الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدِ اتَّفَقَ الفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ رَمْيَ الجِمَارِ وَاجِبٌ مِنْ وَاجِبَاتِ الحَجِّ، لِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلِقَوْلِهِ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ.
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ».
وَهَذَا مَا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الأُمَّةُ.
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ تَرَكَ رَمْيَ الجِمَارِ بِغَيْرِ عُذْرٍ كَانَ آثِمًا، وَوَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ تَرَكَهُ بِعُذْرٍ لَا يَأْثَمُ، وَلَكِنْ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ.
كَمَا اتَّفَقَ الفُقَهَاءُ عَلَى صِحَّةِ جَوَازِ الإِنَابَةِ في الرَّمْيِ لِلْمَعْذُورِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَرْمِيَ بِنَفْسِهِ.
فَإِنْ تَرَكَ رَمْيَ الجِمَارِ بِسَبَبِ تَعَجُّلِهِ في السَّفَرِ وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ، وَلَا تَصِحُّ وَكَالَتُهُ لِغَيْرِهِ، لِأَنَّ التَّعَجُّلَ لَيْسَ بِعُذْرٍ، وَكَانَ مِنَ الوَاجِبِ عَلَيْهِ أَنْ يُرَتِّبَ جَدْوَلَ سَفَرِهِ ذَهَابًا وَإِيَابًا في الحَجِّ.
وَنَصَّ الفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ تَرَكَ وَاجِبًا مِنْ وَاجِبَاتِ الحَجِّ عَمْدًا كَانَ آثِمًا وَعَلَيْهِ الفِدَاءُ، وَهَذَا يَجْعَلُ حَجَّهُ غَيْرَ مَبْرُورٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: مَنْ تَرَكَ وَاجِبًا لَزِمَهُ الدَّمُ، وَمَنْ تَرَكَ سُنَّةً لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ.
وَيَجِبُ أَنْ يَذْبَحَ الدَّمَ في مَكَّةَ المُكَرَّمَةِ، وَيُوَزَّعَ لَحْمُهُ عَلَى الفُقَرَاءِ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |