الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَالسُّنَّةُ أَنْ تَكُونَ التَّضْحِيَةُ في بَلَدِ المُضَحِّي، وَفِي ذَلِكَ مَصَالِحُ كَثِيرَةٌ قَدْ تَفُوتُ المُضَحِّي إِذَا ضَحَّى في غَيْرِ بَلَدِهِ، وَمِنْ فَوَائِدِ التَّضْحِيَةِ في بَلَدِ المُضَحِّي:
أَوَّلًا: إِحْيَاءُ هَذِهِ الشَّعِيرَة في بَلَدِ المُضَحِّي.
ثَانِيًا: حَتَّى لَا يُفَوِّتَ المُضَحِّي تَطْبِيقَ السُّنَّةِ، بِأَنْ يُضَحِّيَ بِنَفْسِهِ، فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ضَحَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، قَالَ: وَرَأَيْتُهُ يَذْبَحُهُمَا بِيَدِهِ، وَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا، قَالَ: وَسَمَّى وَكَبَّرَ.
ثَالِثًا: حَتَّى لَا يُفَوِّتَ المُضَحِّي شُهُودَ أُضْحِيَتِهِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِلسَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: «يَا فَاطِمَةُ، قَوْمِي إِلَى أُضْحِيَّتِكَ فَاشْهَدِيهَا، فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَكِ عِنْدَ أَوَّلِ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ عَمِلْتِيهِ، وَقُولِي: إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ».
قَالَ عِمْرَانُ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا لَكَ وَلِأَهْلِ بَيْتِكِ خَاصَّةً، فَأَهْلُ ذَاكَ أَنْتُمْ، أَمْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً؟
قَالَ: «لَا، بَلْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً» رَوَاهُ الحَاكِمُ.
رَابِعًا: حَتَّى لَا يُفَوِّتَ المُضَحِّي سُنَّةَ الأَكْلِ مِنْهَا، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِير﴾.
خَامِسًا: حَتَّى لَا يُفَوِّتَ انْتِفَاعَ أَهْلِ البَلْدَةِ مِنْ هَذِهِ الأُضْحِيَةِ، وَخَاصَّةً إِذَا وَجَدَ فِيهَا الفُقَرَاءَ وَأَصْحَابَ الحَاجَةِ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَالسُّنَّةُ أَنْ يُضَحِّيَ المُؤْمِنُ في بَلَدِهِ، وَلَكِنْ إِذَا ضَحَّى في غَيْرِ بَلَدِهِ لِحَاجَةٍ قَدْ يَرَاهَا هُوَ، فَلَا حَرَجَ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، وَإِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى تَكُونُ مَقْبُولَةً. هذا، والله تعالى أعلم.