلَواتٌ من الله تعالى، والعِدلُ الثَّاني: الرَّحمَةُ من الله تعالى، والعِلاوَةُ هيَ الهِدايَةُ، وصَدَقَ اللهُ تعالى القائِلُ: ﴿وَمَن يُؤْمِن بالله يَهْدِ قَلْبَهُ﴾. أما يَسُرُّكَ هذا أيُّها الصَّابِرُ؟

ثانياً: أجرُكَ بِغَيرِ حِسابٍ إن شاءَ اللهُ تعالى:

أيُّها المؤمنُ: أجرُكَ يومَ القِيامَةِ على صَبرِكَ بِغَيرِ حِسابٍ، فإن كانت كلُّ طَاعةٍ وقُربَةٍ وحَسَنَةٍ أجرُها بِتَقديرٍ وحِسابٍ، والحَسَنَةُ بِعَشرِ أمثالِها إلى سبعِمِائةِ ضِعفٍ، فإنَّ الأجرَ على المصيبَةِ إن صَبَرتَ عليها بِغَيرِ حِسابٍ، ومن المعلومِ أنَّ العَطاءَ على قَدْرِ المُعطِي، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَاب﴾. ويقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْراً كَثِيراً» رواه الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما. أما يَسُرُّكَ هذا أيُّها الصَّابِرُ؟

ثالثاً: لا يَضُرُّكَ كَيدُ من كادَكَ إن شاءَ اللهُ تعالى:

أيُّها المؤمنُ: إن صَبَرتَ على ما أصابَكَ، واتَّقَيتَ ربَّكَ، ولم تُخرِجْكَ المصيبَةُ عن دائِرَةِ الشَّرعِ، وضَبَطتَ يَدَكَ ولِسانَكَ عندَ الشِّدَّةِ بامتِثالِ أمرِ الله تعالى، وأمرِ رسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فاعلَم بأنَّ كَيدَ الكَائِدينَ يكونُ مَمنوعاً ومَدفُوعاً عَنكَ بإذنِ الله تعالى، وإن كانَ مَكرُهُم لِتَزولَ منهُ الجبالُ، قال تعالى: ﴿إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيط﴾. أما يَسُرُّكَ هذا أيُّها الصَّابِرُ؟

 رابعاً: أنتَ من أهلِ العَزيمَةِ إن شاءَ اللهُ تعالى:

أيُّها المؤمنُ: إن صَبَرتَ على ما أصابَكَ، وفَوَّضتَ أمرَكَ إلى الله تعالى، اندَرَجتَ تحتَ قولِهِ تعالى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور﴾. وتحتَ قولِهِ تعالى: ﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُور﴾. وتحتَ قولِهِ تعالى: ﴿وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور﴾. وأبشِر إن كُنتَ كذلكَ بأنَّكَ على قَدَمِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي أمَرَهُ ربُّنا عزَّ وجلَّ بالاقتِداءِ والاهتِداءِ بالأنبياءِ والمرسَلينَ من قَبلِهِ، قال تعالى: ﴿أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾. وقال آمِراً له: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾. أما يَسُرُّكَ أيُّها الصَّابِرُ أن تكونَ على قَدَمِ الأنبياءِ والمرسَلينَ، وخاصَّةً على قَدَمِ سيِّدِ أولي العَزمِ من الرُّسُلِ؟

خامساً: أنتَ من أهلِ الجنَّةِ إن شاءَ اللهُ تعالى:

أيُّها المؤمنُ: إن صَبَرتَ على ما أصابَكَ، وعَلِمتَ أنَّ ما أصابَكَ في كتابٍ قَبلَ نُزولِ المصيبَةِ، فأنتَ إن شاءَ اللهُ تعالى من أهلِ الجنَّةِ، الذينَ قال اللهُ تعالى فيهم: ﴿وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً﴾. ومن الذينَ قال فيهم: ﴿أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً﴾. ومن الذينَ قال فيهم: ﴿أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّار * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَاب * سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار﴾.

إن صَبَرتَ بإخلاصٍ وصِدقٍ فأنتَ من أهلِ الجنَّةِ تَمشي على الأرضِ إن شاءَ اللهُ تعالى، روى الشيخان عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما قال لعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: ألا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟

قال: بَلَى.

 قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ.

أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللهَ لِي.

قَالَ: «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُعَافِيَكِ».

فَقَالَتْ: أَصْبِرُ.

فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللهَ لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا.

أما يَسُرُّكَ هذا أيُّها الصَّابِرُ؟

سادساً: مأجورٌ على مُصيبَتِكَ وسَيُخلِفُكَ اللهُ خيراً منها إن شاءَ اللهُ تعالى:

أيُّها المؤمنُ: إن صَبَرتَ واحتَسَبتَ، وقُلتَ ما عَلَّمَكَ إيَّاهُ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فأنتَ مأجورٌ على مُصيبَتِكَ، وسَيُخلِفُكَ اللهُ تعالى خَيراً منها، روى الإمام مسلم عن أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ: ﴿إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾. اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْراً مِنْهَا، إِلَّا أَجَرَهُ  اللهُ فِي مُصِيبَتِهِ، وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْراً مِنْهَا».

قَالَتْ: فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ كَمَا أَمَرَنِي رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْلَفَ اللهُ لِي خَيْراً مِنْهُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

أما يَسُرُّكَ هذا أيُّها الصَّابِرُ، إن قُلتَ عندَ المصيبَةِ: ﴿إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْراً مِنْهَا؟

سابعاً: قد تكونُ لكَ مَنزِلَةٌ عندَ الله تعالى لا يَعلَمُ قَدْرَها إلا هو:

أيُّها المؤمنُ: ربُّما أن تَكونَ لكَ مَنزِلَةٌ عندَ الله تعالى، ولكن لم تَبلُغْها بِعَمَلِكَ، وأرادَ اللهُ تعالى لكَ تلكَ المَنزِلَةَ، فابتلاكَ لِتَكونَ أهلاً لتِلكَ المَنزِلَةِ، كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه الإمام أحمد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «إِذَا سَبَقَتْ لِلْعَبْدِ مِنْ الله مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ، ابْتَلَاهُ اللهُ فِي جَسَدِهِ، أَوْ فِي مَالِهِ، أَوْ فِي وَلَدِهِ، ثُمَّ صَبَّرَهُ حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنْهُ». أما يَسُرُّكَ هذا أيُّها الصَّابِرُ؟

ثامناً: المصيبَةُ تكفيرٌ لِخَطاياكَ إن شاءَ اللهُ تعالى:

أيُّها المؤمنُ: إنَّ المصائِبَ تكفيرٌ للخَطايا، كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُما، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حَزَنٍ وَلَا أَذىً وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةَ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ». أما يَسُرُّكَ هذا أيُّها الصَّابِرُ؟

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: الجَزَعُ من المصيبَةِ لا يَرُدُّها، بل يُضاعِفُها، فمن جَزِعَ فَجَزَعُهُ مُصيبَةٌ، وقد تكونُ سَبباً لِسَخَطِ الله تعالى ولِغَضَبِهِ، وتُحبِطُ الأجرَ الذي وَعَدَ اللهُ تعالى به عِبادَهُ الصَّابرينَ، فهل هذا يُرضي صاحِبَ المصيبَةِ؟

روى الإمام البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقَالَ: «اتَّقِ الله وَاصْبِرِي».

قَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي. ـ وَلَمْ تَعْرِفْهُ ـ

فَقِيلَ لَهَا: إِنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَأَتَتْ بَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ.

فَقَالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ.

فَقَالَ: «إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى».

اللَّهُمَّ اجعَلنا من الشَّاكرينَ عندَ الرَّخاءِ، ومن الصَّابرينَ عندَ البلاءِ، ومن الرَّاضينَ بِمُرِّ القضاءِ، ولا تُحَمِّلنا ما لا طاقةَ لنا به يا أرحَمَ الرَّاحمينَ. آمين.

أقولُ هَذا القَولَ، وأَستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم، فَاستَغفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.

**      **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 1/رجب /1434هـ، الموافق:10/أيار / 2013م

 2013-05-10
 6021
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

17-05-2024 89 مشاهدة
914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي ... المزيد

 17-05-2024
 
 89
10-05-2024 307 مشاهدة
913ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (4)

فَرِيضَةُ الحَجِّ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالإِجْمَاعِ، وَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾. ... المزيد

 10-05-2024
 
 307
02-05-2024 556 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 556
26-04-2024 509 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 509
19-04-2024 808 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 808
12-04-2024 1530 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 1530

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4799
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414910854
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :