84 ـ كلمة شهر صفر 1435هـ : وقفة المؤمن مع القضاء والقدر

84 ـ كلمة شهر صفر 1435هـ : وقفة المؤمن مع القضاء والقدر

 

 84 ـ كلمة شهر صفر 1435هـ : وقفة المؤمن مع القضاء والقدر

مقدمة الكلمة:

فيَأيُّها الإخوة الكرام:  إنَّ ما يَجري اليَومَ ومَا جَرى سَابِقاً ومَا سَيجرِي لاحِقاً إنَّما هوَ بِقَضاءِ الله تعالى وقَدَرِهِ، ولهُ في ذلكَ حِكمَةٌ بالِغَةٌ، قَدَرُ الله تعالى مُحكَمٌ لا لَعِبَ فيهِ ولا باطِلَ، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّار﴾. وقال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِين * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُون﴾.

عَقيدَتُنا أنَّ ما يَجري في الكَونِ إنَّمَا يَجرِي لِحِكَمٍ عَظيمَةٍ بالِغَةٍ، أدرَكْنا بَعضَها وغابَ عنَّا الكَثيرُ منها، عَقيدَتُنا أنَّ ما يَجري بِحِكمَةِ الله تعالى العَظيمِ، لهُ الحِكمَةُ في كُلِّ ما يَقضي ويُقَدِّرْ ﴿لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُون﴾.

وِقفَةُ المُؤمِنِ معَ القَضاءِ والقَدَرِ:

يا عِبادَ الله، المُؤمِنُ بالله تعالى إنْ أصابَهُ خَيرٌ شَكَرَ اللهَ تعالى على نِعَمِهِ التي لا تُعَدُّ ولا تُحصى، واستَعانَ بها على ما يُرضي رَبَّهُ عزَّ وجلَّ، وتَقَرَّبَ إلَيهِ من صَالِحِ الأقوالِ والأفعالِ؛ وإنْ أصابَهُ ضُرٌّ وَقَفَ وِقفَةَ العاقِلِ المُتَدَبِّرِ معَ قَضاءِ الله تعالى وقَدَرِهِ، وعَلِمَ:

أولاً: أنَّ ما وَقَعَ هوَ ابتِلاءٌ وامتِحانٌ، قال تعالى: ﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُون * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين﴾.

ثانياً: أنَّ ما وَقَعَ هوَ تَمحيصٌ وتَمييزٌ، قال تعالى: ﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ واللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور﴾. وقال تعالى: ﴿ما كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾.

ثالثاً: أنَّ ما وَقَعَ قد يَكونُ عُقُوبَةً على تَرْكِ الواجِباتِ وفِعلِ المَحظوراتِ، قال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِير﴾. وقال تعالى: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير﴾.

رابعاً: أنَّ ما وَقَعَ يَدفَعُ المُؤمِنَ لأنْ يَبحَثَ في نَفسِهِ ومَكامِنِ الخَطَأِ فيها، ويَعلَمَ أنَّ اللهَ تعالى أعدَلُ العادِلينَ، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَـكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون﴾. وقال تعالى: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِّلْعَبِيد﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: لنَكُن حَرِيصِينَ كُلَّ الحِرصِ على سلامَةِ العَقِيدَةِ في هذِهِ الأزمَةِ، وأَرجُو الله تعالى أن لا تَصِلَ خُيُوطُهَا إلى عَقِيدَتِنَا.

اللهمَّ ثَبِّتنَا بِالقَولِ الثَّابِتِ في الحياةِ الدُّنيَا وفِي الآخِرَة، واكشِف عَنَّا هذِهِ الغُمَّةَ، ولا تُحَمِّلنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ. آمين

**        **     **

تاريخ المقال:

الأربعاء: 1/صفر /1435هـ، الموافق: 4/كانون الأول/ 2013م
 2013-12-04
 31308
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

24-06-2025 157 مشاهدة
227ـ أجلنا محتوم

وَدَّعْنَا عَامًا هِجْرِيًّا مَضَى مِنْ عُمُرِنَا وَاسْتَقْبَلْنَا عَامًا هِجْرِيًّا جَدِيدًا، لَا نَدْرِي أَيَنْتَهِي فِيهِ أَجَلُنَا أَمْ لَا. عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ عِلْمَ الْيَقِينِ أَنَّ الْمَوْتَ حَتْمٌ لَازِمٌ لَا مَنَاصَ مِنْهُ لِكُلِّ ... المزيد

 24-06-2025
 
 157
27-05-2025 204 مشاهدة
226ـ هل من مغتنم؟

هَذِهِ العَشْرُ قَدْ أَقْبَلَتْ، وَأَبْوَابُ التَّنَافُسِ فِيهَا قَدْ فُتِحَتْ، فَهَلْ مِنْ مُنَافِسٍ فِي الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي يُحِبُّهَا اللهُ تَعَالَى؟ فَالأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ الَّتِي يُحِبُّهَا اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الأَيَّامِ ... المزيد

 27-05-2025
 
 204
30-04-2025 243 مشاهدة
225ـ لا تحزنوا فالله معكم

الإِيمَانُ الحَقِيقِيُّ يُخْرِجُ العَبْدَ مِنَ الشَّدَائِدِ وَالمِحَنِ وَالكُرُوبِ، وَيَجْعَلُهُ فِي حَالَةِ ارْتِبَاطٍ بِاللهِ تَعَالَى وَاليَوْمِ الآخِرِ، الإِيمَانُ هُوَ دِرْعُ وَسِلَاحُ وَمَنَارُ المُؤْمِنِ وَقْتَ الشَّدَائِدِ القَاسِيَةِ، ... المزيد

 30-04-2025
 
 243
06-04-2025 379 مشاهدة
224ـ ما أجمل الأتقياء وأكرمهم

مَا أَجْمَلَ الأَتْقِيَاءَ وَأَكْرَمَهُمْ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، تَآلَفَتْ قُلُوبُهُمْ فِي اللهِ تَعَالَى وَعَلَى طَاعَتِهِ، وَهَذَا مِنْ فَضْلِ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، قَالَ تَعَالَى: ﴿فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ ... المزيد

 06-04-2025
 
 379
04-03-2025 416 مشاهدة
223ـ اعتبروا الناس بأعمالهم

مَنْ حُجِبَ عَنِ العِلْمِ عَذَّبَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى جَهْلِهِ، وَأَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا مَنْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ العِلْمُ فَأَدْبَرَ عَنْهُ، وَسَاقَ اللهُ إِلَيْهِ الهُدَى فَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ ... المزيد

 04-03-2025
 
 416
08-01-2025 1030 مشاهدة
221ـ نموذجان من المسلمين اليوم

الإِنْسَانُ خُلِقَ لِلْجَنَّةِ، وَالجَنَّةُ خُلِقَتْ لَهُ، وَالجَنَّةُ هِيَ سِلْعَةٌ، وَسِلْعَةُ اللهِ غَالِيَةٌ، وَثَمَنُهَا فِي الدُّنْيَا؛ فَمَا هُوَ ثَمَنُ الجَنَّةِ؟ ثَمَنُ الجَنَّةِ هُوَ العِبَادَةُ للهِ تعالى، وَالإِسْلَامُ عَقَائِدُ ... المزيد

 08-01-2025
 
 1030

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5701
المقالات 3236
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 424910922
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :