مع الصحابة و آل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم
1ـ تبجيل آل البيت واحترامهم
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: حُبُّ آل بَيتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَرْضٌ على كُلِّ مُسلِمٍ ومُسلِمَةٍ، ولا يَكمُلُ إِيمَانُ المُؤمِنِ إلا بِحُبِّ آلِ بَيتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
كَيفَ لا يَكُونُ حُبُّهُم فَرْضَاً على كُلِّ مُسلِمٍ، وقد سَطَّرَ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ فَضْلَ آلِ البَيتِ في كِتَابِهِ العَظِيمِ تَسْطِيرَاً؟ قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾.
كَيفَ لا يَكُونُ حُبُّهُم فَرْضَاً على كُلِّ مُسلِمٍ، وقد بَيَّنَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَضَائِلَهُم ومَنَاقِبَهُم في حَدِيثِهِ الشَّرِيفِ الذي يَروِيهِ الإمام مسلم رَحِمَهُ اللهُ تعالى، عن زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْماً فِينَا خَطِيباً بِمَاءٍ يُدْعَى خُمَّاً بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَوَعَظَ وَذَكَّرَ.
ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ، أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللهِ، فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ، فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ، وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ».
فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللهِ، وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَأَهْلُ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي»؟
الدُّعَاءُ لآلِ البَيتِ في كُلِّ صَلاةٍ:
أيُّها الإخوة الكرام: حُبُّ آلِ بَيتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَرْضٌ على الأُمَّةِ، ومن مَظَاهِرِ الحُبِّ والوَفَاءِ لآلِ البَيتَ أنَّ كُلَّ مُسلِمٍ يَدعُو اللهَ تعالى لَهُم في كُلِّ صَلاةٍ من صَلاتِهِ، وأن يَذْكُرَهُمُ اللهُ تعالى في المَلأِ الأَعلَى، وأن يُنزِلَ عَلَيهِمُ البَرَكَاتِ من السَّمَاءِ.
روى الشيخان عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ فَقَالَ: أَلَا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً سَمِعْتُهَا مِن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
فَقُلْتُ: بَلَى، فَأَهْدِهَا لِي.
فَقَالَ: سَأَلْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ، فَإِنَّ اللهَ قَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ؟
قَالَ: «قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ».
تَبْجِيلُ الصَّحَابَةِ لآلِ البَيتِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد جَسَّدَ لَنَا أَصحَابُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَيْفِيَّةَ الحُبِّ والتَّبْجِيلِ والوَفَاءِ لآلِ بَيتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لأنَّ أَصحَابَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هُمُ الذينَ شَهِدَ اللهُ تعالى لَهُم بِقَولِهِ: ﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً﴾.
لقد كَانَ أَصحَابُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُبَجِّلُونَ قَرَابَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَيَرعُونَ وَاجِبَاتِهِم أَكمَلَ الرِّعَايَةِ، ويَعتَنُونَ بِحُرُمَاتِهِم أَنبَلَ العِنَايَةِ.
تَبْجِيلُ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ لآلِ البَيتِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ سَيِّدُنَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يُحِبُّ آلَ البَيتِ ويَصِلُهُم أَكثَرَ من حُبِّهِ وصِلَتِهِ لِقَرَابَتِهِ.
روى الشيخان عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها قَالَت: فَاضَتْ عَيْنَا أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي.
وروى الإمام البخاري عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ارْقُبُوا مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ.
تَبْجِيلُ الفَارُوقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ لآلِ البَيتِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ سَيِّدُنَا الفَارُوقُ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يُحِبُّ آلَ البَيتِ ويُبَجِّلُهُم ويَتَوَسَّلُ بِهِم إلى اللهِ تعالى.
روى الإمام البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا.
قَالَ: فَيُسْقَوْنَ.
تَبْجِيلُ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ لآلِ البَيتِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ سَيِّدُنَا زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يُحِبُّ آلَ البَيتِ ويُجِلُّهُم ويُبَجِّلُهُم أَعظَمَ تَبْجِيلٍ.
أَخرَجَ بنُ عَسَاكِرَ أنَّ زَيدَ بنَ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ رَكِبَ يَوْمَاً، فَأَخَذَ ابنُ عَبَّاسٍ بِرِكَابِهِ، فَقَالَ لَهُ: تَنَحَّ يا ابنَ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ!
فَقَالَ لَهُ: هَكَذَا أُمِرْنَا أن نَفْعَلَ بِعُلَمَائِنَا وَكُبَرَائِنَا.
فَقَالَ زَيدٌ: أَرِنِي يَدَكَ.
فَأَخرَجَ يَدَهُ، فَقَبَّلَهَا، فَقَالَ: هَكَذَا أُمِرْنَا أن نَفْعَلَ بِأَهْلِ بَيتِ نَبِيِّنَا.
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد أُمِرْنَا بِتَعْظِيمِ وحُبِّ آلِ بَيتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، روى الترمذي عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَحِبُّوا اللهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ مِنْ نِعَمِهِ، وَأَحِبُّونِي بِحُبِّ اللهِ، وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي بِحُبِّي».
ولقد عَلَّمَنَا الصَّحَابَةُ الكِرَامُ رَضِيَ اللهُ عَنهُم كَيفَ يَكُونُ الحُبُّ الصَّادِقُ لآلِ بَيتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذينَ قَابَلُوا هذا الحُبَّ بِحُبٍّ، والاحتِرَامَ باحتِرَامٍ.
أَسأَلُ اللهَ تعالى أن يُعَطِّفَ عَلَينَا قَلْبَ الحَبِيبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وقُلُوبَ آلِ بَيتِهِ الأَطْهَارِ، وصَحَابَتِهِ الأَخْيَارِ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
** ** **
تاريخ الكلمة:
الخميس: 4/ربيع الأول /1435هـ، الموافق: 25/كانون الأول / 2014م
اضافة تعليق |
ارسل إلى صديق |
نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى الوُقُوفِ أَمَامَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ ... المزيد
الحِرْصُ عَلَى الذُّرِّيَّةِ وَالأَوْلَادِ مَطْلَبٌ مِنْ مَطَالِبِ الشَّرِيعَةِ، لِأَنَّ الأَبَوَيْنِ مَسْؤُولَانِ عَنِ الذُّرِّيَّةِ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارَاً وَقُودُهَا النَّاسُ ... المزيد
إِنَّ اللهَ تعالى سَيَسْأَلُ عَنْ صُحْبَةِ سَاعَةٍ، فَهَلِ الوَاحِدُ مِنَّا حَرِيصٌ عَلَى صَاحِبِهِ يُذَكِّرُهُ بِاللهِ تعالى؟ لِأَنَّ الذي يَصْطَفي لِنَفْسِهِ صَاحِبَاً فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى حُبِّهِ لِصَاحِبِهِ، وَمَنْ أَحَبَّ صَاحِبَهُ في ... المزيد
لَقَدْ طَبَعَ اللهُ تعالى الإِنْسَانَ عَلَى حُبِّ المَالِ، وَجَعَلَهُ مِنِ زِينَةِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، قَالَ تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابَاً وَخَيْرٌ ... المزيد
إِنَّ حُبَّ اللهِ تعالى، وَحُبَّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يُعْطِيَانِ للإِنْسَانِ الكَمَالَ وَالشَّرَفَ وَالعِزَّةَ وَالرِّفْعَةَ وَالمَكَانَةَ، بَلْ يُعْطِيَانِ الُمؤْمِنَ القُدْرَةَ ... المزيد
زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَعُدَّةُ الزَّمَانِ بَعْدَ اللهِ تعالى الشَّبَابُ النَّاشِؤُونَ في طَاعَةِ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ، الذينَ تَكَادُ أَنْ لَا تَعْرِفَ لَهُمْ زَلَّةً، أَو تُعْهَدَ عَنْهُمْ صَبْوَةٌ، الذينَ يَتَسَابَقُونَ في مَيَادِينِ ... المزيد