الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ ذَكَرَ الفُقَهَاءُ بِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الحَجِّ الإِحْرَامَ، وَالإِحْرَامُ هُوَ النِّيَّةُ مَعَ التَّلْبِيَةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَنْوِيَ في قَلْبِهِ مَا يُرِيدُ مِنَ النُّسُكِ، الحَجَّ أَو العُمْرَةَ، أَو هُمَا مَعًا، ثُمَّ يَقُولَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ. هذا أولًا.
ثانيًا: ذَكَرَ الفُقَهَاءُ مَسْأَلَةَ الإِحْصَارِ مِنْ خِلَالِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾. فَإِذَا تَحَقَّقَ الإِحْصَارُ جَازَ للمُحْصِرِ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْ إِحْرَامِهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَنْوِيَ التَّحَلُّلَ، وَيَبْعَثَ شَاةً تُذْبَحُ عَنْهُ في الحَرَمِ ـ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ ـ أَو يَبْعَثَ بِثَمَنِهَا لِتُشْتَرَى بِهِ، ثُمَّ تُذْبَحَ هُنَاكَ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا ذُبِحَتْ تَحَلَّلَ بَعْدَ الذَّبْحِ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾. وَمَحِلُّهُ الحَرَمُ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إلى أَنَّهُ يَذْبَحُهَا في مَوْضِعِ إِحْصَارِهِ، وَلَا حَاجَةَ أَنْ يَبْعَثَهَا إلى الحَرَمِ، لِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَحَرَ في الحُدَيْبِيَةِ حَيْثُ أُحْصِرَ، وَرَدَّ الحَنَفِيَّةُ هَذَا، وَقَالُوا: إِنَّ طَرَفَ الحُدَيْبِيَةِ مِنَ الحَرَمِ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَإِنْ قُلْتَ هَذِهِ الصِّيغَةَ بِنِيَّةِ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ رُوحًا وَجَسَدًا أَصْبَحْتَ مُحْرِمًا، وَإِنْ قَرَأْتَهَا قِرَاءَةً بِدُونِ التَّحَقُّقِ بِالنِّيَّةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْكَ.
وَأَمْرٌ آخَرُ: هَذِهِ النِّيَةُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ، لِأَنَّهَا رَبَطَتِ النِّيَّةَ بِالرُّوحِ، وَإِذَا كَانَ الحَجُّ بِالرُّوحِ دُونَ الجَسَدِ فَلَنْ يَكُونَ فِيهِ جِدَالٌ وَلَا رِيَاءٌ وَلَا مُفَاخَرَةٌ وَلَا سُمْعَةٌ. هذا، والله تعالى أعلم.