124ـ كلمة شهر جمادى الثانية 1438: ﴿وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾

124ـ كلمة شهر جمادى الثانية 1438: ﴿وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾

 

124ـ كلمة شهر جمادى الثانية 1438: ﴿وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: نَقْرَأُ كَلَامَ اللهِ تعالى وَنَسْمَعُهُ، وَكَأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِينَا، وَلَا يُغَيِّرُ مِنْ مَوَاقِفِنَا وَأَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا؛ نَقْرَأُ كَلَامَ اللهِ تعالى وَنَسْمَعُهُ، وَلَا يُؤَثِّرُ في سُلُوكِنَا وَأَخْلَاقِنَا، وَنَحْنُ على مَا نَحْنُ عَلَيْهِ، على عَكْسِ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذينَ كَانُوا يَتَأَثَّرُونَ بِهِ وَيَنْفَعِلُونَ لَهُ أَشَدَّ الانْفِعَالِ، حَتَّى صَارُوا مَضْرِبَ مَثَلٍ للمُجْتَمَعِ المِثَالِيِّ، مُجْتَمَعِ العِزَّةِ، مُجْتَمَعِ الخُضُوعِ للهِ تعالى، لَا للأَهْوَاءِ وَالعَصَبِيَّاتِ، مُجْتَمَعِ المَحَبَّةِ الصَّادِقَةِ، مُجْتَمَعِ الوُضُوحِ وَالصِّدْقِ في التَّعَامُلِ.

نَقْرَأُ القُرْآنَ العَظِيمَ وَلَا نَتَأَثَّرُ بِهِ، وَتَمُرُّ عَلَيْنَا الآيَاتُ آيَاتُ الإِنْذَارِ، وَآيَاتُ التَّرْغِيبِ وَلَا تُحَرِّكُ فِينَا شَيْئَاً، وَكَانَ سَلَفُنَا الصَّالِحُ إِذَا قَرَأَهَا أَو سَمِعَهَا تَأَثَّرَ لَهَا التَّأَثُّرَ الكَبِيرَ.

﴿وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: آيَةٌ في كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَو تَدَبَّرْنَاهَا لَصَلَحَ حَالُنَا، وَزَالَ البَأْسُ مِنْ بَيْنِنَا، آيَةٌ في كِتَابِ اللهِ شَدِيدَةٌ وَعَظِيمَةٌ على المُتَّقِينَ، أَلَا وَهِيَ قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾.

إِنَّ أَحَدَنَا قَدْ يَعْمَلُ ذَنْبَاً ثُمَّ يَحْتَقِرُهُ وَيَسْتَهِينُ بِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبَاً في هَلَاكِهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنَاً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ﴾.

أَيْنَ نَحْنُ مِنْ سَلَفِنَا الصَّالِحِ؟ روى الإمام البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالَاً، هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعَرِ، إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ المُوبِقَاتِ (يَعْنِي بِذَلِكَ المُهْلِكَاتِ). هَذَا كَلَامُ سَيِّدِنَا أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِأَقْوَامٍ مِنَ التَّابِعِينَ، فَكَيْفَ لَو رَأَى حَالَنَا اليَوْمَ؟

كَيْفَ لَوْ رَأَى سَفْكَ الدِّمَاءِ، وَسَلْبَ الأَمْوَالِ، وَبَثَّ السُّمُومِ لِتَفْرِيقِ الأُمَّةِ وَتَمْزِيقِ شَمْلِهَا؟ كَيْفَ لَوْ رَأَى الفَوَاحِشَ التي تُرْتَكَبُ جِهَارَاً نَهَارَاً، مِنْ كُفْرٍ بِاللهِ تعالى، وَسُفُورٍ وَتَبَرُّجٍ، وَتَحْرِيضٍ على الفَوَاحِشِ؟

لَوْ كُنَّا عُقَلَاءَ لَخَشِينَا اللهَ تعالى:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ أَعْظَمَ مَا يَجِبُ أَنْ نَخْشَاهُ إِنْ كُنَّا عُقَلَاءَ أَنْ نَكُونَ مِمَّنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنَاً ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالَاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعَاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنَاً﴾.

يَقُولُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: لَمَّا حَضَرَتْ مُحمَّدَ بْنَ المُنْكَدِرِ الوَفَاةُ جَزِعَ، فَدَعَوْا لَهُ أَبَا حَازِمٍ؛ فَجَاءَ فَقَالَ لَهُ: ابْنَ المنكدر: إِنَّ اللهَ يَقُولُ: ﴿وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾. فَأَخَافُ أَنْ يَبْدُوَ لِي مِنَ اللهِ مَا لَمْ أَكُنْ أَحْتَسِبُ.

فَجَعَلَا يَبْكِيَانِ جَمِيعَا.ً خَرَّجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ؛ وَزَادَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: فَقَالَ لَهُ أَهْلُهُ: دَعَوْنَاكَ لِتُخَفِّفَ عَلَيْهِ فَزِدْتَهُ؟!

فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا قَالَ. /كَذَا في مَوَارِدِ الظَّمْآنِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الإِصْرَارُ على المَعَاصِي وَتَبْرِيرُهَا قَدْ يَكُونُ سَبَبَاً في سُوءِ خَاتِمَةِ العَبْدِ ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالَاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعَاً﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنَنْظُرْ إلى الفَارِقِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلَفِنَا الصَّالِحِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، جَاءَ في سِيرَةِ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ عَنِ المُزَنِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الشَّافِعِيِّ رَضِيَ الله عَنْهُ فِيْ عِلَّتِهِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا، فَقُلْتُ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟

قَالَ: أَصْبَحْتُ مِنَ الدُّنْيَا رَاحِلَاً، وَلإِخْوَانِي مُفَارِقَاً، وَبِكَأْسِ المَنِيَّةِ شَارِبَاً، وَلِسُوءِ أَعْمَالِي مُلاقِيَاً، وَعَلَى اللهِ تَعَالَى وَارِدَاً، فَلا أَدْرِي رُوحِي تَصِيرُ إِلَى الْجَنَّةِ فَأُهَنِّيهَا، أَوْ إِلَى النَّارِ فَأُعَزِّيهَا، ثُمَّ بَكَى الشَّافِعِيُّ؛ وَأَنْشَأَ يَقُولُ:

وَلَمَّا قَسَا قَلْبِي وَضَاقَتْ مَـذَاهِـبِـي   ***   جَعَلْتُ رَجَائِي نَحْوَ عَفْوِك سُلَّمَاً

تَـعَـاظَـمَـنِـي ذَنْـبِي فَـلَمَّا قَـرَنْـتُـهُ   ***   بِـعَـفْـوِكَ رَبِّي كَانَ عَفْوُكَ أَعْظَمَا

وَمَا زِلْتَ ذَا عَفْوٍ عَنِ الذَّنْبِ لَمْ تَزَلْ   ***   تَجُودُ وَتَـعْـفُ مِـنَّـةً وَتَـكَـرُّمَــا

أَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخِتَامِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الثلاثاء: 1/ جمادى الثانية /1438هـ، الموافق: 28/شباط / 2017م

 2017-03-01
 3430
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

05-06-2024 142 مشاهدة
214ـ أفضل الأشهر

هَذِهِ أَيَّامُ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ قَدْ أَقْبَلَتْ، فَاسْمَعُوا إلى هَدْيِ حَبِيبِكُمُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى ... المزيد

 05-06-2024
 
 142
09-05-2024 277 مشاهدة
213ـ أقبلوا على الملك العليم العلام

إِنَّ حَيَاةَ الإِنْسَانِ مَحْدُودَةُ الآجَالِ، وَأَيَّامَهُ وَلَيَالِيَهُ تَمْضِي سَرِيعَةً إلى الزَّوَالِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا يَنْتَقِلُ مِنْ حَالٍ إلى حَالٍ، وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ في كِتَابِهِ العَظِيمِ: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا ... المزيد

 09-05-2024
 
 277
09-04-2024 429 مشاهدة
212ـ كيف تستقبل العيد أنت؟

هَا هُوَ يَوْمُ العِيدِ قَدْ جَاءَ بَعْدَ طَاعَةٍ عَظِيمَةٍ، بَعْدَ رُكْنٍ عَظِيمٍ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، كَيْفَ لَا يَأْتِي يَوْمُ عِيدٍ بَعْدَ انْتِهَاءِ شَهْرٍ عَظِيمٍ مُبَارَكٍ أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ، الذي هُوَ سِرُّ سَعَادَتِنَا؟ ... المزيد

 09-04-2024
 
 429
13-03-2024 399 مشاهدة
211ـ القرآن أنيسنا

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ شَهْرُ الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ... المزيد

 13-03-2024
 
 399
09-02-2024 602 مشاهدة
210ـ انظر عملك في شهر شعبان

أَخْرَجَ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ. قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ ... المزيد

 09-02-2024
 
 602
13-01-2024 461 مشاهدة
209ـ اغتنام ليل الشتاء

الدُّنْيَا دَارُ عَمَلٍ، وَفُرْصَةُ تَزَوُّدٍ لِيَوْمِ الرَّحِيلِ، قَالَ تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾.  الأَيَّامُ تَتَعَاقَبُ وَتَتَوَالَى، وَهَا نَحْنُ في الشِّتَاءِ، فَلْنَسْمَعْ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ ... المزيد

 13-01-2024
 
 461

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3168
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 415595409
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :