19- الفائدة المجناة من عيد المولد

19- الفائدة المجناة من عيد المولد

19ـ خطبة الجمعة: الفائدة المجناة من عيد المولد

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فيا عباد الله:

فَهَذَا شَهْرُ الرَّبِيعِ قَدِ انْصَرَفَ، وَارْتَحَلَ عَنْ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَأُمَّةُ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ احْتَفَلَتْ بِذِكْرَى مَوْلِدِ الحَبِيبِ الأَعْظَمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، سَمِعُوا الكَلِمَاتِ، وَسَمِعُوا المَوَاعِظِ، وَسَمِعُوا شَيْئًا عَنْ شَمَائِلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّنِي رَأَيْتُ اليَوْمَ أَنْ آتِيَ بِخُلَاصَةٍ عَنْ هَذِهِ الشَّخْصِيَّةِ العَظِيمَةِ، شَخْصِيَّةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَيْثُ يُعَرِّفُنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَاتِهِ وَعَنْ هُوِيَّتِهِ.

انْظُرُوا إِلَى كَلَامِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كَلَامِ الوَاثِقِ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ، كَلَامِ الصَّادِقِ المَصْدُوقِ الَّذِي يُصَدِّقُهُ الزَّمَنُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ.

عِنْدَمَا يَقِفُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِيَقُولَ كَلِمَةَ أَنَا، وَكَلِمَةَ إِنِّي، وَأَكْثَرُنَا عِنْدَمَا يَقُولُ كَلِمَةَ أَنَا يَسْتَعِيذُ بِاللهِ مِنْ شَرِّ نَفْسِهِ أَنْ تَدْخُلَ عَلَيْهِ، أَحَدُنَا عِنْدَمَا يَقُولُ كَلِمَةَ أَنَا لَا رَصِيدَ لَهُ فِي هَذِهِ الكَلِمَةِ، فَرُبَّمَا أَنْ يُصَدِّقَهُ الوَاقِعُ وَرُبَّمَا أَنْ يُكَذِّبَهُ.

أَمَّا سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَمَا أَجْمَلَ كَلِمَةَ أَنَا إِذَا صَدَرَتْ مِنْ قَلْبِهِ الشَّرِيفِ عَلَى لِسَانِهِ الشَّرِيفِ، لِتَشْرُفَ مَسَامِعُنَا.

وَعِنْدَمَا يَأْتِي النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِيَقُولَ كَلِمَةَ أَنَا، أَوْ لِيَقُولَ كَلِمَةَ إِنِّي، مَا قَالَهَا إِلَّا بِنَاءً عَلَى أَمْرٍ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِذَا قُلْتُ وَقُلْتَ أَنَا وَإِنِّي بِنَاءً عَلَى أَمْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَمَا أَجْمَلَ هَذِهِ الكَلِمَةَ، أَمَّا إِذَا صَدَرَتْ كَلِمَةُ أَنَا وَإِنِّي وَهِيَ بَعِيدَةٌ عَنْ شَرْعِ اللهِ، فَمَا أَقْبَحَ هَذِهِ الكَلِمَةَ الَّتِي تَصْدُرُ مِنْ هَذَا العَبْدِ الغَافِلِ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

هُنَاكَ مَنْ قَالَ أَنَا فَطُرِدَ مِنْ رَحِمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، عِنْدَمَا قَالَ الشَّيْطَانُ: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾، فَطُرِدَ مِنْ رَحِمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

وَعِنْدَمَا قَالَ فِرْعَوْنُ: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى * فَأَخَذَهُ اللهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى﴾.

تَعَالَوْا لِنَنْظُرْ إِلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ أَنَا وَإِنِّي، امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾. وَحَقًّا كَانَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُنْذِرًا، وَأَنْذَرَ قَوْمَهُ، وَعِنْدَمَا أَعْرَضُوا جَاءَ مَا تَوَعَّدَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ. مَا أَجْمَلَ هَذِهِ الكَلِمَةَ الَّتِي لَهَا رَصِيدٌ عِنْدَ اللهِ جَلَّ وَعَلَا، فَالوَاقِعُ يُصَدِّقُ كَلَامَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الَّذِي جَاءَ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ.

وَمَا أَجْمَلَ كَلِمَةَ إِنِّي عِنْدَمَا صَدَرَتْ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ ـ كَمَا ذَكَرَ رَبُّنَا جَلَّ وَعَلَا ذَلِكَ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ ـ: ﴿إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ وَجَاءَ الوَاقِعُ لِيُصَدِّقَ كَلَامَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَمَا مِنْ نَبِيٍّ بَعْدَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

انْظُرُوا إِلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ كَلِمَةَ أَنَا مَا أَجْمَلَهَا وَأَرْوَعَهَا مِنْ كَلِمَةٍ، كَمَا يُحَدِّثُنَا الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَسَّمَ الْخَلْقَ قِسْمَيْنِ، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهَا قِسْمًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ﴾ ﴿وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ﴾، فَأَنَا مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، وَأَنَا مِنْ خَيْرِ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، ثُمَّ جَعَلَ الْقِسْمَيْنِ بُيُوتًا، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمَا بَيْتًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ﴾، فَأَنَا مِنْ خَيْرِ السَّابِقِينَ، ثُمَّ جَعَلَ الْبُيُوتَ قَبَائِلَ، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهَا قَبِيلَةً، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿شُعُوبًا وَقَبَائِلَ﴾، فَأَنَا أَتْقَى وَلَدِ آدَمَ وَأَكْرَمُهُمْ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا فَخْرَ، ثُمَّ جَعَلَ الْقَبَائِلَ بُيُوتًا، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهَا بَيْتًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾.

مَنِ الَّذِي يَجْتَرِئُ أَنْ يَقُولَ هَذِهِ الكَلِمَةَ إِلَّا سَيِّدٌنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَمَا أَجْمَلَ الكَلِمَةَ الَّتِي صَدَرَتْ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَمَا يَرْوِي البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، عِنْدَمَا يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ».

مَا أَجْمَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُعَرِّفُنَا عَنْ ذَاتِهِ الشَّرِيفَةِ، كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي، الَّذِي يُمْحَى بِيَ الْكُفْرُ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى عَقِبِي، وَأَنَا الْعَاقِبُ وَالْعَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ».

وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وَأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ».

وَفِي رِوَايَةِ الإِمَامِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ».

لِمَ كَانَتْ كَلِمَةُ أَنَا الَّتِي صَدَرَتْ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَلِمَةً رَائِعَةً وَجَمِيلَةً، يَطْرَبُ بِهَا الإِنْسَانُ المُؤْمِنُ، وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ عَالِيًا؟ لِأَنَّ هَذِهِ الكَلِمَةَ صَدَرَتْ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِكَمَالِ التَّوَاضُعِ، بِدُونِ اسْتِعْلَاءٍ وَاسْتِكْبَارٍ.

أَمَّا أَحَدُنَا عِنْدَمَا يَقُولُ أَنَا، فَإِنَّ كَلِمَةَ أَنَا الَّتِي تَصْدُرُ مِنْ أَفْوَاهِنَا مَعْجُونَةٌ بِالهَوَى وَالعُجْبِ وَالاسْتِكْبَارِ وَالاسْتِعْلَاءِ عَلَى خَلْقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

أَمَّا سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَكَانَ عَلَى العَكْسِ مِنْ ذَلِكَ تَمَامًا، فَعِنْدَمَا قَالَ: ﴿إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ﴾ وَعِنْدَمَا قَالَ: ﴿إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾. وَعِنْدَمَا قَالَ: «وَأَنَا مِنْ خَيْرِ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ..... فَأَنَا مِنْ خَيْرِ السَّابِقِينَ ...... فَأَنَا أَتْقَى وَلَدِ آدَمَ وَأَكْرَمُهُمْ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا فَخْرَ» عِنْدَمَا يُسْأَلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِ مَخْلُوقٍ عَنْ هُوِيَّتَهِ وَعَنْ ذَاتِهِ، مَا تَشْعُرُ بِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُسْتَعْلٍ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللهِ.

يَا عِبَادَ اللهِ: رَجُلٌ مِنَ المُعَمِّرِينَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَاسْمُهُ أَكْثَمُ بْنُ صَيْفِيٍّ، مَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَأْتِيَ إِلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَرْسَلَ مِنْ قِبَلِهِ وَفْدًا لِيَتَعَرَّفَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَأَمَرَ الوَفْدُ أَنْ يَسْأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَسْئِلَةٍ، مَنْ أَنْتَ؟ وَمَا أَنْتَ؟ وَبِمَ جِئْتَ؟ كَلِمَاتٌ مُخْتَصَرَةٌ.

جَاءَ الوَفْدُ إِلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: يَا مُحَمَّدٌ، إِنَّا رُسُلُ أَكْثَمَ ابْنِ صَيْفِيٍّ، أَرْسَلَ إِلَيْكَ ثَلَاثَةَ أَسْئِلَةٍ، مَنْ أَنْتَ؟ وَمَا أَنْتَ؟ وَبِمَ جِئْتَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ».

انْظُرْ إِلَى هَذَا التَّوَاضُعِ وَالأَخْلَاقِ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ كَمَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ: «وَأَنَا مِنْ خَيْرِ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ..... فَأَنَا مِنْ خَيْرِ السَّابِقِينَ ...... فَأَنَا أَتْقَى وَلَدِ آدَمَ وَأَكْرَمُهُمْ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا فَخْرَ». وَقَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: «آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي، وَلا فَخْرَ».

قَالُوا لَهُ: مَا أَنْتَ؟ قَالَ: «أَنَا رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا».

قَالُوا: بِمَ جِئْتَ؟ قَالَ: «جِئْتُ بِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾».

خَرَجَ الوَفْدُ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ يَحْمِلُونَ هَذِهِ الكَلِمَاتِ، «أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ»، مَنْ هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ فِي مُجْتَمَعِهِ؟ فَسَأَلُوا عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدُوهُ أَوْسَطَ النَّاسِ نَسَبًا، وَلَكِنَّهُ مَا ذَكَرَ النَّسَبَ إِلَّا بِكَلِمَتَيْنِ فَقَطْ فَقَالَ: «أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ».

فَعَادَ القَوْمُ إِلَى سَيِّدِهِمْ وَقَالُوا لَهُ: يَا أَكْثَمُ، سَأَلْنَاهُ مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: «أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ»، فَسَأَلْنَا عَنْ نَسَبِهِ فَوَجَدْنَاهُ أَوْسَطَ النَّاسِ نَسَبًا، فَمَا ارْتَفَعَ بِنَسَبِهِ، إِنَّمَا كَانَ مُتَوَاضِعًا. وَقَالُوا لَهُ: سَأَلْنَاهُ مَا أَنْتَ؟ فَقَالَ: «أَنَا رَسُولُ اللهِ». سَأَلْنَاهُ: بِمَ جِئْتَ؟ فَقَالَ: «جِئْتُ بِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾».

فَنَظَرَ أَكْثَمُ بْنُ صَيْفِيٍّ إِلَى وَفْدِهِ وَقَالَ لَهُمْ: إِنِّي لَا أَرَى هَذَا الرَّجُلَ إِلَّا يَدْعُو إِلَى مَكَارِمِ الأَخْلَاقِ وَيَدَعُ سَفَاسِفَهَا، فَكُونُوا فِي هَذَا الدِّينِ رُؤُوسًا وَلَا تَكُونُوا أَذْنَابًا.

أَتَسْمَعُونَ يَا عِبَادَ اللهِ، هَذَا هُوَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، هَذَا هُوَ الحَبِيبُ الأَعْظَمُ الَّذِي يَقُولُ كَلِمَةَ أَنَا وَلَا تَشْعُرُ مِنْهُ بِشَيْءٍ مِنَ الاسْتِكْبَارٍ عَلَى خَلْقِ اللهِ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي اخْتَارَ النُّبُوَّةَ مَعَ العَبْدِيَّةِ، وَلَمْ يَخْتَرِ النُّبُوَّةِ مَعَ المُلْكِ. كَمَا رَوَى ذَلِكَ الطَّبَرَانِيُّ، كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَبَلِ الصَّفَا مَعَ سَيِّدِنَا جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِجِبْرِيلَ: «يَا جِبْرِيلُ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَمْسَى لِآلِ مُحَمَّدٍ سَفَّةٌ مِنْ دَقِيقٍ، وَلَا كَفٌّ مِنْ سَوِيقٍ» مَا عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنَ الطَّعَامِ.

فَمَا كَانَتِ الكَلِمَةُ صَدَرَتْ مِنْ رَسُولِ اللهِ إِلَّا وَسَمِعَ هَدَّةً عَظِيمَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَمَرَ اللهُ الْقِيَامَةَ أَنْ تَقُومَ؟».

قَالَ: لَا، وَلَكِنْ أَمَرَ اللهُ إِسْرَافِيلَ، فَنَزَلَ إِلَيْكَ حِينَ سَمِعَ كَلَامَكَ، فَأَتَاهُ إِسْرَافِيلُ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ سَمِعَ مَا ذَكَرَتْ، فَبَعَثَنِي إِلَيْكَ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ، وَأَمَرَنِي أَنْ يُعْرَضْنَ عَلَيْكَ إِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ أُسَيِّرَ مَعَكَ جِبَالَ تِهَامَةَ زُمُرُّدًا، ويَاقُوتًا، وَذَهَبًا، وَفِضَّةً فَعَلْتُ، فَإِنْ شِئْتَ نَبِيًّا مَلِكًا، وَإِنْ شِئْتَ نَبِيًّا عَبْدًا؟، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ أَنْ تَوَاضَعَ، فَقَالَ: «بَلْ نَبِيًّا عَبْدًا»، ثَلَاثًا.

يَا عِبَادَ اللهِ: انْظُرُوا إِلَى مَقَامِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لَوْ كَانَ يَحِقُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَكْبِرَ لَكَانَ أَوْلَى النَّاسِ بِذَلِكَ هُوَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَمَا حَالُنَا نَحْنُ يَا عِبَادَ اللهِ؟ أَيُّ نِعْمَةٍ أُوتِينَاهَا بِجَانِبِ نِعْمَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ بِجَانِبِ نِعْمَةِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ، نِعْمَةِ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ إِلَى النَّاسِ جَمِيعًا، حَتَّى نَسْتَعْلِيَ وَنَقُولَ كَلِمَةَ أَنَا وَإِنِّي، الَّتِي تَجْعَلُ النَّاسَ يَنْفِرُونَ مِنَّا وَيَشْمَئِزُّونَ وَلَا يُبَالُونَ بِالنِّعْمَةِ الَّتِي أَسْبَغَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا؟

أَمَّا سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَعِنْدَمَا قَالَ: أَنَا وَإِنِّي، كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ أَجْمَعِينَ، وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ». فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِهِ فِي عَالَمِ الإِنْسِ، عِنْدَمَا يَقُولُ مَوْلَانَا جَلَّ وَعَلَا: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾.

وَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللهِ بِنَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَانَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ أَجْمَعِينَ، انْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِهِ فِي عَالَمِ الإِنْسَانِ وَفِي عَالَمِ الحَيَوَانِ وَفِي عَالَمِ النَّبَاتِ وَفِي عَالَمِ الجَمَادِ.

مَنْ مِنَّا لَا يَذْكُرُ حَنِينَ الجِذْعِ إِلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ مَنْ مِنَّا لَا يَذْكُرُ الجَمَلَ الَّذِي جَاءَ وَسَجَدَ بَيْنَ يَدَيْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ مَنْ مِنَّا لَا يَذْكُرُ هَذَا المَوْقِفَ، عِنْدَمَا جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَدَّ لِي جَمَلٌ، قَالَ: أَيْنَ جَمَلُكَ؟ قَالَ: فِي الحَائِطِ. فَقَامَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَمِنْ جُمْلَتِهِمْ سَيِّدُنَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

فَلَمَّا دَخَلَ إِلَى البُسْتَانِ قَالَ: أَيْنَ الجَمَلُ؟ قَالَ: فِي هَذِهِ النَّاحِيَةِ. فَتَوَجَّهَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ الصِّدِّيقُ: عَلَى رِسْلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ، جَمَلٌ نَادٌّ، نَخَافُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «بَلْ أَنْتَ عَلَى رِسْلِكَ يَا أَبَا بَكْرٍ».

فَتَوَجَّهَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ الجَمَلِ، وَإِذَا بِالجَمَلِ عِنْدَمَا يَرَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِكَامِلِ الأَدَبِ، وَيَقِفُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَيَسْجُدُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَالدُّمُوعُ تَذْرِفُ مِنْ عَيْنَيِ الجَمَلِ، فَمَسَحَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ عَلَى ذِفْرَيْهِ ـ خَلْفَ أُذُنَيْهِ ـ وَأَنْصَتَ إِلَيْهِ، وَإِذَا بِالجَمَلِ كَأَنَّهُ يَشْكُو أَمْرَهُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. فَنَظَرَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَقَالَ: «مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ؟».

قَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ.

قَالَ: «أَلا تَتَّقِي اللهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللهُ إِيَّاهَا، فَإِنَّهُ شَكَاكَ إِلَيَّ وَزَعَمَ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ ـ أَيْ: تتعبه ـ».

يَا عِبَادَ اللهِ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَلِمَةَ أَنَا، فَانْجَذَبَ الكَوْنُ كُلُّهُ إِلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَقُلْنَا نَحْنُ كَلِمَةَ أَنَا فَنَفَرَ الكَوْنُ مِنَّا، نَفَرَتِ الزَّوْجَةُ مِنْ زَوْجِهَا، وَنَفَرَ الوَلَدُ مِنْ أَبِيهِ، وَنَفَرَ الأَخُ مِنْ أَخِيهِ، لِأَنَّ كَلِمَةَ أَنَا خَرَجَتْ مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ مَغْرُورٍ.

يَا أُمَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتُمْ تُوَدِّعُونَ شَهْرَ رَبِيعٍ الأَنْوَرِ، شَهْرَ المَوْلِدِ، هَلْ نَرْجِعُ إِلَى سِيرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِنَتَعَلَّمَ الأَخْلَاقَ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَخَاصَّةً جَانِبَ التَّوَاضُعِ، لِأَنَّهُ كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «وَإِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ».

فَيَا مَنْ يَقُولُ أَنَا وَهُوَ مُعْجَبٌ بِنَفْسِهِ، قُلْ أَنَا وَقُلْ مَا شِئْتَ، وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى آثَارِ كَلِمَةِ أَنَا، رُبَّمَا أَنْ تَقُولَهَا لَا قَدَّرَ اللهُ فَتُطْرَدَ بَعْدَهَا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَرُبَّمَا تَقُولُهَا وَأَنْتَ تَجْذِبُ قُلُوبَ النَّاسِ إِلَيْكَ، مِنْ أَجْلِ خِدْمَتِهِمْ، وَمِنْ أَجْلِ أَنْ تُوَزِّعَ عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْ نِعْمَةِ اللهِ الَّتِي أَسْبَغَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكَ، فَإِذَا رَأَيْتَ النَّاسَ فِي حَالَةِ نُفُورٍ مِنْكَ وَأَنْتَ صَاحِبُ النِّعْمَةِ، فَاعْلَمْ بِأَنَّ النِّعْمَةَ صَارَتْ حِجَابًا بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللهِ، وَأَمَّا إِذَا قُلْتَ كَلِمَةَ أَنَا بِنِعْمَةِ اللهِ عَلَيْكَ، وَرَأَيْتَ انْجِذَابَ النَّاسِ إِلَيْكَ وَأَنْتَ العَبْدُ المُتَوَاضِعُ، تَرَى فَضْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكَ، فَهَنِيئًا لَكَ يَا عَبْدَ اللهِ.

لِنَضَعْ أَنْفُسَنَا فِي هَذَا المِيزَانِ.

وأقول هذا القول وكل منا يستغفر الله، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

 2007-04-27
 5445
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

28-08-2025 1411 مشاهدة
954ـ خطبة الجمعة: يوم المولد يوم مولد المجد

فِي يَوْمِ المَوْلِدِ الشَّرِيفِ وُلِدَ يَوْمُ المَجْدِ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، فِي يَوْمِ المَوْلِدِ الـشَّرِيفِ جَاءَتِ البِشَارَاتُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، لِتَكُونَ أُمَّةً مَتْبُوعَةً لَا تَابِعَةً، لِتَكُونَ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ. ... المزيد

 28-08-2025
 
 1411
22-08-2025 815 مشاهدة
953ـ خطبة الجمعة: ظاهرة الكذب ضيعت الحقوق

الظَّوَاهِرُ القَبِيحَةُ فِي المُجْتَمَعِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَلَكِنَّ أَقْبَحَهَا وَأَخْطَرَهَا ظَاهِرَةُ الكَذِبِ، هَذِهِ الظَّاهِرَةُ الَّتِي قَالَ عَنْهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ ... المزيد

 22-08-2025
 
 815
14-08-2025 865 مشاهدة
952ـ خطبة الجمعة: كمال شخصية الداعي

مَنْ حُجِبَ عَنِ العِلْمِ عَذَّبَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى جَهْلِهِ، وَأَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا مَنْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ العِلْمُ فَأَدْبَرَ عَنْهُ، وَسَاقَ اللهُ إِلَيْهِ الهُدَى فَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ ... المزيد

 14-08-2025
 
 865
08-08-2025 982 مشاهدة
951ـ خطبة الجمعة: العدل من صفات أهل الكمال

العَدْلُ وَالْإِنصَافِ عَزِيزَانِ بَيْنَ النَّاسِ، لِأَنَّ طَبِيعَةَ الإِنسَانِ أَنَّهُ مَيَّالٌ لِلظُّلْمِ وَمُحِبٌّ لِلْجَهْلِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾. إِلَّا مَنْ خَالَفَ نَفْسَهُ وَهَوَاهُ وَشَيْطَانَهُ، وَاتَّبَعَ ... المزيد

 08-08-2025
 
 982
01-08-2025 1451 مشاهدة
950ـ خطبة الجمعة: حتى نفوز بطوبى «فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ»

حَتَّى نَفُوزَ بِطُوبَى لَا بُدَّ أَنْ نَسْمَعَ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى ... المزيد

 01-08-2025
 
 1451
24-07-2025 1456 مشاهدة
949ـ خطبة الجمعة: أسباب الأمن والأمان

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ أَنْ يُصْبِحُوا آمِنِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، مُطْمَئِنِّينَ عَلَى أَعْرَاضِهِمْ، لَا يَخَافُونَ ظُلْمَ ظَالِمٍ، وَلَا جَوْرَ جَائِرٍ، وَلَا خِيَانَةَ خَائِنٍ، وَقَدْ أَشَارَ سَيِّدُنَا ... المزيد

 24-07-2025
 
 1456

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5706
المقالات 3245
المكتبة الصوتية 4881
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 426856465
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :